فاطمة المالكي، من مواليد سنة 1937 بمدينة أبي الجعد، امرأة تحدت التقاليد والعادات التي كانت سائدة في سنوات السبعينيات بمسقط رأسها، ولبت نداء المشاركة في ملحمة المسيرة الخضراء التي كانت قد انطلقت في السادس من نونبر من سنة 1975 بمشاركة 350 ألف مغربي ومغربية. بفضل عزيمتها وإرادتها ووطنيتها الصادقة؛ استطاعت فاطمة أن تقنع زوجها بمرافقته للمشاركة في الملحمة التاريخية التي وشمت ذاكرتها، رغم تقدمها في السن، حيث بصمت على وطنية عالية إلى جانب باقي المشاركين الذين لبوا نداء الملك الراحل الحسن الثاني. قرار مشاركة فاطمة في أكبر مسيرة سلمية في التاريخ انطلق من حماسها، لتبادر الى التسجيل بمكاتب بلدية المدينة إلى جانب 500 متطوع من دائرة مدينة أبي الجعد، و2000 متطوع من إقليمخريبكة، الذين كان همهم الوحيد هو تلبية نداء الملك الراحل الحسن الثاني والمشاركة في تحرير الأقاليم الجنوبية للمملكة، ووضع حد لاحتلال هذه الربوع، وتمكين المغرب من استكمال وحدته الترابية. تحكي فاطمة أنه، بمجرد الإعلان عن تنظيم المسيرة، غمرتها سعادة كبيرة ورغبة ملحة للتطوع بالمشاركة، على الرغم من بعض الانتقادات التي وجهت لها من طرف أسرتها وجيرانها بفعل التقاليد التي تحكم المنطقة، فضلا عن مشاعر الخوف التي انتابتها من عدم تفوقها في هذه المهمة النبيلة المتمثلة في المشاركة في مسيرة الوحدة، وتحقيق هدف طالما راودها منذ أن تناهى إلى سمعها إعلان هذا الحدث التاريخي. تقول فاطمة: "رحلة سفري من أبي الجعد إلى طرفاية وعبوري، في رحلة العمر، لعدة مدن مغربية، شكلت بالنسبة لي محطات ولحظات استثنائية وشمت ذاكرتي ويصعب علي نسيانها وخاصة أنها كانت في سبيل استكمال الوحدة الترابية للمملكة". ولعل أبرز الأحداث في رحلة فرحة فاطمة من أجل تحرير الصحراء نسج علاقات صداقة مع مشاركين ومشاركات من مختلف المدن المغربية، وخوضهم رحلة الأمل حاملين المصاحف وصور الملك، مع ترديد شعارات النصر من قبيل "علاش جينا؟ .. والصحراء ترجع لينا" و "سوق سوق يا شيفور والصحراء ترجع بالفور " و"الملك ملكنا والصحراء صحراؤنا " و "الكفاح الكفاح .. والكتاب هو السلاح". هذه الشعارات، تقول فاطمة، ألهبت حماس عدد كبير من سكان القبائل الصحراوية الذين استجابوا للنداء وانخرطوا ضمن المتطوعين، مرددين هتافات النصر وبشرعية السيادة المغربية على الصحراء. بابتسامة عريضة، تتذكر فاطمة، على الرغم من تقدم سنها ، أيام الزمن الجميل في تلك البقاع من أجزاء الوطن، والتي ستبقى راسخة في ذاكرتها، خاصة فترة تواجدها إلى جانب حشد كبير من المشاركين بمنطقة "الكروشي"، التي شهدت حفل زواج على الطريقة المغربية ، وكذا ازدياد مولودة أطلق عليها اسم "مسيرة" تيمنا بحدث المسيرة الخضراء . من الذكريات الجميلة التي ظلت عالقة في ذهن فاطمة خطاب الملك الراحل الحسن الثاني الذي أعلن فيه عن انطلاق المسيرة الخضراء، التي تسلح خلالها المتطوعون بالقرآن، لينطلقوا نحو الصحراء إلى حين صدور أمر العودة إلى مدينة طرفاية؛ نقطة الانطلاقة. وتحتفظ فاطمة بأغلى ذكريات مشاركتها في الحدث التاريخي بعد رجوعها إلى بيتها، حيث خص لها جيرانها وأسرتها استقبالا حارا، بالهتافات والزغاريد، وانتابها إحساس البطلة التي أدت واجبها، باعتبارها نموذجا للمرأة المغربية الصادقة والمخلصة في حبها لوطنها، وكذا توشيحها بوسام اعتبرته رمزا لكفاح امرأة شجاعة حملت هم الدفاع عن وطنها. لم تتوقف مسيرة فاطمة بمجرد رجوعها من الملحمة التاريخية، بل ظلت أحاسيسها مرتبطة بالحدث، حيث شاركت إلى جانب زملاء لها في تأسيس جمعية بمسقط رأسها حملت اسم "الاتحاد الوطني لمتطوعي المسيرة الخضراء بأبي الجعد" ، كما تحرص على المشاركة في جميع الاحتفالات التي تقام بالمدينة بمناسبة 6 نونبر من كل سنة. * و.م.ع