العرائش أنفو في قلب واحة فجيج تتفتح ازيزا النادرة التي تحمل في طعمها سر الأرض ودفء الأجيال التي تربّت على رباها ليست مجرد ثمر بل نبض حياة وأمل شهادة على عراقة تربيتها العزيزة وروح منبعها الذي لا يجف فجيج يا نغمة حزينة على وتر الصمت يا أنشودة من نخيل تعب من الانتظار ويا يداً ممدودة إلى السماء لا تطلب الكثير سوى أن يلتفت إليها من مرّوا بها ذات حلم ثم مضوا ولم يعودوا فجيج لم تكن يوماً مدينة تكثر من الكلام هي من تلك المدن التي تتنفس بالصمت وتروي حكايتها بعينين فقط تسأل من خلف الدروب الطويلة هل ما زلتم تذكرون الينبوع هل ما زال في قلوبكم متّسع لحب قديم هل تركتمونا لأنكم اكتفيتم أم لأن المدن الكبيرة بلعتكم كما تبلع الصحراء السراب يا من خرجتم من رحمها تعلمتم فيها أولى الحروف شربتم من كفّ بئرها أكلتم من نخيلها وتمرها ضحكتم في أزقتها القديمة أين أنتم اليوم لماذا لا تعودون إلا في الأحلام لماذا تركتموها تتقوّس وحدها في وجه الرياح فجيج اليوم لا تطلب معجزة ولا تنتظر منكم قصوراً هي فقط تريد أن تشعر أنكم هنا ولو بالقليل بكلمة بمشروع صغير بزيارة غير موسمية برغبة في الترميم لا في التأريخ فقط ولكم أنتم أبناؤها في الغربة في الداخل والخارج في المدن القريبة والبعيدة ألم يحن الوقت أن تضعوا اليد في اليد أن تنسوا الخلافات الصغيرة أن تطووا صفحة الإرث المنقسم فالقُصُور التي سكنتموها يوماً والبيوت التي انطلقت منها خطواتكم الأولى لن تستقيم إن بقي كلّ واحد منكم يغني وحده خارج السرب فجيج لا تحتاج خطابات تحتاج لمّ شمل وتآلف قلب ومائدة واحدة تجمع أبناءها دون شروط ودون ذاكرة مثقوبة بالخلافات المدرسة التي علمتكم الحرف الأول تهالكت والسوق الذي كان يضج بالنداء صار خافتا والنخل عطشان والماء يطلب بالدعاء والليل طويل بلا وعد لم تعد فجيج تنشد القصائد بل تنشد الخبز والماء والعمل لم تعد تنتظر الأغنيات بل تنتظر من يربت على كتفها المتعبة ففي كل حجر فيها ذاكرة وفي كل نخلة شهقة وفي كل عين ماء دمعة لم تجف ألم يحن الوقت أن تلتفتوا إليها كما تلتفت القلوب إلى الأم في شيخوختها ألم يحن الوقت أن تقولوا لها شكراً بحضوركم لا برسالة ألم يحن الوقت أن تردّوا لها الديون القديمة ديون الطفولة وديون البركة وديون النقاء فجيج لا تموت هي فقط تخفف من دقات قلبها حتى لا توقظ ضمير أحد لكنها تبكي تبكي في صمت وأنتم لا تسمعون عودوا إليها متحدين لا متفرقين فالوطن لا يُبنى على الذكريات وحدها بل على الأيادي المتشابكة عودوا إليها لأن العودة ليست للمدينة فقط بل لأنفسكم لأرواحكم التي تركتموها هناك تنتظر في زقاق قديم تجلس على مصطبة طينية وتناديكم بأسمائكم الصغيرة عودوا إليها فالمدن الجميلة لا تعاتب هي فقط تتلاشى حين يطول الغياب زبدة القول المدن الصغيرة لا تُقاس بحجمها بل بقدر ما تزرعه فينا من دفء لا يُنسى وفجيج لا تطلب المستحيل بل فقط أن لا ننسى من أين بدأنا فالحنين لا يكفي ما لم يتحول إلى عودة وعودة موحّدة تتوسل وحدة القصور ودفن الخلافات لتمضي فجيج تنبض بالحياة في قلب كل واحد منّا