"نهاية البغدادي أمير داعش لا تعني نهاية الفكر المتطرّف معه"، على هذه النقطة تدندن الكثير من التعليقات السياسية والصحافية والبحثية على إعلان الولاياتالمتحدةالأمريكية خبر قتل أمير تنظيم الدّولة. ويؤكّد المؤرّخ والكاتب المغربي حسن أوريد هذه الفكرة، مذكّرا بأنّ "نهاية أسامة بلادن لم تكن نهاية الإرهاب"، ويزيد: "البغدادي مات، ولكن خطر الإرهاب قائم"، وهو ما يقتضي إلى جانب العمل الأمني، والنّظر في البنيات التي تستغل لتأجيج الكراهية، والحوار في القضايا الحضارية مثل الهجرة، الدّخولَ في "معركة مخيال" على المدى البعيد. ورأى النور مؤخَّرا كتاب جديد لحسن أوريد بعنوان "Genèse de l'islamisme radical"، أي جذور الإسلام الراديكالي، جمع فيه دروسا كانت في أوّل الأمر موجّهة لطلبته في سلك الماستر، وتحاول فهم جذور التطرّف في صيغته الإسلامية، من خلال البحث في منبت الإخوان المسلمين، وتنظير سيد قطب، والسياق السعودي، ودور الثورة الإيرانية، والحاضنة الأفغانية، والبحث في وعظ يوسف القرضاوي، و"الجرّاح الأحمق"، أي الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأصول داعش، وما يتجاوز مساحة تنظيم الدّولة الضيّقة. التقت جريدة هسبريس الإلكترونية المؤرخ والكاتب حسن أوريد، وتفاعلت معه حول أسئلة ما بعد تنظيم الدولة، وتركيب ظاهرة التطرّف، ومضامين عمله الجديد حول جذور الإسلام الراديكالي. تتشابه الطريقة التي قضى بها أبو بكر البغدادي، أمير تنظيم داعش، مع مصير أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، فكانا من المطلوبين الأُوَل، ولما قُتِلا بناء على معلومات مخابراتية رُميا في البحر، ما أثرى بعض نظريات المؤامرة، ما تعليقك أولا على هذا؟. أنا لا أستطيع أن أتحدّث عن الحدث الساخن وما واكبه، فليست لديَّ معطيات، وينبغي الاحتياط من المعلومات الأولى في شأن أحداث من هذا القبيل. وطبعا هناك من أجروا المقارنة بين مقتل بن لادن ومقتل البغدادي، ومنهم الصحافي الكبير توماس فريدمان. ولكن، على أساس أنّ نهاية أسامة بلادن لم تكن نهاية الإرهاب، وإذا كانت هناك نتيجة يمكن أن أستخلِصها وأخلُص إليها هي أنّ البغدادي مات ولكن خطر الإرهاب قائم. الذي يمكن أن أقوله هو لا بدّ من مقاربة جديدة، لأن المسألة في نهاية المطاف ليست مرتبطة بقيادة وأشخاص، أو بتنظيم، بقدر ما هي مرتبطة بتوجّه فكري مُعَيّن، لذلك لا بدّ من مقاربة جديدة للتّصدّي لهذه الآفة. إذن داعش لن ينتهي على الإطلاق بموت أميره السّابق؟ هذا هو الاتجاه الغالب لدى المحلّلين والخبراء، الذين يحذّرون من الازدِهاء، وينصحون بنوع من التريّث، بل يذهبون أبعد إلى النّصح بمقاربة جديدة. وأشرت مثلا إلى توماس فريدمان، الذي يعتبر من كبار المختَصِّين والعارفين بالمنطقة، والذي يُحَذّر مما يسمّيه التّعويل على الديكتاتور الأوّل المفضّل، أي بتعبير آخر، هو ينتقد الاعتماد على المقاربة الأمنية وحدها، وينصح بالتصدّي للشّروط الموضوعية التي تُفضي إلى التطرّف، مثلما ينصح بمقاربة جديدة في الشّرق الأوسط، من خلال دعم الاتجاهات أو الدّول التي ترعى هامشا من الحرية والتسامح. أعتقد أنّ هذا ما ينبغي، عوض أن نركّز على بعض الأحداث أو الأشخاص، يجب التفكير جماعيا، ومليّا، في مقاربة جماعية حول ظاهرة معقدة..الإرهاب ليس شأن دولة بعينها، ولكنّه آفة عالمية، وينبغي أن تتضافر جهود الجميع من أجل التصدّي له. ومن الأمور الأساسية معالجة ودراسة الظّروف الموضوعية المفضية إلى التطرّف. أيُنذر عدم معالجة الظروف الموضوعية للتطرّف بتوحّش أكبر من توحّش "داعش"؟.. على كلّ حال، الذي نعرفه من خلال التّجربة أن القضاء على التّنظيم في الرّقّة مثلا لم ينه الإرهاب، والدليل هو وقوع أعمال إرهابية في سريلانكا. ولذلك عوض التّركيز على التّنظيم ينبغي التّركيز على الفكر الحاضن لهذا التوجّه. وهذا لا يعني الاستغناء عن العمل الأمني، فله شرعيته، وله طبعا أسلوبه، وأولويّاته. لكن، هذا العمل على أهميته، لأنه يتعلّق بأمن وسلامة المواطنين، لا بدّ أن تدعمه توجّهات أخرى على المدى المتوسّط، من خلال النّظر إلى البنيات التي يمكن أن تستغلّ لتأجيج الكراهية، مثل أوضاع بعض الشّرائح في ضواحي المدن الأوروبية، أو مشاكل الهجرة مثلا، أو حتى في البلدان النامية. لكن هناك عملا آخر ينصرف إلى المدى الطّويل، ويمكن أن يسمّى معركة المخيال، أو سرد جديد، وهو أمر مهمّ. وأعتقد أنّه إذا كان هناك أمر يمكن أن نقوله، وهو موضوع العمل الذي قمت به من خلال رصد جذور التطرّف، لا بد من مخيال جديد، ولا بدّ من سرد جديد. هناك أعمال في الساحة المغربية، والإسلامية بشكل أعمّ، تروم تفكيك خطاب التطرف، وتعزيز السلم... أليس التطرف ظاهرة مركّبة تحتاج عملا لا يكتفي فقط بمعالجة النصوص وتنقيحها وإعادة التفكير فيها، بل تحتاج أيضا إدماجا سياسيا واجتماعيا، ومعالجة للمشاكلِ التي تنمي القابلية للتّطرف؟.. أنا أتفق، ولم أقل إنّ هناك عملا واحدا ووحيدا يلغي جميع الأعمال. والمخيال الجديد يقوم على تفكيك خطاب التطرّف..هناك جهود محمودة هنا في المغرب، وخارجه، حتى من داخل المؤسّسات الرسمية، ولا ينبغي أن نستهين بها، بل لا بدّ أن نشيد بها. لكن، هناك جانب آخر في قضايا يبدو لي أنّها لم تحظَ بأولوية إلى الآن، وهو الحوار في ما يخصّ قضايا حضارية، منها مثلا ما هو مرتبط بالهجرة. هذا موضوع أساسي، لأن الهجرة ليست فقط انتقال أشخاص من مكان إلى مكان، بل انتقال أفكار وتصورات من مكان إلى آخر؛ ولذلك لا بدّ طبعا من التفكير مليّا في قضية الهجرة، فالأشخاص لا يأتون فقط كأجساد، بل يحملون تصوّرات، وقد يؤجّج عدم استيعابِهم الحرمان، ولذلك لا بدّ من التفكير في ما يخصّ قضايا الهجرة. لا بدّ من التفكير في التربية كذلك، والكثير من القضايا التي قد تَعرض في الدول الغربية قد يكون مصدرها من الدول المُصدّرة للهجرة، والعكس كذلك، ولذلك قضية التربية لم تعد شأنا وطنيا صرفا. لا بدّ كذلك من معالجة القضايا السياسية العالقة الكبرى، ومنها مثلا القضية الفلسطينية؛ وهي أمور أساسية في تصوّري من أجل بناء سرد جديد. وبإيجاز شديد، المخيال الجماعي الجديد يقوم أولا على تفكيك خطاب التطرف، وثانيا على فتح سجلّ الحوار في قضايا شائكة. آخر إصداراتك كتاب بعنوان "Genèse de l'islamisme radical"، أي جذور الإسلام الراديكالي، ما الذي تناولَه هذا المؤلّف؟.. كان ينبغي أن أفهم هذه الظاهرة المركّبة، والمعقّدة، وأتيح لي أن أحضر مؤتمرا حول التطرّف أو الإرهاب ببغداد، في مارس 2014، وكان من الأسباب التي دفعتني إلى أن أفهم.. وكان موضوع حلقة دراسية "Séminaire" حول الإسلام الراديكالي، في شعبة الماستر بكلية الحقوق بالرباط، من خلال دراسة مستفيضة لثلاث سنوات. ولا يمكن أن نختزل "الإسلام الراديكالي" فقط في ظهور داعش أو الدولة الإسلامية؛ فهناك جذور عميقة، منها من دون شكّ خطاب قد يعود إلى الإخوان المسلمين، والخطاب الراديكالي الذي برز مع سيد قطب، وإلى أدبيات الثورة الإيرانية..البعض ينسى تأثير الثورة الإيرانية في ما يخصّ التطرّف، والتجربة الحاضنة التي كانت هي أفغانستان. هناك أيضا دراسات عميقة ومهمّة حول المنظومة التربوية التي كانت سائدة في السعودية، والتي كانت تدعم التطرف وتُؤجّج الكراهية، ودُرست باستفاضة، ولا يمكن أن نضرب صفحا على هذا الجانب؛ فضلا عن قصور النظر الغربي، فحرب الولاياتالمتحدةالأمريكية في 2003 على العراق لم تحلّ المشاكل بقدر ما أجّجتها. وتصرفت الولاياتالمتحدة كما قال دومينيك فيلبان كطبيب جراح أهوج "Le chirurgien fou". يمكن كذلك أن نضيف عاملا مهمّا جدّا، اطّلعت عليه خلال زيارة إلى العراق في 2013، ولقائي مع الكثير من الفعاليات، وهو مدى تأثير الحصار على الشّعب العراقي، وتأجيجِه الشعور بالكراهية والحقد للمنظومة الغربية، وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية. وكان للحصار تأثير أكثر سلبية من الحرب الإيرانية - العراقية. هي عوامل متداخلة ومركّبة في نهاية المطاف.