وقد هممتُ بالحديث عن هذا الرجل العظيم عجز القلم عن الكتابة، ولم أجد ما أكافئ به هذا الفقيه الرباني غير أسطر ولو شحيحة؛ لكنها نابعة من عاطفة جياشة تنبض بحب كبير في الله لهذا الهرم.. وما كنت لأكتبها وهو حي، حتى لا يظن أحد بي أنني طامح، وقد زكاني رحمه الله -وما كنت لأكذب على ميت- لمناصب ومهام دينية عديدة وكنت أقترح عليه غيري في كل مرة. عرفت الأستاذ عبد الله، منذ أن عين رئيسا للمجلس؛ لكن زاد احتكاكي به بعد سنتين من هذا التعيين، بل صرت كظله لمدة خمس سنوات، كادت أن تكون أكثر لولا كيد الكائدين، أساعده على تسيير شؤون المجلس الإدارية والعلمية ويستشيرني في عدد من المسائل التي تتعلق بتسيير الشأن الديني، فلم أر منه إلا رجلا بقلب طفل صغير، لا يتسلل إليه الحقد والحسد والكراهية وحب الانتقام. رجل يأكل الكتب أكلا، قلما تجده في غير كتابة أو قراءة.. لم يحصل على شهادة جامعية عليا بدماغ فارغ كالكثيرين؛ لكنه كان موسوعة علمية وخزانة متنقلة يمزج بين العلوم الشرعية، والأدبية والاجتماعية والتصوف وحتى الفلسفية، مهووسا بقراءة القصص والروايات، ويشتري كل ماجد من المطبوعات والمؤلفات. لم أر في حياتي مخلصا للعرش مثله، ملكيا حتى النخاع، وطنيا بصدق ويدافع عن الوحدة الترابية بجد ودون كلل أو ملل. لا يكره المخالفين له في الرأي أو الدين أو العقيدة، ويدافع عن حقوق المرأة، ومن أعظم خصاله أنه لا يقبل الحديث عن أحد في غيابه إلا إذا كان في الصالح العام. تعلمت منه الكثير والكثير، ومما تعلمت منه التحضير، فقد كان إذا أراد أن يلقي درسا، أو خطبة، أو مداخلة إلا وأحسن تحضيرها وأعدها إعدادا قبليا محكما، وكتبها كتابة بخطه الرائع الجميل جمال سريرته. ومما عرفت عنه الاستماتة في الدفاع عن العلماء والمفكرين والخطباء والوعاظ وحملة القرآن، وقد أغدق على الكثيرين منهم من فيض شفاعاته الحسنة. برحيل هذا الرجل الفذ، يرحل صرح من صروح العلم وقامة من قامات الأدب، وجبل من جبال الأخلاق الفاضلة النادرة التي قل أصحابها في زمن طغيان المادة وغلبة الاخلاق الذميمة من قبيل النفاق والمصانعة والمداهنة والمجاملة. سي عبد الله اكديرة بن الطيبي، طيبك الله حيا وميتا، ومن قلبي أرجو لك أن يلحقك الله بجواره آمنا مطمئنا مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين. *دكتوراه في العقيدة ونائب رئيس مركز الرسالات وحوار الأديان. *عضو اللجنة العلمية الجهوية للتعليم العتيق وخطيب وواعظ بالرباط.