حينما استرجع المغرب أقاليمه الجنوبية ، كانت الحرب الباردة قد وصلت ذروتها ، فكان من الطبيعي أن تندرج قضية الصحراء في آلية تقاطب الشرق و الغرب ، فحشرت الجزائر التي كانت تدور في الفلك الاشتراكي أنفها كطرف له مصالح جيوسياسية بإيوائها للانفصاليين المغاربة بغرض التشويش على حق المغاربة المشروع ، فتعرض المغرب من خلال ذلك لمخاطر جهل الحقيقة ، بحيث خلطت الجزائر آنذاك الأوراق بزرع بذور الفتنة جنوب المغرب و قامت بترحيل الصحراويين المغاربة تحت التهديد إلى ملاجيء تندوف و تحريضهم على الاقتتال مع إخوانهم في حرب دامت زهاء عقد و نصف حصدت آلاف الأبرياء..و أرغمت الجزائر دولا إفريقية و من كانت تحسب نفسها دولا تحررية بأمريكا الجنوبية للانسياق وراء لعبتها القذرة لتسويق أطروحة فاشلة بواسطة "البترودولار" .و لتضليل عالم أصبح يتيه في حمقه يوما عقب يوم و هو اليوم في حاجة ماسة إلى الحقيقة.. إن الشيء الذي لا يمكن أن يغرب على بال المجتمع الدولي هو أن البوليساريو التي استعملتها الجزائر كأداة لضرب الوحدة الترابية للمملكة ، لم تكن إطلاقا حركة تحررية في الصحراء ، لا إبان الاستعمار الإسباني و لا قبله ، بل صنعها و احتضنها التيار البومدييني منذ 38 عاما و لا يزال ينفق ميزانيات الشعب الجزائري الذي يشكو ترديا اقتصاديا و نقصا في الماء الشروب و البطالة التي حركت المواطن الجزائريبالجنوب من أجل إيجاد منفذ على المحيط الأطلسي على ظهر الشرذمة المغربية المتمردة ، باتخاذ الفقر مطية لشراء شرعية وهمية و ذلك بالعزف على وتر التلاعب بالمباديء منذ افتعال المشكل لجر دول فقيرة للاعتراف بالبوليساريو في وقت يرى مهتمون و محللون سياسيون أن قيمة منظمة الوحدة الإفريقية قد انحطت منذ فترة و فقدت مصداقيتها إثر منح صنيعة الجزائر ثقلا ديبلوماسيا في المعترك السياسي الدولي ، الشيء الذي أرغم المغرب على الانسحاب من هذا المنتظم الإفريقي الذي كان من بين مؤسيسه ، بحيث كان من حق المغرب أن لا يغادر كما قال الحسن الثاني في تلك الحالة العصيبة مقعده ، بل كان عليه أن يبقى مع الجذافين ليجذف معهم و لكن بإمكانه أن يمسك على التجذيف مؤقتا ريثما يستقيم حال المنظمة في وقت كان المغرب و لم يزل يدافع عن قضايا إفريقيا .. و بالرغم مما قد تؤول إليه قضية وحدتنا الترابية ، فإن المغاربة لن يتنازلوا عن حفنة رمل من صحرائهم ، و قد أكد على ذلك الملك محمد السادس في إحدى خطبه : " إن المغرب في صحرائه و الصحراء في مغربها" و بالرغم من المكائد المحاكة ضد المغرب ، فإننا ماضون في العمل من أجل التطور البشري و بناء المسلسل التنموي و الديمقراطي من طنجة إلى لكويرة .. و الجزائر التي تحاول دائما الاصطياد في الماء العكر ، نسي ساستها ما قدمه المغاربة من تضحيات جسام و دعم مادي و لوجستيكي للثورة الجزائرية على مستوى جبهات الجهاد أو المحافل الدولية ، فشرق المملكة كان حصنا واقيا و ملجأ آمنا ، و منطلقا للثوار الجزائريين من قواعد عسكرية كان ينشط فيها ما يناهز 800 ألف مجاهد جزائري ، أرقام أدلى بها الرئيس الجزائري أحمد بنبلة لبرنامج شاهد على العصر عبر قناة الجزيرة القطرية .. و قد كانت للملك المجاهد محمد الخامس مواقف صلبة في عدد من المحافل الدولية أكد خلالها على ضرورة استقلال الجزائر و لا استقلال للمغرب و تونس بدون استقلال الجزائر و كانت حكمته حاضرة في حل أزمة الطائرة التي كانت تقل القادة الجزائريين الخمسة المختطفين: بنبلة الخيضر أيت أحمد بوضياف أيت الحسين . و توكيل جلالته لعبد الرحمان اليوسفي دفاعا عن بنبلة إبان اعتقاله بفرنسا.. و في خضم تقاطع المصالح الجزائرية و بعض الدول الإفريقية الفقيرة و حتى الغنية منها كجنوب إفريقيا على محك نزاع الصحراء ، فإن صناع القرارات بقصر المرادية دأبوا منذ إشعال الفتيل على زعزعة استقرار أمن المغرب الاقتصادي و السياسي خشية أن يتحول إلى أكبر قوة إقليمية بالمنطقة بحكم تواجده الاستيراتيجي على ضفتي البحرين و حتى لا ينفرد بأية شراكة مع الاتحاد الأوروبي و الدول المحبة للسلام واعية بأن الجزائر تقف عقبة أمام أية تسوية سياسية تضمن للمغرب حقه المشروع ، محاولة من إدارة الجزائر وضع المنطقة على صفيح ساخن بافتعال المشاكل بالأقاليم الجنوبية كقضية أميناتو حيدر و كذا تحريض المخابرات الجزائرية لبعض الصحراويين ما يسمى بانفصاليي الداخل لتفجير الوضع بأكديم إيزيك بداعي المطالبة بحقوق الإنسان من بينها حق السكن و غيره و أخرها دفع إحدى الموظفات بالأممالمتحدة باقتراح التصويت على قرار يقضي بتوسيع صلاحيات المينورسو بمراقبة أوضاع حقوق الإنسان بالصحراء المغربية و هو ما يتنافى و السيادة المغربية بأقاليمنا الجنوبية ، صده المغرب بالحنكة السياسية للملك محمد السادس و كذا الساسة المغاربة .. مخططات جنيرالات قصر المرادية كلها باءت بالفشل الذريع .. فلماذا تغرد الجزائر دائما خارج السرب كلما دنا حل المعضلة المفتعلة بصد أبواب المغرب العربي أمام التنمية ..؟ سؤال يطرح نفسه بشدة داخل الأوساط الشعبية المغاربية خاصة تلك التي أنهكتها الأزمات الاقتصادية ، فقد آن للشعبين المغربي و الجزائري مطالبة محكمة الجزاء الدولية من أجل المتابعة القضائية في حق مجرمي الحرب ضد الإنسانية الذين تورطوا في مذابح : بن طلحة و لمدية من قبل النظام العسكري الجزائري ، يشهد على ذلك الضابط هشام عبود الذي كان شاهد عيان على إحدى تلك المجازر و كذا جرائم الحرب ضد الإنسانية بالصحراء التي تورط فيها عبد العزيز المراكشي و ضحايا ما يسمى بغوانتانامو /تيندوف من قبل أعضاء البوليساريو حيث يعيش عشرات المغاربة قصص رعب تحت أنفاق الحمادة بالرغم من نداءات عائلات الضحايا و المحتجزين عبر المنظمات الحقوقية الدولية لإطلاق سراحهم و اغتصاب النساء من قبل قياديي البوليساريو .. و أمام هذه الأوضاع كان على ساسة قصر المرادية مراعاة مشاعر الشعب الجزائري الذي يرغب في التعايش في سلام مع الشعب المغربي و شعوب منطقة المغرب العربي ، أن ينساقوا وراء الحوار المباشر مع المغرب لبلورة حل نهائي لملف الصحراء المغربية يحضى بتأييد الأممالمتحدة ثم فرنسا و إسبانيا اللتان بإمكانهما أن يسهما في خدمة السلام لا بإرشاد الطرفين لما يجب أن يفعلاه و لكن لتوضيحهما لما كان عليه الحال قبل وصولهما لهذه البقاع .. فيرى الجميع أنه كلما دعت العديد من العواصم الدولية لحوار سياسي بين المغرب و الجزائر لإيجاد حل للقضية يرفض الجزائريون بشكل متعصب و سلبي كل اقتراح بهذا الشأن خاصة و أن كافة دول العالم تجاوبت مع مقترح الحكم الذاتي ..