يبدو أن المملكة ماضية في تكريس نهجها لدبلوماسية الانفتاح وتجاوز سياسة الكرسي الفارغ، التي طبعت مرحلة الملك الراحل الحسن الثاني. ويظهر هذا جلياً بعدما عيّن الملك محمد السادس سفراء جددا للمملكة بعدد من العواصم، في إطار حركة تعيينات جديدة. واستقبل الملك، اليوم الجمعة، عدداً من السفراء الجدد بالبعثات الدبلوماسية للمملكة الذين سلّمهم ظهائر تعيينهم؛ من بينهم مصطفى المنصوري، سفيرا بالمملكة العربية السعودية؛ وعزيز مكوار، سفيرا بجمهورية الصين الشعبية ومنغوليا؛ وحميد شبار، سفير بالجمهورية الإسلامية الموريتانية. كما تسلمت ظهير التعيين كريمة بنعييش، سفيرة بالمملكة الإسبانية؛ وبوغالب العطار سفيرا بجمهورية كوبا؛ وعمر زنيبر سفيرا ممثلا دائما لدى مكتب الأممالمتحدة بجنيف؛ ومحمد عروشي سفيرا ممثلا دائما لدى الاتحاد الإفريقي. ويظهر من خلال هذه التعيينات أن المغرب ماضٍ في تغيير ملامح دبلوماسيته الخارجية، حيث همت هذه التعيينات، لأول مرة، دولاً قاطعها المغرب سنوات طويلا، كما هو الحال مع جمهورية كوبا. كما تأتي هذه التعيينات لتكرس البعد الإفريقي الحاضر في السياسة الخارجية المغربية، من خلال التعيين الذي همَّ مؤسسة الاتحاد الإفريقي، وكذا التعيين الذي همّ مكتب الأممالمتحدة بجنيف، والذي يأتي في ظل التطورات التي تشهدها قضية الصحراء. الموساوي العجلاوي، الأستاذ والخبير في العلاقات الدولية، قال "إنه يمكن قراءة هذه التعيينات من مناح كثيرة؛ لكن أول ملاحظة يمكن إثارتها بهذا الخصوص هي "الحضور النسوي المتميز الذي أثث لائحة السفراء الجدد وهي إشارة لها دلالات داخلية وخارجية تعكس انخراط المغرب في الاعتماد على نسائه في مهام دبلوماسية رفيعة وواجهات أساسية، وهذا يأتي بعد تعيين لالة جمالة سفيرة للمملكة في الولاياتالمتحدةالأمريكية وتعيينات أخرى". ويظهر هذا الحضور النسوي المهم في تعيين كريمة بنعييش سفيرة في إسبانيا، إذ اعتبر بأن "هذا التعيين سيعطي للعلاقات المغربية الإسبانية بعداً استراتيجياً بالنظر إلى شخصية وتكوين بنعييش اللذين سيساعدانها على الدفع بهذه العلاقات إلى مستويات عالية، بالرغم من الفتور الذي يطبع مسار هذه العلاقات بين الفنية والأخرى". كما توقف الخبير في الشؤون الإفريقية عند تعيين الملك لمحمد عروشي سفيراً ممثلاً دائماً لدى الاتحاد الإفريقي، حيث قال: "مهمة عروشي لن تكون سهلة، لأنه سيمثل الواجهة الأمامية للدبلوماسية المغربية داخل الاتحاد الافريقي، خصوصا خلال القمة الإفريقية التي تبدأ دائما بحضور الأعضاء الدائمين الذين يلعبون دوراً كبيراً في إعداد التوصيات والمخرجات، وبالتالي سيكون عروشي "سفيرا مناضلاً" لأن إرثاً كبيراً ما زال عالقاً في الاتحاد الإفريقي فيما يخص الوحدة الترابية". ودائما في إطار استكمال مشروع المملكة داخل الاتحاد الإفريقي وتكريس الوحدة الترابية في المحافل الإفريقية، جرى تعيين حميد شبار، الذي خلف عبد الرحمان بنعمر، بعدما قضى أكثر من عشرين سنة في نواكشوط، وكان عميدا للسفراء العرب في الجارة الجنوبية. عن هذا التعيين، يقول الموساوي: "إنه يأتي في إطار الصراع الإقليمي حول الصحراء، بحيث إن الرئاسة الموريتانية تلعب بورقة النزاع المغربي الجزائري في المنطقة"، متسائلا: "هل سيكون دور السفير الجديد استمرارا لدور بنعمر، أم أنه سيلعب دورا كبيرا في إعطاء بعد جديد للعلاقات، خاصة أن موريتانيا أسهمت في عودة الرباط إلى عدد من المؤسسات الاقتصادية في غرب إفريقيا، كما أسهمت في تكريس العمق المغربي في إفريقيا". وبخصوص تعيين مصطفى المنصوري، الرئيس السابق لحزب التجمع الوطني للأحرار، الذي خلف عبد السلام بركة، على رأس الدبلوماسية المغربية ببلاد الحرمين، يقول العجلاوي إن "هذا التعيين يأتي ليكمل مسار العلاقات الاستراتيجية التي تجمع المملكتين، والتي تمر من امتحان، على اعتبار أن هناك من لم يأخذ بعين الاعتبار موقف المغرب تجاه الأزمة الخليجية"، موردا أن "تعيين المنصوري سيكون بمثابة ضمانة للسعوديين للحفاظ على "التوهج" الذي يطبع العلاقات الثنائية، فالأمر يتعلق ببلد شقيق قدَّم دعماً دائماً للمغرب في عدد من المحطات". وعن دلالات وخلفيات تعيين عزيز مكوار سفيرا للمملكة بجمهورية الصين الشعبية ومنغوليا، أورد الخبير في العلاقات الدولية أن "هذا التعيين يعكس التوجه الجديد الذي تتبعه المملكة بعد إفريقيا، حيث إن المغرب يريد فتح علاقات جديدة مع البلدان الأسيوية، التي لها وزن اقتصادي كبير في المنطقة، والصين باتت تغري المصالح الخارجية المغربية". ودائما في سياق تحليله لأبعاد وخلفيات التعيينات الملكية الأخيرة التي همت عدداً من العواصم العالمية، يقول العجلاوي بخصوص تعيين بوغالب العطار سفيراً للمملكة في كوبا، التي قاطعها المغرب لأكثر من 37 سنة بسبب مواقفها من قضية الصحراء، إن "هذا التعيين تتويج لاختراق مغربي لأمريكا اللاتينية"، قبل أن يورد أن "السفير الجديد سيلعب دورا مهما في تكريس هذا الاختراق، خصوصا أن كوبا تعدّ إحدى أكبر الدول الداعمة للجبهة الانفصالية منذ 1976، حيث تعتبر الثانية من حيث الدعم العسكري واللوجستيكي بعد الجزائر".