قانون المسطرة الجنائية.. وهبي: يشكل ركيزة أساسية في البناء الإصلاحي ويعزز ثقة المغاربة في العدالة    قانون جديد يعيد تنظيم مهنة المفوضين القضائيين بالمغرب    ميناء الناظور .. انخفاض ب10 في المائة للكميات المفرغة من منتجات الصيد البحري    سفيان البقالي يبلغ نهائي 3000 متر موانع في مونديال طوكيو    رسميا .. باشاك شهير التركي يضم أمين حارث على سبيل الإعارة حتى نهاية الموسم    آلية جديدة لمراقبة مواظبة التلاميذ والأساتذة مع بداية السنة الدراسية    حياة الكلاب..حياة الماعز    المطبخ المغربي يتألق في القرية الدولية لفنون الطهي بباريس    منظمة الصحة العالمية تسجل ارتفاع حالات الإصابة والوفاة بالكوليرا    دراسة : التدخين يزيد خطر الإصابة بالنوع الثاني من داء السكري    كأس ديفيز.. المغرب يتقدم على جنوب إفريقيا بنتيجة(2-0)    "باراماونت" تنتقد تعهد فنانين بمقاطعة مؤسسات سينمائية إسرائيلية    الرجاء يستهل البطولة بالفوز على الفتح    مدرب جزر القمر: مواجهة المغرب في افتتاح الكان شرف كبير لنا    بنهاشم: الوداد سيواجه اتحاد يعقوب المنصور دون تغييرات كبيرة    ابن الحسيمة الباحث عبد الجليل حمدي ينال شهادة الدكتوراه في الكيمياء العضوية    بسبب أشغال مشروع القطار فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش.. السكك الحديدية تعلن تعديلات جديدة على شبكة رحلات قطاراتها    بنكيران: اشعر بخطر قصف اسرائيل لمقر حزبنا.. وعدم حماية الأنظمة العربية لمواطنيها يعني نهاية "البيعة"    قمة عربية وإسلامية في الدوحة.. حزم مع فلسطين وصرامة حيال إسرائيل    المغرب يستقبل 723 حافلة صينية استعدادًا لكأس أمم إفريقيا    توقعات بارتفاع انتاج الزيتون وانخفاض أسعار الزيت    مجلس حقوق الإنسان.. منظمات غير حكومية تحذر من استمرار العبودية في مخيمات تندوف    اعتقال شابة متورطة في شبكة إجرامية لسرقة وتحويل الأموال رقميا    شفشاون.. البحرية المغربية تنتشل جثة شخص قبالة شاطئ الجبهة    ارتفاع حالات الكوليرا حول العالم    الجامعة المغربية لحقوق المستهلك مستاءة من الاختلالات في العلاقة التعاقدية بين الأبناك والمستهلكين    كأس إفريقيا للأمم 'المغرب 2025': الكاف ولجنة التنظيم المحلية يحددان موعد انطلاق بيع تذاكر المباريات    رئيس مجلس النواب يجري بهلسنكي مباحثات مع مسؤولين فنلنديين    الخطاب الناري في العلن... والانبطاح في الكواليس: الوجه الحقيقي للنظام الجزائري    بنكيران يُقر بامتلاكه ضيعة فلاحية بالعرجات وينفي إخفاءه أغنام الإحصاء            العثماني: تصريحات أخنوش تضمنت "معلومات خاطئة"        "العدالة والتنمية" يتهم رئاسة مجلس جماعة سلا بالتحايل في ملف "التعاونية القرائية"    أمريكا تؤكد مطابقة المصايد المغربية لمقتضيات القانون الأمريكي الخاص بحماية الثدييات البحرية (MMPA)    الفوضى وسوء التنظيم يطغيان على العرض ما قبل الأول لفيلم "كازا كيرا"    نادين أيوب أول فلسطينية تشارك في مسابقة ملكة جمال الكون: لنا أيضا أحلامنا    زلزال بقوة 7,4 درجات يضرب سواحل كامتشاتكا الروسية وتحذيرات من تسونامي    أمن طنجة يحجز 260 قطعة من الشهب الاصطناعية قبل مباراة اتحاد طنجة وحسنية أكادير    منظمات حقوقية تفضح بجنيف استمرار عبودية الصحراويين في مخيمات تندوف    سفير المغرب يفتتح معرض الفن العربي بواشنطن بدعم مغربي    إسرائيل تقدر عدد النازحين من مدينة غزة    10 أشهر حبسا لمهاجر مغربي نشر صور أمنيين على مواقع التواصل    وفد صحفي إيطالي يستكشف مؤهلات الداخلة... الوجهة الصاعدة للاستثمار والتعاون الدولي    دراسة: "حمية الكيتو" قد تساعد في علاج الاكتئاب    كيوسك السبت | إحداث لجنة مشتركة لتتبع توفير الكتاب المدرسي في نقاط البيع    كولومبيا.. جمعية الصحافة والإعلام توشح سفيرة المغرب بأرفع أوسمتها    حجز 260 وحدة من الشهب الاصطناعية المحظورة            إسبانيا تتحرك لاحتواء بؤر إنفلونزا الطيور.. إعدام طيور وإغلاق حدائق        ناصر الزفزافي يرسل رسالة مؤثرة من داخل سجنه بطنجة بشأن جنازة الفقيد والده    الزاوية الكركرية تحتفي بإصدارات الشيخ محمد فوزي الكركري    أجواء روحانية عبر إفريقيا..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تحيي المولد النبوي    أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصديقي .. عازف "الغيْطة" يشقّ قلب الليل من مسجد شفشاون
نشر في هسبريس يوم 08 - 06 - 2019

كانت دائما تشدّني معزوفات "الغيْطة" للفنان المقتدر، الراحل امحمد عبد النبي الصديقي (1933 / 2012)، وهي تشقّ قلب اللّيل من على مئذنة المسجد الأعظم بساحة وطا حمّام بشفشاون بعد صلاة التّراويح. وكنت أحرص أشدّ الحرص في أن أستيقظ مبكراً كباقي أطفال حيّ العنصر بالمدينة العتيقة، لنسمع لحناً استثنائياً يدقّ الأبواب والأزقة باحتشام، مطالباً بزكاة الفطر. وجه ببساطته السّامقة، كان قد تلبّس المكان والشّخوص، وأضحى عنواناً للكل ومرجعاً في الأعراس.
الفنّان الصديقي، الذي دخل كل البيوتات الشفشاونية، لم يكن عازفاً "للغيْطة" فقط؛ بل غيمات تمطر فنّا، بعدما طوّع هذه الآلة العصيّة بمهارة عالية لا يضاهيه فيها أحد، على وصلات الأندلسي والشرقي والمغربي، وحوّل نغماتها إلى إيقاعات شجيّة لا تذبل ولا تشيخ وتمتدّ بين الجميع بعذوبتها كماء النّبع.
في هذه المحطّة الجديدة، يطالعنا رفيق دربه الفنان عبد القادر علوش بداية بالقول: "عبد النبي الصديقي من الفنّانين العصاميين، ازداد في أحضان الزّاوية "الشقّورية" بمدينة شفشاون، التي انتسب إليها جدّه. حفظ بها القرآن الكريم وكانت هي المشتل الذي تشرّب منه حلقات الذّكر وفني المديح والسماع والصنائع الأندلسيّة على يد شيوخ في هذا الفن ك: امحمد بن الأمين العلمي والعياشي الوراكلي وغيرهما.. لينخرط بعدها في فرقة "الكشافة النّحاسية" التابعة لمنظمة الشبيبة الاستقلالية بشفشاون (سنة 1956)، بعد أن أسّسها الوطني الراحل الأستاذ العياشي العلمي، لتصبح لها أدوار فاعلة في المناسبات الوطنية والدينية والحفلات الاستعراضية وفي الأعراس، وامتدّ صيتها بين كل الأسر الشفشاونية باعتبارها الفرقة الوحيدة بالمدينة".
وبدوره، يقول الفنان الراحل عبد النبي الصديقي، من خلال لقاء بعيد كنت أجريته معه وما زال موثقاً: "الغيْطة آلة قديمة توجد بجميع ربوع الوطن العربي، وشكلت لسنوات طويلة مورداً أساسياً في بناء أسرتي، وقد بدأت في مزاولة عمل زفّ العْروسةْ إلى زوجها عن طريق "العمّاريةْ" أو ما يسمّى ب"البُوجَةْ" منذ منتصف الاستقلال. ومنذ ذلك التاريخ إلى ما بعده، عملت على زفّ أربعة أجيال متتالية".
وعن الطقوس التي كانت تصاحب بداية العرس في ما مضى ومقارنته بالسنوات القليلة الماضية، وحسب ما كان قد أسرّ إلينا به الفنان الصديقي، ففي البداية كان يتم زفّ العروس بعد صلاة العصر ليتغيّر الأمر إلى ما بعد صلاة المغرب، ثم لتصير مسارات هذا الطّقس، بعد صلاة العشاء أو إلى منتصف الليل.. كما كان النّاس يقومون في القديم " بانطلاق مراسيم العرس المعروف عادة ب: "النْزولْ"، في الصّباح ويوزّعون على الضيوف والحضور وجبة "الشّعريّة بالسْمنْ والحليب" التي تعدّها النّساء بطريقة يدوية ومن عجينة خاصة، ليتحوّل "النْزولْ" إلى المساء، في غياب الوجبة المذكورة.
وهو يعيد إلى الأذهان ظلال تلك العلائق الفنيّة والإنسانية عبر حوارنا الموثّق، يواصل الصديقي، أحد حفّاظ الموسيقى الأندلسية الذي كانت بدايته رفقة الجوق الأندلسي بالمدينة بالحديث: "بالرّغم من أن زفّ العروس أصبح عبر بهرجة الأضواء وأصوات السيّارات، فإن "العمّارية" تبقى أساسية بعاداتها التقليدية المترسخة في وجدان أهل شفشاون منذ أجيال وأجيال ومنها ما كان يصاحبها من أعلام الزّوايا في مقدّمة الموكب، في إشارة إلى أن أسرة العريس أو العروس ينحدران من عائلة الشرفاء.
كما استطرد عازف الغيْطة التي كانت تمطر شجناً والتي كان لا يتصوّر عرساً بدونها بالمزيد من الإضاءات: "كانت هذه المهنة تسعدني أيّما سعادة، لأنه ببساطة كنت من خلالها أدخل الفرحة لبيوتات النّاس".
ومن بعض الطرائف التي كانت قد حصلت للفنان الصديقي تذكره لأحد المواسم السنوية للمولى علي بن راشد بالمدينة، إذ وبينما كان يتأهّب للدخول إلى ضريحه رفقة فرقته، تفاجأ بقطعة حجر طائش تلطم غيطته، لتقسمها إلى نصفين، فما كان من الفرقة إلا إتمام الوصلة بدون غيْطة !!
هكذا يتذكّر الكل رنين وصلات "الغيْطة" العابرة بالجسد والرّوح، لتدخل الفرحة على قلوب الآخرين من الآباء والأبناء والأحفاد الذين زفّهم الفنان الصديقي، حيث لم يجعل يوماً من فرقة "الكشّافة" جسراً للاغتناء، بل كان عفيفاً مُشرعاً قلبه للجميع، هو المتنازل في كثير من الأحيان بأريحية نادرة عن بعض حقوقه وعرق مجهوده، مكتفيا بابتسامة فسيحة تقطر خجلا: "اللهْ يجعلْ البركةْ"، موثراً بذلك التّحليق دون أجنحة، بسيطاً بعيداً عن أوهام الحياة وبهرجتها.
حفظ هذا الفنان العديد من الصنائع الأندلسية المفقودة التي كانت تتميّز بها مدينة شفشاون عن غيرها من المدن: بطايحي السيكة وبطايحي رمل الماية ،وقدّام الحجاز الكبير والبطايحي منه... وكان كذلك عازفاً على آلة "الكمان" و"الكلارينيت" ومساهماً في تأسيس جوق الموسيقى الأندلسية بالمدينة رفقة الفنانين: عبد القادر علوش والعربي الشركي وامحمد بوقرنة ومحمد المريني وغيرهم ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.