في خطوة غير مسبوقة، أعلن جلالة الملك محمد السادس قرار تعليق شعيرة عيد الأضحى لهذه السنة 1446 ه بالمغرب، بسبب ما تمر به المملكة من ظروف اقتصادية ومناخية استثنائية، أبرزها موجة الجفاف غير المسبوقة وتداعيات التضخم التي أثرت بشكل كبير على القدرة الشرائية للأسر المغربية. ورغم تفهم غالبية المغاربة للقرار الملكي، الذي جاء حفاظا على الأمن الغذائي والتوازن الاقتصادي للبلاد، إلا أن الحنين إلى هذه الشعيرة الدينية العميقة الجذور في المجتمع المغربي دفع الكثيرين إلى البحث عن بدائل رمزية تعوّضهم عن بهجة العيد، وعلى رأسها شراء "الدوارة"، وهي أحشاء الأضحية (الكرش، الكبد، الرئة…). الدوارة" تعود إلى الواجهة.. وأسعارها تلتهب في ظرف وجيز، شهدت الأسواق الشعبية والهوامش الحضرية في كبريات المدن المغربية إقبالا كبيرا على شراء "الدوارة"، ما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعارها، حيث تراوح سعر المجموعة الواحدة بين 500 و700 درهم، وسط توقعات ببلوغها أكثر من 800 درهم مع اقتراب يوم العيد. هذا الارتفاع لا يرتبط فقط بقانون العرض والطلب، بل يعود أيضا إلى دخول "الدوارة" في خانة البدائل الرمزية للأضحية، حيث يعتبرها المغاربة جزءا لا يتجزأ من طقوس العيد، خصوصا "التقلية" و"المشوي" اللذين يحضران في صباح يوم العيد داخل كل بيت مغربي. الحنين للشعيرة.. والارتباط بسنة إبراهيم يجمع باحثون في علم الاجتماع الديني أن المغاربة، بحكم تدينهم الشعبي الراسخ، يعتبرون شعيرة عيد الأضحى أحد أبرز رموز الهوية الدينية والجماعية، إلى درجة أن بعض الأسر، رغم قرار المنع، قررت ذبح كبش خفية في فضاءات بعيدة عن الأنظار، حفاظا على هذا الطقس الروحي الذي يربطهم بسنة النبي إبراهيم عليه السلام. ورغم أن الحكومة حذرت من مخالفة القرار الملكي الذي يحمل طابعا تضامنيا، فإن مظاهر "المقاومة الرمزية" له عبرت عن رغبة المجتمع في التشبث بالشعائر الدينية. في الوقت الذي يتفهم فيه المغاربة خلفيات القرار الملكي بمنع شعيرة عيد الأضحى هذا العام، فإن الاقبال الكبير على شراء "الدوارة" وارتفاع أسعارها يكشف عن مدى ارتباط المجتمع المغربي بهذه الشعيرة، وعمق مكانتها في الوعي الجمعي. إنها أكثر من مجرد طقس ديني، بل لحظة شعورية واجتماعية تعكس التضامن، والفرح، والانتماء. وكان الملك محمد السادس قد أهاب بالمغاربة إلى عدم "ذبح الاضاحي" هذا العام بسبب التراجع الكبير في أعداد المواشي جراء جفاف حاد تشهده المملكة للعام السابع تواليا. وقال الملك في رسالة تلاها وزير الشؤون الدينية أحمد التوفيق عبر التلفزيون الرسمي مساء فبراير المنصرم "نهيب بشعبنا العزيز عدم القيام بشعيرة أضحية العيد لهذه السنة"، وأضاف أن سبب ذلك هو "ما يواجه بلادنا من تحديات مناخية واقتصادية أدت إلى تسجيل تراجع كبير في أعداد الماشية". كما قال الملك "إنه أخذا بعين الاعتبار أن عيد الأضحى هو سنة مؤكدة مع الاستطاعة، فإن القيام بها في هذه الظروف الصعبة سيلحق ضررا محققا بفئات كبيرة من أبناء شعبنا، لا سيما ذوي الدخل المحدود."