في عددها ليوم 23 أبريل الماضي، نشرت ''جريدة مونتريال'' خبرا صغيرا بعنوان ''Le BIXI retrouvé au Maroc à vendre sur le web''. و"BXI" هو في الأصل اسم نظام الخدمة الذاتية لكراء الدراجات "système de vélos en libre-service"، تُسيِّره مؤسسة تُدعى "PBSC Solutions Urbaines" بمدينة مونتريال الكندية. نعيد قراءة الخبر بالمغربية لنقول إن أحد إخوتنا في الوطن كان متواجدا بمدينة مونتريال فأوحى إليه شيطانه أن يسرق دراجة تابعة ل "BXI"، ثم شحَنَها إلى المغرب وباعها في مدينة الرباط لمغربي آخر اسمه علي، ليقوم هذا الأخير بمحاولة بيعها في أحد المواقع الإلكترونية. الطريف/المؤسف أن صديقنا كان يظن أن "BIXI" هو اسم لإحدى ماركات الدراجات لنقرأ في الإعلان "Vélo Bixi"، ولكي تكون الفضيحة متكاملة الأطراف شفع الأخ عَلِي إعلانه بصورة الدراجة وهي تحمل اسم الشركة. صورة رآها الأغيار في مونتريال فمُستَهجن وساخر وشامت... ورآها المغاربة فكان الإحساس بالعار والشنار... يمكن أن نشْرح ونُشرِّح هذه الخبر ''البسيط'' مستعينين بعدة مقاربات وأدوات ومراجع... كما يجوز أن نُريحَ ونستريح ونعتبر الأمر ''مجرد'' حادثة تتكرر يومياً في كل بقاع الأرض. ومرّة أخرى سنحاول كمغاربة أن نُطمْئن الكنديين الذين نعيش معهم، ونطمئن أنفسنا قبلهم، ونستميت في الجِدال والمجادلة كي نؤكِّد أن الفاعل لا يُمثِّلنا وأنه ليس إلّا ''حالة معزولة''. قبل سنوات خلَت ارتابت إدارة إحدى مدارس المهندسين في مونتريال من ملف طالب مغربي، فأرسلت إلى مؤسسته التعليمية في المغرب لتستفسر عن صحة النتائج التي أدلى بها، وتبيّنَ أن صديقنا قدّم جرْدا مُزوّراً. أرادت المؤسسة أن تتأكد إن كان الأمر يتعلق ب ''حالة معزولة''، فتناولت ملف طالب مغربي آخر لكنّه لم يكن أنزه من زميله، ثم راجعت مِلفًّا ثالثا وكانت الطامة نفسها. فكَّرت الإدارة وقدَّرتْ ثم رفعت يديها وتناست ''إشكالية'' التنقيط المغربي الذي بدا وكأنه يتأقلم مع عُملة كل بلد. وحين نذكر هذه الحادثة فلسنا نبخس حق أحد ولا نشكك في ألْمعيِّة أُطُر مغربية ما انفكّت تشرّف الوطن إنْ في كندا أو سواها، لكننا نرصد ''الحالات المعزولة'' التي جعلت الخناصر تُعْقد تجاهنا. حكى لي صديق مغربي أن زوجته بعد أن وضعت مولودها بأحد مستشفيات المدينة، وبعد المعاملة الطيبة التي لاقتها من كل الطاقم، أبتْ إلاَّ أن تأخذ معها بعض الأغراض الخاصة بالمستشفى، وحين أنكر عليها ذلك، أجابته ببساطة: كل صديقاتي فعلن ذلك... حالات معزولة!!… قبيْل القضاء على ''دولة أبي بكر البغدادي'' تكلم السيد عبد الحق الخيام عن وجود 1631 مقاتلا مغربيا في كل من سوريا والعراق، إضافة إلى 558 مغربيا لقوا حتفهم هناك، ناهيك عن بعض ''الذئاب المنفردة'' و''الخلايا النائمة'' في هذا البلد وذاك... نتكلم إذن عن أزيد من 2000 حالة مغربية معزولة... في سنة 2016 شكَّل المغاربة أكثر الأجانب المسجونين في هولندا بما يناهز 3900 سجين. في هذه السنة بالضبط ''إنجازاتنا'' تعدت هولندا إلى إيطاليا وألمانيا، بل في كل أوروبا حيث إن المغاربة وحسب مؤسسة ''أورو أوبسرفر'' تبوَّؤوا المرتبة الأولى من حيث عدد المسجونين في الفضاء الأوروبّي. جُهد كبير يجب بذله كي نصنف11 ألفا و700 سجين كحالات معزولة... ''من نحن؟''، كتاب ألَّفه الراحل صمويل هنتنغتون، تطرّق فيه إلى الهوية الأمريكية والتهديد الذي تواجهه الثقافة الأنجلو-بروتيستانتية... أظن أن الوقت قد حان لنا كمغاربة أن نطرح السؤال نفسه، وليس بالضرورة من المنظور الذاتيِّ المركز نفسه (égocentrique). أعمى أو متعام من لم تُفزعْه المصابيح الحمراء المشتعلة في كل جنب وزاوية من منظوماتنا، وليس بعد الضوء الأحمر إلاّ الكارثة. من نحن؟ ولماذا نحن؟ وأين نحن؟ وإلى أين نحن؟ في انتظار أن يطرح هذه الأسئلة وسواها من هم أقدر منّا على إسماع أصواتهم، دعونا نقتصر على أسئلة من مهاد ''الهنا والآن''. أيُّ الحالات أصلية وأيها دخيلة معزولة: هل المعتوه سارق الدراجة الهوائية من مونتريال المُغَيَب والمغسول دماغه في الرقَّة والموصل هم الأصل؟ ومن ثَمّ فالهَرم طه عبد الرحمان والسّامق المهدي المنجرة والأسطورة سعيدة عويطة والمخترع الفذ عبد الله شقرون ليسوا سوى حالات معزولة؟ أم أنّا أحفاد طارق ويوسف ابن تاشفين وعبد الكريم الخطابي وزينب النفزاوية وفاطمة الفهرية وحاشا أن تمثلنا سارقة المِنْشفة من المستشفى ولا بائع الكوكايين في حانات أمستردام؟ قبل الختام أنوّه أني اقتصرت على بعض تجليات الشوهة المغربية (والشوهة كلمة عربية تعني القبح) خارج أرض الوطن، حتى نتفادى مشجب المخزن والمقدّم والانتخابات البلدية... دون أن نُخلي مسؤولية أحد... جاء في الخبر المنشور ب ''جريدة مونتريال'' أن السيد علي كان يريد بيع الدراجة المسروقة ب 2500 درهم، أي ما يعادل 345 دولارا كنديا. لا جرم أن سمعة المغرب والمغاربة أكبر بكثير من هذا الثمن، وعليه فإننا نتوجه إلى من أهمّتهم سمعة البلد، وخاصة السيدتين القنصل بمونتريال الأستاذة حبيبة الزموري والسفيرة الأستاذة سورية عثماني، ونقترح عليهم الاتصال بصاحب الإعلان وشراء الدراجة منه وإرجاعها إلى أصحابها والاعتذار نيابة عن كل الوطن مع الإصرار على أن الأمر يتعلق فِعْلاً بِحالة معزولة.