ومن ثم كان تركيزي في هذه المداخلة على أهمية فهرسته وقيمتها العلمية، وعلى مسندي سبتة من خلالها، فجاءت في محورين رئيسين : خصصت المحور الأول للحديث عن "الغنية" فهرست القاضي عياض، وقيمتها وأهميتها؛ أما المحور الثاني فجعلته لرصد شيوخ الإسناد بسبتة من خلال الغنية المحور الأول: أهمية فهرسة القاضي عياض وقيمتها العلمية الفهرسة من حيث المفهوم: فقد أمدنا الحافظ شمس الدين السخاوي (ت901ه) في "فتح المغيث" بخلاصة مركزة عن المادة المتصلة بالفهارس من وجهة نظر المحدثين إمداد مستقص مطلع. في حين أن المادة نفسها مضافا إليها ما تناثر في كتب اللغة نجدها موثقة عند مرتضى الزبيدي(ت1205ه) في "تاج العروس". على أنه كان للمحدثين ". نصيب وافر في تطوير هذا المجال وإغنائه بالملاحظات الدقيقة، كما نجد ذلك عند علامة الجزائر محمد بن أبي شنب في دراسته باللغة الفرنسية حول أعلام فهرسة (إجازة) عبد القادر الفاسي(ت1091ه). وقد كان الشيخ عبد الحي الكتاني (ت1382ه)، المعروف بسعة اطلاعه، وراء جمع أطراف الموضوع في كتابه "فهرس الفهارس". على أن أسخى ما كتب في الموضوع هو المقال القيم الذي نشره الدكتور عبد العزيز الأهواني في الجزء الأول، المجلد الأول من مجلة معهد المخطوطات العربية سنة 1955م تقدمة لبرنامج ابن أبي الربيع الإشبيلي الذي صنعه ابن الشاط السبتي(ت723ه). وتأتي بعد ذلك الدراسة التي قام بما الدكتور عبد الله المرابط الترغي في كتابه "فهارس علماء المغرب منذ النشأة إلى نهاية القرن الثاني عشر للهجرة"، الذي تتبع فيه نشأة هذه الفهارس في المغرب، والخصائص التي تميزت بها مادة ومنهجا وقيمة . هذا وقد اختلفت طريقة التأليف في هذا الفن من حيث الترتيب والتبويب، والتقسيم من حيث تفاوت الحجم إيجازا وإطنابا. وقد ذكر الدكتور عبد الله المرابط الترغي في كتابه "فهارس علماء المغرب " أن المناهج المتبعة في فهارس علماء المغرب تتلخص في ثلاثة طرق : الطريقة الأولى: ترتيب مواد الفهرسة على حسب المرويات وهي التي عرفت في عرف الأندلسيين ببرنامج الروايات؛ لأنها تركز في مادتها على المرويات، وتقوم بسرد مواد العلوم والمصنفات التي يرويها صاحب الفهرسة، فهي لا تتعرض للشيوخ إلا بذكر أسمائهم؛ لتسند إليهم رواية هذه العلوم والمصنفات ومثل لذلك بفهرسة ابن خير الإشبيلي (ت575ه) ، وصلة الخلف بموصول السلف لأبي عبد الله محمد بن سليمان الروداني (ت1094ه)، وغيرهما. كما يدخل في هذا الباب المعجم المفهرس للحافظ ابن حجر العسقلاني(ت852ه). الطريقة الثانية: ترتيب مواد الفهرسة على حسب الشيوخ وتقوم على ذكر الشيوخ والتعريف بهم، ولا تتناول من المرويات المسندة إلا ما قل. وأهمية هذه الطريقة أنها تجعل من الفهرسة كتاب رجال، تبتعد به عن جو الأسانيد والمرويات، وتجعل منه مصنفا أقرب إلى كتب التواريخ منه إلى مصنفات الحديث والرواية، ومثل لذلك بالغنية فهرسة القاضي عياض (ت544ه)، وفهرسة أبي العلاء ادريس بن محمد المنجرة الحسني(ت1137ه)، وغيرهما . ويدخل في هذا الباب أيضا فهرس القاضي أبي محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي 400 المتوفى حوالي سنة 541ه، وبرنامج أبي الحسن علي الرعيني " المتوفى سنة 666ه. الطريقة الثالثة: الجمع بين المرويات والشيوخ" وهي طريقة يتبع فيها صاحبها الجمع بين الطريقتين السالفتين، فيعرف بالشيوخ، وفي نفس الوقت يعرض مروياته وأسانيده، مع فصل بينهما بحيث يتركب البرنامج من جزأين يضمهما مؤلف واحد وتقديم واحد. ومثل لذلك بفهرسة أبي زكرياء السراج النفزي الفاسي (ت805ه)، وفهرسة المح البادية" لمحمد الصغير بن عبد الرحمن الفاسي (ت1134ه)، وغيرهما. ويدخل في ذلك أيضا برنامج محمد بن جابر الوادي أشي (ت749ه). وهناك طرق أخرى غالبها ترجع إلى الأقسام الثلاثة المذكورة تعد (الغنية) فهرسة القاضي عياض من أهم الفهارس التي: – عرفت لنا بأعلام سبتة المغربية الذين رحلوا للمشرق لأخذ الحديث وجمعه، وللبحث عن الإسناد وعلوه. وأرخت لنا للكتب التي أدخلوها وجلبوها لحاضرة سبتة. – وأبرزت لنا مجموعة من المصنفات التي ألفت في فنون مختلفة وعلوم متنوعة؛ حيث ذكر القاضي عياض 221 كتابا مما تحمله عن شيوخه. – وحلت لنا قضايا الفكر الإسلامي في العصر الذي عاش فيه القاضي عياض، و ملامح الازدهار الثقافي والنهضة المعرفية بسبتة المغربية خلال القرن السادس الهجري. – وحفظت لنا سلسلة الرجال الموصلة للعلوم والمعارف، واتصال السند إلى المرويات والمصنفات والكتب المتدوالة في عصره، حتى صارت أسانيد الغنية عليها مدار الرواية بسبتة المغربية وباقي الحواضر العلمية بالمغرب والأندلس. – كما تعد هذه الفهرسة من المصادر الأساسية لكثير من العلماء الذين ألفوا في تراجم الرجال واعتنوا بالتعريف بشيوخ الإسناد. المحور الثاني : المسندون بسبتة من خلال الغنية أعني بالمسندين بسبتة من خلال "الغنية"، من أسند إليهم القاضي عياض بسبتة رواية حديث أو مصنف، سواء كان من أهلها أو من الطارئين عليها. وسأقتصر في هذا المقال على ذكر بعض المشهورين منهم على أن يتم التوسع في ذلك في مقال آخر إن شاء الله تعالى: 1 الفقيه القاضي أبو عبد الله محمد د بن عيسى بن حسين التميمي، كان مولده بمدينة فاس سنة 429ه، انتقل رفقة أبيه إلى سبتة، وهو في ريعان شبابه، فطلب العلم على يد أشهر علمائه بالمغرب، ثم رحل إلى الأندلس ثلاث رحلات طالبا العلم، وكان عارفا بالفقه والحديث ضابطا كثير الكتب، مليح الخط والإنشاء والمحاضرة، من أشهر علماء عصره، أعقلهم وأفضلهم وأسمتهم، ولي القضاء بسبتةوبفاس، وهو الشيخ الذي صدر به القاضي عياض فهرسته، ولازمه للمناظرة عليه في المدونة والموطا وسماع المصنفات وأجازه جميع رواياته. منها: الموطاً وصحيحيا البخاري ومسلم، ومسند الموطأ وغيرها كثير. وتوفي بسبتة سنة 505ه. 2 -أبو عبد الله محمد بن عمر بن قطري الزبيدي النحوي: من أهل إشبيلية من بيت الزبيديين الشهير بها في العلم والتقدم. استوطن سبتة وكان مدرسا للنحو والعربية، وله حظ من العلم بالأصول والاعتقاد وله سماع ورحلة جال فيها في الحجاز والعراق والشام ومصر وصقلية. وأخذ وسمع بمصر ومكة وصور عن خلق من العلماء. وتوفي بسبتة سنة إحدى وخمسمائة (ت 501ه). قال القاضي عياض: حدثني عن الخطيب بكتاب المؤتنف في تكملة المؤتلف والمختلف وبكتاب الفقيه والمتفقه من تأليفه سماعا منه. 3 الأديب أبو بكر محمد بن عبد الله بن البراء الجزيري، الشيخ المسن أحد فحول شعراء وقته وأدبائهم، قال القاضي عياض: قرئ عليه ببلدنا النحو مدة، وقرأت عليه في سنة ثلاث وتسعين الكتاب الكامل لأبي العباس المبرد، حدثني به عن أبي بكر المرشاني عن أبي القاسم إبراهيم بن محمد الإفليلي عن أبي القاسم أحمد بن أبان بن سيد عن سعيد بن جابر عن أبي الحسن الأخفش. وتوفيرحمه الله، بلده الجزيرة الخضراء في حود عام خمسمائة (500ه)، كما أسند إليه بعض الأشعار. 4 الفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر بن أحمد اللواني يعرف بابن الفاسي. قال القاضي عياض: كان من أهل الفقه والعلم والمعرفة بالوثائق والبصر بالأحكام والتفنن في معارف، صحبه القاضي كثيرا وقرأ عليه وروى عنه مجموعة من الكتب والمصنفات منها: الموطا وغريب الحديث لأبي عبيد والرسالة لابن أبي زيد القيرواني وغيرها. توفي سنة 513ه. 5- الشيخ الخطيب أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد الأزدي الطليطلي المعروف بالريوطي، ولي الخطبة وصلاة الجمعة بفاس ووليها أيضا بسبتة مدة مديدة إلى أن توفي رحمه الله تعالى عام(503ه). قال القاضي عياض: (سمع عليه عندنا وسمعت منه). 6 إبراهيم بن أحمد البصري أبو إسحاق القاضي تقفه بسبتة وولي قضاءها نحو سة أعوام. (توفي 513ه)، روى عنه القاضي عياض المدونة" 7-القاضي الشهيد الحافظ أبو علي الحسين بن محمد بن نبرة بن حيون ا. لصدفي المعروف بابن سكرة، دخل سبتة مرتين وأخذ عنه جماعة. روى عنه القاضي عياض (الصحيحين، وجامع الترميذي، والشمائل، وغيرها من الكتب…). الكتاب: السنة النبوية في سبتة العالمة الكاتب: د. الأمين اقريوار: أستاذ السنة وعلومها بكلية أصول الدين بتطوان (بريس تطوان) يتبع..