بعد أن أفرغت الحكومة 55 اجتماعا تنسيقيا ومحضر الاتفاق الموقع بين الوزارة والنقابات من محتواها    وزير الشؤون الخارجية الغامبي: التعاون مع المغرب نموذجي وفي تطور مستمر    مزور: الاتفاقية مع شركة (أوراكل) تعزز مكانة المغرب باعتباره قطبا للتكنولوجيات الرقمية    الاستعداد لأولمبياد باريس 2024 .. بنموسى يترأس جلسة عمل مع اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية    البحرية الملكية تعترض مهاجرين سريين جنوب غرب طانطان    شاب ثلاثيني يضع حدا لحياته بضواحي الحسيمة    شفشاون على موعد مع النسخة الثانية من المهرجان الدولي لفن الطبخ المتوسطي    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    26 إصابة جديدة ب "كوفيد-19" ما بين 4 و 10 ماي الجاري    الأمم المتحدة تعتمد قرارا يوصي مجلس الأمن بإعادة النظر في عضوية فلسطين    الرباط.. الإعلان عن مشاريع ترميم وإعمار بالقدس بمليون دولار    نقابة "البيجيدي": آن الأوان لإيقاف التطبيع وإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط    الأمن يوقف 5 أشخاص متلبسين بتنفيذ عملية للهجرة السرية بضواحي الجديدة (صور)    القطاع السياحي يسجل رقما قياسيا تجاوز 1.3 مليون سائح خلال أبريل الماضي    العثماني يلتقي إسماعيل هنية في قطر    جماعة طنجة تطلق أولى صفقات إصلاح الشوارع والأزقة بغلاف يناهز 8.5 مليون درهم    تنديد حقوقي بالحكم الصادر بحق الحيرش ومطالب بإطلاق سراحه واحترام حرية التعبير    بيع كتب ألفت عبر "تشات جي بي تي"… ظاهرة في "أمازون" تتيح تحقيق أرباح عالية        غوتيريش يحذر من أن هجوما بريا إسرائيليا على رفح سيؤدي إلى "كارثة إنسانية"    سحب 332 "رخصة ثقة" من سائقي سيارات الأجرة بمراكش    الفيدرالية الوطنية للشبيبة التجمعية تستقبل شبيبة حزب مؤتمر التقدميين النيجيري    تأشيرة الخليج الموحدة تدخل حيز التنفيذ مطلع 2025    2900 مظاهرة بالمغرب دعما لفلسطين    نهضة بركان يطرح تذاكر مباراته أمام الزمالك المصري    نقابة تنبه لوجود شبهات فساد بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير    قرار جديد من القضاء المصري في قضية اعتداء الشحات على الشيبي    إحداث منصة رقمية لتلقي طلبات الحصول على "بطاقة شخص في وضعية إعاقة"    متضررة من لقاح كورونا تشيد بالقضاء المغربي .. ووزارة الصحة تستأنف الحكم    تصفيات المونديال.. المنتخب المغربي النسوي لأقل من 17 سنة يواجه نظيره الجزائري    أخنوش يرد بقوة على تقرير مجلس الشامي: الحكومة تبدع الحلول ولا تكتفي فقط بالتشخيص    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الارتفاع    أخصائية التغذية ل"رسالة24″… أسباب عديدة يمكن أن تؤدي لتسمم الغذائي    السلة: الوداد في صدام قوي أمام المغرب الفاسي    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب والجزائر ضمن تصفيات مونديال الفتيات    أزْهَر المُعْجم على يَد أبي العزْم!    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    المدرب المخضرم بيليغريني يحسم الجدل حول مستقبل المغربي الزلزولي    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    معرض تلاميذي يحاكي أعمال رواد مغاربة    المعرض الدولي للأركان في دورته الثالثة يفتتح فعالياته وسط موجة غلاء زيته واحتكار المنتوج    الدمليج يقدم "بوريوس" في المهرجان الوطني الرابع لهواة المسرح بمراكش    الحسين حنين رئيس الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام: يتعهد بالدفاع عن المهنيين وتعزيز الإنتاج الوطني    أيوب الكعبي يواصل تألقه في دوري المؤتمر الأوروبي    ارتفاع أسعار النفط بفضل بيانات صينية قوية وصراع الشرق الأوسط    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هل باتت إمدادات القمح بالعالم مهددة؟    تقرير إخباري l أمريكا تُقرر رفع الرسوم الجمركية على واردات "الفوسفاط المغربي" بسبب استفادته من امتيازات حكومية    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    النادي الثقافي ينظم ورشة في الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية/ عرباوة    أصالة نصري تنفي الشائعات    ندوة دولية حول السيرة النبوية برحاب كلية الآداب ببنمسيك    بعد محاولة اغتياله.. زيلينسكي يقيل المسؤول عن أمنه الشخصي    السعودية تختار المغرب باعتباره الدولة العربية الوحيدة في مبادرة "الطريق إلى مكة المكرمة"    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طفل أمام ثعبان بأربعة رؤوس!
نشر في هسبريس يوم 31 - 01 - 2020


شريط القصة
أحداث مروعة هزّت الرأي العام الفرنسي، تجري بين أحواز إيموزار مرموشة ومراكش، يشارك في حبائلها وخيوطها شخوص تختلف أطماع كل منهم؛ بين مشعوذ يصطاد الكنوز، وبين سفاح يتاجر في دماء وأعضاء الأطفال، وبين متحرش بالأطفال Pedophilia، وآخر مختطف وباحث عن فدية... أعينهم جميعا مسلطة على Alexandre الطفل الفرنسي الذي جاء صحبة أسرته لتمضية إجازة سنوية بالمغرب.
داخل سوق أسبوعية
بدت أدخنة من بعيد تترنح في الفضاء محاذية لتلال صخرية، حيث ترقد في سفوحها بيوت طينية وخيام متناثرة، تصفع مداخلها بين الفينة والأخرى رياح صقيعية. التفت إلى جليسه وهو يهُم بإشعال لفافة حشيشية:
"... سوقْ أغبالو... نعم.. طال عهدي به.. لم أتسوقه منذ..."، شعر بخلل ما عطل محرك سيارته Renault(R4) .
جليسه مرتبكا: ".. ربما خزان الوقود نفد.. سندفع بها.. السوق أصبحت قريبة.."
حاولا جهدهما الدفع بها رغم مقاومة تيارات الرياح الهوجاء التي كانت تعبث بتلابيهما.. أودعوها بالقرب من مربض البهائم الذي بدا خاليا، سلكا طريقا موحلا، وأعينهما تتهافت على ملجأ يقيهما لسعات الصقيع. ولجا إلى داخل قيطون (خيمة)؛ يقعد عند مدخله رجل ملتح بنظرات دامعة شاخصة في مقلاة كبيرة تترنح وسط زيوتها أقراص إسفنجية بألوان ضاربة إلى الاصفرار.. بين الحين والآخر، كان يستنشق قطرات سائلة كلما عاودت خياشيمه، لا تفتر أياديه عن مناولة أطباق الإسفنج، يردفها ببراريد شاي... بحركات رتيبة، وإذا غمغم بفمه سمعت منه: "... شدْ منّو ...100 ..160 ...200 ريال.."
اقتعد رحو وجليسه المختار يصطليان بجوار "لهبوب الشّفّاج"، لم يمكثا قليلا حتى انضم إليهما شخص ثالث بجلباب أسود ينسدل قليلا إلى ركبتيه، ينتعل حذاء رياضيا خشنا ضاربا إلى لون الوحل، تنحدر إلى صدره لحية سوداء مخضبة بالحناء، لا يكف عن مداعبتها بأنامل مظفرة شبيهة بمخالب النسر. جحظت عيناه وهو يتفرس صاحبيه يمضغان ويشربان ويستنشقان سائل أنفيهما... قعد إلى جوارهما، ودون استئذان انقضت يده على إسفنجة ليصوب أطرافها إلى فمه الذي بدا أشبه بغار تراكمت الحشائش من حوله.
ولما فرغ المرزوقي من الأكل أطبق كفيه يحكها ويسوي بهما لحيته. قعد مطبقا إلى الأرض قبل أن يتوجه إلى صاحبيه:
".. شوفْ آسّي رحو... القضيّا اصْعيبا.. حاولْت نبدّل لبلاصا.. لكن ديما كان يخرج ليّا.. نفس الشّرطْ .."
رحو مستفسرا: ".. واشْ طلبو ليكْ.. ياكْ ما شي عتْروس اكْحل..؟"
المرزوقي: "... لا ..لا.. مصّابْ لو كانْ عتروس.. ولا حتى اعْجل..."
رحو متلهفا: ".. آشْ غايكون.. هدا الشرط كًاعْ..؟"
المرزوقي: ".. الدم.. .. الدم.. ولد سبع سنين .."
رحو يفرك لحيته بقوة كما لو أخذ يتأمل ثم طفق يقول: ".. نجرْبو كمّا جربو لاخرين..."
المرزوقي يصدر زفرات وهو يهم بالوقوف: "... ولد سبع سنين اعينيه خوضر ..."
رحو يشيع صاحبه بجملة ذات دلالة: ".. هي ..نصراني والسلام .."
ترك المرزوقي الخيمة وسط سيول مطرية جارفة باتجاه حافلة كانت تهم بالإقلاع.
اجتماع أولي بنوايا دفينة
في جوف ليل بهيم، مع توالي عواء الرياح في تلال تقبع بسفوحها أحجار صخرية بدت في لمعان البرق أشبه بهامات بشرية واقفة تحت شجرة صفصاف؛ كانت تربض R4، بداخلها يجري الحديث بهمس بين ثلاثتهم: المرزوقي ورحو ولهبوب؛
المرزوقي: ".. هذا هو الجو.. المناسب "، استل ورقة وتركها في مهب الريح، ثم استطرد قائلا: "... خلّي الريح تلعبْ بها... فينْ مّا.. حصْلت.. تمّ غادي نحفرو... راه آسيادنا لعْبارْ ادْيالنا مقادْ ..أودابا .."، يحس المرزوقي بأحد يطلبه على الهاتف:
".. آلو.. آلو.. اشْكون معايا... الله.. الله.. هههها والله ما يحسابْني إلاّ نعاستي.. عارف ..ألاّ.. عارف.. واشْ خابْيا دلويزْ غاتخلّي الواحدْ ينعاسْ.. شوف آلحاج المرْجا.. العهد اللي بيناتنا.. هوّا يبقا السر محفوظ... راه أولاد الحرام غيرهما.. شوف آلحاج.. خاصنا مليون ادْيال البخور.. غادي انْجي لعندك لقيساريّا.. واخّا... يالله.."
أخرج المرزوقي ورقة أخرى مطلسمة، وقبل أن يضعها في مهب الريح، جعل يتمتم... وخرششة الورقة تقارب أن تصك أذنيه.. وكأن ريحا ما تحاول أن تنتزعها من بين أنامله ..
عادوا أدراجهم وقد انحشروا ثانية داخل R4 بأضواء باهتة، لا يكادون يستبينون طريقهم في عتمة الليل وسط أشجار العليق .
".. ولكن آشْ المعمول.. معا ولدْ سبعا.. وعينيه خضر.. ! "، قالها رحو وهو يهم بإشعال لفافته الحشيشية المفضلة .
المرزوقي: ".. اصْباحْ.. رباح.. غادي نفكرو اجْميعْ.. فهد القضية.. غيرْ الهمزا مخصّهاشْ.. تفْلاتْ من يدّينا .."
أطماع تؤرق نوم الجميع
لم يكن الحاج المرجا يذوق طعم النوم.. كلما هم بإغماض جفنيه إلا ومثلت أمامه الخابية وهي تطفح بكل أنواع المجوهرات، مثلما سبق أن شاهده في شريط "علي بابا والأربعين حرامي"، كان يتمثل له شخصه في قصر بديع يختال بين صبايا يعزفن ويروحن عليه بالمناديل يمنة ويسرة.. وهو.. يصيح مقهقها؛ لا يفتأ عن نثر الأوراق المالية من خلفه لينتشي بمشهدهن وهن يتهافتن على التقاطها شبه عاريات.. لكن مكالمة ما حالت بينه وبين غرقه في أحلامه اللذيذة:
".. آشكونْ.. آشْنو تمّا.. إيه أنتا المرزوقي.. ياكْ اخْديتي المليون.. كنتْ نتسنّا ..تقولّي آجي خود الخابيا.. ولكن.. كيفاشْ..؟ مراكش؟ بالضبط.. فهمت.. فهمت.. خاصْني نمشي معاكم فالطوموبيل ادْيالي.. ولكن.. واخّا.. واخّا .."
كان أحد المقربين من المرزوقي قد أشار عليه بقصد أحياء مراكش التي أصبحت تعج بالأجانب؛ يتسكعون بين أزقتها ودروبها. أمضوا يومين في البحث والترصد، فوقعت أنظارهم على طفل في سن السابعة بشعر أشقر وعينين خضراوين، لا يكف عن اللعب بدراجة هوائية بالقرب من حديقة شبه مهجورة. رصدوا خطواته والفيلاّ التي يقفل إليها عائدا، فأجمعوا أمرهم على ألا يدخلوا معه في أي حوار ولا كلموه خشية أن يجفل أو يرتاب في سحنتهم..
وحتى يتسنى لأيديهم تكميم فمه وأخذه إلى صندوق السيارة من غير انزعاج؛ أضرموا النار في شجيرة هناك غير بعيد عن الطفل، فهرع سكان الحي واتجهت أنظارهم صوب ألسنة النيران تتعالى في الأفق مختلطة بسحام داكن حجب الرؤيا عن الواجهة الأخرى.
الطفل بداخل الصندوق
اقتربوا منه وهو يحملق مشدوها في النيران من بعيد، اجتزأوا قطعة من لفة لصاق كانوا يحملونها معهم، حاولوا تكميم فمه حتى لا يجرؤ على الصراخ، وفي الحين انطلقت السيارة بسرعة جنونية متوارية عن الأنظار.. فسلكت طريقا مهجورا بين سيقان أشجار النخيل العجاف. فجأة توقفت السيارة والتفت المرجا إلى المرزوقي وهو يحاول أن يمسح جبينه الذي كان يتصبب عرقا:
".. ادّري.. جيبوه لقدّامنا.. قبل ما توقعْ ليه.."
رحو مقاطعا ".. شوفْ آلحاج.. فينْ خلّيتي البراجات واجّدارميّا.. امْنين اشوفو الولد ازْعر راكب معنا... بعيد الشبه بينو وبينّا... قد ما بعدت السما على الأرض..."
المرزوقي بنبرة حادة: "... امْنينْ يبانو... لينا من بعيدْ نديروه.. فوسطنا تحت الكوسانا .."
تحروا حلول الظلام.. ليستأنفوا طريقهم إلى إفران فإيموزار، ومن ثم إلى أغبالو ..
افتقاد الطفل..
لم يعد إلى المنزل كعادته، ولا عثروا على دراجته... حاولوا الاتصال بالجيران؛ أمه إيزابيلا Isabella وشقيقته الكبرى إيمي Imai، انتظروا حتى ساعات متأخرة من الليل، وهم منشغلون بالاتصالات.. اضطروا إلى إبلاغ والده الذي كان يشتغل طيارا في شركة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية..
امتدت دائرة الاتصالات إلى خلية الأمن الوطني فوزارة الداخلية التي وصلها عبر السفارة الفرنسية بالرباط أن المواطن الفرنسيDouglass Bordo دوغلاس بوردو الذي يمضي إجازة بمراكش قد تعرض ابنه للاختطاف من أطراف ما زالت مجهولة.. فاستنفرت كافة أجهزتها لمزيد من التحري والبحث عن الطفل المختطف، لا سيما بعد أن علمت أن عائلة دوغلاس على علاقة بجهة نافذة في السلطة الفرنسية.
تحول في مسار الأحداث
أودعوا الطفل في عهدة رحو الذي استطاع استدراجه إلى فتح فمه والتحدث قليلا، بعد أن ظل طوال يومين يكتفي بنظرات دامعة إلى جدران مهترئة، وجد نفسه فجأة معزولا بينها، جوار أشخاص غرباء. جعله يدنو من مدفئة حطبية تفور بأدخنة حولت فضاء الغرفة إلى ما يشبه الفرن، تعذر معه تنفس الطفل، فجعل سعاله يتوالى وصيحات رحو لا تكف عن النعيق :
" parle..ne ayez p,,peur.Votre nom.. ? J'ai dit ..V,n,,Repon ,, svp « "
في هذه الأثناء، وبينما كان يلح على سماع صوته، إذا به يلاحظ سلسلة قلادة تلمع حول عنقه، نثرها منه فإذا هي عبارة عن علبة صغيرة في حجم فص الخاتم، فتحها وعثر بداخلها على شريحة قصديرية تحمل اسم الطفل ورقمين هاتفيين أحدهما بمفتاح المغرب بينما الآخر ينتمي إلى فرنسا.
ظل مطرقا برأسه إلى الأرض.. ينفش في أعواد حمراء تتلوى وتحترق قبالته في الموقد، بين الفينة والأخرى، كان يعيد النظر في العلبة، وفجأة لمعت في رأسه أفكار وأفكار... تراجع إلى الخلف وعلى حين غرة نطق اسم ألكسندر Alexandre الذي عثر عليه منقوشا في الشريحة، وكم كانت دهشته وهو يرى رد فعل الطفل.. حين استدار بخفة إلى الخلف بصوت مختنق :
"" .... Oui ,,,,mama ,, ""، وعلى التو غادر الغرفة صحبة الطفل الذي غمره بجناحي سلهامه يريد عربته (R4) لينتقل إلى منطقة جبلية شبه جرداء، حيث سيأوي إلى منزل طيني، كان يختلي إليه كلما عثر على صيد ثمين.
عملية البحث تتواصل وتتكثف
قعدت مدام إزابيلا بعينين متورمتين تحتضن هاتفها في ترقب شديد لمكالمة عن مصير صغيرها، لا تقوى على كفكفة دموعها وهي تنساب بغزارة على خديها، كل الجهات التي طرقتها أو أعادت طرقها كانت تجيبها بجملة واحدة :
". Ne v inquiètez p,,Madam ,,n v informes de t,,nouveau,"
وفي ساعة متأخرة من الليل إذا بهاتفها يرن من مصدر مجهول ".. فقط لم تكن آذانها تلتقط سوى أنفاس متقطعة، لم يجرؤ صاحبها على الكلام، فاعتقدت حينه أن ابنها في قبضة جهة مجهولة تريد الاستخبار عن رقمي الهاتف...
أقفلت الهاتف... وفي الهزيع الأخير من الليل عاد الاتصال بها من جديد، فلنسمع لهذه المكالمة التي بدت لها مسجلة :
« Etes v sa mère … bon ….V..fils Alexandre va bien… ;s,,,o,,n retour ,,,a,,, vous ,,,,a,,,,besoin d….argent,,,,,, pour ,,,,le sép,,,,,des mains,,,,,d g,,,,criminal,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,»
التحق فريق من الشرطة القضائية بمدام إيزابيلا... لتتبع أطوار القضية عن كثب وعبر شبكة الاتصالات... وكم كان اندهاشهم وهم يرون صورة المكان الذي يوجد فيه الطفل، والذي لم يكن سوى منزل الحاج المرجا، بعث به رحو للتمويه، وأسفله كتب بأحرف بارزة :
Vingt Million pour……V enfant
تفقد المرزوقي رفقة ج. المرجا بيت رحو لبدء العد التنازلي لذبح الطفل وتقديم دمه قربانا لحراس الكنز، ومن ثم الشروع في الحفر حيث استقرت الورقة. لم يعثروا له على أثر... عاودوا الاتصال به.. لكن سكته ظلت مقفلة.... تشعبت بهم تخميناتهم إلى حد أن اعتقدوا أن صاحبهم رحو صحبة الطفل قد اكتشف أمره... وأنه الآن قد يكون خاضعا لعصا التحقيق، ولم يجدوا بدا من الفرار والانزواء في مكان بعيد.
قمر صناعي لتتبع الأحداث
لم يكن هاتف إيزابيلا ليهدأ ولو للحظة جراء وابل المكالمات التي كانت تتهاطل عليها من داخل المغرب وخارجه؛ مستفسرة، ومساندة، وشاجبة، ومستنكرة .
مرة أخرى تهدأ حركة الجميع، وقد تحلقوا حول شاشة كبيرة كانت قد نصبتها الفرقة القضائية صحبة خبراء الاتصالات داخل عربة مصفحة تابعة للدرك الملكي، تابعوا عن كثب كل الاتصالات والصور التي يتلقاها هاتف إيزابيلا ،، بغرض تحليلها، وفجأة ستظهر على الشاشة :
« 20MDouar aghroum Arbre »
ما لبث أن تلاها صوت منفعل: ".... ما تحاوْلوشْ تلعبو ....وإلاّ... غادي يكون الولد فخطر...."
وفي غمرة هذا الجو القاتم جاء صوت جارح للطفل، يخفي نفسية محطمة :
« ,,,Mama,,,je,,,suis,,,t,,,,fils,,,,je,,,v,,bien,,me,,,compare,,,,pas avec de ,,,,l'argent,,,,, »،،،،،
كان يتلعثم في نطقها وكأنها لقّنت له بعناية، ولشد ما كان الألم يعتصر قلب أمه وهي تسمع أول مرة صوت ولدها بعد 48 ساعة من اختطافه، توجهت قائلة إلى أفراد المخابرات:
" .... نعم سأقبل، والمبلغ موجود، لكن أترجاكم ألا تساوموا في فك سراحه، حتى لا يتعرض لأي أذى .."
قادتهم التحريات والتحليلات إلى ورود المعلومات الهاتفية من جهة فاس بمنطقة جبلية قريبة من مركز إيموزار مرموشة وأن تغطيتها الكهرمغناطيسية جد ضعيفة، مما يتعذر معه تحديد نقطة الاتصال؛ لكن بالنظر إلى الأطراف المتدخلة وحساسية العلاقات الفرنسية المغربية... استنجدت الفرقة القضائية بمركز القمر الصناعي المغربي... وفي وقت وجيز توصلوا بإحداثيات المكان المجاور لأغبالو أجورار حيث يكمن المختطف صحبة الطفل، في انتظار ظهور وافد عليه يحمل حقيبة ما.
ظلت الفرقة على اتصال بخلية مماثلة لها تربض قريبا من إيموزار مرموشة.
حقيبة العشرين مليونا في طريقها للمختطف
عاد الاتصال بالأم إيزابيلا لتفيدها بأن الحقيبة في طريقها إليه يحملها شخص بجلباب أبيض كما اشترط... في هذه الأثناء حدث أن غير مكانه وترك به جهاز تسجيل قابل للتحكم عن بعد. كانت أضواء الإحداثيات على الشاشة تؤشر على اقتراب الحقيبة من النقطة المحددة، بجوار البقعة الحمراء الهدف الأخير، في دائرة تنتشر على محيطها أفراد من فرقة الكوماندو السريع.
كان الاتفاق، كما أشعرهم بذلك المختطف، يقضي بالاتصال برقم هاتفي ليدلهم على مخبأ الطفل بمجرد ترك الحقيبة والابتعاد عنها... الأنظار متجهة صوب الشاشة تتبع مشهد استنقاذ الطفل من "لدغة ثعبان"، وهي التسمية التي أطلقوها على العملية. ومن حسن الطالع أن القمر الصناعي دخل مدار التقاط الصور وأصبحت الفرقة قادرة على معاينة المشهد حيا ومباشرا.
توهيم وتضليل ولكن..
كان المختطف قابعا وراء أكمة غير بعيد من النقطة المحددة.... فجأة سيرى شخصا بجلباب أبيض يحمل حقيبة في حجم حاسوب، كانت خطواته حذرة... أخذت تتباطأ وهو يقترب من شجرة صفصاف معزولة... حطّها.. ثم ولى منصرفا .... لحظات ويظهر المختطف بوجه مقنع.... سار بخطوات متثاقلة... توقف منتصبا مجيلا بنظراته إلى من حوله قبل أن يلتقط الحقيبة .... ويعود أدراجه..... بيد أن آذانه ستلتقط صوتا تحذيريا... كان صادرا من بعيد: ".. سلّم الطفل... سلّم... وإلاّ غايقتلوكْ.."، في هذه الأثناء ضغط على زر جهاز يدوي يحمله... وإذا بصوت حاد للطفل ينبعث من وهْدة هناك :
« Mama ,,,, « Mama ,,,je suis,,,,la,,,Mam »,
تحولت أعين الرقباء إلى مصدر الصراخ، اعتقدوا بأن الطفل عالق هناك... لكن وجدوا بدله جهاز تسجيل، بينما كان المختطف قد ارتمى داخل سيارته ذات الدفع الرباعي صحبة الطفل، انطلقت بسرعة جنونية باتجاه غابة صنوبر ملتفة الأغصان والأوراق... وما إن هم بدخولها حتى حاصرته من فوق طائرة حوامة مصدرة له تحذيرها:
"... خلّي الولدْ.... خلّي الولدْ .... "، وفي غمرة التحذيرات المتتالية ومحاصرته، ترك السيارة وفر هاربا بالحقيبة إلى داخل الغابة... كان يركض وأنفاسه تتلاحق بشدة، حتى إذا توغل بين الأشجار والأغصان توقف قليلا بعد أن لم تعد هناك أصوات آليات مطاردته تنتهي إلى مسامعه .
Ou,,,Mama…i
تقدموا من السيارة أنزلوا الطفل الذي اعتلت ملامحه شحوب مع ضمور باد في محجريه، كان لا ينفك عن الحشرجة مجيلا بصره في من حوله: ؟ " Ou,,,Mama… "
كانت هناك بطارية مدفونة في أحشاء الحقيبة، مكنت الفرقة القضائية تتبعها مع حاملها... فتح المختطف الحقيبة وجعل يتأمل رزم أوراقها النقدية، بعينين جاحظتين ومذعورتين... لكن سرعان ما سيغلقها ويصيخ بأذنيه التي كانت تلتقط أصوات نباح كلاب قادمة صوبه... صعد شجرة هناك والتف بأغصانها وعروشها... لكن لم يلبث قليلا حتى رأى الشجرة محاصرة بكلاب بوليسية تنبح بأعين متقدة في اتجاهه.
التحقيق ونتائج مهولة
اقتادوا المختطف، وفي تحقيقات أولية أسفرت عن أن المسمى رحو لقي حتفه على يد المختطف رينغو الذي كان أحد ندمائه بذلك القفر. وأما رقم الهاتف فكان في حوزة الحاج المرجا الذي كشفت التحريات أنه يتاجر بدماء الأطفال وأعضائهم بارتباط قوي مع شبكة منتشرة في شمال إفريقيا، وأما رحو المقتول فقد اغتصب الطفل حين انفرد به في ذلك الصقع قبل التحاق رينغو به، أما المرزوقي فقد كان مهووسا بالسحر والبحث عن الكنوز بدماء الأطفال !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.