أعلنت شركة موديرنا الأميركية للتكنولوجيا الحيوية عن إلغاء إدارة الرئيس دونالد ترامب لعقد بقيمة 590 مليون دولار، كان مخصصا لتطوير لقاح ضد إنفلونزا الطيور باستخدام تقنية الرنا المرسال (mRNA)، في خطوة أثارت جدلا واسعا في الأوساط الصحية والعلمية. ويعد هذا القرار امتدادا لنهج وزير الصحة روبرت إف كينيدي جونيور، المعروف بمعارضته التاريخية للقاحات وترويجه لمعلومات مضللة بشأنها ما يثير مخاوف متزايدة بشأن مستقبل السياسات الصحية في البلاد. العقد الذي تم الإعلان عنه في 17 يناير 2025، أي قبل ثلاثة أيام فقط من تولي ترامب مهامه الرئاسية، كان يستهدف دعم أبحاث وتطوير لقاح فعال ضد سلالة H5N1 من إنفلونزا الطيور، والتي تثير قلقا عالميا بسبب إمكاناتها الكبيرة في الانتقال إلى البشر وإحداث جائحة جديدة وقد شكل هذا المشروع رهانا علميا واستراتيجيا لمواجهة تهديدات صحية محتملة خصوصا مع تزايد حالات العدوى بين الطيور والماشية في مناطق عدة حول العالم. ورغم إلغاء الدعم الحكومي، أعلنت موديرنا عن نتائج مشجعة من تجربة سريرية مبكرة شملت 300 شخص، أظهرت استجابة مناعية قوية ومستوى أمان عال. وقال المدير التنفيذي للشركة، ستيفان بانسيل، إنهم سعداء بهذه النتائج الأولية رغم حالة الإرباك التي أحدثها وقف التمويل من وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، مؤكدا عزم الشركة على المضي قدما في البرنامج واستكشاف بدائل تمويلية لتطوير هذا اللقاح الحيوي. إلغاء العقد أثار ردود فعل غاضبة من خبراء الصحة، أبرزهم الدكتور آشيش جها، المنسق السابق لاستجابة إدارة بايدن لجائحة كوفيد-19، الذي أعرب عن استيائه واعتبر الهجوم على لقاحات mRNA "تفريطا غير مبرر" في واحدة من أهم الابتكارات العلمية في مجال الطب الحديث. وذكر بأن عملية "وارب سبيد" التي أطلقتها إدارة ترامب السابقة كانت هي نفسها من مهدت الطريق لاعتماد هذه التقنية في مواجهة كوفيد-19. ويبدو أن القرار الأميركي لا يعكس فقط توجها سياسيا تجاه سياسات الصحة العمومية، بل قد يضعف الجهود العالمية لتعزيز الاستعدادات في مواجهة الأوبئة الجديدة خاصة في ظل ارتفاع التحذيرات العلمية بشأن إمكان تفشي سلالة H5N1 بين البشر. وأكدت موديرنا التزامها بمواصلة العمل على تطوير اللقاح، مشيرة إلى أنها بصدد البحث عن شركاء جدد وبدائل تمويل تمكنها من استكمال البرنامج، انطلاقا من إيمانها العميق بدور تقنية الرنا المرسال كأداة فعالة في مواجهة التهديدات الصحية المستقبلية. وبذلك، يظل مستقبل هذا اللقاح معلقا بين حسابات السياسة ومقتضيات الصحة العمومية في وقت تتطلب فيه الأزمات الوبائية استجابات موحدة ورؤية قائمة على العلم لا على الاعتبارات الإيديولوجية.