تُوصف مدينة تيزنيت بأنها "عاصمة الفضّة بامتياز"، وهي التي تأوي أكثر من 500 صانع تقليدي في الصّياغة الفضّية ما تزال تحافظ على أصالتها وإبداع أنامل صنّاعها ومهارة حرفييها الذين يحولون الفضّة إلى قطع فنّية تحمل في طياتها تراثًا ثقافيًّا عريقًا يجمع بين أصالة المنتوج، حتى صار جزءا لا يتجزأ من هوية المدينة وثقافتها، تعكسها إبداعات في أشكال وقوالب لا تنضب. ولأن عادت الصّياغة الفضية في تيزنيت إلى قرون خلت فهي لم تعد اليوم مجرّد حرفة، فمهنيو الفضة بالمدينة عبر إبداعاتهم التي تجمع بين الأسلوب التقليدي واللّمسات العصرية، تُصنّع المجوهرات والأدوات الفضّية بأيدي ماهرة، حيث يتم تطعيمها بالأحجار الكريمة وتصميمها بأشكال فريدة تعكس التراث الأمازيغي المغربي، وتعبر عن الهوية الثقافية والإبداع الفنّي للمدينة.
شهادات مهنيين: هُويتنا تُميّز إبداعاتنا عن ذلك، يقول محمد الهموزي، وهو حرفي في مجال الفضّة منذ أكثر من 25 عامًا: "الفضة ليست مجرد معدن بالنسبة لنا، بل هي جزء من هويتنا وثقافتنا، نعمل بجد لنحافظ على هذا التراث وننقله للأجيال القادمة، فيما تؤكد فاطمة الرابطي، وهي حرفية وصاحبة ورشة صغيرة، إلى أنه "رغم التّحديات التي نواجهها، من قبيل ارتفاع أسعار المواد الخامّ والمنافسة من المنتجات المستوردة، فإننا ملتزمون بالحفاظ على جودة منتجاتنا وتميزها، وإبداعها المتجدّد على الدّوام لتأمين مستقل الصياغة الفضّية في مدينة هي عاصمتها". ويشرحُ الحسين أملال، وهو حرفي في مجال الفضّة منذ أكثر من 30 عامًا، بأن "تيزنيت ليست مُجرد مدينة لصناعة الفضّة، إنها تراث حيّ. نحن فخورون بما نقدمه من فنون وحرف تميّزنا عن غيرنا." وهو نفس المسار الذي تسير إليه فاطمة أعراب، وهي حرفية تدير ورشة عائلية، بقولها: التقاليد هي أساس عملنا، نحرص على تعليم أبنائنا هذه المهارات لضمان استمراريتها وتطورها، فالكثير من المعلّمين (الحرفيين) ورِثُوا الحرفة وورّثُوها لأبنائهم وعائلاتهم وصاروا يُبدعون فيها ومن أجل رفعتها". وبحسب شهادات المهنيين، فإن التصاميم التقليدية والرموز الأمازيغية المعتمدة في صياغة الفضة تعتمد على التراث الأمازيغي الغني، حيث يُدمجون الرموز التقليدية والنّقوش الأمازيغية في تصميماتهم، مما يعطي للقطع الفضية طابعاً فريداً يميزها عن غيرها. هذه التصاميم تعكس الهوية الثقافية والتاريخية للمنطقة، تُعزّزها الجودة العالية والدّقة في العمل اليدوي، حيث يتم إنتاج القطع الفضية بتقنيات دقيقة ومتقنة، مما يجعلها تعكس التميز والجاذبية والمتانة التي تستمر لسنوات. ووفق إفادات المهنيين، يَسِمُ الابتكار والتّجديد الصياغة الفضية في تيزنيت، حيث يعمل الصناع المهرة على دمج التقنيات الحديثة في عملية التصنيع، فهم يتمتعون بقدرة فريدة على تحويل الخامات البسيطة إلى قطع فنية بديعة تروي حكايات تراثية، مما يساهم في إنتاج تصاميم عصرية تروق للأذواق الحديثة، ويفتح أسواقاً جديدة لمنتجاتهم. وممّا يميّز الصياغة الفضّية، في جولة عبر قيسارات المدينة القديمة المتاخمة لساحة المشور وسوق سي بلعيد وسوق أقشوش القديمين، تنوعها بين الحلي التقليدية لتشمل الأساور، والخواتم، والأقراط، والقلائد بتصاميمها التقليدية والنقوش الأمازيغية المتوارثة، والمجوهرات العصرية التي تجمع بين الطابع التقليدي واللمسات الحديثة، حيث يستخدم الحرفيون تقنيات جديدة وتصاميم مبتكرة تواكب الأذواق العصرية، وكذا الأواني الفضية التي تشمل الصواني، والأكواب، والأباريق التي تصنع من الفضة وتزين بنقوش دقيقة، فضلا عن الزخارف المنزلية من قبيل التحف والتماثيل الصغيرة التي تستخدم زينة للمنازل والمكاتب، ومعها أدوات الزّينة الدينية التي تهم الأيقونات والمسابح التي تُستخدم في الطقوس الدينية والزينة الشخصية، بمهارات عالية في العمل اليدوي والتفاصيل الدقيقة، وهو ما يجعل منتجاتهم محطّ إعجاب وتقدير واسع. وتُجمع شهادات المهنيين التي استقاها موقع "لكم"، على الفخر بالتراث والالتزام بالحفاظ على هذه الصناعة العريقة، إذ تُعتبر الفضة جزءًا لا يتجزأ من هوية المدينة، ويعمل الحرفيون بجدّ لضمان استمرارية هذه الحرفة ونقلها للأجيال القادمة من خلال المزج بين التقنيات التقليدية والابتكارات الحديثة، حيث تم إنشاء شعبة لاستدامة التأطير والإبداع في المعهد المتخصص للتكوين المهني (طريق تافروات) كان الرّاحل عبد العزيز البيض أحد كوادره، فيما تتوزع أسواق التسويق المحلي سوق تيزنيت للفضة، الأقدم في المدينة القديمة، وفي قيساريات اللّوبان وعزيز والمشور، يعززها معرض سنوي يقام بمناسبة مهرجان "تيميزار" الذي ترعاه جمعية تحمل اسمه، وأطفأ في صيف 2024 عامه التاسع عشر، والذي يشكل منصة للعارضين المحليين والوطنيين والدوليين فرصة لاقتناء الفضة بأسعار متنوعة وتنافسية، وهي المشهورة بأشكال "تزرزيت" و"تَاكْسْتْ نْقْرْتْ"، و"لكوميت" و" الخنجر" و"تزيبّة" وّالخلخال" وغيرها. أيّ أثر لأيّ تنمية؟ وبقدر ما تساهم صناعة الفضّة في تيزنيت بشكل كبير في الاقتصاد المحلي، تشير التقارير إلى أن عدد الحرفيين في هذا المجال يزيد عن 1000 مهني، موزعين على ورش صغيرة ومتوسطة الحجم، ممّا يعزز مكانة تيزنيت كمركز رئيسي لهذه الصناعة الفضية المتجدّدة على الدوام. وفقًا لإحصاءات وزارة الصناعة التقليدية، التي حصل عليها موقع "لكم"، فإن صناعة الفضة في تيزنيت تساهم بشكل كبير في الاقتصاد المحلي، فحجم الإنتاج السنوي من منتجات الفضة يقدر بنحو حوالي 30 طنًّا، يتم تسويقه محليًا ودوليًّا بعائدات مالية تصل إلى ما يفوق 25 مليون درهم، وهي التي توفر فرص عمل لحوالي 3000 شخص، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ممّا ينعكس إيجابا على التدفّق السّياحي لعاصمة الفضّة باستقطابها نحو 50 ألف سائح سنويا. وعلى الرّغم من هذا الوهج، ما تزال تواجه الصياغة الفضّية بالمنطقة تحديات المنافسة من المُنتجات المصنّعة آليًا، وارتفاع تكلفة المواد الخام. ومع ذلك، يظلّ الحرفيون في هذه المدينة التاريخية السّلطانية مُتشبّثين بمهنتهم، يسعون لتطوير مهاراتهم وتحديث تقنياتهم لضمان استمرار هذه الحرفة من الاندثار وعوادي الزّمن، فجلّ تصاميم المنتجات الفضية مستوحاة من التراث الأمازيغي، تتنوع بين الأشكال الهندسية والزخارف النباتية، حيث تُعرف القطع الفضية من تيزنيت بتعقيدها وجمالها، غير أن تصديرها لدول أوروبا وأمريكا الشمالية بقدر ما يعزّز الدخل، يحتاج لتسويق أكثر احترافية ومهنية وتحفيزات أكبر لتأمين استمرارية الإبداع والتّميّز وتحقيق أثر تنمية أكبر على المنطقة ومِهنِيّيها.