قال المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز إن توحيد مجتمعات دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ضد الهندسة الكولونيالية، التي تهدف إلى تفكيك وتجزئة بلدان ومجتمعات المنطقة، أضحى "فريضة"، للحد من الانقسامات الداخلية وتكريس الوحدة التي ما فتئت عراها تتفكك، بسبب تدخلات القوى الخارجية. وأبرز بلقزيز ، في محاضرة ألقاها ضمن الجلسة الختامية لمؤتمر العلوم الإنسانية والاجتماعية بالرباط، في موضوع "أسس مواجهة التشرذم والتبعية العربيين"، أنّ التفكيك انتقل من تفكيك الدولة القومية إلى تفكيك الدولة القطرية، وبدأ مسار هذا التفكيك منذ السبعينيات من القرن الماضي، حين تفجرت الأزمة الداخلية اللبنانية. وأضاف المفكر المغربي أن دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا استطاعت، بفضل اليقظة التي كانت تتحلى بها، أن تلملم الأزمة الداخلية اللبنانية، وحافظت على وحدة لبنان؛ لكن سرعان ما تكرر الأمر في العراق، بعد غزو الأمريكان للعراق، حيث تحول الشعب العراقي إلى مجموعة أقوام متناحرة. وأوضح المحاضر أن المواطن العراقي، قبل سنة 2003، "لم يكن يعرف إن كان جاره شيعيا أم سنيا أم من أي مَنبت آخر، والآن صار الشعب العراقي شيَعا وطوائف منقسمة، وهذا الوضع يمكن أن يحدث في كل البلدان العربية، وتتحول الصراعات الطائفية والقَبيلة إلى صراعات دموية على نحو مدمر". وفيما تتنامى مخاطر التفكك التي تحيق بدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، اعتبر بلقزيز أن مواجهة هذه المخاطب لا يمكن أن تنجح إلا إذا نجحت دول المنطقة في فرض مكانتها في التاريخ، وإنجاز الوحدة القومية. وأوضح: "الكيانات الصغرى، مثل المغرب والجزائر وتونس وحتى مصر بتعدادها السكاني الكبير، لا تساوي شيئا إذا كانت الدول الكبرى هي نفسها تبحث لنفسها عن أشكال للتكتل لمواجهة القوى الاقتصادية الكبرى كالولايات المتحدة والصين"، وتابع متسائلا: "فكيف للكيانات الميكروسكوبية أن تعيش بدون وحدة وتكتّل". وحث بلقزيز على تجاوز المشتركات التاريخية كأساس لبناء الوحدة القومية، قائلا: "يجب وضع الموارد التاريخية جانبا ونتحدث بلغة العصر، وأن تكون المصلحة هي التي توحدنا"، مضيفا: "التكامل الاقتصادي أم لا مندوحة عنه؛ فالوحدة الشعورية موجودة، لكن بماذا ستفيدنا إذا لم تُترجم إلى مشروع كياني مادي وسياسي قائم". وأبدى المفكر المغربي عدم اقتناعه بالمساعي المبذولة للحيلولة دون تفتيت مجتمعات دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، معتبرا أنها "إما مشاريع للتجميع بين مكونات المجتمع بالقوة، كما تفعل النخب العسكرية، أو التجميع المتنمط الذي تقوم به القوة المتورطة مع القوى الأجنبية، والقائم على المحاصصة الطائفية، وكِلا المشروعيْن لن يقودا إلا إلى المزيد من اهتراء مجتمعاتنا". ويرى المتحدث ذاته أن الحل الوحيد لوضع حد لانقسامات مجتمعات المنطقة وتوحيدها هو إيجاد مشروع وطني جامع غير قائم على أي بعد مذهبي أو طائيفي أو قبَلي، وهذا يتطلب إيجاد قوى مجتمعية تستطيع أن تطلق هذا المشروع للرد على المؤامرات الخارجية وحفظ تماسك الكيانات الوطنية". من جهة ثانية، انتقد الحركات الإسلامية، وآخذ الإسلاميين على عدم استدماج القومية في جملة القضايا التي يفترض أن يدافعوا عنها، لخلافهم مع القوميين، معتبرا أن الإسلاميين لو أدخلوا القومية في قضاياهم "لكانوا قد أزالوا القوميين من الصدارة، ولكن نقطة ضعفهم كانت في برنامجهم السياسي". في المقابل، رفض بلقزيز الطرح القائل بأن القومية العربية ماتت، قائلا "إذا قلنا إن القومية ماتت، فهل نجح الإسلاميون، وهل نجح اليساريون؟"، قبل أن يختم بالدعوة إلى توحيد جهود جميع التيارات لتحقيق الوحدة، بقوله: "أنا مع التوحيد، سواء قاده الإسلاميون أو الماركسيون أو القوميون أو غيرهم؛ المسألة وجودية ينبغي أن تكون في جدول أعمال كل تيار، ومن يقودها علينا أن نكون جنودا تحت إمرته".