لم تكن تصريحات عبد الإله بنكيران، التي قلل فيها من قيمة التعليم والعمل بالنسبة للفتيات لصالح مؤسسة الزواج مجرد رأي عابر أو اجتهاد شخصي في قضايا اجتماعية بل بدت كخطاب موجه، محمل برسائل سياسية تعكس رؤية محافظة تحن إلى نماذج تقليدية يعتبرها كثيرون من مخلفات الماضي كلامه، الذي اعتبر فيه الزواج أولوية تتفوق على حق الفتاة في التعلم والاستقلال الاقتصادي، فجر ردود فعل قوية خصوصا من جانب الحركة النسائية المغربية التي رأت فيه إهانة صريحة للنساء وتحقيرًا لاختياراتهن. أكثر من ثلاثين جمعية نسائية منضوية تحت لواء "التنسيقية النسائية من أجل التغيير الشامل والعميق لمدونة الأسرة" خرجت ببيان لم تكتف فيه بالتنديد بل اتهمت بشكل مباشر بنكيران بمحاولة إجهاض المكاسب التي حققتها النساء المغربيات على امتداد العقود الماضية. ووصفت تصريحاته بأنها تعكس ذهنية متخلفة وتصورا قاصرا لدور المرأة في المجتمع، حيث يتم اختزالها في أدوار نمطية تكرس التبعية وتحرمها من أبسط حقوقها الأساسية. البيان أكد أن مثل هذا الخطاب يشكل انتكاسة حقيقية تهدد ما تم تحقيقه من تراكمات على مستوى الحقوق، ويمثل تشكيكا مباشرا في التوجه الرسمي للدولة المغربية التي التزمت، عبر دستورها ومؤسساتها، بمبادئ المساواة والتمكين ومحاربة كل أشكال التمييز والعنف ضد النساء. الجمعيات وصفت خطاب بنكيران بكونه تحريضا ناعما على العنف الرمزي واستغلالا للدين والتقاليد لأغراض سياسية محضة. كما ربطت التنسيقية بين تصريحات بنكيران وغياب الإرادة السياسية الحقيقية لمواجهة العقليات الذكورية التي تتغذى على مثل هذه الخطابات ووجهت دعوة مفتوحة إلى المجتمع المغربي بمختلف مكوناته من أجل الوقوف صفا واحدا في الدفاع عن حقوق النساء باعتبارها قضية مجتمع بأكمله وليست معركة نخبة أو جمعيات. وفي موقف يعكس قلقا عميقا، شددت الجمعيات على ضرورة اتخاذ موقف رسمي حازم تجاه كل من يحاول الالتفاف على المبادئ الدستورية من أجل تحقيق مكاسب سياسوية قصيرة المدى. وطالبت الدولة بأن تبعث برسالة واضحة مفادها أن حقوق النساء خط أحمر لا يجب تجاوزه تحت أي ذريعة. ما قاله بنكيران لا يمكن اعتباره سلوكا معزولا، بل يندرج ضمن سلسلة من التصريحات والمواقف التي أثارت الجدل خلال السنوات الماضية، سواء عندما كان في موقع المسؤولية أو حتى بعد مغادرته رئاسة الحكومة. وبينما يواصل حضوره بخطاب يميل إلى المحافظة الاجتماعية، يبدو أنه فقد البوصلة في مجتمع يخطو بخطى متقدمة نحو الحداثة والانفتاح.