عرفت سنوات الثمانينات من القرن الماضي، وفترة الرئيس الرّاحل، الشاذلي بن جديد، أحداث وحوادث متعددة، لم يفصل فيها التاريخ بعد، ولم تجد طريقا لها نحو شمس الحقيقة، وبقيت كخرافات أو أحجيات الجدات. فمن منا لا يتذكر فضيحة اختلاس 26 مليار دولار، التي أصبحت آنذاك حديث العام والخاص ومصدرا للتنكيت، وربما من الفضائح التي أدت إلى سقوط رؤوس في النظام في ذلك الوقت. ويبدو أن رقم 26 لصيق بالجزائر والفضائح أيضا، إذ عاد هذه المرة من خلال فضيحة اختلف لونها ومصدرها وحجم خطورتها.. أصبحت الفضيحة في جزائر 2013 من شحم ولحم، وبعد أن كان مصدرها البنوك، أصبحت قمامات الأحياء السكنية، التي لم تعد بريئة، كما كانت في السابق، بل أصبح لها ضجيجا ورائحة نتنة أيضا، تحذّر من تعفّن أعمق في المجتمع، يجب علينا التوقف عنده بالدراسة والتحليل والبحث. 26 جنينا في قمامة بالجزائر العاصمة، رقم مخيف ووضع مقرف ومقزّز، مهما كان مصدر هذه الأجنة وطبيعتها، وهل هي ناتجة عن إجهاض أو عملية ولادة عادية، فلا يمكنها أن تمر هكذا ككل مرة ليغلق الملف بعدها. وإن كان البعض يرى أن فضيحة 26 مليار أكبر من فضيحة 26 جنينا. فالخطر في حقيقة الأمر أكبر في الحالة الثانية. فالفضيحة الأولى، تتعلق بظهور زمرة مقرّبة من مصدر القرار، استغلت مناصبها في أعلى هرم السلطة لسرقة المال عام، فهي لا تزيد عن كونها ضرس مسوّسة كان يجب نزعها. لكن فضيحة 26 جنينا، تتعلق بمافيا تعشّش في المجتمع الجزائري وتنهش في أخلاقياته وحصانته وصحته بالأخص، وهي تشبه في ذلك، الورم السرطاني، الذي تأكل خلاياه بعضها البعض، حتى يصبح غير قادر على مقاومة أي فيروس خارجي ومآله التراب. إن فضيحة العثور على 26 من الأجنة البشرية ملقاة في إحدى قمامات العاصمة، لا تعكس خطورة وضع المجتمع فقط، بل إلى أي درجة وصل استهزاء بعض الأفراد في المجتمع بالدولة، فتجرّأوا على مرآى ومسمع الجميع وألقوا بهذه النفايات في قمامات على قارعة الطريق. إننا نعاني من غياب الرادع النفسي والأخلاقي أمام غياب الدولة واستقالة المجتمع، وعدم تحمله لما يسمى المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية. كما تدق ناقوس الخطر حول مافيا العيادات الخاصة والعمومية، وعصابات خفية تتاجر بمآسي المجتمع. وتكشف مرة أخرى ابتعاد الدولة بمختلف مؤسساتها عن الاهتمام بالشأن اليومي للمواطن، وتؤكد أننا كمجتمع ما زلنا نعيش العصر البدائي، الذي تختفي فيه مظاهر الدولة الراعية والمراقبة والمحاسبة والمعاقبة بالأخص. فانتشار سياسة عدم المراقبة والمتابعة واللاحساب ثم اللاعقاب، أنتجت مجتمعا منفلتا ومميّعا أخلاقيا، بدأت تسيطر عليه كل أنواع العصابات والمافيا، وإلا كيف نفسر أن سكان الحي، الذي وجدت فيه الأجنة، أكدوا أن العملية، لم تكن الأولى من نوعها، وأنه توجد في المنطقة عيادات خاصة تقوم بعمليات الإجهاض، فأين التحقيقات والاستخبارات الأمنية؟ وأين ضمير المواطن وتحمله مسؤولية الإبلاغ عنها؟ أين المتابعة؟ إننا أصبحنا في هذا الزمن كقطيع بلا راع، تنهش فيه الذئاب من كل جانب ولا نتحرك إلا إذا ''جاءت الفاس في الراس''. لا أعلم ما علاقة الجزائر بالضبط مع رقم ,26 الذي ارتبط سابقا بفضيحة 26 مليار دولار، وإن كانت الفضيحة لم تعرف طريقها إلى الرأي العام، ولم ترد توضيحات حولها وحول أبطالها إلى الآن، لكن الجميع يتذكر أنه بعدها تغيّر الكثير في الجزائر، فهل يكون مصير 26 جنينا كمصير 26 مليارا، وهل بوادر التغيير بدأت. في الواقع إن الأسوأ من هذا النظام، هو وجود جزء من الشعب ناتج عن سياسة هذا النظام.