بعد أن سلّط تقرير الخارجية الأمريكية الأخير الضوء على وضعية الأقليات الدينية ب200 دولة عبر العالم، وبينها المغرب، يعود السؤال القديم الجديد حول مدى احترام هذه الفئات، باختلاف أعدادها وأمكنة تواجدها، بالمملكة، في ظل استمرار غياب التنصيص على حرية المعتقد بشكل صريح في الدستور المغربي الجديد، على الرغم من المطالب الحقوقية الملحة التي رافقت فترة إعداده واستقبال الملاحظات بشأن أسمى وثيقة في البلاد. وعكس الكثير من المعطيات السابقة التي اعتبرت أن الكثير من المغاربة يدينون بغير الديانة الرسمية للدولة، كشف التقرير الحديث أن 99 في المائة من المغاربة مسلمون على المذهب السنّي، مقابل انقسام الباقي بين اليهودية والمسيحية، أو مذهبي الشيعة والبهائية، في غياب أي معطيات موثوقة حول أعداد اللادينيين. وعلى الرغم من أن القانون المغربي لا يتضمن ما يفيد بتجريم اعتناق ديانة جديدة، إلا أن التقرير أشار إلى أن الحكومة المغربية "قامت باحتجاز واعتقال واستجواب مسيحيين مغاربة حول معتقداتهم، واتصالاتهم مع مسيحيين آخرين"، إلى جانب "متابعة ناشط شيعي بسبب معتقداته"، وأضاف أن السلطات المغربية "مارست ضغوطات على بعض المسيحيين المغاربة للتخلي عن عقيدتهم الدينية". وفي تعليقه على وضعية هذه الأقليات الدينية بالمغرب، أوضح منتصر حمادة، رئيس مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، أن السبيل إلى تحقيق مجتمع متسامح مع الجميع "يمر عبر إصلاح مجتمعي شامل وشاق"، معتبرا أن "هذا الإصلاح غائب اليوم لكونه مكلفا جدا وبالكاد نطرق أولى أبوابه عبر المدخل الدستوري والقانوني". وسجّل حمادة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن النخبة غير مؤهلة، بينما العامة أسوأ حالا بكثير، وأن الرقي إلى المستوى المطلوب في شق الحريات الدينية لا يمكن أن يتحقق بين ليلة وضحاها، لافتا الانتباه إلى أن "الغرب بدوره لم يصل إلى هذا المقام بين الأمس واليوم، وإنما مرّ عبر تحديات ومآس وكوارث وحروب". وشدد المتحدث ذاته على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن تقرير الحريات الدينية، الصادر عن الخارجية الأمريكية، تعتمد فيه المؤسسة على تقارير السفارات الأمريكية، "التي تعتمد بدورها على ما تعج به الساحة من مواقف وبيانات وأحداث، ولا يعكس حقيقة الدين والتدين في الدول المعنية، بما فيها الحالة المغربية، لأنه بعيد كلياً عن التناول العلمي، الذي يقترب منه تقرير المؤسسة الأمريكية PEW الشهير". وعن مدى احترام الأقليات الدينية في المغرب، أوضح صاحب كتاب "الحالة الدينية في المغرب" أن الذي يُسطر هذا الواقع اليوم هي الوثيقة الدستورية، قبل عودته إلى التأكيد على أن ذلك "كان مُسطراً منذ قرون، عبر الأعراف والتقاليد التي جعلت من المغرب بلد تسامح مقارنة مع أغلب دول المنطقة، بمقتضى تعددية الروافد الهوياتية والثقافية للمغاربة، حيث نجد الرافد العربي والأمازيغي والأندلسي واليهودي والإفريقي". وأبرز المتحدث ذاته أن "المغرب هو البلد الذي احتضن بشكل تلقائي العديد من الموريسكيين الذين تم طردهم من الأندلس"، كما أنه "أول دولة مسلمة تستقبل أعلى سلطة دينية في المسيحية، أي بابا الفاتكيان جان بول الثاني، في عهد الملك الحسن الثاني". وفي مقابل ذلك، نبّه رئيس مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث إلى أن موضوع الأقليات الدينية "يتعرض للتوظيف الحقوقي والسياسي من طرف الداخل وبدرجة أكبر من طرف الخارج"، مشيرا إلى أن "ما نعاينه اليوم من تطورات ذات صلة بالأقليات الدينية لازال في بدايته"، وخاصة "مع موضوع التيار الشيعي من جهة، بارتباطاته العقدية مع المشرق، وبدرجة أقل مع موضوع التبشير والتنصير، مع خروج بعض المغاربة إلى العلن"، مؤكدا أن هؤلاء أقلية قليلة.