في يوم الجُمعة 8 شُتنبر 2023، (على الساعة 23 و 10 دقائق)، هَزَّ زِلْزَالٌ (بِقُوَّة 7 دَرَجَات على سُلَّم رِيخْتَر) مَناطقَ جِبال الْأَطْلَس بِالمَغرب. وَمِن خِلَال بعض الصُّوَر والْفِيدِيُوهَات الشعبية التي رَاجَت عَبْر شَبَكَات الْأَنْتِرْنِيت، حَوْلَ مُخَلَّفَات هذا الزِلْزَال، يُمكن اِسْتِنْتَاج التَعَالِيق، والمُلَاحَظَات، والدُرُوس، الْأَوَّلِيَة التَّالِيَة : 1) المُواطنون المغاربة، الذين يسكنون في مناطق "جبال الأطلس" (الكبير، والمُتوسّط، والصغير)، هُم مِن بَيْن سُكَّان المَغْرب الأكثر فقرًا. وَكانت الدّولة، خِلال عُقُود، تُهْمِلُهُم، وَتُهَمِّشُهُم، وَتَضْطَهِدُهُم. [ في إِطَار المُقَارَنَة بين أَحْوَال سُكَّان مَناطق جِبال الأطلس، وَسُكّان مناطق "الرِّيف" في شمال المَغْرب، كانت بعض المَزَاعِم تَدَّعِي أنّ سُكَّان مناطق "الرِّيف" هم الأكثر فَقْرًا وَتَهْمِيشًا في المغرب. وعلى خِلَاف هذه المَزَاعِم، تَظهر أحوال سُكَّان مناطق "الرِّيف" أَحْسَن نِسْبِيًّا، بِالمُقَارَنَة مع أحوال سكّان مناطق جبال الأطلس (الكبير، والمُتوسّط، والصغير). وَالدَّلِيل على ذلك أنّ مُجْمَل البِنَايَات في "الرِّيف" مَبْنِيَة بِالْإِسْمَنْت والحَدِيد. بَيْنَمَا مُعْظَم بِنَايَات قُرَى جبال الأطلس الكَبِيرمَا زَالت مَبْنِيَة بِالتُرَاب والأحجار والنَبَاتَات… لكن مُجْمَل مناطق "المغرب غير النَّافِع"، أي المناطق التي تُهْمِلُهَا السُّلطة السياسية المَرْكَزِيَة، أو لَا تَهُمُّ الرَّأْسَمَال الكَبِير، والرَّأْسَمَال المُتَوَسِّط، تَظْهَر مُتَشَابِهَة نِسْبِيًّا في مَجَال التَهْمِيش، والْإِهْمَال، والْاِضْطِهَاد ]. 2) تَزْعُم بعض دِعَايَات وَسَائِل إِعْلَام دَولة المغرب، أنّ أجهزة الدولة القَمْعِيَة والمُخَابَرَاتِيَة الضَّخْمَة، «قَامَت بِواجِبَاتِهَا على أحسن وَجْهٍ مُمْكِن»، في مَيْدَان مُعالج نَتَائِج الزِلْزَال. وَمَا هي وَاجبات الأجهزة القمعية، إن لم تَكُن هي القَمْع ؟ وَكُلّ مَن يَزْعُمُ أنّ الْأَجْهِزَة القَمْعِيَة والمُخابَرَاتِيَة تَقْدِرُ على مُعالجة المَشاكل المُجتمعية، أو على إِفَادَة المُواطنين، المُتَضَرِّرِين مِن الكَوَارِث الطَبِيعِيَة، فَهُو وَاهِمٌ، أو مُخَادِعٌ. وَهكذا، وَرَغْم التَجْهِيزات الفَائِقة لِلأجهزة القَمعية التَّابِعَة لِلدّولة (بما فيها السِيَارَات الرُّبَاعِيَة الدَّفْع، وَطَائِرَات الهِيلِيكُوبْتِر)، بَقِيَّت قُرابة 40 قَرْيَة مَنْكُوبَة بِالزِّلْزَال، مَعْزُولَة في جبال الأطلس، خلال مُرُور أكثر من 24 ساعة على بِدَايَة الزِّلْزَال. أيْ بدون طُرُق مَفْتُوحَة، وَلَا كَهْرَبَاء، وَلَا شَبَكَة إِنْتِرْنِيت، وَلَا فِرَق وَسِيَّارَات إِسْعَاف. وَعَلَى خِلَاف دِعَايَات دَولة المغرب، لَا تَعْرِفُ الأجهزة القَمْعِيَة والمُخَابَرَاتِيَة الضَّخْمَة، التَّابِعَة لِلدَّوْلَة، سِوَى مُمَارَسَة القََمْع. وَلَا تَتَوَفَّر على الكَفَاءَات التِقْنِيَة الضَّرُورِية لِإِنْقَاذ الأرواح بِسُرعة، وَلِمُساعدة السُكَّان المُتَضَرِّرِين. [ وَنَجِد نَفْس الظَّاهِرَة، مثلًا في لِيبْيَا، خلال العَاصِفَة، أو الْإِعْصَار (cyclone)، الذي أَصَابَ شَرْقَ شَمَال لِيبْيَا، خلال يوم الإثنين 11 شُتَنْبِر 2023. وَخَلَّف هذا الْإِعْصَار، حسب وَكَالة تَابِعَة لِلْأُمَم المُتَّحِدَة، قُرابة 3000 قَتِيل، وَغَيَّبَ قُرابة 10 آلَاف مَفْقُود. وَتَحَدّثَت بعض التَلْفَزَات عن 7000 قَتِيل. لكن العَدِيد مِن المِيلِشْيَات المُسَلَّحَة والفَتَّاكَة، المَوْجُودة في لِيبْيَا، وَرَغْمَ تَجْهِيزَاتِهَا الفَائِقَة، فإنها لم تَقْدِر على إِفَادَة الشّعب الْلِّيبِي بِأَيّة مَنْفَعَة في مُوَاجَهَة هذا الْإِعْصَار ]. 3) على خِلَاف الوُعُود المُتَكَرِّرَة التي تَعِدُ بها دَوْلَة المغرب الشَعْبَ، منذ الاستقلال الشَّكْلِي في سنة 1956 إلى حَدِّ الْآن، فإن «التَنْمِيَة الاقتصادية الشَّامِلَة» المَوْعُودَة،لم تَتَحَقَّقبِالقَدْر المَطْلُوب. وَالْاِحْتِمَال الكَبِير هو أنها لَن تَتَحَقَّق حتى في المُسْتَقْبَل المَنْظُور. وَلَوْ أن ثَرَوَات أَقَلِّيَة قَلِيلَة مِن العَائِلَات المغربية الرَّأْسَمَالِيَة تَتَضَخَّم بِسُرْعَة، مُسْتَفِيدة مِن «اِسْتِغْلَال النُفُوذ السياسي»، وَمِن «الرِّيع»، وَمِن اِسْتِثْمَار «مَوَاقِع تَضَارُب المَصَالِح» (conflits d'intérêts)، وَمِن «الغِشِّ»، ومن «الرَّشْوَة»، وَمِن «الفَسَاد»، وَمِن الاستفادة مِن «تَرَابِط المصالح الاقتصادية التَّبَعِية مع الرَّسَامِيل الكَبِيرة» في الشَّرِكات الأجنبية العَابِرَة لِلْقَارَّات، الخ. وهكذا تُنْجِزُالدّولةُ الرَّأْسَمَالِيةُ القَائِمَةُ في المَغرب«التَنْمِيَةَ الْاِقْتِصَادِيَةَ» لِصَالح الرَّأْسَمَالِيِّين الكِبَار والمُتَوَسِّطِين، وليس لِصَالح الفَلَّاحِين الفُقَرَاء، وَلَا لِصَالح المَأْجُورِين الكَادِحِين، وَلَا لِصَالح المُهَمَّشِين، وَلَا لِصَالِح المُعْدَمِين. وَبِقَدْرِ مَا أنّ «التَّنْمِيَة الاقتصادية» مُوجودة فِعْلًا بِالنِسْبَة لِأَقَلِّيَة قَلِيلَة من العائلات، بِقَدْر مَا أن «التَّفْقِير المُجْتَمَعِي»، و«التَّجْهِيل العِلْمِي والسياسي»، هو مَصِير غَالِبِيَّة الشَّعْب. وكل الأشخاص الذين ينظرون إلى الاقتصاد الوطني فقط من خلال إحصاءات الاقتصاد الكُلِّي (macro-économie)، وليس من خلال الأوضاع الملموسة لجماهير الشعب، لَنْ يَقْدِرُوا على إِدْرَاك مَدَى التَّهْمِيش، والحِرْمَان، والتَّفْقِير، المُسَلَّط على الشّعب. وعلى خِلَاف كلّ الوُعُود، سواءً كانت صَادِقَة أم مُخَادِعَة، يَسْتَحِيل إِخْرَاج غَالِبِيَة الشَّعْبِ مِن التَخَلُّف المُجْتَمَعِي (الذي هو غَارِقٌ فيه) بِوَاسِطة الرَّأْسَمَالِيَة (أنظر كتابي المَنْشُور على الْإِنْتِرْنِيت بِالْلّغة الفرنسية : Rahman Nouda, "Impossible de sortir du sous-développement par le capitalisme". وَيُمْكِن تَنْزِيله مِن مُدَوَّنَة الكاتب :https://LivresChauds.Wordpress.Comhttps://LivresChauds.Wordpress.Com). 4) بَقِيَت اِسْتِفَادَةُ مناطق جبال الأطلس (الكبير، والمتوسّط، والصّغير)، وجبال "الريف"، مِن مَجهودات «التنمية الاقتصادية»، المَبْذُولة من طرف الدولة المَرْكَزِيَة في المَغرب، بَقِيَت هزيلة جدّا، أو شبه مُنْعَدِمَة. وَصُوَّرُ، وَكذلك فِيدِيُوهَات، قُرَى جبال الأطلس (المُصَوَّرَة قَبْلَ، ثمّ بَعْد زلزال يوم 08 شتنبر 2023)، تَشْهَد على أن هذه القُرَى لم تَتغَيّر كثيرا بِالمُقَارنة مع ما كانت عليه إِبَّان استقلال المغرب الشَّكْلِي في سنة 1956. والعُمْرَان، أو البِنَايَات العصرية، التي نُشاهد اِنْتِشَارَها في منطقة "الرِّيف"، والمَبْنِيَة بِالْإِسْمَنْت والحَدِيد، لم تَكُن نَاتِجَة عن أيّة مُساعدة للدّولة المركزية، وَإِنَّمَا كانت نَاتِجَة عن التَحْوِيلَات المَالِية التي كان المُهَاجِرُون العُمَّال "الرِّيفِيُّون" يَبْعَثُونَهَا مِن بُلدان أَوْرُوبَّا الغَربية إلى عَائِلَاتهم المُتَبَقِّيَة في منطقة "الرِّيف". بَيْنَمَا مناطق جبال الأطلس لم تَسْتَفِد بما فيه الكِفَايَة مِن الهِجْرَة إلى بُلدان أَوْرُوبَّا الغربية، حِينَمَا كانت هذه الهِجْرَة مُمكنة بَيْن سنوات 1960 و 1980. وَهكذا، بَقِيَت ظَاهِرَة بِنَاء المَسَاكِن بِالْإْسْمَنْت والحَدِيد، في مناطق جبال الأطلس، مُنْعَدِمَة، أو ضَئِيلَة. حيثُ أن مُعْظَم البِنَايَات في مناطق جبال الأطلس (الكَبير، والمُتوسّط، والصَّغِير)، بَقِيَت مَبْنِيَة بِالتُرَاب، والأَحْجَار، والنَبَاتَات (وليس بالإسمنت والحديد مثلما هو الحال في مناطق "الرِّيف"). وحينما جاء الزِلْزَال الْاِسْتِثْنَائِي المُفَاجِئ في يوم 8 شُتنبر 2023، كانت الخَسَائر كَبِيرة نِسْبِيًّا (أَيْ أكثر من 2960 قتيل، و 5530 جَريح، وَآلَاف المَسَاكِن المُخَرَّبَة). والاحتمال الكبير هو أنه، لَوْ كانت غَالِبِيَة المَسَاكِن (في مناطق جبال الأطلس) مَبْنِيَة بِالْإِسْمَنْت والحَدِيد (مثلما هو الحال في مناطق "الرِّيف")، وَلَوْ بِمَعَايِير بِنَاء مُتَوَسِّطَة، لَكَانَت أَعْدَاد القَتْلَى والجَرْحَى أَقَلَّ مِمَّا حَدث. 5) بعد زِلزال يوم 8 شُتنبر 2023 في جبال الأطلس، سَيُصبح سُكَّان هذه المناطق مُجْبَرِين على التَخَلِّي نِهَائِيًّا عن البِنَاء بِالتُرَاب والْأَحْجَار، وَتَعْوِيضِه بِالبِنَاء بِالْإِسْمَنْت والحَدِيد. لأنّ هذا البِنَاء (بِالْإِسْمَنْت والحَدِيد) هو الوَحِيد الذي يُقَاوِم الزَّلَازِل. وَلَوْ أنّ كُلْفَتُه هي أكبر. لكن تِقْنِيَة البناء بِالْإِسْمَنْت والحَدِيد فيها مُشْكِل كَبِير، أو فيها تَنَاقُض (contradiction). لأنّ البنايات المَبْنِيَة بِالْإِسْمَنْت والحَدِيد لَيْسَت مُرْضِيَة. وَسُكَّان بعض المُدُن الدَّاخِلِيَة (مثل مُرَّاكُش، وَوَارْزَازَات، وَتَارُودَانْت، وَفَاس، وَوَجْدة، الخ)، يَعْرِفُون ذلك جَيِّدًا. وَلِأَنّ البِنَايَات المَبْنِيَة بِالْإِسْمَنْت والحَدِيد، تَكُون حَارَّة جدًا في الصَّيْف، وَبَارِدَة جدًا في الشِتَاء. وهذا لا يُطاق في كثير مِن المناطق (مثل قِمَم جبال الأطلس). وَكُلْفَةُ كَهْرَبَاء مُكَيِّفَات الهَوَاء (climatiseurs) تَفُوق بِكَثِير القُدُرَات المالية لِسُكَّان هذه المناطق الفقيرة. والحَلُّ الوَحِيد هُو الدَّمْجُ بين مَزَايَا البناء بالتُرَاب، وَمَزَايَا البناء بِالْإِسْمَنْت والحَدِيد. [ وَأَتَوَفَّرُ شَخْصِيًّا على اِبْتِكَار تِقْنِي في مَجَال هَنْدَسَة البِنَاء، يُعَالِجُ هذا المُشكل، عَبْر الدَّمْج بين مَزَايَا التِقْنِيَّتَيْن ]. 6) على خِلَاف تَبَاكِي بعض الجِهَات الرَّأْسَمَالِيَة على قَتْلَى وَجَرْحَى زِلزَال يوم 8 شُتنبر 2023، والذي خَرَّب قُرَى مناطق جبال الأطلس، فإنّ الْأَضْرَار (البِنْيَوِيَة، والدَّائِمَة) التي يُحْدِثُها التَفْقِير، والتَهْمِيش، والاضطهاد، لِسُكَّان مناطق المغرب المُهْمَلَة من طرف الدّولة الرَّأْسَمَالِية المَركزية، هي أَكْبَرُ ضَرَرًا، وَأَكْثَرُ إِيلَامًا، بالمقارنة مع الْأَضْرَار التي تُحْدِثُهَا كَارِثَة طَبِيعِيَة عَابِرَة، أو قَاهِرَة، أو اِسْتِثْنَائِية. 7) لَوْ مَنَحت الدّولة القائمة في المغرب، إلى سُكَّان مَناطق جبال الأطلس و"الرِّيف"، وَلَوْ ثُلُث، أو رُبُع، المُسَاعَدَات وَالْاِمْتِيَازَات المادّية التي مَنَحَتْهَا الدّولة، منذ سنة 1980 إلى الآن، إلى سُكّان وأَعْيَان مناطق الصحراء الغربية المُسْتَرْجَعة، لَمَا بَقِيَت مناطق جبال الأطلس و"الرِّيف" في مَا بَقِيَت فيه مِن فَقْر، وَتَهْمِيش، وَتَجْهِيل، وَتَخَلُّف مُجتمعي. والوَاقِع الحالي القائم يَشْهَد على أن مناطق جبال الأطلس و"الرِّيف"، هي من بين مناطق المغرب الْأَقَلّ اِسْتِفَادَة مِن تَطَوُّرات المغرب، منذ الاستقلال الشّكلي في سنة 1956 إلى الآن. 8) على عكس مَا يُقَال عن بعض «الوُعُود» المُتَكَرِّرَة، وَالمُفْرِطَة في السَّخَاء، لَا تَقْدِر لَا «وُعُود» الدّولة، وَلَا «وُعُود» الجَمْعِيَّات الخَيْرِيَة، أن تُنْجِزَ إِعَادَة إِعْمَار وَتَنْشِيط القُرَى والمناطق المُنْتَشِرَة في جبال الأطلس (الكبير، والمتوسّط، والصّغير)، والتي خَرَّبَهَا زِلْزَال يوم 8 شُتنبر 2023. وَلَا يُمكن لِ «الصَدَقَات المَوْسِمِيَة» المُوَزَّعَة على الفُقَرَاء والمُحْتَاجِين (في فصل الشِتَاء، أو أثناء كَارِثَة طَبِيعية اِسْتِثْنَائِيَة مثل الزِلْزَال)، وَمَهْمَا كان سَخَاءُهَا، لَا يُمكنها أن تَرْقَى إلى مُسْتَوَى مُعالجة مَشَاكِل السُكَّان واحْتِيَاجَاتِهِم المُجْتَمَعِيَة. بَلْمَا يَحتاج إليه سُكَّان المناطق المُهْمَلَة، ليس هُو «الصَدَقَات المَوْسِمِيَة»، وَلَوْ كانت سَخِيَة،وإنما يحتاج هؤلاءالمُواطِنِين إلى تنمية اِقْتصَادِيَة مُجْتَمَعِيَة شَامِلَة وَمُتَرَابِطَة، لِكَيْ يُصْبِحُوا قَادِرِين على الْاِعْتِمَاد على أنفسهم. لكن الرَّأسمالية تَبْقَى عَاجِزَة على إِنْجاز هذا النَّوْع مِن التَنْمِيَة الاقتصادية المُجتمعية الشَّامِلَة والمُتَرَابِطَة. وَنَتِيجَةً لذلك، وفي اِنْتِظَار «وُعُود التنمية الاقتصادية الشَّامِلَة»، وَالتي لَا يُمكن أن تَتَحَقَّق في إِطَار الرَّأْسَمَالِيَة، فإن المَصِير المُسْتَقْبَلِي المَفْرُوض على مُعظم سُكّان مناطق جبال الأطلس، هو الهِجْرَة التَدْرِيجِيَة إلى بَقِيَة مُدُن المغرب. وَمَهْمَا قِيل عَن الهِجْرَة، لا تَقدر الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة على مُعالجة، أو إِيقَاف، ظَاهِرَة الهِجْرَة من القُرَى إِلى المُدُن. 9) أنا لَا أَعْلَم المَجْهُول، وَلَا أَعْرِف بِدِقَّة عُلُوم الجِيُوفِزِيَّاء (géophysique) المُتَعَلِّقَة بِالتُّرَاب الوطني لِلْمَغْرب. لكن لِنَتَصَوَّر الْأَسْوَأ. حَيْثُ لَا يُمكن لِأَيّ عَالِم أن يَجْزِم أن مَرْكَز زِلْزَال قَوِي لَنْ يَحْدُث في المُستقبل، في مدينة الدارالبيضاء، أو مُرّاكش، أو الرِّبَاط، الخ. لِنَتَخَيَّل مثلًا أنّ الزِلْزَال الذي حدث في يوم 8 شُتنبر 2023 في جبال الأطلس الكبير، بِقُرَابَة الدَّرَجَة 7 على مِقْيَاس رِيخْتَر (Richter)، لِنَتَخَيَّل أن مَرْكَزُه وَقَعَ بِالضّبط في وسط مدينة الدارالبيضاء، والتي يَتَرَاوَح عدد سُكّانها بين 3 و 4 مليون نسمة. وَلِنَتَخَيَّل عدد المَبَانِي التي هي هَشَّة، أو مَغْشُوشَة، أو غَيْر مُتَلَائِمَة مع مَعَايِر البِنَاء الرّسمية. وَلِنَتَسَاءَل كَيْف ستكون النَتَائِج والخَسَائِر المُحتملة ؟... أَلَمْ يَحِن إِذَنْ الوقت بَعْدُ في المغرب، لِلزِّيَادَة في مُسْتَوَى مَقَايِيس، أو مَعَايِير البِنَاء الْإِجْبَارِيَة، لِكَيْ تأخذ هذه المَعَايِير بِعَيْن الاعتبار المُعْطَيَات الحَدِيَثَة، النَّاتِجَة عَن حَرَكَة "تِكْتُونِيَة الصَّفَائِح" (tectonique des plaques) في شَمال إفريقيا، بِالْإِضَافَة إلى تَنْفِيذ وَضَبْط احترامها، في مُختلف أَقَاليم البلاد. وَلَوْ أن تَكَالِيف هذا الصِنْف الجَديد من البناء، المُقَاوِم لِلزَّلَازِل، سَتَكُون أَغْلَى نِسْبِيًّا ؟ 10) وَلِجماهير شعبنا، التي أَلِفَت التَعْوِيل على مُساعدات دَولة المَغرب، أو على مُساعدات الدُّوَل الأجنبية، نَقُول لها : لا تعتمدوا على الدولة، فالدّولة هي نفسها تُعَوِّل على الشعب الكادح لكي يَمْلَأَ خَزَائِنَهَا وَمِيزَانِيَّاتِهَا بِمَدَاخِيل الضَرائب وما شَابَهَهَا. بَل اِعْتَمِدُوا على أنفسكم، وعلى تَضَامُنِكُم، وعلى مَجْهُودَاتِكُم المُنْتِجَة، وعلى جماعاتكم، وعلى تنظيماتكم الشعبية المُستقلة. فَأَنْ تَعْرِفَ كَيْف تُنْتِجُ درهمًا واحدًا، هُو خَير لك مِن أن تَحْصُل على صَدَقَة 100 درهم بِدُون أيّ مَجْهُود ! 11) أَوَدُّ التَّذْكِير بِأَنّ الدّولة الرّأسمالية القائمة في المغرب، سَاهَمَت في تَفْقِير سُكَّان مَناطق جبال الأطلس، وَخَاصَّةً منها مِنْطَقَة"سُوسْ". وَلَوْ أنّ شَرح هذه القَضِيَة يَتَطَلَّب تَقْدِيم بعض التَفَاصِيل. وَسُكَّان مَنْطقة "سُوسْ" يُشَكِّلُون الجُزء الأكبر من سُكّان مناطق جبال الأطلس الكَبِير. وَلِشَرح مُسَاهَمَة الدّولة في تَفْقِير هؤلاء السُكَّان، أُذَكِّر أن الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة في المغرب كانت تَخْلُق في كلّ عَام مَا يَتَراوَح مُعَدَّله بين عشرة آلَاف وعشرين أَلْف مَنْصِب شُغْل، بَيْنَما الاِحْتِيَّاجَات إلى مَنَاصِب الشُّغل (المَبْنِيَة على أساس تَزَايُد عَدد السُكَّان) كانت تُقَدَّر بِقُرَابَة 300 ألف منصب شُغْل في كلّ عَام. وَأَمَام هذا النَّقْص الكَبِير والمُتَوَاصِل في فُرَص الشُّغْل المُتَاحَة في المغرب (أيْ البِطَالَة)، ومنذ سنوات 1960، اِبْتَكَر سُكَّان مَنَاطِق "سُوسْ" طَرِيقة ذَكِيَة لِتَشْغِيل أَنْفُسِهِم بِأَنْفُسِهم، دُون الْاِعْتِمَاد على الدّولة. حيث كان بعض سُكَّان "سُوسْ"، يُهَاجِرُون إلى المُدُن، حَامِلِين معهم رَأْسَمَالًا صَغِيرًا، مُكَوَّنًا من مُساهمات مختلف أفراد عائلاتهم الصَّغِيرة. وكانوا يَفْتَحُون مَحَلَّات بَقَّالَة (épiceries) في الأحياء السَكَنِيَة الشَّعْبِيَة، بِهَدف مُمَارَسَة تِجَارَة القُرْب الصَّغِيرة (alimentation générale). وَكان كل مَتْجَر "سُوسِي" يُشَغِّل 2 أو 3 أَشخاص. وكان تُجَّار أَهْل "سُوسْ" مَشْهُورُين بِجِدِّيَتِهِم، وَبِكَدِّهِم، وَكَانُوا يَقْبَلُون بِمُعَدَّل رِبْح مُنْخَفِض. وَكَان أهل "سُوسْ" يَقُومُون بِوَظِيفَة مَجْتَمَعِيَة مُهِمَّة، هي "تِجَارَة القُرْب الصَغِيرة". وانتشروا في مُجْمَل أَنْحَاء المَغرب. لكن منذ قُرابة سنوات 1980، إِنْطَلَقَت دولة المَغرب بِحَمَاسَة مُفْرِطَة في تَشْجِيع وَتَقْوِيَة الرَّأْسَمَالِيَة الكَبِيرة والمُتَوَحِّشَة. وَسَهَّلَت دَوْلة المَغرب اِنْتِشَارَ المَتَاجِر الرّأْسَمَالِيَة الضَّخْمَة، أو «السُّوبَرْ مَارْكِتْ» (Supermarchés)، المَبْنِيَة فَوْقَ مساحات شَاسِعَة، مِثل المَغْربي "مَرْجَان" (Marjane)، وَالفَرَنْسِي "كَارُوفُور" (Carrefour)، والتُورْكِي "بِيم" (Bim)، الخ. وتَبِيع هذه المَتَاجر الضّخمة كلّ السِّلَع المُمكنة (المَحَلِّيَة والمُسْتَوْرَدَة، اِبْتِدَاءً مِن الدَّقِيق وَالخُبز والخُضَر، وانْتِهَاءً بِالأجهزة المنزلية الكبيرة). وَبِفَضْل تِقْنِيَّاتِهَا التِجَارِيَة المُتَقَدِّمَة، وَكذلك بِفَضْل عَلَاقَاتِهَا المُبَاشِرة مع المُنْتِجِين الأَصْلِيِّين، اِسْتَطَاعَت هذه المَتَاجر الضّخمة أن تَنْتَزِع مُجْمَل الزُّبَنَاء الْأَثْرِيَاء، وَالمَيْسُورِين، وحتّى بعض الزُبَنَاء ذَوِي الدَّخْل الصَّغِير، من مَتَاجِر البَقَّالَة الصَغِيرة. وَبِقَدْر مَا تَضَخَّمَت أَرْبَاح شَرِكَات "المَتَاجِر الضَّخْمَة" (supermarchés)، بِقَدْر مَا اِنْخَفَض مُتَوَسِّط أرباح مَتَاجِر البقالة الصغيرة (épiceries). بَل أَصْبَحَت مِهْنَة مَتَاجِر البَقَّالَة الصَّغيرة والمُتوسّطة مَحْكُوم عليها بِالزَّوَال، والْاِنْقِرَاض. لِأَنَّهَا تَعْجِزُ على مُقَاوَمَة الرَّأسمال الكَبِير. كَمَا أن مَتاجر البَقَّالَة الصَّغِيرة مُنَافَسَة مِن طَرف "البَائِعِين المُتَجَوِّلِين" (الفَرَّاشَة)، والبَائِعِين المُتَجَوِّلِين أصحاب "الدَرَّاجَات ثُلَاثِية العَجَلَات" (triporteurs). وهذه التَطَوُّرَات حَتْمِية في إِطَار الرَّأْسَمَالِية. والدّولة تعرف هذه التَطوّرات الحَتْمِية. وَتَتَضَاءَل بِاستمرار فُرَص التَشْغِيل الذَّاتِي (auto-emploi) في تِجَارَة القُرْب الصغيرة. وَمَا حَدَث في رَأْسَمَالِيَة أَمْرِيكَا، وفي رَأْسَمَالِيَة بُلدان أَوْرُوبَّا الغَربية، سَيَتَكَرَّر الجُزْء السَّلْبِي منه في رَأْسَمَالِية المغرب. وهو اِنْقِرَاض تَدْريجِي لِمَتَاجِر البَقَّالَة الصَغِيرَة، وَتَعْوِيضُهَا بِالمَتَاجِر الضَّخْمَة (supermarchés). وَلَم تُبَالِي دولة المغرب بِمَصِير التُجَّار الصِّغَار المُنْحَدِرِين مِن منطقة "سُوسْ". وَلَا بِمَصِير مِهَن التِجَارَة الصَّغِيرة بِشَكْل عَامّ. ولم تُقَدِّم دَولة المغرب أَيّة حِمَايَة أو بَدِيل لِأَصْحَاب مَتَاجِر البَقَّالَة الصغيرة والمتوسّطة. وَتَرَكَتْهُم الدّولةُ فَرِيسَةً سََهْلةً أَمَام "المَتَاجر الضَّخْمَة" (supermarchés). ولم يَعُد سُكَّان منطقة "سُوسْ" يَجِدُون فُرَصًا سَهْلَة لِتَشْغِيل أَنْفُسِهِم بِأَنْفُسِهم في التِجَارَة الصَّغِيرَة. فَانْتَشَرَت من جَدِيد البِطَالَة في أَوْسَاطِهِم. وهكذا ساهمت الدّولة في تَفْقِير سُكّان مَنَاطق "سُوسْ" وجبال الأطلس الكبير. كما سَاهَمَ فَقْر سُكَّان مناطق جبال الأطلس في اِرْتِفَاع أَعْدَاد الضَحَايَا والخَسَائِر المادّية، النَاتِجَة عن زِلْزَال يوم 8 شُتنبر 2023. 12) تَحَدَّثَت وَسَائِل الإعلام الرّسمية في المغرب عن الحَل الذي تُرِيد دَولة المَغرب أن تُعَالج به مُخَلَّفَات الزِّلْزَال. وَيَتَكَوَّن هذا الحَلّ مِن : تَقْدِيم «مُساعدات مَالِية فَوْرِيَّة» (مَا بين 80 ألف و 140 ألف درهم) لِكُلّ عَائِلَة مُتَضَرِّرَة، و«إِعَادَة بِنَاء المَسَاكِن المُهَدَّمَة»، و«إِعَادة إِعْمَار المناطق المنكوبة». لكن المَنَاهِج التي فَكَّرَت بها الدّولة لِتَخَيُّل هذه «الحُلُول»، لَا تَرَى الوَاقِع كما هُو. ولماذا ؟ لأن المُشكل المُسْتَعْجَل هو أنّ الزِلْزَال حدث في يوم 8 شُتنبر 2023، وأنه لَمْ يَبْقَ لِوُصُول مَوْسِم الأمطار، والبَرْد، والثُلُوج، اِبْتِدَاءًا مِن شَهر نُوَنْبِر، سِوَى أَقَلّ مِن شَهْرَيْن. وَمِن شِبْه المُسْتَحِيل، أنْ يَقْدِرَ السُكَّان المُتضرّرون من الزِّلْزَال، على إِعَادَة بِنَاء مَسَاكِنَهُم، خلال أَقَلٍّ مِن شَهْرَيْن (أُكْتُوبَر، وَنُوَنْبِر 2023). كما أنّه من شِبْه المُسْتَحيل أن يَقْدِرَ هؤلاء السُكَّان على العَيْشِ خِلال فَصْل الشِتَاء المُقْبِل (شُهُور نُوَنْبِر 2023 – فبراير 2024)، في خِيَّام خَفِيفَة، على قِمَم جِبال الأطلس، في اِنْتِظَار بِنَاء مَنَازِل صَلْبَة جَديدة. خَاصَّةً وأنّ البَرْد شديد في جبال الأطلس. وَبِالتَّالِي، سَيَحْتَاج هؤلاء السُكَّان إلى مَسَاكِن صَلْبَة مُؤَقَّتَة يَقْضُون فيها فصل الشِتَاء المُقبل. وَالحَل البَدِيل الذي أراه وَاقِعِيَّا، هو إِسْكَان ضَحَايَا الزِلْزَال مُؤَقَّتًا في مَنَازِل صَلْبَة جَاهِزَة، في المُدُن الشَّاطِئِيَة القَرِيبَة، المُتَوَاجِدَة بين مُدُن الصَوِيرَة، وَأَكَادِير، وَتِيزْنِيتْ، إلى حِين أن يَنْتَهِيَ فَصْل شِتَاء سنة 2023-2024، وَإلى حِين أن تَتِمَّ عَمَلِيَة إِعَادَة بِنَاء المَنَازِل المُهَدَّمَة. والمَوَاد المُسْتَعْجَلَة التي يَحْتَاجُ إليها سُكَّان ضَحَايَا زِلْزَالٌ جبال الأطلس (في اِنْتِظَار تَرْحِيلِهِم مُؤَقَّتًا)، هي خُصوصًا : فَتْح الطُرُق المَسْدُودَة، أَلْبِسَة فَصْل الشِتَاء، خِيَّام مُؤَقَّتَة، الدَّقِيق لِصناعة الخُبز، القَطَانِيَّات أو البَقُّولِيَات (légumineuses)، الخُضَر والفَوَاكِه، قِنِّينَات غَاز البُوطَان، وَسَائِل الطَّهْي، الأطبّاء والمُمَرِّضِين والأَدْوِيَة، الأغطية، الخ. وَمِن وَاجب الدّولة، كَمَا مِن وَاجب مُقَدِّمِي المُساعدات، أن يَسْتَشِيرُوا، وأن يَتَشَاوَرُوا، مع سُكَّان مَناطق جِبال الأطلس المُتَضَرِّرِين مِن الزِّلْزَال، حَول الأَسْبَقِيَّات في نَوْعِيَة المُساعدات المَرْجُوَّة. (14 شُتنبر 2023).