حينما قيل أن المشهد السياسي المغربي لا يتوفر على معارضة تواجه الأغلبية الحكومية، طرحت السؤال أولا من هي الجهات التي تدفع في هذا الاتجاه، فوجدت أنها من الأغلبية و من جهات إعلامية لا يبدو لنا أي شك اليوم بأنها ضد المعارضة، وتدافع عن تجربتها الحكومية. هذا ما أكد لي أن من يدافع عن الأغلبية اليوم فريق خائف يريد تقوية نفسه بتقزيم الأخر ولا يتوفر على مشروع حصيلة، بل حصيلة هزيلة طبعت سنة 2012. وأقول أن لولا بسالة عبد الإله بن كيران وقوة شخصيته مع حسن خطابته، لكانت الحكومة اليوم تعيش أياما سوداء بسبب الطموح والوهم الذي سقط فيه الشارع. الكل اعتقد أن مشاكل المغرب في حكومته وان كان ذلك فيه جزء من الصواب، دون الانتباه للاكراهات الطبيعية وأولها افتقارنا للثروات الطاقية مع تزايد استهلاكها. ومن واجبي كشاهد على العصر أن أعترف أننا والسابقون أهملنا قطاعات جوهرية من ناحية الفكر والغيرة وليس من ناحية التمويل، على رأسها التعليم العمومي والصحة العمومية. كيف سنفكر في الدفاع عن ما هو عمومي ونحن نفضل ما هو خصوصي وأجنبي؟ لكن على الإخوان التذكير بأن لا شيء يتحرك حتى تتغير الأمور في هذين القطاعين مثلا، ما عدا إجراءات والله أعلم. أين هو الإصلاح العميق لمنظومة التربية الوطنية إذا ما اعتبرنا أن المخطط الاستعجالي فاسد؟ أين هو مخطط الصحة لإعادة الاعتبار للمستشفى العمومي؟ ألم يكن حريا على كل وزارة أن تضع مخططا للإصلاح في ظل الاستمرار من أجل مكافحة التراكمات السلبية؟ إذن في انتظار ما ستأتي به الإصلاحات الجديدة فليس هناك الجديد ما يقال، إلا ما سبق وأكدناه مع انطلاق قطار الحكومة الحالية، ونؤكده بين الحينة والأخرى وهو بطء في الأداء وعدم وجود تصورات في العديد من المجالات، الإسكان ومحاربة العشوائية، الشغل، النقل، ارتفاع حوادث السير، لا جديد في الإعلام السمعي البصري، تراجع الرياضة، غياب سياسة جديدة لفائدة الشباب، استنزاف الثروة السمكية، السياسة الطاقية، البدائل الاقتصادية. بل هناك من يتكلم عن ازدياد مطرد لمكونات الفساد والله أعلم. أما وإذا تطرقنا إلى إشكالية التشريع، هنا سنتكلم فعلا وبدون أدنى حرج عن فقدان البوصلة... لا ندري متى وكيف ستنزل القوانين التشريعية لأن تنزيلها، وخصوصا كل ما هو تنظيمي، يفترض نقاشا عموميا فضفاضا، ومن أجل ذلك يجب تدبير التوقيت الزمني حتى لا تتكرر مهزلة القانون التنظيمي المتعلق بتعيين كبار موظفي الدولة. دورة الخريف لسنة 2013 دورة جد عادية من ناحية التشريع رغم أنها ستبقى في ذاكرة الدورات الأكثر فرجة. كيف سنعارض و الأغلبية لا تريد حتى الجلوس جنبا الى جنب في البرلمان، بدعوى أن المرحوم علي يعتة كان يجلس في مكان معين؟ في حين أن المعارضة هي التي تطالب بتنظيم الجلوس من أجل مزيد من الوضوح في الخريطة السياسية. وما يزيد الأمور بداهة و هو أننا مازلنا أغلبية في العديد من المؤسسات، أبرزها مجلس المستشارين و الجماعات الترابية التي تتحكم فيها عشوائية التحالفات مقارنة مع المشهد البرلماني الحالي، فكم من مجالس تتوفر على أغلبية متشكلة من أحزاب معارضة مع أحزاب في الأغلبية ؟ وهو ما يخلق التناقض و التفاوض، بل أن القانون الحالي المنظم للجهات يفرض تمثيلية نسبية داخل المكتب المسير التي ستفرض بدورها نوعا من التوافقات قبل الحسم في القرارات التي يتخذها. لدى وبكل صراحة فان المعارضة اليوم من أهم واجباتها أن تنتبه لما هو هوية وايديولوجيا من أجل صد أشكال الغلو و التطرف من جهة اليمين، لكن مع محاربة مظاهر الفسق و الفجور من جهة اليسار الراديكالي المختبئ وراء شعار الحرية، و المقتصر على سياسة الإقصاء من أجل الوصول إلى سدة الحكم. ان مشكل الهوية اليوم ليس بمشكل الأغلبية أكثر مما هو نتاج لها، ان مشكل الهوية اليوم هو التشبع بالمظهر الخارجي لحضارات أقل منا شأنا، ان النقاب هو ما ترتديه نساء النبي و الحجاب هو ما ترتديه نساء المسلمين، ان البرقع قادم و لا نتوفر لحد الساعة على ترسانة قانونية ذات مقاربة وقائية من أجل محاربة التطرف، و هذا دور المعارضة التي من واجبها أن تدافع عن مشروع مجتمعي مغربي أصيل معتدل، يتراجع يوما بعد يوم بسبب تيارات دخيلة و غياب اليسار المتحضر الغائب داخل الأحياء. أما و اذا كان الرأي العام يريد مزيدا من الضجيج ليسمع صوت المعارضة، فاسمحوا لنا لأنه ليس من أخلاقنا كحزب مؤسس على أيدي رجال دولة، أسمى بكثير من مفهوم الحزب الاداري كما ينطق به بعض السفهاء، أن ننزل الى العبث و العرقلة و الضرب تحت الحزام لأننا نحق جيدا معنى المسؤولية و الاستقرار والإصلاح في صمت اذا ما استطاعتا. ولأننا كذلك أخلصنا لله والوطن والملك في مهامنا، لذلك ندرك أن العصا السحرية غير موجودة، ومن مصير الشارع أن يعيد لنا اعتبارنا في المستقبل القريب إن شاء الله. برلماني عن حزب "التجمع الوطني للأحرار"