يحُوز المغرب ملفا مهما عنوانه "المسيرة الكحلة"، يمكن أن يستعمله كورقة ضغط كبيرة لصد "الحرب" التي فتحها النظام الجزائري على الرباط على جميع الأصعدة، سياسيا واقتصاديا وإعلاميا، عقب الأحداث الأخيرة في المعبر الحدودي الگرگرات. و"المسيرة الكحلة"، هي مأساة ارتكبها النظام الجزائري في حق عشرات الآلاف من المغاربة بتهجريهم قسريّا من الجزائر إلى المغرب، بعد مصادرة جميع ممتلكاتهم وأموالهم، كرد من سلطات الجارة الشرقية على المسيرة الخضراء عام 1975. وأنشأ المغاربة المطرودون من الجزائر جمعيتين للدفاع عن حقهم في جبر ما الحقه بهم النظام الجزائري من أضرار مادية ومعنوية شنيعة، وأوصلوا ملفهم إلى مجلس حقوق الإنسان بجنيف، لكنّ السلطات المغربية جعلت نفسها في منأى عن هذا الملف. ومع اشتداد الحرب التي تشنها الجزائر على المغرب في مختلف الجبهات بعد أحداث الگرگرات، يتساءل متابعون عن سبب عدم استغلال الرباط لملف "المسيرة الكحلة" كورقة ضغط بإمكانها أن تحقق هدفين: إنصاف المغاربة المطرودين، وصدّ العدوان الجزائري. يفسر أحمد نور الدين، المحلل المتخصص في العلاقات الدولية وشؤون الصحراء المغربية، عدم تدخل المغرب في ملف المغاربة المطرودين من الجزائر، بكون الرباط "تسعى إلى تفادي الدخول في حرب شاملة مع الجزائر، احتراما لعلاقات الجوار بين البلدين". ويرى المتحدث، في تصريح لهسبريس، أن المغرب مدعو إلى مراجعة هذه السياسة التي نهجها مع جاره الشرقي، "بعد أن اشتدّ العدوان الذي يمارسه النظام الجزائري"، مضيفا: "ربُع ما تنشره وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية يُخصص لمهاجمة المغرب، وهناك أيضا حرب اقتصادية يشنها النظام الجزائري على المغرب لهدم اقتصاده، وآن الأوان للرد على هذه الحرب الشاملة". وذهب نور الدين إلى القول إن ملف طرد الجزائر لعشرات الآلاف من المغاربة، يعدّ ورقة جد رابحة في يد المغرب، وأن تحريك هذا الملف ودعمه من طرف السلطات المغربية سيجعل الجزائر في مواجهة القضاء الدولي، على اعتبار أنّ القضية تتعلق بمسألة حقوق الإنسان بالدرجة الأولى، قبل أن تكون عيْنيّة. وأضاف أن "المسألة أكبر بكثير من التعويض عن أشياء عينية مثل الممتلكات الخاصة والبيوت والأموال وغيرها، لأن الترحيل القسري الذي تعرض هؤلاء الآلاف من المغاربة طال الأطفال والنساء والشيوخ، بدون جريمة سوى أنهم مغاربة"، ذاهبا إلى القول إن "المسيرة الكحلة لا يمكن أن تُقاس إلا بالجرائم التي ارتكبتها النازية، لأنه لا توجد حريمة تهجير قسري تعرّض أفرادها لمصادرة ممتلكاتهم وللتعذيب مثل هذه". واعتبر المختص في شؤون الصحراء أن عدم مسْك المغرب لملف المغاربة المطرودين من الجزائر في هذه الظرفية، "يُعتبر منطلقا خاطئا"، داعيا وزارة الخارجية إلى "إعادة حساباتها، وتقديم الدعم لهؤلاء المغاربة، وتنصيب محامين للدفاع عنهم أمام المحاكم الدولية، لجبر ضررهم من جهة، وثانيا للجم عدوان النظام العسكري الجزائري".