لم تبق على الدخول السياسي الجديد إلا أيام معدودة، والذي عادة ما ينطلق مع بداية شهر شتنبر من كل عام، قبل الافتتاح الرسمي للسنة التشريعية للبرلمان من قبل جلالة الملك محمد السادس في الجمعة الثانية من أكتوبر من كل سنة. وهو الدخول الذي ما فتئ يأخذ حيزا كبيرا من النقاش الساخن داخل الساحة السياسية والحزبية، ويدفع المحللين السياسيين والأكاديميين إلى القيام بقراءات متعددة بشأن التوقعات المنتظرة المتعلقة بالرهانات والتحديات التي تضع الحكومة والبرلمان أمام مسؤولياتهما الدستورية والسياسية، بشأن كل الملفات التي لا زالت عالقة، وتنتظر المعالجة المعمقة والحلول الناجعة والتفعيل السريع، لارتباطها بتقرير مصير الأوراش الإصلاحية الكبرى المفتوحة، مثل ورش إصلاح أنظمة التقاعد وإقرار الميزانية العامة للدولة بما يدعم تنافسية الاقتصاد الوطني في مواجهة الاقتصادات الجهوية خاصة الأوربية منها التي تعاني من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، ناهيك عن إصلاح صندوق المقاصة وإصلاح نظام دعم المواد الأساسية والتحضير للانتخابات الجماعية المقبلة وإعداد القوانين الخاصة بالجهات والجماعات المحلية، واستكمال إخراج منظومة القوانين التنظيمية التي لازالت أسيرة رفوف الأمانة العامة للحكومة أو البرلمان. دخول سياسي جديد يضع بنكيران وحكومته على المحك، بالنظر إلى السياسة التي سيتبعها بشأن وضع آخر الترتيبات على مشروعه الخاص بالميزانية العامة للدولة لعام 2015 الذي سيعرض على البرلمان خلال أكتوبر القادم لمناقشته والمصادقة عليه قبل نهاية العام الحالي، علما أن هذا المشروع تنتظره معركة سياسية مع المعارضة والنقابات التي عبرت عن موقف مبدئي واستراتيجي من المقاربة التي نهجتها الحكومة في إعداد مشروع القانون المالي الجديد الذي بني على التقشف والتقليص من النفقات العمومية ونفقات الاستثمار والضغط على القدرة المالية والشرائية للمغاربة بذريعة " ضبط التوازنات العامة للمالية العمومية وضبط عجز الميزانية وتقوية احتياطي البلاد من النقد الأجنبي، إضافة إلى تطوير جاذبية البلاد للاستثمار الأجنبي المباشر". فالذي يبدو واضحا الآن أن الرهان الحكومي على تمرير مشروع قانونها المالي الجديد وكذا القوانين الانتخابية والأخرى العادية والتنظيمية التي ما زالت تراوح مكانها، لن يمر بسهولة بالنظر إلى المؤشرات العديدة التي تؤكد أن العام المالي الجديد لن يكون أفضل من سابقه، وعلى المغاربة مرة أخرى تحمل الآثار والانعكاسات السلبية والخطيرة للقرارات والإجراءات التي ستتخذها الحكومة للحد من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد الوطني، حيث من غير المنتظر أن يكون بنكيران عند وعده الجديد في رسالته التأطيرية التي وجهها لوزراء حكومته حول ما أسماه ب" ضرورة تحقيق نمو اقتصادي مستديم تكون له انعكاسات إيجابية الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للمواطنين"، في وقت أن إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، المؤسسة الرسمية المكلفة بالإحصاء في البلاد، تفيد بأن معدل النمو لن يتجاوز 2.5 بالمائة، وهو ما يشكل ردا على وعود الحكومة، التي تزعم أنها سترفع من" وتيرة عملها في اتجاه إصلاح نظام دعم المواد الأساسية المعروف محليا باسم "صندوق المقاصة، وهو ما يعني أنها ستسير في الاتجاه نفسه القاضي بالزيادة في سياسة التقشف دون البحث عن بدائل ومخرجات من شأنها التخفيف عن الفئات الاجتماعية الضعيفة، التي تعاني الأمرين من جراء الزيادة المستمرة في الأسعار، وتجميد الأجور والتقليص من فرص الاستثمار والشغل، بما يجعل سياسة الدعم المعلنة، غير مقنعة أمام الإقدام على رفع الدعم عن البنزين والوقود الصناعي والشروع في رفع تدريجي للدعم الموجه للغازوال في أفق إلغائه بشكل تام بنهاية العام الحالي، بما يكرس الضرب الممنهج للقدرة الشرائية والمالية للمواطنين، دون تحقيق الأهداف المرجوة من سياسة رفع الدعم أمام استمرار الاستدانة من الخارج، وارتفاع نسبة معدلات الفوائد على القروض الدولية. فهل سيستطيع بنكيران وفريقه الحكومي إقناع كل من المعارضة والنقابات وعموم المواطنين، بخطته هاته الهادفة فقط إلى تكريس سياسة نيو ليبرالية قائمة على المنطق المحاسباتي الصرف، وتتعارض مع المتطلبات الضرورية والحيوية لتوفير وتأمين شروط حياة كريمة اجتماعيا واقتصاديا للمغاربة بكافة فئاتهم وشرائحهم، خاصة وأن النقابات والمعارضة لم تترددا في التعبير عن موقف رافض لتوجهات الحكومة الخاصة بإصلاح أنظمة التقاعد المهددة بالإفلاس، وصندوق المقاصة وغيرهما؟. وهل سينجح في كسب رهان التحضير للانتخابات الجماعية المقبلة المزمع تنظيمها منتصف العام المقبل، وهي الانتخابات الأولى من نوعها في عهد هذه الحكومة، بعد أن عبرت كافة التشكيلات السياسية الممثلة في البرلمان عن موقف معارض لمشروع القانون التنظيمي للجماعات الترابية، علما أن هذا المشروع ومشروع القانون التنظيمي الآخر المتعلق بالجهة، كشفا بشكل كبير عن توجه لا يستقيم مع المقتضيات الدستورية لدستور 2011، بما يجعل إمكانية التوصل إلى توافق عام حول مبادئ وأسس ومقومات هذه القوانين الجديدة، صعبة في ظل سياسة التحكم والهيمنة واحتكار القرار وتغييب المقاربة الديمقراطية التشاورية والتشاركية، في مواجهة المعارضة؟ إن نجاح الدخول السياسي الجديد مرهون بانفتاح الحكومة على البرلمان، ومباشرة مشاورات جادة مع الأحزاب معارضة وأغلبية، في إطار مقاربة تواصلية حقيقية بشأن كل الملفات السياسية والأوراش الإصلاحية الكبرى المفتوحة، بما في ذلك القوانين التي ستؤطر الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. وسيبقى ذلك اختبارا حقيقيا لمدى قدرتها الحقيقية على تحمل مسؤولياتها السياسية والدستورية، في وقت تظل البلاد في حاجة إلى توظيف كل إمكانياتها الذاتية من أجل رفع رهان استكمال البناء الديمقراطي ومواصلة الإصلاح الاقتصادي، ووضع ركائز السلم الاجتماعي الحق، بما يخدم حاضر ومستقبل الأمة في توجهها نحو تحقيق مزيد من التطور والتقدم والتنمية الشاملة والمستدامة.