اشرنا في مقال الأمس " أزمات المغرب الداخلية و الخارجية تقتضي تنزيل حزمة إصلاحات عاجلة، لكن السؤال من سيتولى مسؤولية الإشراف و التنفيذ؟ و أعتقد أن رئاسة الحكومة المقبلة لن تقررها نتائج الإنتخابات …" إلى أن الفترة القادمة ستشهد توجها بإتجاه تنزيل بعض الإصلاحات الاقتصادية و الإجتماعية، لأن الماسكين بالأمور يدركون أن المغرب على وشك الإنفجار فمن يحلل وضع المغرب منذ 2016 يلاحظ توالي دورة الاحتجاجات الشعبية و توسعها أفقيا و عموديا بدءا بحراك الريف مرورا بحراك جرادة و حراك الفنيدق و تطوان، فالمغرب برميل أزمات يحتاج لشرارة لينفجر…السلطة و القصر يدرك ذلك و لعل تركيز العاهل المغربي على ما أصبح يسمى بالميثاق الوطني من أجل التنمية أو النموذج التنموي الجديد، يدخل ضمن هذا الإدراك بأن الإستقرار و السلم الاجتماعي أصبح هش… لكن من خلال تتبع المشهد السياسي و الهجوم الممنهج على حزب العدالة و التنمية و أمينه العام سعد الدين العثماني، و محاولة تلميع حزب الأحرار و أمينه العام السيد عزيز أخنوش، هذه المتابعة توحي بأن إرادة الماسكين بالسلطة، تفضل أن تكون حزمة الإصلاحات التي تندرج في إطار الميثاق الوطني من أجل التنمية، تتم بأيادي مقربة من القصر ولتنسب الإنجازات للمؤسسة الملكية، و ليس بأيادي ينظر إليها على أن لها أجندتها الخاصة و مشروعها السياسي الخاص..و تحاول نسبة الإصلاحات لحزبها، و هو ماظهر من خلال تصريحات سابقة للسيد بنكيران حول دعم الأرامل و إصلاح التقاعد و صندوق المقاصة… ونتائج اقتراع 8 شتنبر ستدعم هذا التوجه، لأنه بموجب نمط الاقتراع المعتمد و منهجية احتساب الأصوات و توزيعها باعتماد أسلوب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية و ليس بموجب عدد المصوتين و المشاركين في العملية الانتخابية فعلا، هذا المدخل سيقود بالتبعية إلا تعميق البلقنة السياسية بداخل البرلمان المقبل، و كما يقول المثل الشعبي المغربي :"قالو باك طاح، قالو من الخيمة خرج مايل" والمقصود من هذا المثل أنه من بين اسباب الفشل الذريع عدم التوفر على الأهلية الكافية والشروط الصحية والأسس السليمة قبل الإقدام على اية خطوة معينة، فالرجل في هذا المثل الشعبي، تعرض للسقوط لعدم اهليته وقدرته على المشي السليم قبل خوض مغامرة الخروج من الخيمة إلى الشارع.. هذا المثل ينطبق على البرلمان المقبل الذي ستظهر ملامحه بعد أقل من أسبوع، هذا البرلمان محكوم عليه قبلا، بالبلقنة السياسة وغياب كتلة برلمانية متجانسة ومؤثرة يمكنها تشكيل أغلبية واضحة و منسجمة تتولى تشكيل الحكومة، و السبب راجع إلى تبني نمط إقتراع يدعم البلقنة السياسة و كما يقول المغاربة" ماقدوا فيل زادوه فيلة"… و إن كنا نقر بأن الحكومات السابقة و الحالية و القادمة لا تملك من الأمر شيء و برامج الأحزاب مجرد هذر للوقت و للموارد، فكافة الاحزاب ال 32 المشاركة اليوم في مهرجان الانتخابات لا برنامج لهم:" مجرد رموز وقشور موز…" ، لأن برنامج الحكومات الثلاث القادمة تم تسطيره واعتماده سلفاً تحت إسم " الميثاق الوطني من أجل التنمية ( 2021 / 2035) …فالمؤسسة الملكية قبل إنطلاق انتخابات 2021 أعلنت عن خطط جديدة للتنمية ومشروعات كبرى في المغرب في سياق ما أصبح يعرف بالنموذج التنموي الجديد و الميثاق الوطني من أجل التنمية، و هو ما يعني عمليا أن برنامج الحكومة القادمة و التي تليها إلى عام 2035 مقرر سلفا من قبل المؤسسة الملكية و تكنوقراطيها، فلجنة إعداد النموذج التنموي أعضاءها معينين من قبل الملك و لم ينتخبهم الشعب… و تحليلنا هذا أشارت إليه وكالة رويترز في تقرير لها حول تشكيلة البرلمان المقبل ..وقد أشار التقرير إلى أن "المغاربة عندما ينتخبون برلمانا جديدا الأسبوع المقبل، سيكون على الأرجح تأثيره أقل حتى من البرلمانات السابقة، بعد تبني قانون الانتخابات الجديد وإجراءات تدريجية اتخذها الملك لإعادة تأكيد دوره المهيمن.." و أضاف التقرير "بعد مرور عقد على احتجاجات الربيع العربي التي دفعت الملك محمد السادس إلى منح المزيد من الصلاحيات للبرلمان المنتخب والحكومة التي يساعد في تشكيلها، أعاد الملك صلاحية اتخاذ معظم القرارات الرئيسية إلى داخل جدران القصر.." ، و في ظل مشهد سياسي مبلقن، يصبح رئيس الوزراء المنتقى من أكبر حزب ممثل في البرلمان، عاجزا عن تشكيل أغلبية حكومية دون دعم القصر .. مشهد 2016 و البلوكاج الحكومي الذي انتهى بإعفاء السيد عبد الله بنكيران من رئاسة الحكومة و تعيين السيد سعد الدين العثماني خلفا له، سيتكرر في سنة 2021 إذا ما نجح حزب العدالة و التنمية في تصدر النتائج، و أعتقد أن قدرته على تحقيق الرتبة الأولى مستبعدة ، خاصة مع إقصاء أو انسحاب محرك الحزب السيد بنكيران، ربما الرتبة الأولى ستكون من نصيب حزب أخر غير العدالة و التنمية، ربما سيحتل هذه الرتبة حزب الأحرار بالنظر إلى حجم الأموال و الدعم الظاهر و الضمني لهذا الحزب و أمينه العام السيد عزيز أخنوش….. وكمتتبع و ملاحظ للمشهد السياسي، أرجح أن رئيس الحكومة القادم سيكون عبد العزيز أخنوش أو نزار بركة أو عبد اللطيف وهبي، حظوظ السيد سعد الدين العثماني تبدو ضعيفة ، خاصة في ظل دعاية ممنهجة و غير محايدة تحاول إلصاق أزمات المغرب بحزب العدالة و التنمية لوحده ، و في ذلك تبسيط و تسطيح للأمور ، فالحكومة مشكلة من كتلة أحزاب، وحزب الأحرار و السيد أخنوش مشارك بقوة في الحكومة الحالية و السابقة، و حزبه يتولى وزارات تتحكم في ميزانيات عمومية معتبرة..بل إن حزب الأحرار منذ نشأته في عهد الراحل الحسن الثاني ووزير داخليته البصري ، من قبل السيد أحمد عصمان صهر الحسن الثاني سنة 1978 ومن غرائب الصدف أن شعار الحزب عند نشأته كان " المغرب الجديد".. العودة بالمغرب إلا الوراء و تجريب المجرب ليس هو الحل، لست منتمي سياسيا لأي حزب ، بل أدعوا إلى مقاطعة التصويت، ومن ضمن الأسباب هو مانراه من عبثية المشهد السياسي، القضية ليست في من يترأس الحكومة، القضية أبعد من ذلك، هل بإمكان الحكومة بل هل بإمكان المؤسسة الملكية إخراج البلاد من أزماتها الداخلية و الخارجية؟ هل بإمكان النموذج التنموي الجديد تحقيق التنمية الفعلية و رفع معدل النمو الاقتصادي و تشغيل العاطلين و الحد من الفقر؟ هل لازال من الممكن تجنيب المغرب خطر الانزلاق لحافة الهاوية؟ .. للأسف الاستقرار السياسي أصبح هشا و القلاقل الاجتماعية لم تخمد شرارتها بعد ، و في ظل حالة السخط العام و عزوف المغاربة عن المشاركة وفقد الثقة في المؤسسات العمومية و في الفاعلين السياسيين بشهادة "ولد الدار" والي بنك المغرب السيد عبد اللطيف الجواهري و تصريحه الشهير المعروف إعلاميا بأحزاب "الباكور و الزعتر" ، في ظل هذه الظروف كان من باب أولى إعلان حالة الاستثناء و تأجيل الانتخابات مؤقتا، و تمديد ولاية البرلمان الحالي سنة أو سنتين، و السعي باتجاه تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة شخصية توافقية و لم لا برئاسة الملك، غايتها إنقاد أرواح المغاربة نتيجة الخطر الذي يتهددهم بفعل ارتفاع عدد الإصابات و الوفيات بسبب فيروس كورونا، و إنقاذ الاقتصاد الوطني شبه المشلول، و توحيد لحمة الشعب المغربي و تصفير السجون من سجناء الرأي و إطلاق الحريات.. فالانتخابات في بلد غالبية شعبه يتنفس تحت الماء، أقرب ما تكون لانتزاع الاعترافات تحت التعذيب.. فالركن الأساس في البناء الديموقراطي هو احترام حرية الرأي والتعبير و تصفير السجون من معتقلي الاحتجاجات السلمية ورد الاعتبار لسلطة النقد والمساءلة.. وبعد ذلك لكل حادث حديث، ف "الحكم على الشيء فرع عن تصوره".. و تفاديا للإطالة سأحاول في مقال موالي إن شاء الله تعالى شرح وجهة نظرنا بتفصيل … والله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون.. *إعلامي وأكاديمي مغربي متخصص في الاقتصاد الصيني والشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية والسياسات العامة..