في مقهى الحي اللاتيني بباريس، ترجع بي السنون أسواء كانت عجافا أم سمانا، إلى زمن كنت أحلم فيه زيارة فرنسا، فقط لأتحسس هذا الفضاء الذي كتب عنه طه حسين، ومجدته أقلام كبار الكتاب، حلم تحقق منذ زمن، لكن بمجرد العودة إليه أكتشه أو أحاول اكتشاف من كتبوا كل سطر عن أسطورية المكان، محاولا أيضا استحضار وجوه بكل تأكيد طولها الزمن والعمر أولاد. ففي الحي اللاتيني تأخذ قهوته ولا تحتسيها لأنها تبرد أمام دهشتك الف مرة وتستحيي طلب إعادة تسخينها والنادل ربما اكتشف هو الآخر أنك من العابرين، الذين احبها المقاهي لا شرب القهوة، وربما بمجرد ما تحملق في الوجوه يكتشف الجميع أي فتى أنت، وأي عابر سبيل سيترك هنا بسمته الثكلى على أمل اللقاء مرة أخرى إن بقي في العمر بقية.. هكذا اكتشفته اللحظة خرافة تشبه لعبة التدوير والتربيع، ونحن نجادل في ثنائتي الهامش والمركز.. وكأننا خلقنا في فضاء مقدس وآخر مدنس، والحال ان الله كرم بني آدم بعيدا عن فلسفة الزمكان.. لكن أرانا وكأننا نمارس حروب الديكة في عالم عربي لم يرتب وقته الثالث، بينما غيرنا تجاوز تجاذباتنا الباهتة ليعانق انسانية الانسان التي هي مصدر فيض رباني حتما يكون الفيض وليد العقل العاشر… وهكذا لا أتصورنا يوما ننزع عنا قميصنا الداكن الملطخ بدم ذئب الفلوات الذي بصم عنه اخوة يوسف جورا وبهتانا.. ترانا معشر المثقفين نستطيع يوما أن نتصالح مع ذواتنا بتصالحنا مع مخلفات أراها ثابة الوجود والعالم تجاوزنا بسنين ضوئية..!! كم أشعر وكأنني عبارة عن تفاحة نجت من قبضة سكين سكنه الصدأ وأنا أحاول ما استطعت إليه سبيلا استئصال أفكار مستوردة أكثر وقعا علي من الأفكار الظلامية التي اخترقتنا بدون استئذان لاصيح عاليا: "ما أعدلك يا حجاج بن يوسف الثقفي… وما أبشع ثقافة هزت كيان كلود ليفي ستراوس: الفكر المتوحش: la pensée sauvage.