بسبب شبهات.. مجلس المنافسة يقوم بزيارات فجائية لفاعلين في الأعلاف المركبة الموجهة لقطاع الدواجن    النيابة العامة تلتمس إدانة مبديع ومصادرة عائدات الصفقات المشبوهة    إسبانيا تشيد بالمصادقة على القرار 2797، الذي يؤكد أن حكماً ذاتياً حقيقياً تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر قابلية للتطبيق    تعادل سلبي بطعم المفاجأة بين رديف المغرب ومنتخب سلطنة عمان    ترامب يحصل على جائزة فيفا للسلام    كأس العرب -قطر 2025- (الجولة 2 المجموعة 2).. المنتخب المغربي يتعادل أمام نظيره العماني (0-0)    افتتاح المعهد العالي للعلوم الأمنية بمدينة إفران    جهة طنجة-تطوان-الحسيمة: المصادقة على إحداث "شركة المنشآت الرياضية لطنجة"    قبل انطلاق كان 2025 .. الصحة تعتمد آلية وطنية لتعزيز التغطية الصحية        هولندا تدعم سيادة المغرب على صحرائه: الحكم الذاتي هو الحل الأكثر واقعية    مؤسسة محمد الخامس للتضامن تنظم حملة طبية – جراحية كبرى بالسمارة    "الفيلسوف ابن ساعته"    رعب في الطائرة    أيُّ ديمقراطية نُؤسِّسُ..؟    مراجعة مدونة الأسرة..    اعتصام جزئي داخل مستشفى محمد السادس بأجدير للاسبوع الرابع    الهيئة الوطنية للنزاهة تلغي طلب العروض لإنجاز خريطة مخاطر الفساد في قطاع الصحة وتدعو لتدخل تشريعي عاجل    لفتيت ينفي تدخل الإدارة في انتخابات 2021 ويدعو إلى تخليق الحياة السياسية    بورصة البيضاء تنهي الأسبوع بارتفاع    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    تعيين أربعة مدراء جدد على رأس مطارات مراكش وطنجة وفاس وأكادير    الاجتماع رفيع المستوى المغرب–إسبانيا.. تجسيد جديد لمتانة الشراكة الثنائية (منتدى)    هذا هو أصغر لاعب شطرنج مدرج في تصنيف الاتحاد الدولي للعبة    محكمة الاستئناف بمراكش تُنصف كاتب وملحن أغنية "إنتي باغية واحد"    "ورشات الأطلس" بمهرجان مراكش تعلن عن متوجي الدورة السابعة    مدير "يوروفيجن" يتوقع مقاطعة خمس دول للمسابقة بسبب مشاركة إسرائيل    هولندا.. محاكمة مغربي متهم بقتل شخص طعنا : انا مختل عقليا ولست ارهابيا    اسم وهوية جديدان لمدرسة خليل جبران    ميسي يثير الغموض مجددا بشأن مشاركته في كأس العالم 2026    نتفلكس تقترب من أكبر صفقة لشراء استوديوهات وارنر وخدمة "HBO Max"    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الحكومة تمدد وقف استيفاء رسوم استيراد الأبقار والجمال لضبط الأسعار    "أمريكا أولا"… ترامب يعلن استراتيجية تركز على تعزيز الهيمنة في أمريكا اللاتينية وتحول عن التركيز عن آسيا    خلال 20 عاما.. واشنطن تحذر من خطر "محو" الحضارة الأوروبية    ماكرون يصف الحكم على صحافي فرنسي في الجزائر بأنه "ظالم"    الغلوسي: مسؤولون فاسدون استغلوا مواقع القرار للسطو على أموال برنامج "مراكش الحاضرة المتجددة"    تقرير: واحد من كل ثلاثة فرنسيين مسلمين يقول إنه يعاني من التمييز    قصيدةٌ لِتاوْنات المعْشوقة.. على إيقاع الطّقْطُوقة!    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    سعر النحاس يقفز لمستوى قياسي وسط تفاؤل التوقعات ومخاوف الإمدادات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    مونديال 2026.. أنظار العالم تتجه نحو واشنطن لمتابعة عملية سحب القرعة        ترقب مغربي لما ستسفر عنه قرعة مونديال 2026 اليوم بواشنطن    استقرار أسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأمريكية    كيوسك الجمعة | 72% من المغاربة يتصدقون بأموالهم لفائدة الجمعيات أو للأشخاص المحتاجين    النيجيري ويليام تروست-إيكونغ يعلن اعتزاله الدولي    "المثمر" يواكب الزيتون بمكناس .. والمنصات التطبيقية تزيد مردودية الجَني    لمياء الزايدي .. الصوت الذي يأسر القلوب ويخطف الأنفاس    مبادرة "Be Proactive" تعزّز الوقاية من حساسية الأسنان في عيادات المغرب    دراسة: الرياضة تخفف أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه    نصائح صحية: هذه الأغذية تهددك ب"النقرس"!    التهراوي : انخفاض حالات الإصابة الجديدة بالسيدا خلال السنوات العشر الأخيرة    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هوس اللعبة
نشر في الشرق المغربية يوم 26 - 08 - 2011

تشتهر لعبة الشطرنج بين العامة والخاصة بتربعها على عرش رياضة العقل. ويتفق المحترفون والمتطفلون على أنها تنشط
الذهن وتقوي الذاكرة وتعلم المنطق وتدرب على طول البال وسعة الصدر وبعد النظر. لكنهم سرعان ما تتفرع بهم سبل التصورات والانطباعات وتتشت، ليثني الأولون على حكمتها المتفانية في تسديد فواتير الماء والكهرباء، وليتهمها الآخرون بتبديد الجهد وتضييع الوقت، وأحيانا بتطيير العقل وإزهاق الروح. وإذا كان للناس مذاهب فيما يعشقون، فإن للرقعة خاناتها الناصعة والرمادية وقطعها البيضاء والسوداء وباعها الطويل في الأحلام الكرتونية والكوابيس الكربونية.
يعرف عن أبطال اللعبة عموما غرابة الطبع وشذوذ التصرف، لكن منهم من يصل به الهوس إلى وهم الاضطهاد والذهان بعد أن ينقطع الحبل الرفيع الفاصل بين العقل والجنون. ويزخر تاريخ الشطرنج بصفوة من الأبطال المتميزين المأساويين ممن تسببت لهم حدة الهوس باللعبة في دارة قصيرة في أذمغتهم أضرمت النار في ملكاتهم العقلية بدرجات متفاوتة...
بول مورفي. أول من اشتهر من الأبطال في تاريخ الشطرنج، خصوصا بعد جولته الأوروبية (59-1858) التي أثبت فيها إلمامه العميق بحيثيات اللعبة وتفوقه المطلق على خصومه. لكنه سرعان ما فقد عقله بعد عودته للولايات المتحدة، ليراه الناس متسكعا في حارات نيو أورلينس وهو يحاور نفسه.
أكيبا روبنستاين. كان قد اشتهر إلى جانب خوسي راوول كابابلانكا بإتقانه لمراحل اللعبة النهائية. اضطرته إصابته بفوبيا البشر إلى خروج مبكر من معمعة التباري عام 1932. ثم تدهورت حالته النفسية فيما بعد لدرجة أن النازيين الذين داهموه في بيته إبان الحرب العالمية الثانية بقصد ترحيله إلى أحد معسكرات الاعتقال بسبب أصوله اليهودية، قرروا أن يتركوه وشأنه بعد أن تبين لهم أن الرجل يعيش في منآى عن الواقع في عالم مواز تقطعت فيه كل وجوه الصلة بعالمهم.
ألكسندر ألخين. ثالث مثال ورابع بطل عالمي في تاريخ اللعبة. اشتهر بأسلوبه لعبه العدواني وتقنياته البراغماتية السهلة الممتنعة. كما اشتهر بمعاقرة الكحول مما أدى إلى تردي حالته النفسية إلى درجة استدعت معالجته في أحد مستشفيات الأمراض العقلية سنة 1943.
كارلوس توري ريبتو. انتهى به المطاف أيضا في مصحة للأمراض النفسية عندما قام بخلع ملابسه بكاملها بعد أن استقل إحدى الحافلات في نيو يورك.
ويليام شتاينيتز. اشتهر بين معاصريه بروحه الرياضية المنعدمة حيث يروى عنه أنه لم يتورع عن البصق على أحد خصومه. كان يدعي أثناء إقامته في إحدى المصحات النفسية أنه واجه الخالق في لعبة شطرنج بفارق بيدق وتفوق عليه.
فيكتور كورشنوي. روى أنه واجه خصما من عالم الأموات مع احتفاظه بتدوين حركات اللعبة دليلا على صدق ادعائه.
بوبي فيشر. تبقى ذكراه عالقة بأذهان العامة قبل المتتبعين للعبة الشطرنج، بعد تنحيه عن التباري لمبررات مختلفة في طبيعتها ولأسباب متنوعة في غرابتها، مباشرة بعد فوزه باللقب العالمي سنة 1972 في مباراته ضد بوريس سباسكي بالعاصمة الإسلندية رايكيافيك. لم تزد صحته النفسية المشكوك في سلامتها إلا تأزما إثر اعتزاله. فتكاثرت في مخيلته أوهام الشك والاضطهاد وترسخ في ذهنه إيمانه بنظريات المؤامرة إلى حد بليغ دفعه إلى انتزاع حشوات الأسنان من فمه حتى لا يتم تعويضها بأجهزة راديوإلكترونية يزرعها طرف ثالث يتنصت عليه ويتحكم في تفكيره.
هكذا يكون تاريخ الرقعة قد أفرز نماذجا كثيرة ومتكررة تسلط فيها الوهم على الواقع وذهب الجنون بالعقل. ومع ذلك، تظل جل الإبداعات الفنية التي وصفت هذه الظاهرة سواء في السينما أو في الأدب الروائي، مقتصرة على سرد الأحداث قنوعة بمعاينة الأمر الواقع أمام عجزها المحبط عن حل لغز لعنة الشطرنج. ولعل أبرز هذه الأعمال في فضاء الفن السابع، الفيلم الألماني (أبيض وأسود)، حيث يتقمص الممثل العملاق برونو غانز دور لاعب شطرنج (توماس روزنموند). يروي الفيلم سيرة توماس روزنموند (شخصية مركبة يلتقي في تفاصيلها شتاينتز بفيشر) وقصة مواجهته لبطل سوفييتي (إيغور كوروغا)؛ يتفوق عليه في بطولة العالم، قبل أن تبعده صحته النفسية المنهارة عن رقعة الشطرنج ومساحة الواقع. أما أشهر الإبداعات الأدبية، فقد تكون (اللعبة الملكية) لصاحبها (شتيفان تزفايغ)، والتي يعتبرها كثير من النقاذ لؤلؤة نفيسة في تاج القصة القصيرة ومن أروع ما أنتجته صناعة الأدب العالمي. تروي (اللعبة الملكية) حكاية أحد الهواة الذين أوصلهم ولعهم بالشطرنج إلى مشارف الاحتراف (على غرار توماس روزنموند). في بادئ الأمر، ينقذ الشطرنج حياة الراوي النفسية من الضياع بعد أن اعتقله النازيون، بعد عثوره بمحض الصدفة في جيب معطف أحد الضباط على ما اعتده كتابا يختلسه من صاحبه ليلهيه عن واقع الاستنطاق والحبس. لكن سرعان ما يصيبه اليأس والإحباط حينما ينتبه إلى أن الكتاب كتاب شطرنج، استفزته طريقته الغامضة في تدوين النقلات قبل أن تثير فضوله. هكذا تعدى الراوي محنة الاعتقال بتعلم الشطرنج. لكنه كان يجهل أن لعبة السجون هاته ذات شجون، وأنها ستوصله في مراحل لاحقة إلى خطوط الإدمان وحدود العقل، لن يجد لها علاجا إلا الاعتزال.
أما أبغض ما كتب عن اللعبة، فقد يكون رواية (الدفاع)، حيث يروي (فلاديمير نابوكوف) بأسلوب ثقيل-فوق-العادة قصة أستاذ الشطرنج لوجين الغريبة مع خطيبته ومع اللعبة التي لم تنته على خير، بعدما تسبب في إصابته بالجنون ما رآه بعين الوعي من أعماق اللعبة السحيقة وأهوالها المروعة.
روايات وروايات، اختلط فيها النبوغ والعبقرية بالاضطراب النفسي وفقدان العقل، وتفوقت فيها أحداث الواقع على سيناريوهات المبدعين. تسهل بعدها مساءلة الرقعة ومحاسبة القطع الخشبية في قضايا فساد العقل المتكررة. لكن يبقى المسؤول الأول والأخير عن ذهاب العقل هو العقل نفسه، عندما يوظف صاحبه كل طاقاته في هوس واحد، تستشهد فيه جيوش خشبية في ساحات خشبية.
http://gibraltarblues.blogspot.com
)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.