تقرير: المغرب يحتل المرتبة 95 عالميا في جودة الحياة والمرتبة 59 في الفرص الاقتصادية    عقوبات أميركية تطال قضاة ومحامين بالمحكمة الجنائية لإسقاط مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت    علماء ينجحون في تطوير دواء يؤخر ظهور السكري من النوع الأول لعدة سنوات    حكمة جزائرية تثير الجدل في كأس أفريقيا للسيدات بعد نزع شعار "لارام"..    أولاد يوسف.. تدخل أمني ناجح لتحييد شخص اعتدى على عنصر من الوقاية المدنية وتحصن ببرج مائي    بعد تزايد حالات التسمم.. أونسا يؤكد أن "الدلاح" آمن    انتحار معتصم أولاد يوسف "شنقا" بإلقاء نفسه من فوق الشاطو    كيوسك الجمعة | عملية مرحبا.. إسبانيا تشيد ب"التنسيق المثالي" مع المغرب    الدوري الماسي.. سفيان البقالي يفوز بسباق 3000م موانع في موناكو    رياح قوية وأجواء غائمة.. هذه توقعات طقس السبت بالمغرب    من السامية إلى العُربانية .. جدل التصنيفات اللغوية ومخاطر التبسيط الإعلامي    البرلمانية عزيزة بوجريدة تسائل العرايشي حول معايير طلبات عروض التلفزة    اجتماعات بالرباط للجنة التقنية ولجنة تسيير مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي    "الفيفا" تحسم الجدل وتختار "سانتياغو برنابيو" لاحتضان نهائي مونديال 2030    انقلاب سيارة بطنجة يُسفر عن 7 إصابات    البقالي يتألق في موناكو ويظفر بسباق 3000 متر موانع بالدوري الماسي    سعر صرف الدرهم يرتفع مقابل الأورو    "وول مارت" تستدعي 850 ألف عبوة مياه بسبب إصابات خطيرة في العين    اجتماع حاسم بالدار البيضاء لتسريع أوراش الملاعب والبنيات التحتية قبل 2025 و2030    المغرب يفتح باب المنافسة لمنح تراخيص الجيل الخامس "5G"    حجز 6000 قرص مهلوس وتوقيف أب وابنه القاصر بمحطة القطار بالدار البيضاء        بورصة البيضاء تنهي جلسة الجمعة بارتفاع    فن "لوناسة" يلتئم في مهرجان له بسيدي دحمان التثمين والمحافظة على احد أهم الفنون الإيقاعية المغربية الأصيلة    "اللبؤات" يتطلعن إلى الصدارة أمام السنغال .. وفيلدا يحذر من الأخطاء الدفاعية    الحبس ستة أشهر لموقوف رفض مشاهدة نشاط الرئيس التونسي    وزير الداخلية الإسباني يُشيد بالتنسيق المثالي مع المغرب في عملية مرحبا 2025    الدولي المغربي إلياس شعيرة يوقع لريال أوفييدو حتى سنة 2028    الهيئة المغربية للمقاولات الصغرى تعلن تأسيس شبكة وطنية لتعزيز التعاون بين الهيئات والجمعيات المهنية        سقوط نحو 800 شهيد في غزة أثناء انتظار المساعدات منذ أواخر ماي الماضي وفقا للأمم المتحدة    أثنار: شيراك طلب مني تسليم سبتة ومليلية إلى المغرب خلال أزمة جزيرة ليلى    الجزائر على قائمة الاتحاد الأوروبي السوداء للدول عالية المخاطر في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب    يوعابد ل"برلمان.كوم": المغرب مقبل على موجة حر تصاعدية وانخفاض نسبي في الحرارة نهاية الأسبوع    بإجماع أعضائها.. لجنة التعليم بالبرلمان تصادق على مشروع قانون "مؤسسة المغرب 2030"    "عقوبات محتملة" ترفع أسعار النفط    بعد رحيله.. مودريتش: سأظل دائما أنتمي لريال مدريد    الجزائر ضمن "لائحة أوروبية سوداء"    كلمة السر في فهم دورة العمران و عدوى التنمية بشرق أسيا..    الدار البيضاء.. السكوري يدعو إلى إصلاح مدونة الشغل بما يتلاءم مع التحولات المجتمعية والاقتصادية    زلزال الحوز: القيمة الإجمالية للدعم والمساعدة تجاوزت 6.6 مليار درهم.. وأكثر من 46 ألف أسرة استكملت بناء منازلها    باحثون بريطانيون يطورون دواء يؤخر الإصابة بداء السكري من النوع الأول    اتفاقية شراكة بين العيون وأكادير لتعزيز ثقافة الصورة وتثمين القيم الوطنية بمناسبة الذكرى ال50 للمسيرة الخضراء        الدار البيضاء تحتضن أول لقاء دولي مخصص لفنون الطباعة المعاصرة الناشئة    تقرير للأمم المتحدة يظهر عدم وجود "علاقات نشطة" بين الدولة السورية وتنظيم القاعدة    فتح الله ولعلو في حوار مع صحيفة "الشعب اليومية" الصينية: المغرب والصين يبنيان جسرًا للتنمية المشتركة    الإنسانية تُدفن تحت ركام غزة .. 82 شهيدًا خلال 24 ساعة    نوستالجيا مغربية تعيد الروح إلى شالة في موسم جديد من الاحتفاء بالذاكرة    في ضيافة أكاديمية المملكة .. مانزاري تقرأ الأدب بالتحليل النفسي والترجمة    الحكومة تصادق على مشروع قانون لحماية الحيوانات الضالة والوقاية من أخطارها    السجال السياسي‮ ‬بين‮ ‬«يوتيوب» وخامنئي!‮‬ 2    دراسة كندية: التمارين المائية تخفف آلام الظهر المزمنة    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آفة القارئ المنقسم...
نشر في لكم يوم 11 - 10 - 2013

ليس غريبا أن تبدو تسمية "القارئ المنقسم"، والتي هي وللمناسبة من اقتراحنا، "غريبة"... طالما أنها غير متداولة في القواميس والأبحاث المتعلقة بالقراءة والقرّاء وأشكال الاتصال وعلى كثرة هذه القواميس وعلى وفرة هذه الأبحاث. لقد تعوّد القارئ على سماع وعلى قراءة مقالات تتحدّث عن "عالم منقسم" و"شعب منقسم" و"مجتمع منقسم" و"واقع منقسم" و"مجلس منقسم"... وتعوّد على قراءة مقالات تتحدّث عن "رأي عام منقسم" و"حزب منقسم" و"وعي منقسم"... دون أن يقرا عن "قارئ منقسم". منقسم عمن؟ وما دلالة هذا الانقسام؟ وهل من معايير لقياسه؟
ما نرغب في التأكيد عليه هو أنه لا ينبغي أن نستقر على أن السياسة والثقافة بمفرديهما تقسمان البلدان والمجتمعات والمجموعات والأفراد... مثلما تقسمان المؤسسات والهيئات والفضاءات... وغير ذلك من الأشكال التي تتمظهر، وتتجذر، من خلالها الأطراف سالفة الذكر. ف"القراءة"، وبغير معناها "الديداكتيكي" طبعا، تسهم بدورها في "التقسيم" وعلى نحو لا يقل حجما عن "التقسيم" الناجم عن "السياسة" و"الثقافة". وهذا مع فارق يتمثل في أن القراءة، هنا، ومن ناحية "أداء التقسيم"، تقف، ومقارنة مع السياسة والثقافة، في "خلف المشهد"... لكن على النحو الذي لا ينفي عنها صفة "الجبهة" بمعناه "الحربي" الخفي والتدميري. فهذا القارئ، والذي يبدو مثل قنفذ متكوّر، يذخر قدرا لا يستهان به من "العدة" التي تجعله يسهم في "تفتيت الخريطة".
ومن ثم تصير القراءة جزءا لا يتجزأ من السياسة والثقافة، وبلغة أدق تصير أشبه بالنقطة في دائرة الثقافة والسياسة: النقطة التي يصعب رصدها؛ ومن ثم منشأ "ثالوث السياسة والثقافة والقراءة" وفي المدار ذاته الذي لا يفارق منشأ "الجبهة الأعرض" ل"التفتيت السياسي" و"التمزيق الثقافي" الذي تعيشه الحالة المغربية.
ف"القارئ المنقسم"، وعلى ذاته ابتداء، لا يمكنه التفكير في تلحيم "الانقسام العام".
وبما أن الفكرة الأخيرة تقع في جوهر الأطروحة للمقال فإنه تجدر الإشارة إلى أن هذا القارئ يسير ضد "تيارات الفكر" بمعناه التاريخي التقدّمي، والأخطر يتقدّم ودون وعي منه نحو "خدمة النسق المفترس" للفكر والقيم والوجود والتاريخ. وحتى لا نطالب هذا القارئ بما يفوق حجمه الطبيعي فإنه مطلوب منه فقط الحضور في "النقاش العام"، وعلى النحو الذي يجعل منه "طرفا" في هذا النقاش، وعلى النحو الذي يجعل منه مساهما في "الرأي العام" أيضا. ثم إن ما أسهم، وما لا يزال يسهم، وبوتائر متسارعة، في الحال الأخيرة (وغير المسبوقة)، وسواء في السياق المغربي أو العربي بعامة وعلى تفاوت، هو "التحوّل" الذي حصل في مجمل الأنساق الكبرى للثقافة والسياسة، وعلى النحو الذي لم يجعل من مكان، في هذا السياق، ل"الأكثرية الصامتة لمجتمعات الانكسار"، وعلى النحو الذي بموجبه تمّ جعل "الزمن الذي كان يقول فيه المثقف الحقيقة للناس يتوّلى، لأنه لم يعد يعرفها أكثر منهم!" إذا جاز أن نحوّر بعض الشيء كلام الفيلسوف ميشال فوكو. حقا لقد ولّى زمن المثقف (وبالمعنى الواسع للكلمة) الذي كان يقود الجماهير ويوجّهها على نحو ما كان يحصل في فترات سابقة.
ولكن، وكما أسلفنا، فالانقسام يعطّل النقاش... طالما أنه، وكما يمكن أن نضيف، لا يستحضر "النص" ولو من أجل "الشك" فيه لكي لا نقول "استرجاعه" أو حتى القبول ب"وساطته" في عالم الأفكار والرؤى والمعتقدات. والمؤكد أننا نقصد، هنا، إلى "النص" الذي يناقش الإشكاليات الكبرى ذات الصلة ب"التاريخ" بمعناه السوسيولوجي، النص الذي ينطوي على "فعل"؛ ممَّا يحفز على الرد والرد المضاد أو مما يحفز على "صراع القراءات" و"صراع التأويلات". وهو ما لا يمكن استخلاص دلالاته الأساسية إلا من خلال "التناص الموجب" أو، وحتى نتلافى لغة الرطان الأكاديمي، من خلال التشابك المحمود مع النص الذي يصير ملكا عاما بمجرد ما يعرف طريقه إلى النشر.
الحاصل، في الأغلب الأعم، هو القفز على النصوص نحو أصحابها وفي الحال الأرحم الخلط بينها وبين أصحابها، وفي جميع الأحوال تضيع "أنويتها" التي هي في أساس التشكل الثقافي والسياسي للنصوص. ويتأكد الانقسام، وفي أخطر مظاهره، من خلال الموقع الإيديولوجي الذي يصدر عنه القارئ. والمشكل ليس في الموقع ذاته، ولاسيما في المدار الذي يقضي ب"إيجابية الإيدولوجيا" وعلى الأقل من ناحية ما تنطوي عليه من "دافعية للتفكير".ف"الإيديولوجيا تخلق الأرض التي يتحرك عليها الرجال" كما يقول أنطونيو غرامشي. غرامشي القديم/ الجديد، هنا، ولاسيما في ضوء مكتسبات "النقد الثقافي" باعتباره "مسؤولية فكرية" أيضا.
والمشكل ليس في "تكامل الأضداد"، وإنما في "تنابذ الأضداد" أو في "الثنائيات الضدية الجارفة". ومن ثم تضيع قاعدة: "كل الأنهار العظيمة التي تصب في البحار". والمشكل ليس في أن نكون على "أرض الإيديولوجيا" نفسها، لكن بما يضمن التحرّك في إطار من الاختلاف وليس الخلاف... أو في إطار من الوحدة القائمة على التنوع وفي إطار من الاختلاف القائم على الحوار. فلا مجال للإجماع، ولا مجال ل"وهم شفافية العالم الاجتماعي" كما يقول السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو. والمشكل في أن نصدر عن موقع مضاد وبما يخلط ما بين "الانتماء" و"اللانتماء" وبما لا يدعو إلى الاستقرار على "الفروق" بين الطرفين في الأذهان. ليس هناك ما أخطر، في مجال "عيوب النسق"، من أن نحكم على من هو في موقع الانتماء من مربع الانتماء أو العكس. ففي مثل هذه الحال يضيع "التناص" بمعناه الأوسع أو يضيع التفاعل، ولذلك لا تتوّلد إلا المسافة العمياء التي تتطور إلى "نفي" ما لم يتطور هذا النفي إلى كراهية واستئصال.
في المقال السابق "طوفان القارئ المتطرف" (مجلة "الكلمة"، العدد الأخير) تحدثنا عن "العلمانية" و"الإسلاموية"، وحاولنا تبيان كيف أن مجرد الاقتراب من "اللغمين" يفسح المجال ل"ردود القارئ المتطرف" بسبب من مخاضات الثقافة (وتراكمات السياسة) التي تستوعب هذا القارئ. والآن يمكن التأكيد على التطرف ذاته، لكن من خلال "آلية ذهنية" تغذي التطرف ذاته... بل وترقى به إلى أن يكون "لغة المرحلة". ونقصد، هنا، إلى "آلية الانقسام" التي تعشّش في ذهن القارئ، وفي المدار ذاته الذي يفيد "الثنائية الضدية" التي هي ثنائية "الانتماء" و"اللانتماء".
وفي ضوء "المحيط السوسيوثقافي"، وفي حجم محيط من هذا النوع داخل المغرب (وبالفهم الأنثروبولوجي للمفهوم وعلى نحو ما يمكن الاطلاع عليه، وعلى سبيل الإحالة الدالة، في مختتم كتاب "القريب والبعيد")، ما الذي يمكن أن ينتظر من قارئ ينظر إلى "العلمانية" من موقع "الإسلاموية" التي ثقفها من "الكتب الفؤوس" التي "تديِّن" جميع مجالات المجتمع وبما لا يترك أي هامش ل"الخروج من الدين في الشأن الجماعي المشترك" في دلالة على أن ما للدين هو للدين وما للتاريخ هو للتاريخ. المؤكد أن قارئا من هذا الصنف، والذي هو مفعول "الدين المؤدلج" كما يصطلح عليه أدونيس، لا يمكنه الاطمئنان إلى أن هناك "علمانيات" وأن الإسلام ينطوي على وقائع دالة على العلمانية، وهذا لكي لا نشير إلى "الدين العلماني" الذي يزبد له هذا القارئ.
ولذلك عندما يقدم باحث أو أكاديمي أو ناقد أو مفكر... على نشر مقال يحمل عنوانا تصوريا حادّا، كما هو الشأن بالنسبة لهذا العنوان "نعم للعلمانية لا للانقلاب على الديمقراطية"، فلا يمكنه إلا أن يواجه ب"ردود جاهزة" منتظمة في "ديناميت الخطاب" كما اصطلحنا عليه في مقال من مقالاتنا حول "حركة 20 فبراير" بالمغرب. وبالصراحة ذاتها ما الذي يمكن أن ينتظر من قارئ ينظر إلى الإسلاموية من مربع العلمانية، مما يفضي به إلى تنميط الإسلام، ووضعه في نظام واحد هو النظام اللاعقلاني، وعلى طرائق "المستشرقين العنصريين"، ودونما تمييز بين "وجه الدين المتعصب" و"وجهه الإنساني والأخلاقي والروحي"، ودونما تمييز بين "القراءات" التي تعاملت مع الإسلام وعلى النحو الذي يتيح إمكان الحديث عن "إسلام معاصر"؟ إسلام قادر على التفاعل مع العصر وعلى الإسهام فيه ودونما إلغاء للمجالات الأخرى التي تشكِّل المجتمع؟
في كلتا الحالين، العلمانية والإسلاموية، نكون بصدد "المنظور" ذاته القائم على "الأصولية القاتلة" طالما أن مجال "الرد" لا يتأسس على قاعدة "معرفية" مشتركة وانطلاقا من الاختلاف ذاته، وإنما يتأسس انطلاقا من "استعمال" أوصاف ومفاهيم وعبارات متلبِّسة ب"وهم الانتماء" و"قشور العلم". فالاستعمال، بمفرده، غير كافٍ... للتأكيد على "التجذر" في تيار فكري أو إيديولوجي؛ وفي مثل هذه الحال ف"الصفة أكلت الموصوف" تبعا لعبارة المفكر إلياس مرقص.
وكما يمكن التأكيد على القارئ المنقسم، وبشكل دال، في حال التعامل مع "المثقف". وقد صار هذا الأخير، ومع تصدّر الجماهير إلى لمقدمة المشهد السياسي، عرضة لنقد ونقد حاد. والمؤكد أن هناك تحوّلات جذرية حصلت في "أداء المثقف" وقبل ذلك حصلت في "مفهوم المثقف"، على أن ذلك لا ينبغي أن يجعلنا نستقر على "تعليب" هذا المثقف في مقولة "خطاب النهايات". والغاية من الفكرة الأخيرة هي التأكيد على أن هذا المثقف لا يزال حاضرا بل ولا يزال يقاتل من أجل تأكيد حضوره وفي المدار الذي يجعله "منتميا". وفي هذا السياق تلوح "ثنائية اليسار واليمين" التي لا تزال حاضرة ل"تقييم" حضور المثقف والحكم على أدائه. والثنائية لا تزال تناقش وفي إطار من حال الانقسام الذي نعنى به في هذا المقال.
وقبل الحديث عن الثنائية ثمة فكرة في غاية من الأهمية المعرفية، وفي غاية من التعقيد والتركيب، وتتعلق ب"الانتماء" في حد ذاته. وقد بدا لنا أن نوجز الكلام عن الفكرة لأنه لا يزال هناك من ينظر إلى المثقف من خلال انتمائه، دونما احتكام إلى "النص" الذي هو موضوع قراءة واستقبال. أجل لا ننفي أن الانتماء له تأثيره وخصوصا على مستوى "الخلاصات" بالنسبة لبعض المثقفين المكرّسين، مما يجعل من هؤلاء "بوقا حقيقيا". إلا أنه من الأفيد ألا نسقط في "التعميم"، وقبل ذلك من الأفيد أن نطرح السؤال التالي: هل كل من ليس منتميا هو مثقف بالضرورة؟ وهو ما لا يطرحه القارئ المنقسم بسبب من "عمى الانقسام"، هذه المرة.
وحتى نعود إلى الثنائية الضدية سالفة الذكر، لا يبدو غريبا أن نقرأ عن "اليسار المتطرف" وعن "اليمين المتطرف" دون أن نعي أن مصدر التمييز (وبما يترتب عليه) كامن في "المربع" الذي يصدر عنه القارئ المنقسم في "سائل الحكم". فالتطرف، أو بالأحرى "تسمية التطرف"، مصدرها، هنا، هو "القارئ". وليس هناك ما أخطر من أن يعلِّق اليمين على اليسار والعكس صحيح. فالمقدمة، هنا، "فاسدة"... ولا يمكنها أن تقود إلا إلى "تكسير المرآة" برمتها. فاليساري لا يعتقد في اليميني مثلما أن اليميني لا يعتقد في اليساري، ولا أحد يفكر في أن يتعامل مع الآخر من خارج "الغوغائية الإيديولوجية" وعلى النحو الذي يجعلنا نستخلص دلالات "اليمين الحقيقي" مثلما نستخلص دلالات "اليسار الحقيقي"، في التفكير مثلما في طرائق العيش والوجود، وفي المنظور ذاته الذي يجعلنا نبحث في متى ينقلب اليمين على ذاته مثلما ينقلب اليسار على ذاته. وما الذي يمنع القارئ المنقسم من أن يقبل بمثقف ينتمي لليمين مثلما يقبل بمثقف ينتمي لليسار (والعكس صحيح)؟ وما الذي يمنع من القول بأن المثقف اليساري هو الأخطر على مستوى "التعاطي للكعكة" حتى لا نقسو على المثقف اليميني فقط؟
وخلاصة القول: إن آلية الانقسام، وفي ملعب الاتصال، ومن حيث هي "آلية ذهنية مرضية" وبكل ما ينجم عنها من مخرجات ثقافية ضاغطة، لا تفسح المجال للنظر إلى الأشياء انطلاقا من نظرة تتأطر في "الطريق الثالث الجريء"، مما يحرّر من الثنائيات الراديكالية الضدية العمياء التي لا تقبل بنظرة تصل ما بين الأطراف المتباعدة مثل العلمانية والإسلاموية واليسار واليمين ومواضيع أخرى ذات صلة بالموضوع لم نشر إليها كموضوع "العرق" أو "اللغة" مثلا، ومما لا يزيد سوى في تعميق التطرف والكراهية... بدلا من تطوير المشترك والمختلف ومن خارج محرقة الإيديولوجيا وحمم الحقد الإيديولوجي أو "الشحن الإيديولوجي" (Bourrage de crânes) ومن قبل الطرفين المتضادين معا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.