كان خطاب الملك محمد السادس، في القمة الخليجية المغربية، صادقا مرتكزا على التقدير والاحترام والصداقة المتبادلة بين دول الخليج والمملكة المغربية. وجاءدقيقا وهادفا في تشخيص للوضع الذي تتخبط فيه المنطقة العربية من قتل وتشريد وتهجير لأبناء الوطن العربي. إن الخراب والدمار والمآسي الإنسانية أظهرت أن العالم العربي أصبح يعيش خرابا كارثيا، ليس كما يدعيه الخصوم ربيعا عربيا، بل فوضى وفتنا وعدم استقرار لإضعاف الشعوب العربية من أجل استغلال خيرات بلدانها ومحاولات ضرب القوى الصاعدة التي أبانت عن نجاح في المنطقة العربية، كما هو الحال بالنسبة للمغرب. وتضمن الخطاب الملكي، الذي كان قويا في لهجته ومضامينه، العديد من الأبعاد السياسية والدولية. أولا: دعوة إلى دول الخليج من أجل الانتقال بالعلاقات السياسية والاقتصادية من إطارها القانوني، المتمثل في الاتفاقيات المبرمة، إلى إطارها المؤسساتي والعملي من أجل تجسيدها على مستوى الواقع للحصول على أفضل النتائج لكل الأطراف: دول الخليج والمغرب، مذكرا بالتجارب الناجحة، كمجلس التعاون لدول الخليج، وهذا ما عبر عنه الملك بقدرتنا على بلورة مشاريع مشتركة. ثانيا: رسالة تحذيرية قوية إلى أعضاء القمة من المناورات والمؤامرات التي تتخذ مظاهر وأشكالا مختلفة، هدفها واحد هو تغيير ما بقي من الأنظمة العربية بعد الإطاحة ببعض الأنظمة العربية السابقة تحث غطاء الحداثة والديمقراطية وزعزعة الأمن والاستقرار للتجارب الناجحة في المنطقة؛ حيث أصبحت تتخذ من شهر أبريل لكل سنة مناسبة لمحاولة تحقيق أهدافها. ثالثا: اعتبر الملك أن المجال السياسي الدولي في إطار إعادة الهيكلة والتشكل، وأن الصراع بين الفاعلين الدوليين؛ أي القوى الكبرى، من شأنه أن يدفع في اتجاه تحالفات جديدة في الأفق من أجل الهيمنة، مشيرا إلى أن عدم التفرقة وعدم الطعن من الخلف والتكتل قيم من شأنها إرساء حلف عربي على أسس قوية ومتينة تمكنه من الدفاع عن مصالحه ومصالح شعوبه وتحقيق الاستقرار السياسي والأمن الجماعي، وأن كل تجاهل لهذه الأسس والمبادئ من شأنه أن يسمح بإشعال الفتن والفوضى، وبالتالي زعزعة استقرار الأنظمة العربية في المنطقة بما يخدم مصالح الخصوم والأعداء. رابعا: إن المغرب متمسك بالمحافظة على علاقاته مع حلفائه التقليدين. وإذا كان قد عمد إلى تنويع شركائه، فهذا لا يمس العلاقات مع حلفائه في شيء. فالمغرب دولة مستقلة ذات سيادة على المستوى الوطني والدولي، ولكل دولة ذات سيادة الحق في أن تحدد اختياراتها المناسبة لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية. وهذه رسالة قوية من الملك مفادها أن مسألة القرارات الإستراتيجية للمغرب التي تخدم سياساته الخارجية لا يحق لأي كان أن يتدخل فيها. فالمغرب كان، ولا يزال، دولة مستقلة وهو عضو نشيط في حظيرة المجتمع الدولي، حر في اختياراته لسياساته وقراراته بما يخدم مصالحه وطنيا ودوليا في إطار الشرعية الدولية؛ بحيث يظل وفيا لالتزاماته الدولية تجاه شركائه، وهذا لا يمس، من قريب أو بعيد، مصالح أي دولة. خامسا: نبه الملك، من خلال هذه القمة الخليجية المغربية، إلى أن الدفاع عن أمن واستقرار الشعوب العربية في هذه الظرفية الصعبة والخطيرة ليس اختياريا، بل، على العكس من ذلك، واجبا بالنظر إلى أن الإخلال به ستكون له نتائج وخيمة وسلبية، باعتبار أن الروابط التاريخية لكل من دول الخليج والمغرب أثبتت أن ما يضر بعضها يضر الجميع، فالمصير واحد. سادسا: حذر الملك من أن الأخطار والمخططات العدوانية التي أطاحت سابقا ببعض الدول في المشرق لازالت متواصلة مستهدفة المس بالاستقرار والأمن لكل من المغرب والخليج، آخرها المناورة التي استهدفت وحدتنا الترابية. فالمؤامرات والتهديدات والابتزاز لا تزال مستمرة من أجل الضغط على المغرب ووضع اليد على خيرات بلدنا، متمثلة تارة في محاولة نزع الشرعية على تواجد المغرب في صحرائه، وتارة في التلويح بمساندة أطروحة الانفصال وخيار الاستقلال، محذرا أعضاء القمة من أن هذه التهديدات لن تتوقف إلا إذا وقفت دول الخليج والمغرب وقفة رجل واحد ضد أطماع الخصوم والأعداء. إن الخطاب الملكي يعد خطابا تاريخيا غير مسبوق؛ فقد كشف عن دسائس خصوم وحدتنا الترابية وعن المؤامرات التي تجري في الكواليس من أجل زعزعة استقرار المنطقة العربية. وعليه فقد شدد الملك على مأسسة العلاقات بين دول الخليج والمغرب ببلورة مشاريع كبرى من شأنها ضمان استمرار أمن المنطقة واستقرارها، ورفع التحديات المقبلة في ظل وضع دولي يتميز بالتحول، مؤكدا أن الخلاص من هذا المأزق ومواجهة هذه التحولات في إطار التحالفات الجديدة يظل هو الوحدة والتكتل في ظل المصير المشترك. وأبرز الخطاب ما تستهدفه مؤامرات وتهديدات الخصوم من وضع اليد على خيرات المغرب ودول الخليج العربي، وكشف أن تدخل الخصوم في السياسة الخارجية للمغرب ومحاولة الضغط عليه لتغيير قراراته المشروعة بما يخدم مصالحه الإستراتيجية، الأمر الذي يعتبر مسا بالسيادة المغربية لا يمكن قبوله بتاتا. أضف إلى ذلك أن الخطاب الملكي عرج على تاريخ العلاقات بين المغرب ودول الخليج، مبرزا الروابط القوية بينهما والمصير المشترك، وبالتالي فهما في الوضع نفسه، وفي مواجهة الخصوم والأعداء أنفسهم. وبعد تحليله للنظام السياسي الدولي الحالي، وكشف مظاهره المتمثلة في إعادة التشكل والهيكلة وإمكانية بروز تحالفات جديدة، اعتبر الخطاب الملكي أن الوقت قد حان لإرساء حلف عربي قوي يدافع عن أمن واستقرار المنطقة العربية ومصالح شعوبها، ويكون له دور فعال في السياسة الدولية والمجتمع الدولي. كما أبان الخطاب عن أهداف الدول الكبرى التي تسعى إلى الحد من وجود دول صاعدة في المنطقة، وأن التجارب الناجحة مثل المغرب تقلقها وتخيفها. *أستاذ القانون الدستوري l كلية الحقوق، جامعة الحسن الأول.