ارتفاع حصيلة حريق الكويت إلى 49 قتيلاً    دياز: المغرب يختم الموسم بفوز كبير    فعاليات تطالب باستئصال ظاهرة تشغيل الأطفال من خلال الحوار الاجتماعي    ضبط 1010 قرص مهلوس وكوكايين في عملية أمنية بسلا    التفاصيل غير المروية ل"فاجعة" انتحار تلميذة آسفي    "الاتحاد" يفوز برئاسة جماعة أورير    "تقرير أممي يكشف عن كمٍ غير مسبوق من الانتهاكات ضد الأطفال في غزة والضفة الغربية وإسرائيل" – الغارديان    تزايد الإقبال على اقتناء الملابس التقليدية بمناسبة عيد الأضحى    نقص المياه يؤرق ساكنة جماعة لوطا والحنودي يلتمس تدخل عامل الإقليم    الإيسيسكو تجدد التأكيد على التزامها بالمساهمة في القضاء على تشغيل الأطفال    كيف انطلقت بطولة كأس الأمم الأوروبية؟    أمام لجنة ال24 التابعة للأمم المتحدة : عمر هلال: على الجزائر أن تقر بإخفاق مشروعها الانفصالي في الصحراء    إعادة انتخاب المغرب عن جدارة في اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة    القضاء يدين شبكة الرضع بفاس    توقيع اتفاقية تعاون بين جهة الشرق وجهة اترارزة الموريتانية    العيون.. تقديم العرض ما قبل الأول لفيلم «صحاري – سلم وسعى» للمخرج مولاي الطيب بوحنانة    حقيقة الانسولين الروسي الذي سيدخل السوق المغربية لعلاج مرض السكري؟    أول تعليق لمدرب الكونغو بعد الهزيمة الثقيلة أمام "أسود الأطلس"    بقيادة عموتة.. الأردن يصعق السعودية في عقر دارها    المركز السينمائي المغربي يشارك لأول مرة في مهرجان "أنسي" للرسوم المتحركة    برقية تهنئة من جلالة الملك إلى الرئيس الروسي بمناسبة العيد الوطني لبلاده    رغم المرض .. المغنية العالمية "سيلين ديون" تعد الجمهور بالعودة    إنتاج النفط الخام يتراجع في السعودية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الارتفاع يستهل تداولات بورصة الدار البيضاء    قدوم أكثر من 1.5 مليون حاج من خارج السعودية عبر المنافذ الدولية    أسعار النفط ترتفع وسط تفاؤل حيال الطلب    مهندسو وزارة العدل يصعدون من أجل إقرار تعويضات تحفيزية لصالحهم    الوزارة تكشف عدد السياح الذين زاروا المغرب عند نهاية شهر ماي    القنصلية العامة لإسبانيا بطنجة تعلن عن انتهاء مهام القنصل "غافو أسيفيدو"    الداكي رئيس النيابة العامة يستقبل رئيس السلطة القضائية بجمهورية البيرو    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء بالمغرب    كيوسك الأربعاء | أزيد من 7 آلاف طفل في خلاف مع القانون    حكيمي يكشف السر وراء الفوز الساحق على الكونغو    الخلاف الحدودي السعودي-الإماراتي على الياسات: نزاع حدودي أم صراع نفوذ؟    تحقيق للأمم المتحدة: النطاق "الهائل" للقتل في غزة يصل إلى جريمة ضد الإنسانية    تقرير: المغاربة أكثر من رفضت إسبانيا طلبات تأشيراتهم في 2023    إذاعة فرنسا العامة تطرد كوميديا بسبب نكتة عن نتنياهو    لوحات فريدة عمرو تكريم للهوية والتراث وفلسطين والقيم الكونية    اليونسكو.. تسليط الضوء على "كنوز الفنون التقليدية المغربية"    أقصى مدة الحمل بين جدل الواقع وسر سكوت النص    اليد الربعة: تجربة جديدة في الكتابة المشتركة    تطورات مهمة في طريق المغرب نحو اكتشاف جديد للغاز    إطلاق مشروع "إينوف فير" لتعزيز انخراط الشباب والنساء في الاقتصاد الأخضر    توقيع على اتفاقية شراكة للشغل بالمانيا    "الأسود" يزأرون بقوة ويهزون شباك الكونغو برازافيل بسداسية نظيفة    القناة الرياضية … تبدع وتتألق …في أمسية فوز الأسود اسود    أفاية: الوضع النفسي للمجتمع المغربي يمنع تجذّر النقد.. و"الهدر" يلازم التقارير    غباء الذكاء الاصطناعي أمام جرائم الصهيونية    انتخابات 2026: التحدي المزدوج؟    الركراكي: ماتبقاوش ديرو علينا الضغط الخاوي    ندوة أطباء التخدير والإنعاش تستعرض معطيات مقلقة حول مرضى السكري    الأمثال العامية بتطوان... (622)    رفيقي يكتب: أي أساس فقهي وقانوني لإلزام نزلاء المؤسسات السياحية بالإدلاء بعقود الزواج؟ (2/3)    ارتفاع درجات الحرارة من أكبر التحديات في موسم حج هذا العام (وزارة الصحة السعودية)    خبراء يوصون باستخدام دواء "دونانيماب" ضد ألزهايمر    دراسة علمية أمريكية: النوم بشكل أفضل يقلل الشعور بالوحدة    الرسم البياني والتكرار الميداني لضبط الشعور في الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عيد الأضحى والبعد الروحاني والاجتماعي
نشر في هسبريس يوم 14 - 09 - 2016

يشتمل عيد الأضحى على آلاف الدلالات والمعاني التي يصلح أن تتحول إلى مدماك لحضارة راقية نقية سامقة ونهضة إنسانية تكرس إنسانية الإنسان، فالتلاقي والاجتماع والحوار ومبدأ السواسية والسوية التي نشاهدها كل عام عند وقوف الحجاج بعرفة واستحضار أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام وما جرى بينه وبين ابنه نبي الله إسماعيل عليه السلام، كلها مفردات بخطاب حضاري قل نظيره.
نحن معشر المسلمين بحاجة إلى فهم وإدراك أعيادنا الدينية فهمًا جديدًا، نتلقاها به ونأخذها منناحيته، فتجيء أيامًا سعيدة عاملة، تنبِّه فينا قيمها الروحية السمحة، وتجدد أرواحنا بمعانيها، لا كما نعيشها الآن كالحة عاطلة بعيدة عن المعنى، وكأن أكبر عملها هو شراء كبش سمين وملئ بطن حصين وارتداء قماش عهن دفين، بل وزيادة ابتسامة على النفاق...
فمبدأ عيد الأضحى إذن يحمل الكثير من القيم التربوية والتي تتمثل في دعوة الدين الإسلامي إلى التحاور مع أولادنا ومناقشتهم فيما يتعلق بمستقبلهم وإقناعهم به ويتجلى هذا في قوله تعالى في سورة الصافات الآية 102: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)، إن المتأمل في هذه الآية يجد مخاطبة سيدنا إبراهيم عليه السلام لولده بكل معاني الرحمة والشفقة ويخبره عما رآه في منامه وما يتعلق بمصيره ومستقبله ويريد أخذ رأيه في المسألة فالحوار والنقاش هما جناحا الصعود الحضاري، ومن خلالهما نكرس نقطة البداية نحو نهوض أخلاق وفكر وتفكير المسلمين ونهضة اقتصاد العالم الإسلامي وتكامله.
إن الفداء ليس لإسماعيل بل لظاهرة الحياة الروحية المؤمنة بجبلة النمو والخير، إسماعيل لم يقل (مرحبا بالموت) بل قال (افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ) به إيمانا من جانبه بأن فطرة النمو والخير لن تأمر بالموت. حتى عندما وضع والده السكينعلى رقبته (''فلما أسلم وتله للجبين" -الصافات الآية 103) لم يفارقه هذا الإيمان لقد كان واثقا بالله، وفداه الله ("وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ" -الصافات الآية 107) والذبح ليس قربانا ولا كبشا فقط بل الذبح كائن مخلوق يعيش بغرائزه يتناسل ويتوالد ليتكاثر في مشهد يعاد ويكرر نفسه بهدف الإعادة والتكرار إنه الكائن المخلوق الوحيد الذي لا بد أن يضحى به، فالمبدأ الأصلي من يثق بالله وبجبلة النمو والخير يعيش ويحيا حتى إذا كان بين أنياب الموت ومن يثق بغرائزه وبفطرة الإعادة والتكرار والجمود يموت حتى إذا كان وسط الأحياء.
من هذا المبدأ صار المجتمع الإنساني مختلفا عن المجتمع الحيواني الذي يحكمه قانون القوة والتكاثر بالغريزة والعبودية للإعادة والتكرار، أيضا من هذا المبدأ لم يعد هناك تشابه اجتماعي وشبه مجتمعي أو عدم التشابه والشبه هو مقياس الإنسان بل أصبح مقياسه السلوك والفعل.
لقد ظهر الفرق والفارق بين مجتمع النمل ومجتمع الإنسان ورأى النبي إبراهيم عليه السلام أن ابنه النبي إسماعيل عليه السلام ليس إعادة أو تكرار له بل ذاتا مختلفة عنه وأن هذا الاختلاف ليس ناجما عن التكاثر والتوالد بل ناجم عن فطرة النمو. ولذا فإن الإيمان بالنمو يصبح نقطة توافق كامل، هنا ولد المجتمع الإنساني المشار إليه في سورة الصافات الآية 102 (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) أي بداية النشاط المجتمعي الاجتماعي في البحث عن سد حاجات المأكل والمشرب والإنجاب.
لقد كان إسماعيل الابن البكر للنبي إبراهيم عليه السلام تلك الحقيقة التي أشار إليها القرآن في سورة الصافات (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ 102 فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ 102)كان إسماعيل نقطة الفصل بين مجتمع قائم على التكاثر يرتبط أفراده بقطعة الأرض كما ترتبط الأغنام والقطعان، ويخضع كل فرد منهم لدائرة محكمة الإغلاق مت السلوك المعاد والمتكرر لغرض التكرار والإعادة، وبين مجتمع إنساني يرتبط أفراده بحب الحياة وطبيعتها النامية، ويطيع كل فرد منهم فطرته في النمو سواء تمثلت هذه الطاعة في تكرار وإعادة أنماط السلوك أو في الخروج عنها؛ أيضا كان إسماعيل مفترق الطرق بين مجتمع مؤمن وآخر غير مؤمن، والاقتصار على فهم الحادثة باعتبارها أضحية لغرض الذبيحة قد يشير بوضوح إلى أن المجتمع الإنساني يستطيع أحيانا أن يفقد الجوهر في غمرة حفاظه على إعادة وتكرار شكل المظهر.
أخيرا، إن خليفة الله في أرضه ليس حيوانا اجتماعيا (يفسد في الأرض ويسفك الدماء) لغرض التكاثر والتوالد بل إنسانا يحمل مخا وظيفته العقل المستخدم في التفكير الذي من شأنه كسر الحلقة المفرغة في عالم الشهوة والغريزة ويخرج بالحياة من دائرة الإعادة والتكرار لهدف التكرار إلى دائرة مفتوحة قابلة للسمو والنمو المطرد في اتجاه أحسن وأفضل إنه ليس حيوانا إضافيا مثل بقية الحيوانات التي تعيش الحياة الدنيا في سلسلة التوالد والتكاثر بل حلاً جذريا لكسر سلسلة التوالد والتكاثر ونقلها إلى مستوى الرقي والنمو إنه الكائن المخلوق الذي لا يولد بل ينبت وهو بذلك يحتاج إلى التربة. ليبقى السؤال المطروح: ما هي التربة وهل توجد فعلا تربة صالحة للطبيعة؟ وهل يوجد جواب على هذا الإشكال الأزلي؟
الإنسانية هي الحل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.