عيون إفريقية تتفقد منشأة فوسبوكراع كمعلمة اقتصادية بأبعاد اجتماعية وبيئية    تحولات جديدة في اتصالات المغرب    حريق عين لحصن يأتي على 15 هكتارا من الغطاء الغابوي لتطوان    سلطت الضوء على فرص الادماج والمبادرة..طنجة تحتضن الملتقى الأول للتشغيل وريادة الاعمال        الحرب الامبريالية على إيران    اتحاد جزر القمر يجدد تأكيد دعمه للمبادرة المغربية للحكم الذاتي        أمن طنجة يتفاعل بسرعة مع فيديو السياقة الاستعراضية بشاطئ المريسات ويوقف المتورطين    شاهد يثبت تورط بعيوي في فبركة شجار للإيقاع بشقيق زوجته السابقة    المغرب والولايات المتحدة يعززان شراكتهما الأمنية عبر اتفاق جديد لتأمين الحاويات بموانئ طنجة المتوسط والدار البيضاء    الحكومة تحدث وكالة حماية الطفولة    الأحمر يلازم تداولات بورصة البيضاء    الحكومة تصادق على تقنين استخدام "التروتينت" ووسائل التنقل الفردي بقوانين صارمة    الإعلام الإنجليزي يشيد بأداء الوداد وحماس جماهيره في كأس العالم للأندية    "مجموعة العمل" تحشد لمسيرة الرباط تنديدا بتوسيع العدوان الإسرائيلي وتجويع الفلسطينيين    نشرة إنذارية تحذر المواطنين من موجة حر شديدة ليومين متتاليين    عبد النباوي: المغرب جعل مكافحة الجريمة المنظمة أولوية أمنية وقضائية    أخبار الساحة    الوداد الرياضي يتلقى هدفين نظيفين أمام مانشستر سيتي في كأس العالم للأندية    كأس العالم للأندية: ياسين بونو يهدي الهلال تعادلا ثمينا أمام ريال مدريد    بيت الشعر في المغرب يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر    تعدد الأصوات في رواية «ليلة مع رباب» (سيرة سيف الرواي) لفاتحة مرشيد    سؤال الهوية الشعرية في ديواني .. « سأعبر جسر القصيدة» و «حصتي من الإرث شجرة» للشاعرة سعاد بازي المرابط    الرباط وبرايا ترسيان التعاون في العدل        الحكومة تصادق على إحداث المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي        نشرة إنذارية..طقس حار وزخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح بعدد من مناطق المملكة    معرض بكين للكتاب: اتفاقية لترجمة مؤلفات حول التراث المغربي اللامادي إلى اللغة الصينية    الدوزي يُطلق العدّ التنازلي ل"ديما لباس"    كتل هوائية صحراوية ترفع الحرارة إلى مستويات غير معتادة في المغرب    طنجاوة يتظاهرون تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة وإيران    رائحة دخان تجبر طائرة على الهبوط في ميونخ    الشعب المغربي يحتفل غدا الجمعة بالذكرى ال55 لميلاد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد    إصابة حكم ومشجعين في فوضى بالدوري الليبي    ميداليات تحفز "بارا ألعاب القوى"    فحص دم جديد يكشف السرطان قبل ظهور الأعراض بسنوات    فرحات مهني يكتب: الجزائر الإيرانية    بنهاشم بعد مواجهة مانشستر سيتي: لعبنا بشجاعة وخرجنا بدروس ثمينة رغم الخسارة    بنك المغرب والمؤسسة المالية الدولية يوقعان شراكة لتعزيز الشمول المالي الفلاحي بالمغرب    إيران تستهدف مستشفى بجنوب إسرائيل ونتانياهو يتوعدها بدفع "ثمن باهظ"    الصين تدفع نحو مزيد من الانفتاح السياحي على المغرب: سفارتها بالرباط تتحرك لتعزيز توافد السياح الصينيين    ندوة علمية تناقش موضوع النخبة المغربية في زمن التغيير    بيب غوارديولا في تصريح أعقب مواجهة الوداد الرياضي المغربي، إن "المباراة الأولى في دور المجموعات دائما ما تكون صعبة    برلمان أمريكا الوسطى يجدد دعمه للوحدة الترابية للمغرب ردا على المناورات    برلمان أمريكا الوسطى يُجدد دعمه الكامل للوحدة الترابية للمغرب ويرد على مناورات خصوم المملكة    إطلاق الهوية الجديدة ل "سهام بنك" خلفًا ل "الشركة العامة المغربية للأبناك"    خدش بسيط في المغرب ينهي حياة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المجلس العلمي لاتفاقية اليونيسكو حول حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شاعر سويسري يركب صهوة قصيدته ليعانق أهداب الإسلام بمراكش
نشر في هسبريس يوم 12 - 12 - 2016

تأخذنا القصيدة نحو دروب لم يكن يسعها إدراكنا ولا تستبقها خطواتنا لحظة صحو ووعي مرتبطين بشرطنا الجغرافي والثقافي، ومن المرايا المنعكسة في المجاز الشعري تتخذ إنسانيتنا وجهها الحقيقي وتستمد رؤياها. من هنا، انطلق الشاعر برينو ميرسي من بلده سويسرا بقصيدته في اتجاه مدن الشرق، يدفعه الفضول نحو الآخر والرغبة الجامحة في فك غموضه.
تعرّف الشاعر على اعتدال المسلمين في سلوكهم، واكتشف من خلال معاملاتهم العمق الإنساني للإسلام. دهشته بساطة راعي الغنم وقناعة الفقير وكرم ساكني دور الصفيح رغم حاجتهم وعوزهم، صدم بالحقيقة التي يواجهها. عوالم تشابكت فيها الحياة والمأساة، ورسم البؤس والحب إطارها التراجيدي الذي يستلهم تفاصيله ومميزاته من الحياة اليومية، لم تكن إلا لتسكن خاطرة السويسري برينو ميرسي، وتمسي عناوين عريضة تثير رغبته في الكتابة.
تنفس شاعرنا عبير الحياة، مدركا تماما، ولأول مرة، أن السعادة والحب يمنحان في هذه الأوطان دون مال أو مقابل، وأن العصبية والتطرف والإرهاب مفردات على الإنسان الغربي الخزي والخجل لكونها ذات أصول أوروبية لا عربية، وقد حمل لنا التاريخ شواهد لا تحصى عن وحشية الذهنية الغربية، يكفي أن نذكر محاكم التفتيش وإبادة الهنود الحمر واستعمار الشعوب واستغلال مواردها.
هذا الغرب الذي دمر العراق وأفغانستان وساعد ويساعد في تجويع الشعب الفلسطيني وحصاره، واستمرار مأساته هو من يجب الحذر منه، هكذا صرح لي في حديث معه دار في مقهى شعبي بمدينة مراكش، جعلني ألامس عن قرب روح هذا الشاعر الأجنبي الذي استهوته الحياة العربية، ووجدت تجاوبا عميقا في نفسه بكل جزئياتها البسيطة والمعقدة.
برينو ميرسي، الشاعر الذي أصدر عددا من الدواوين في الغرب والشرق، أصدر خلال السنة الجارية (2016) مجموعتين شعريتين؛ الأولى بعنوان "حلم دون إشعار"، رفقة الشاعر المغربي الشاب أيوب مليجي، والثانية حملت عنوان "تحت ظل نخل آلي". عملان أدبيان تتناغم من خلالهما البيئة الأصلية للشاعر مع امتداده الروحي، ويعبّران في معظم نصوصهما عن حب أعمى يكتنزه ميرسي في وجدانه للثقافتين العربية والإسلامية.
برينو ميرسي، الذي تحول إلى "كريم ميرسي" بعد اعتناقه الإسلام، اكتشف سماحة هذا الدين وإنسانيته وكونيته من خلال زيارات عديدة قام بها إلى عدد من الدول العربية، وعلى رأسها المغرب الذي يبقى اللؤلؤة التي ترصع تاج رحلاته نحو الشرق، التي من خلال صداقاته مع أناسها تعرّف عن قرب على المعنى الحقيقي والمفهوم الأصلي لمفردة مسلم.
وهو إذ يكتب الشعر ويسخّر له كل إمكاناته المادية والمعنوية، فلأنه يؤمن بقدرة الكلمة على صنع الفارق وتغيير الأحداث والرؤى. وينتمي إلى تلك الفئة القليلة من الكتاب الذين ما زالوا يؤمنون بدور الكلمة في الدفاع عن حقوق الشعوب والمستضعفين.
كريم ميرسي، الذي يعتبر المغرب منفاه الاختياري، هو الشخص الذي ألِفَ تأمل البحر هربا من الوقت الجاري في بلده سويسرا المحكوم بسطوة المادة على الإنسان، تحت الحلقات الحادة للعولمة وبين العجلات المتسارعة للتحضر المزعوم:
مرتاح البال يبدو
الرجل الذي يتأمل البحر
...
أين توجد هويتي؟
المغرب منفاي الاختياري
(من قصيدة "غربتي في المغرب"، ص77، بديوان "تحت ظل نخل ألي").
هذا الشاعر الذي قادته قصيدته إلى مراكش لاعتناق الإسلام، تشبع بالمعنى الأصلي للدين وتذوقه لذاته وتفاعل مع أبعاده، ولعل انسجامه مع نسق حياة المسلم في عاداته وعباداته دليل على التحول الثقافي والفكري الذي طرأ عليه:
أمام الشمس
أطلب من المعوزين
أن يقبلوني بينهم،
وأتعلم كيف أداري الجوع.
...
الصيام، عطاء لا يرى
في الطريق الضيق للتقاسم.
أمام الشمس كلها
أناشد كل المعوزين.
(من قصيدة "أمام الشمس"، ص47، بديوان "تحت ظل نخل ألي").
يعتبر ميرسي مثالا حيا للشاعر الذي يتنفس ويكتب الحياة، رافضا كل أشكال التعصب التي سيطرت على الفكر المعاصر، بالشكل الذي أمسى فيه محيطنا البشري، رغم شساعته وشموليته، نقطة ساخنة للصراع.
يتحدى الشاعر السويسري كريم ميرسي بقصائده نظرة الغرب الكلاسيكية للإنسان العربي. تلك النظرة (النمطية) أحادية الأفق، التي حاول جون جونيه وخوان غويتصولو وبعض شعراء وكتاب الغرب فصلها، ووقفوا بكتاباتهم أمام اللبس والتعتيم الذي مارسته وتمارسه وسائل الإعلام الغربية والأدب الرسمي في حق الإنسان العربي وحضارته، وكشفوا النقاب للقارئ الغربي عن حقيقة الشعوب العربية وقطعوا شكه بيقين أن الإنسان العربي إنسان حضارة وإبداع.
المتتبع لأعمال ميرسي الشعرية يلاحظ ارتباط الشاعر الوثيق بما حوله وتأثره الكبير بقضايا العالم الاجتماعية والاقتصادية وحتى البيئية منها، ودواوينه تعبّر عن صوت الحياة والإنسان في غمرة الغوغاء واللاوعي. وعبرها نلامس نضال شاعر لم يجد مناصا من ترجمة أحاسيسه إلى صور شعرية لأجل الرقي بالبشرية نحو غد مشرق لجميع أطيافه وأعراقه.
وحين قال الكاتب والناقد والمترجم الدكتور محمد آيت العميم: "إن مشروع ميرسي مؤسس على النزعة الإنسانية وعلى المحبة والحوار الفعال بين البشر باختلاف دياناتهم وهواياتهم وثقافاتهم ولغاتهم بحثا عن الجوهر الموحد للإنسان قبل أن تلوثه الخلافات والصراعات وتباعد بينه الأعراق والأجناس"، أكد أنه مشروع يدعو إلى العودة إلى النبع وإلى السباحة عكس الماء الذي تغير لونه بطول المسافة سعيا إلى الوصول إلى العين الأولى الصافية.
السلام والعدالة الاجتماعية والتسامح معانٍ يرسخ لها كريم ميرسي في رحلة إلى الشرق، مناهضة للفكر الغربي المتعصب والمركزية الغربية، رحلة تربط الإنسان بنفسه وبالآخر، ليؤكد مرة أخرى ومن جديد على حتمية الحوار بين الحضارات كضرورة وجودية وليس كلعبة خاضعة لسيطرة السياسيين وأهوائهم، عبر لغة بسيطة مباشرة، تحيي إدراكنا بالحس الإنساني الذي يشكل همزة الوصل بيننا.
وما نقل الشاعر للحياة اليومية التي لامسها عن قرب خلال زياراته إلى بعض الدول العربية، إلا محاولة أخرى لكسر الهوة بين الشمال والجنوب. وهذا ما يجعل من الشاعر السويسري كريم ميرسي خطابا شعريا خاصا يمزج الشرق بالغرب، ويتعدى المصالح وإكراهات العصر إلى الحياة السعيدة المثلى التي يفتقدها ويرغب فيها الجميع.
وإنصافا منا لالتفاتاته الإنسانية، نشيد بإسهاماته، وبصوته النبيل مقارنة مع صوت بعض مثقفينا البائس إلى أبعد الحدود.
*شاعر وكاتب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.