جعجعة بلا طحين تلك التي أثارها المتعصبون من الناس عندما وصل إلى علمهم صلاة جمع من المسلمين في دار للعبادة خاصة باليهود - بيعة-، وهم يكرسون بذلك ظاهرة أصبحنا نعيشها أيامنا، أيام العجائب والغرائب، حيث أمسى الجهال يحشرون أنوفهم في كل صغيرة وكبيرة، ويدلون بدلائهم في كل شاذة وفاذة، معتمدا أغلبهم على فتاوى شاردة لبعض رويبضات آخر الزمان، أمام مرأى ومسمع السواد الأعظم من الفقهاء والعلماء الذين خرست ألسنتهم عن قول الحق والصدع بأمر الله ورسوله؛ فكلما أثيرت مسألة بارزة أو عميقة تتعلق بالإسلام إلا وانبرت أقلام وتعالت أصوات لا يعرف عن أصحابها طلب للعلم الشرعي، ولا يمتون بصلة إليه، ولم يسندوا ركبهم إلى ركب العلماء الذين امتنع أغلبهم عن تبيان الحق وإظهاره لعموم الناس. ما الخطأ الذي ارتكبه هؤلاء الجمع من المسلمين الذين ولوا وجوههم لله عز وجل بكنيس؟ وما الخطيئة التي اجترحوها حتى يتعرضوا للتجريح والغلظة في القول؟. يعرف طالب العلم قبل العالم قول طائفة من أهل العلم بجواز الصلاة في معابد اليهود والنصارى بعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) رواه البخاري ومسلم. والألف واللام في الأرض، كما هو معلوم في أصول الفقه، لعمومها ولا تخصيص إلا بنص كما في الحمام والمقبرة ومعاطن الإبل. وإنما منع المانعون للصلاة في الكنيس بعلة وجود الصور والتماثيل لا لذات المحل، والعلة تدور مع الحكم وجودا وعدما كما مقرر عند الأصوليين. فإذا أزيلت التماثيل زال الخلاف؛ وقد صلى الرسول عليه الصلاة والسلام في الكعبة بعد إزالة الصور منها، لنعرف أن العلة في المنع إنما هي الصور. ولقد بوّب البخاري رحمه الله في صحيحه بقوله: (باب الصلاة في البيعة، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنا لا ندخل كنائسهم من أجل التماثيل التي فيها الصور، وكان ابن عباس رضي الله عنه يصلي في البيعة إلا بيعة فيها تماثيل). انتهى كلام البخاري. فالقول الأظهر في هذه المسألة هو أن الخلاف قائم بين المذاهب والعلماء، وعندما يكون الخلاف معتبرا ففي الأمر سعة للمسلم. قد قذفت بومضات فقهية في هذه المسألة، والأظهر هو أنها سوف لن تقنع أصحاب هذه الأصوات المنكرة؛ كونهم لا ينكرون هذا الأمر بناء على شرع، وإنما بناء على عنصرية مقيتة تجاه أهل الكتاب خصوصا اليهود الذين لا يعرف عنهم في هذا البلد إلا الدفاع عن الوطن والأخلاق الفاضلة، والشيم الطيبة التي تنقص كثيرا من المسلمين بل تنقص جلهم، والذي سيحتج علينا بقول الله عز وجل: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).. قلنا له إنك لن تصل بفهمك لهذه الآية إلى علم رسول الله بها وبالقرآن كله، وهو الذي عليه نزل، وقد مات ودرعه مرهون عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير. *دكتوراه في العقيدة والأديان نائب رئيس حوار الرسالات والأديان.