بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد طالعنا الأستاذ الجامعي كعادته في إثارة الانتباه إليه والاهتمام به بمعلومة جديدة لكن هذه المرة ليست التشكيك في أحد الصحابة وإنما في عصمة الأنبياء دون أن يبين مفهومها ولا مفهوم الخطأ والصواب فأدرج مواقف وقعت للرسل والأنبياء فهم من خلالها أنهم ليسوا معصمين وأن العصمة لا دليل عليها فأورد قصة آدم حين أكل من الشجرة ونوح لما طلب النجاة لبنه وإبراهيم واستغفاره لأبيه وموسى وقتله الرجل و إستغاتة يوسف بالله إذ هم به النسوة ومحمد عليه الصلاة والسلام في قضية الركون إلى المشركين واعتبر أن هذه أخطاء تنفي عنهم العصمة ولم يحدد معناها وأين تتجلى والأخطاء التي تقع قبل البعثة والتي تكون بعدها ونوعية الذنوب المترتبة عليها من المعلوم أن الله عز وجل إذا أراد أن يوحي إلى رجل اختاره من أحسن القوم خلقا وأفضلهم نسبا وأرجحهم عقل وأكترهم استغناء عما في أيد الناس فيتولاه برعايته وعنايته مند ولادته إلى أن يصير قادرا على حمل الأمانة وتبليغ الرسالة. والعلماء لم ينفوا العصمة عن الأنبياء مطلقا بل أثبتوها وخاصة ما يتعلق بالتبليغ عن الله تعالى وهذا ما أكده القرآن قال عز وجل وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى سورة النجم ولولا العصمة لم يلزم الله المومنين بإتباعه والتأسي به في قوله وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب سورة الحشر. وقال في آية أخرى لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر سورة الأحزاب وفرض عليهم النزول عند حكمه والتسليم لقضائه الذي قرنه بقضائه تعالى حيت قال وما كان لمومن ولا مومنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم سورة الأحزاب وفي موضع آخر حصر قول المومنين حين التحاكم إلى الله والرسول في السمع والطاعة قال سبحانه إنما كان قول المومنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولائك هم المفلحون سورة النور هذه نصوص كلها تدل على عصمة النبي صل الله عليه وسلم وتوجب إتباعه وتزكي عقله أما عن الأنبياء فإن الله أمر رسوله بالإقتداء بهم فقال أولائك الذين هدى الله فبهداهم اقتده سورة الأنعام، ولا يمكن أن يأتي الأمر بالإقتداء إلا مع وجود العصمة، فنخلص إلى أنها واجبة في جانب التبليغ وإذا وقع الخطأ والنسيان فإنما يكون لبيان تشريع كسهو في الصلاة وقد قال عليه الصلاة والسلام إني لا أنسى بفتح الألف ولاكن أنسى بضمها أو كما قال . وهذا تعليم للأمة حتى يرفع عنها الحرج أو يأتي النسيان لتشمير على ساعد الجد في جمع الحسنات والتكثير منها مثل إخفاء ليلة القدر قال صل الله عليه وسلم كنت أريت ليلة القدر ثم نسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر هذا ما يتعلق بالتبليغ أما ما يهم حياتهم البشرية فقد نص العلماء على ذالك وقسموا حياة الأنبياء إلى ما قبل البعثة وما بعدها واختلفوا في إمكانية ورود الذنب على الأنبياء قبل البعثة فأجازه بعض الأشاعرة وطائفة من المعتزلة ومنعه بعضهم وجماعة من المالكية منهم القاضي عياض وغيره واستدلوا بأن الفعل لا يعلم كونه معصية إلا بعد ورود الشرع أما بعد البعثة فالإجماع على عصمتهم وهذا ما حكاه محمد بن أحمد ميارة المالكي في شرحه الكبير وقال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف حتى إنه قول أكثر أهل الكلام كما ذكر أبو الحسن الآمدي أن هذا قول الأشعرية وهو أيضا قول أهل التفسير والحديث والفقهاء ، بل لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول، انتهى كلام شيخ الإسلام إدا فالعصمة ثابتة لا نقاش فيها وهي التي فضل الله بها الرسل والأنبياء على سائر البشر. بقي أن نذكر بعض الأمور التي حدثت للأنبياء ففهم من خلالها الأستاذ أنها تتنافى مع العصمة نضرا لقصور إدراكه وقلة فهمه فجعلته يتطاول على خير الخلق وحبيب الحق وهذه الأحداث عدها ذنوب مثل سائر الذنوب التي تصدر عن الناس فتوجب العقاب وهي في حقيقتها لا تخرج عن النقاط التالية: 1) قصة آدم وإنما كانت لشيء أراده الله واقتضه حكمته وكان مكتوبا عنده في الأزل حين أكل من الشجرة وهذا ما أكده الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "احتجَّ آدم وموسى فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا خيَّبْتنا وأخرجتنا من الجنة، قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامِه وخَطّ لك بيده، أتلومني على أمر قدَّر الله عليَّ قبل أن يخلقَني بأربعين سنة؟ فحجَّ آدم موسى، فحجّ آدم موسى، فحجّ آدم موسى" وجاء هذا الحديث بروايات أخرى ولو تأمل أستاذ الجامعة قصة آدم لعلم أن رسالته إنما تضمنت إنشاء الكائن البشري أي أنها لم تتضمن تشريعا وهذا الكائن أخبر الله تبارك وتعالى أن الأرض ستكون مستقر له في الحياة الدنيا قال سبحانه للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة سورة البقرة وإنما كان دخوله إلى الجنة ومكوثه فهيا فترة من الزمن مرحلة تعليم و اختبار ليعرف معنى رغد العيش ومعنى الامتثال و عدمه وما هو الذنب وما يترتب عنه وكيف الندم عليه والاستغفار منه وما هي التوبة وما نتيجتها وهذا كله تعليم لأبناء آدم ووارد في كتاب الله قال تعالى وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيت شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلها الشيطان سورة البقرة وقال عز وجل قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين سورة الأعراف وقال في موضع آخر ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى سورة طه وليتعرف كذالك على الجنة وتتعلق بها أنفاسه وأنفاس ذريته إلى يوم القيامة بعد أن يذوق شدة الحياة على الأرض فيرغب في الرجوع إلى موطنه الأول وقد قال بن القيم رحمه الله فحي على جنات عدن فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيم 2) وأما قصة نوح ودعوته لابنه فهذا لا يقدح في العصمة لأن كل نبي بل إنسان لا يرضى لأبنائه و أهله أن يكونوا من المعذبين والأصل في ذالك الجواز ما لم يرد النهي ونوح طلب النجاة لابنه فلما جاء النهي استغفر ربه واستعاذ به وما قيل في قصته يقال في إبراهيم واستغفاره لأبيه والنبي صل الله عليه و سلم قال لعمه سأستغفر لك ما لم أنهى 3) ما ذكره الفهامة حول يوسف و قصته مع النسوة فلو تأملها جيدا وكان له أدنى حظ من الفهم لرأى أنها تدل على العصمة لأن القرآن عبر عن الموقف بأسلوب له عمق يبعد الشبهة عن يوسف بدليل العصمة دون أن ينفي عنه القدرة على الفعل حتى لا يظن أحد أنه إنما امتنع لعلة فيه أو لأنه ليس له إرب في النساء، وهذا ما أشارة إليه الآية كذالك لنصرف عنه السوء و الفحشاء وكتاب الله لا يطلق لفظا عبثا من غير معنا فكل فحشاء سوء فلماذا جاء التعبير بهاتين الكلمتين في موضع واحد لأن كلا منهما يحمل مفهوما مستقل فلفظ السوء ينفي عنه عدم القدرة وكلمة الفحشاء تبعد عنه أن يكون ميالا إلى الحرام أما اختياره السجن ولجوؤه إلى الله أن يصرف عنه كيدهن فما الخطأ في ذالك وهو الذي فضل السجن والخلوة وترك حياة القصر ورغد العيش على يقع في الفاحشة والمومن مهما بلغة درجة إيمانه يبقى محتاجا إلى الله مستمدا العون منه سبحانه فهو الذي يعطي العصمة ويعين عليها 4) قصة موسى وقتله الرجل فإن لها منظورين الأول أنها كانت قبل البعثة حسب السياق القرآني الوارد في سورة القصص والثاني أن القتل كان في حد ذاته دفاعا عن مستضعف أي أنه لم يكن سطوا واعتداء ومع ذالك عجل موسى بالاستغفار والتوبة فموقفه من القتل ظلما بينته الآية الأخرى في سورة الكهف حين أنكر على الخضر قتله للغلام فقال أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا أي أمرا منكر غير معروف 5) ما قاله عن حبيب الحق وسيد الخلق محمد عليه من ربي أفضل الصلاة و التسليم ونشره بالبند العريض لا عصمة للنبي و النبي محمد ارتكب أخطاء كثيرة هكذا من غير أدب ولا حشمة لأنه لم يتعلم التأدب مع رسول الله استدل بقضية الأسرى وحكم افتدائهم بالمال وما نتج عن ذالك من عتاب الله تعالى لنبيه وقد غاب عن الأستاذ ان الله تعالى فتح باب الاجتهاد لنبيه ليكون قدوة لمن ياتي بعده ويكون اميرا للمؤمنين وفي هدا الوضع كان عليه الصلاة والسلام قائدا ورئيسا للدولة الاسلامية فكان من الواجب عليه ان يجتهد اضف الى ذلك ان هدا الراي كان بمشورة بينه وبين الصحابة ولم يكن رايه وحده والمجتهد في عرف الشرع اذا اجتهد فاخطا لم يكن عليه وزر وانما كان له اجر فكون اجتهاد الرسول يكون مرجوحا لا يتنافى مع العصمة فالكمال المطلق لا يكون إلا لله عز وجل أما في قصة الأعمى فالنبي لم يكن مشغولا بصفقة تجارية ولا بأمر يخص بيته وإنما كان همه أن يسلم كبراء قريش لتصبح للإسلام قوة وشوكة وعبد الله بن أم مكتوم لم يرى عبوسة النبي صل الله عليه وسلم ولم يحز في نفسه شيء فالصحابة كلهم كانوا يكنون للمصطفى كامل الحب والاحترام ويفدونه بأنفسهم ولاكن شاء الله أن يذكر هذا الرجل الضعيف جسما و القوي روحا في القرآن إلى يوم القيامة وأن يكون من الذين دخلوا التاريخ من بابه الأعلى لا من دخلوه من بابه الأسفل وما استدل به من قوله تعالى في سورة الإسراء ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذن لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا فالركون لم يقع منه عليه الصلاة والسلام بدليل الآية لأن التبات موجود ولو انعدم لكان الركون ثم إن التعبير جاء لقد كدت ولم يقل ركنت أما الأمور الأخرى التي لا يتسع المقام لذكرها فلو كانت لأستاذ الأديان بصيرة وفهم لأدرك أنها تتراوح بين الصواب و الأصوب فكيف لا تكون العصمة لمن أسرى به رنه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وصل إماما بالأنبياء ثم عرج إلى مقام القرب لم يصله لا إنسان ولا ملك قبله فأوحى إلى عبده ما أوحى الم تسمع يا دكتور إلى قول أبي بكر حين قالت له قريش أتعلم أن صاحبك يزعم أنه أسري به ليلة ثم عرج به إلى السماء فقال أبو بكر إن كان قالها فقد صدق إني أصدقه فالوحي الذي أنزل عله فكبف لا أصدقه في ذلك، و هذه الأشياء لا يدركها إلى أهل البصيرة و من شرح الله قلوبهم بالإيمان أما من أعميت بصيرته فلا يكون إلا كما قال البصيري رحمه الله قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد و ينكر الفم طعم الماء من سقم وقد قال عائشة رضي الله عنها حين رأت قدما النبي صل الله عليه وسلم يتفطرن من كثرة القيام فقالت يا رسول الله أشفق على نفسك قد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال عليه الصلاة والسلام أفلا أكون عبدا شكورا نسأل الله أن نكون من المحبين لله و رسله أبائنا وأبنائنا والناس أجنعين