قد تمر الآن بجانبه دون أن يثيرك شيء لزيارته بعدما كان في الماضي القريب واحدا من المباني التي ما فتئ يفتخر بها السليمانيون، بل هناك العديد من سكان المدينة، وخصوصا الجيل الحالي، يجهلون وجوده بعدما اختفت معالمه وسط أكوام من المحلات العشوائية والدور الصفيحية، وأصبح شكله أقرب إلى الخراب منه إلى بناية تجارية، رغم أن تاريخ تشييده يعود إلى الحقبة الاستعمارية للمغرب. نحن أمام البوابة الرئيسية لأول "سوق مركزي" بني في خمسينات القرن الماضي بمدينة سيدي سليمان، لكن واقعه يوحي بعكس ذلك، فجدرانه المتهالكة تعلوها لافتة محتشمة تسخر من هيبة المبنى، والقمامة المبعثرة في بعض جوانبه شوهت معالمه إلى حد كبير، والروائح الكريهة تأتيك من كل حدب وصوب، والإهمال يتحدث بلسان هذا السوق الذي لم يحظ بالاهتمام كمثيله من الأسواق الأخرى رغم أنه يوجد في شارع محمد الخامس، القلب النابض للمدينة، الذي لا يعكس محتواه قيمة الاسم الذي يحمله، في حين لا يخجل المسؤولون عن تدبير الشأن المحلي بسيدي سليمان أن يكافئوا شخصية تاريخية وملحمية في وجدان المغاربة بهذه الطريقة المخزية التي تحمل كل دلالات الإهانة والتحقير. دخلت هسبريس إلى السوق الذي يضم أكثر من 32 محلا تجاريا، يختلط فيه الخضار والجزار مع البقال وبائع البهارات والفواكه الجافة وبائع مواد النظافة، واقتربت من مجموعة من التجار كانوا يتبادلون أطراف الحديث فيما بينهم عن أمورهم لتسألهم عن أحوال "المارشي سونطرال"، فلم يترددوا كثيرا في الحديث، وكأنهم كانوا ينتظرون أول فرصة للتعبير عن معاناتهم. البحث عن الحل قبل الإصابة ب "الشلل" "واش عمركم شفتو شي بناية فالمغرب تبنات ف 1940 وعمرها ما تحطات فيها شي ياجورة ديال الإصلاح؟"، يتساءل منير، صاحب محل تجاري بالسوق المركزي، وهو يشير بأصبعه، الذي خالطته صفرة التوابل الغذائية، إلى سقف البناية المتهالكة وإلى البرك المائية التي تغزو أرضية المكان، ثم يضيف: "هذا السوق يتعرض منذ سنوات لإهمال كبير لا يليق بسمعته، ويغرق في مشاكل لا حصر لها، تبدأ بغياب إرادة حقيقية للإصلاح وتنتهي بقلة الرواج بسبب المنافسة الشديدة المفروضة عليه من قبل الأسواق العشوائية والباعة الجائلين الذين يصطفون أمام مداخله ويقدمون سلعهم بأثمان بخسة، في حين أقفل أغلب التجار محلاتهم بعدما أصابها الركود وغادروا السوق إلى وجهة غير معلومة". "مابْقيتْ لا نبيع ولا نشري، مابْقى حتى واحد يدخل عندنا للمارشي"، يواصل منير حديثه والغضب يظهر على محياه، ثم يستطرد: "تَنْجيبو السلعة وتانْبقاوْ نْتفرجّو فيها، فلولا المناسبات الدينية وفصل الصيف الذي تكثر فيه الحفلات والأعراس لكنا تركنا هذه الدكاكين منذ سنوات، أما دون ذلك فإننا نظل طول اليوم مجتمعين نتدارس سبل إنقاذ هذا السوق وتصحيح وضعه الذي أصبح ضرورة ملحة في غياب أي التفاتة من المسؤولين عن تدبير الشأن المحلي والإقليميبسيدي سليمان". جمعية الشروق للدفاع عن مطالب السوق هذه الحالة المتهالكة التي أصبحت عليها المنشأة التجارية دفعت مجموعة من التجار إلى تقديم شكايات في الموضوع، بعد أن قاموا بتأسيس جمعية تعنى بشؤونهم الداخلية وتدافع عن مطالبهم "المشروعة" أمام الجهات المسؤولة. عبد الرحيم لحلو، رئيس جمعية الشروق للتنمية والمستقبل، الكائن مقرها بالسوق المركزي، قال إن "الجمعية تعبت من مراسلة المسؤولين الذين لا يقدمون لنا إلا الوعود الفارغة"، مشيرا إلى أنهم رفعوا عدة مطالب إلى عامل إقليمسيدي سليمان السابق، وجلس معهم إلى طاولة الحوار واستمع إلى معاناتهم، ووعدهم بإصلاح الأوضاع، لكنه "رحل ورحلت معه جميع الوعود إلى حين"، مضيفا أن "العامل الحالي مابْغاشْ يْستقبلْنا من نْهارْ حطْ رجليه فْسيدي سليمان وشرف البلاد، رغم أننا قدمنا له عدة شكايات في الموضوع، دون أن نتلقى منه أي جواب، وكلما استفسرنا عن مصيرها تُجيبنا الجملة الشهيرة التي حفظها المغاربة عن ظهر قلب من أفواه المسؤولين: سيروا حتى نْعيْطُو ليكم". وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن" المعاناة مازالت مستمرة، وتزداد معها خطورة زيارة السوق بعد أن هوى جزء كبير من سقفه، بالإضافة إلى الأضرار التي لحقت بعض مرافقه"، مستحضرا سبب إغلاق "سقاية المارشي" التي كانت تزود التجار بالماء الشروب، وهو ظهور مشكل صرف المياه بعد إقدام المسؤولين في المجلس الجماعي على إغلاق مخارج "الواد الحار" بسور بني على طول مجرى وادي بهت للحد من هيجانه، ولحماية المنشآت العمرانية من خطر الفيضانات التي ضربت إقليمسيدي سليمان في السنوات الماضية. واستنكر لحلو "اختلاس الطاقة" من طرف ساكنة بعض منازل الأحياء الصفيحية المجاورة "للمارشي" واستعمالها في تشغيل الأجهزة المنزلية الكهربائية ذات التوتر المرتفع، مما يؤثر سلبا على المولد الذي يزود السوق بالطاقة ويؤدي إلى انقطاع الكهرباء عنه بين الفينة والاخرى، مشيرا إلى أن "هناك خللا في توصيلات الأسلاك والعدادات، مما ينتج عنه ارتفاع في فاتورة الكهرباء التي تزيد من معاناتنا". العين بصيرة واليد قصيرة "حْشومَة هادْ المارشي يبقى هاكْدا، إن شاء الله مْنينْ ننْجحْ غادي نْقادو ليكمْ"، يقول محمد حمدي، بائع بالسوق المركزي، لهسبريس، متحدثا عن وعود رئيس المجلس الجماعي المعزول أثناء الترويج لحملته الانتخابية الأخيرة، ثم يضيف: "وعدنا الرئيس السابق بإصلاح شامل لكل مرافق السوق، من كهرباء وأبواب وزليج، ولكن غيرْ نْجحْ قْلبْ وجْهو"، مشيرا إلى أنهم طرقوا أبوابه مرات عدة لعله يفي بوعده ويصلح ما يمكن إصلاحه، إلا أنه بعد مراوغات عديدة، قالها بصريح العبارة: "أنتم تجار صلْحو لْراسكُمْ، هانْتمْ كاتْشوفو العين بصيرة واليد قصيرة"، موضحا أنهم "قاموا بإصلاح جزء من السقف المنهار من مالهم الخاص بعدما يئسوا من وعوده، في وقت يحتاج فيه السوق بشكل عام إلى تجديد مختلف مرافقه وترميمها". وأضاف أمين مال جمعية الشروق للتنمية والمستقبل أن "الرئيس السابق لم يكتف بالتهرب من مسؤولياته، بل قام بإغلاق سقاية المارشي عوض إصلاح مجاري المياه التي تختنق بمخلفات الدجاج التي يلقيها الباعة المجاورون للسوق في قنوات صرفه الصحي، لأنها تستنزف ميزانية الجماعة على حد قوله"، مشيرا إلى أن التجار محتاجون إليها عوض التنقل إلى "سقاية" أخرى بعيدة عنهم من أجل جلب الماء، أو اللجوء إلى مراحيض المسجد الكبير المجاور لهم. وأكد حمدي أن الجمعية لم تكتف بالمراسلات المحلية، بل راسلت حتى الغرفة التجارية ورئيس جهة الرباط-سلا-القنيطرة، مبرزا أن "الكل يجمع على حاجة السوق لإصلاح شامل، لكن لا أحد تحرك في اتجاه حلحلة الملف من مكانه"، مطالبا ب"ضرورة إعداد تصور شامل حول السوق يشارك فيه كل الفاعلين الأساسيين، من سلطة محلية ومنتخبين وتجار ومجتمع مدني، لأن تصحيح وضعه أصبح ضرورة ملحة". انتظار الفاجعة قبل الإصلاح "تقدمنا بعدة طلبات وشكايات للمجلس الجماعي الحالي كما فعلنا مع سابقه لمدة عشر سنوات، لكن لا شيء تحقق، لا نسمع إلا الوعود الزائفة والكلمات المعسولة"، يقول منير سيكاك، الكاتب العام لجمعية الشروق، متحدثا لهسبريس عن معاناتهم مع المسؤولين، ثم يضيف: "آخر شكاية تقدمنا بها لرئاسة المجلس البلدي الحالي كانت بتاريخ 18 شتنبر 2019، نطالب فيها بإصلاح السوق من الباب الرئيسي، وإصلاح قنوات الصرف الصحي والسقف والكهرباء والنوافذ وجميع التجهيزات الضرورية، لأننا أصبحنا نمارس عملنا ونحن مهددون بتصدعات البناية وتلاشيها، بالإضافة إلى تواجد أشجار الأوكاليبتوس العالية التي تهدد حياة الأبرياء في مدخل السوق". وأضاف الكاتب العام للجمعية ذاتها أن التجار "ما زالوا ينتظرون الإجابة على طلباتهم من أجل توفير الأجواء الملائمة لاشتغالهم، رغم أنهم يجمعون على أن لا شيء يوحي بأن هذا السوق سيخرج من دوامة الإهمال، محملين السلطة المحلية كامل المسؤولية في حالة وقوع أية حادثة نتيجة هذا الوضع المتردي"، مختتما حديثه بالقول: "حْنا حتى كاتْوْقعْ شي كارثة عادْ كانوضو نْصلْحو". المجلس الجماعي لا يجيب وحرصا منها على نيل رأي المجلس الجماعي، التقت هسبريس بطارق العروصي، رئيس الجماعة الترابية لسيدي سليمان، الذي عودنا على تواصله الدائم، من أجل تضمين إفادته في الموضوع، فطلب الاتصال به لاحقا، إلا أن التواصل لم يتم حسب الوعد والموعد المقدمين. ورغم ذلك عاودنا الاتصال به مرّات متعدّدة، إلاّ أن هاتفه ظل يرن دون مجيب.