مجلس النواب يساءل رئيس الحكومة الإثنين المقبل    بوعياش تدعو بجنيف إلى تعزيز التعاون بين مؤسسات حقوق الإنسان وآليات التتبع والتنفيذ    جمهورية الإكوادور تفتتح سفارتها في الرباط    حركة تعيين داخل وزارة الخارجية تشمل أزيد من ثلث القناصلة ضمنهم، 45 %نساء    تقرير أممي يتوقع ارتفاع إنتاج الحبوب العالمي إلى 2.9 مليار طن    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على أداء إيجابي        أولاد تايمة.. توقيف مروج للمفرقعات والشهب النارية المهربة    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    مصرع طفل دهسته سيارة بضواحي الحسيمة    فيلدا : المنتخب المغربي النسوي جاهز للذهاب بعيدًا في كأس إفريقيا    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تصوت ضد مشروع دمج CNOPS في CNSS وتنتقد "تهميش الحوار الاجتماعي"    آلاف المغاربة يتضامنون مع غزة ضد التجويع والتهجير الإسرائيلي    "حماة المال العام" يرفضون ترهيب المبلغين عن جرائم الفساد ويطالبون القضاء بالحزم مع المفسدين    فيلدا: المنتخب النسوي تطوّر كثيرا ويمكنه الذهاب بعيدا في الكان    السغروشني تستقبل وفدا من "CAITA"    حمد الله يرتدي القميص رقم 10 مع الهلال    تعبئة شاملة من أجل رؤية موحدة: المكتب الوطني المغربي للسياحة يعزز دينامية داخلية جديدة    شبهات فساد وإخلاف للوعود ومغالطات.. "البيجيدي" ينتقد اختلالات ورش الحماية الاجتماعية    الصين والاتحاد الأوروبي يعقدان الجولة الثالثة عشرة من الحوار الاستراتيجي رفيع المستوى    "ماراثون 25".. مناورات جوية تكشف عودة "الرافال" إلى حسابات المغرب        هذا المساء في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية :أبوالقاسم الزياني، كاتب الدولتين ومؤرخ الحضرتين.    مسرح رياض السلطان يكشف برنامجه لشهر يوليوز أمسيات فنية مفعمة بالجمال والإبداع    قائمة الفائزين في "تصور مدينتك"    افتتاح خط جوي جديد يربط الصويرة ببرشلونة    الحرارة القاتلة: دعوات عاجلة لحماية عمال البناء والزراعة بالمغرب    بعد تألقها في موازين.. المغربية فريال زياري تستعد لتصوير عمل فني جديد        إيران وإسرائيل وجهان لعملة واحدة    البحرية الملكية تشارك في تمرين عسكري لمواجهة التهديدات البحرية والهجرة غير النظامية (صور)    طوطو وصناعة المعنى على منصة موازين    الجديدة : ديوان شعري نسائي جديد "لآلئ على بريق التجلي"    الدولار يحافظ على مكاسبه عقب إقرار قانون الإنفاق الأمريكي    حملة تحسيسية تحذر سكان سوس ماسة من السباحة في السدود    تفسيرات علمية توضح أسباب فقدان ذكريات السنوات الأولى    إحصائيات مذهلة وأداء استثنائي.. حكيمي يفرض نفسه في سباق الكرة الذهبية    بنك المغرب: ارتفاع الإنتاج والمبيعات الصناعية في ماي.. وتراجع في قطاع النسيج والجلد    والد البلايلي: يوسف لم يرتكب أي جريمة وما تعرض له غير مقبول تماما    افتتاح خط جوي جديد يربط الصويرة ببرشلونة    عميد نادي الزمالك المصري "شيكابالا" يضع حدا لمسيرته في الملاعب    بوريل: مرتزقة أمريكيون قتلوا 550 فلسطينيا في غزة خلال شهر        إسبانيول يبادر إلى "تحصين الهلالي"    لقجع يؤكد طموحات الكرة المغربية    أمسية تحتفي بالموسيقى في البيضاء    تحركات احتجاجية تعلن الاستياء في أكبر مستشفيات مدينة الدار البيضاء    إقليم السمارة يكرم التلاميذ المتفوقين    أسر الطلبة العائدين من أوكرانيا تترقب "اللقاء المؤجل" مع وزارة الصحة    توقيف شخص متورط في تخريب ممتلكات عمومية بمنطقة اكزناية بعد نشر فيديو يوثّق الحادث    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    تغليف الأغذية بالبلاستيك: دراسة تكشف تسرب جسيمات دقيقة تهدد صحة الإنسان    أخصائية عبر "رسالة 24": توصي بالتدرج والمراقبة في استهلاك فواكه الصيف    دراسة: تأثير منتجات الألبان وعدم تحمل اللاكتوز على حدوث الكوابيس    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السرطان في كلّ مكان
نشر في طنجة 24 يوم 24 - 04 - 2015

السرطان داء العصر الوبيل. ما من تجمع بشري على سطح الأرض إلاّ وفتك منه بأقوام. لكن في بلادنا "المحسودة"، الداء انتشر انتشارا كبيرا، وبات يهدد حياة المغاربة كلهم، خاصة الفقراء. فحسب خبراء التغذية والبيئة وأطباء السرطان المغاربة، المشهود لهم بالاستقلالية والمروءة والكفاءة العالية، إن غول المرض القاتل يقف في كل مكان: في الأسواق، في الحوانيت، في المعامل، في المطاعم، في المستشفيات، في الشوارع ... وفي أيامنا هذه علمنا أنه يتربّص بنا حتى في المدارس، إذ صرح معالي وزير التربية الوطنية أن ستة آلاف حجرة من حجرات المدارس في المغرب بُنِيتْ بمواد سامة تصيب بالسرطان! ولأن الاعتراف جاء على لسان وزير في حكومة مسؤولة، عادتُها وسياستُها إخفاء الحقائق عن الشعب، فإن اللبيب يدرك أن ما خفي من أمر هذا المرض الخبيث أشنع وأعظم.
يُجْمِع الباحثون في مرض السرطان على أن من أكبر أسباب هذا الوباء، بعد القنينة الحمراء والسيجارة والليل الطويل، استعمال مواد غير طبيعية في الفلاحة وفي تحويل الأغذية وصناعتها، والتصبير بشكل عام، واللجوء إلى المواد الكيماوية الرخيصة في التصنيع ، والضغوط النفسية، وقلة النشاط البدني، والعلاقات الجنسية خارج حصن الزواج، والرضاعة غير الطبيعية، وخنق الإنسان في مدن الإسمنت والحديد، وتدمير البيئة بإفساد التراب والماء والهواء بما هو معروف ... أي، باختصار، بُعد الإنسان عن الفطرة التي فَطَرهُ عليها الخالقُ البارئُ جلّ وعلا.
إن اعتراف المسؤول الحكومي لَيَدفع لطرح السؤال التالي: أين كان حكام البلد عندما بُنيت هذه الحُجرات؟ الجواب معروف لأنه من أساليب وتقاليد السياسة المخزنية. لأنه، حتى اليوم، لا وجود لهم ولا فعل إزاء زحف المرض القاتل. أين هم ومحيطنا الطبيعي ينهار، ومدننا سجون خانقة، والإنسان مكدود، والشباب بلا شغل ولا قرار، والإباحية يطبل لها ويزمر، وسائر آلاتنا من صنع غيرنا، وغذاءنا سيّما ما كان معلّبا فيه من السموم ما فيه.
قُعودُ الحكام على البلد عن العمل للتصدي للمرض الفتاك يظهر أيضا في ضعف الاهتمام بالمرضى بل انعدامه. فالأدوية باهضة الثمن؛ والمستشفيات التي تعالج المرض ليست توجد إلّا في الرباط والدار البيضاء؛ واكتشاف المرض في مرحلته الأولى أو قبل ذلك لما له من أثر كبير على التعافي والشفاء التام كُلفتُه مرتفعة، وليس يتاح سوى لفئة من مواطني بعض المدن الكبرى، علما أن المغربي البسيط، لقلّة ذات يده، وتردّي القطاع الصحي بِرُمّته، ولعقليته الانهزامية الخانعة أيضا، لا يذهب إلى الطبيب إلاّ محمولا.
إنه ما من أحدٍ من المغاربة إلا وكان شاهدا بلا شك على مأساةِ أسرةٍ أُصيب فردٌ منها بالداء العَياء. ما منا إلا ورأى أو عَلِم أن فلانا باع أملاكَه ورحل إلى إحدى العاصمتين للاستشفاء، أو أن أسرة كانت مُكتفيةً أمْسَتْ تستجدي ثمنَ الدواء والقيام بمريضها، وربما طلّق زوجٌ زوجتَه المريضة لاعتقاده أنه مرض مُعدٍ أو هروبا من تبعات المرض وغمّه، وهناك من شنق نفسه يأسا، وهناك من مكث في القرية النائية أو المدشر المعزول ينتظر الموت، لأنه لا يملك شيئا ولا يعرف شيئا. وكلٌّ في حاجة إلى الرعاية النفسية والمتابعة والاهتمام وإن كان ماليا في وضع يُحسد عليه. دَعْني من الخُطب والمؤتمرات ... الخطباء والمؤتمرون في بلادنا، إذا طاف بهم طائف المرض، طاروا إلى العواصم العالمية، حيث الرعاية والاحتضان والدواء الذي خرج البارحة. فضلا عن أن نمط عيشهم يشكل جدارا واقيا من السقوط في السرطان، إلّا من أبى ورمى بنفسه في مهواته، بالسكر المستمر، والتدخين الدائم، وباقي المُرْدِيات المرتبطة بهما، لأنهما سببان رئيسيان للإصابة.
إن واقع السرطان في المغرب كارثة صحِّية وأخلاقية وسياسية. ومسؤولية الدولة عنها قائمة بلا مزايدة، لغيابها الكلي عن العمل والتخطيط لاجتثاث مسبباته. وفي تقديري الشخصي، إن الخبراء القلائل الذين يعزون المرض إلى "الصدفة" ناسٌ بلا ضمير، إنهم يكتمون الحقيقة نظير المال الكثير الذي يأخذونه رشوةً من أباطرة الفلاحة "المُسرطِنة"، ودهاقنة الصناعة العابرة للقارات، المدمرة للأرض، الملوِّثة للماء والهواء، القاتلة للإنسان. ومثل هذا المكر نجده عندنا كذلك، فقد يقول قائل الدولة المخزنية: إن المرض قضاء وقدر. وهو تنويم، وتضليل، وتملّص من المسؤولية. قضاء وقدر نعم، لكن بما كسبت أيدي ذوي الأطماع المترفين المحتكرين للمال والسلطان، الذين يعيثون في الأرض والماء والهواء وبني آدم فسادا، الذين يبيعون السم للمواطنين في كل مكان. وإن الحديث هنا عن العمل واتخاذ كافة الأسباب، وهو واجب. في صحيح البخاري أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام في جماعة من أصحابه، وفي الطريق علم أن وباء الطاعون انتشر في الشام وأبادَ عددا كبيرا من الناس، فامتنع عمر عن دخوله، ومنع أصحابه أيضا من الدخول، فقال الصحابي الجليل أبو عبيدة بن الجراح: "أفرارا من قَدَر الله؟"، فردّ عمر: "لو غيرك قالها يا أبا عبيدة؟! نعم نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله" ...
الإفساد العاتي الذي يضرب الأرض وعمّارها على المستوى العالمي، والمسخ الباغي لفطرة الإنسان والحياة الطبيعية كلِّها بهدف الربح والتنمية ثم التنمية، دفع عقلاء العالم المُصنِّع إلى مناهضة هذه السياسة الاقتصادية التائهة، ومنابذة العَصْرَنَة التي تفتك بصحة الإنسان ووجدانه ببدء مسيرة إعادة الإنسان والمجتمع إلى فطرتهما معيشيا وسلوكيا. من هؤلاء أحزاب البيئة (Les Verts) وجمعيات صديقة للإنسان والأرض. أما في مغرب الموت الرخيص، فالإنسان متروك والخُلُق مسحوق، وإعادة الفرد والمجتمع إلى فطرتهما أمر مؤجل لعلاقته بالقرار السياسي ورغبة الحاكمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.