كان من الطبيعي أن يلتئم وزراء الخارجية العرب في اجتماع طاريء وخاص لبحث المواجهة اللازمة لوقف زحف طوابير الخلايا الإرهابية والقضاء عليها . فكل التطورات والمستجدات الاخيرة تستوجب الاسراع بالتشاور والاتفاق على الاجراءات والتحرك المشترك . فمع اتساع رقعة ما يسمى ب (داعش) زادت الفظائع , وبات الناس يذبحون في مجازر جماعية, وصارت للهمجية الاسلاموية السادية (عواصمها) في أكثر من بلد بالمنطقة العربية, وعادت ممارسات القروسطوية تعيث تدميرا وفسادا في كل حاضرة او قرية استولت عليها . ويتأكد مع ما يحصل , أن مصدر الخطر الارهابي لم يكن سوى نبتة عدد من بلدان هذه المنطقة, سواء من المتحدرين منها او الحاملين لجنسياتها, او ممن يتحدثون باسم الدين الإسلامي ويشوهون سمعة المنتمين اليه , ويوظفونه في تبرير جرائمهم البشعة . ومن باب المسؤولية المشتركة , فالمجموعة العربية أولى بأن تشارك في المجهود الدولى بهذا الشأن, ولا سيما بعد قرار مجلس الامن الدولي الذي يدعو الدول الاعضاء الى التحرك لوقف تدفق الدعم اللوجستيكي والعسكري والمالي الى الجماعات المتطرفة المسلحة في العراق وسوريا وغيرهما. ويبدو ان خطورة وتشعب ملف الخطر الارهابي وتجلياته على الارض , جعلت رؤساء الديبلوماسية العرب يتعاملون مع الموضوع بمقاربة تساعد على التوصل إلى قرارات مشتركة وبروح جماعية . لذلك تمت لقاءات واتصالات تشاورية , لإنضاج هذه القرارات, قبل التوجه الى مقر الجامعة العربية بالعاصمة المصرية . وبالفعل فإن اللقاءات التشاورية افضت الى التوافق بين وزراء الخارجية , حول مقررات الاجتماع الاخير . بما في ذلك التعاون مع كل الجهود الدولية والاقليمية وما أقرته الاممالمتحدة , من اجل تطويق الجرائم الارهابية ووضع حد لها . على صعيد تقييم الوضع ومصادر الخطر, فإن الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي , في تقديمه لنتائج الاجتماع , كان حريصا على توضيح بأن وزراء الخارجية واعون بكون التهديدات التي تواجه الامن القومي العربي , بكل أبعاده السياسية والامنية والاقتصادية , آتية من التنظيمات الارهابية المسلحة , ومنها ( داعش ) وكل الجماعات التي ترفع شعارات دينية , او طائفية او مذهبية او عرقية، وتحرض على العنف والفتنة كما ان البيان الرسمي المتوافق عليه , والصادر عن الاجتماع , كان ايضا دقيقا وواضحا بشأن الزاوية الأساسية للموقف العربي المشترك , اي (( كل التدابير اللازمة لتجفيف منابع الارهاب الفكرية ومصادر تمويله , ومعالجة الاسباب والظروف التي ادت الى تفشي هذه الظاهرة)) . وإلى هنا , فان كل ما تم التعبير عنه , في هذا الاطار الجماعي , ينم عن وجود استعداد وحصول قناعة بعدم وجود خيارات او بدائل اخرى عن المواجهة المباشرة للنشاط الارهابي وجرائمه . ومما يعزز هذا الاقتناع كون مجموعة من الدول الوازنة , والمؤثرة في سير الاحداث , كانت لها مواقف واضحة , منذ البداية ,في هذا الاتجاه . وكمثال على ذلك يمكن الإشارة الى الموقف الذي عبر عنه الوفد المغربي المشارك في الاجتماع , والذي أكد على (ضرورة تقوية التعاون العربي في مواجهة التطرف) وعلى الحاجة الى (عمل عميق ودؤوب على الواجهة الفكرية والثقافية من أجل الإرشاد الصحيح للدين وتعرية التطرف , وتغيير الصورة التي ألصقت بالإسلام جراء فظاعة الجرائم التى ارتكبت ولا زالت ترتكب باسمه) . والى الموقف المغربي تنضاف المواقف العربية الأخرى التي تتعزز بفعل اتساع رقعة الفظاعة وبشاعة الجرائم . على ان نجاعة العمل العربي , وكذا المجهود الدولى , يصطدمان بمواقف بعض الاطراف الإقليمية التي لم تتضح، والتي تسعى إلى التغلغل في البلدان العربية الشرق أوسطية، مثل إيران وتركيا اللتين تدعمان مثل هذه المجموعات واللتين تتحملان جزءا من المسؤولية فيما تقوم به هذه التيارات المتطرفة من أعمال إرهابية وإجرامية. و من خلال تعامي المسؤولين الاتراك عن الاموال والحسابات البنكية التي تمول منها عصابات (داعش) وغيرها . وفي نفس الاتجاه يندرج الدور الايراني وتدخله المباشر في بلدان المنطقة , وخاصة منها العراق وسوريا ولبنان واليمن , بدعمها للتطرف والطائفية المقيتة في هذه البلدان. ومثل هذه السياسات والمواقف لا يمكن ان تلتقي مع المجهود الدولي والعربي للتصدي للارهاب . وهذا ما يعني ان هناك مهمة اخرى لإفهام دول الجوار المعنية بأن الحسابات المصلحية , مهما كانت, لا يمكن ان تبرر او تجيز تشجيع ودعم سرطان الارهاب وتيارات العنف والتعصب الاعمى .