المغرب لا يساوم على السيادة، ولا يربت على أكتاف المتخاذلين في معركة الذاكرة. في سبتة ومليلية، لا مجال للتلطف، ولا مساحات رمادية. الثغران محتلان، وكل ما يتصل بهما يدار بميزان لا يعرف المجاملة. المعبر ليس نقطة عبور نحو الراحة، بل مفصل جغرافي تتقاطع فيه كرامة وطن مع غفلة بعض أبنائه. كل من يرفع صوته منتقدا ما يسميه صرامة الاجراءات، عليه أن يسأل نفسه أولا: إلى أين أنت ذاهب؟ وما الذي يدفعك لعبور بوابة تؤدي إلى أرض تحتلها قوة أجنبية؟ الدولة لا تمنعك، لكنها أيضا لا تقاسمك الوهم. من اختار أن يتجول في ثغر محتل بلا سبب وجيه، لا يحق له أن يملي على بلاده كيف تدير الجرح. التعامل مع معابر الاحتلال لا يتم على أساس تيسير العبور، بل على أساس منع التعود على الاحتلال. ومن ينتظر أن تعامله السلطات كما لو أنه مسافر إلى مدينة مغربية، فليراجع وطنيته قبل أن يراجع جواز سفره. ثم يأتيك من يتساءل – باستغراب ساذج أو خبث مستتر – عن ختم الجوازات. وكأن الدولة حين تنظم عبور الأشخاص وتسجل بياناتهم، تعلن اعترافا بسيادة الآخر. هذا منطق ساقط. الختم ليس اعترافا، بل رقابة. ليس قبولا، بل مسؤولية. الدولة لا تترك ثغورها للفراغ، ولا تسمح بأن تدار بمعايير التسيب. الذين يظنون أن السيادة تعني الانسحاب، لم يفهموا شيئا من التاريخ. المغرب لا يفرغ معابره، بل يحصنها. لا يتنكر لثغوره، بل يذكر بها عبر كل اجراء. ومن يرى في الصرامة نوعا من التعسف، فليتذكر أن الطرف الآخر لم يفرط يوما في عنجهيته، ولا في ممارساته المهينة تجاه أبناء هذا الوطن. الأدهى من ذلك، أن بعض هذه الأصوات الداخلية، بحسن نية أو سوء نية، باتت تردد نفس ما تسعى إسبانيا لفرضه: أن المعابر يجب أن تكون مفتوحة، سهلة، بلا ضجيج، حتى تصبح سبتة ومليلية مدينتين عاديتين. وهذا هو بيت القصيد. المعركة الآن ليست فقط في استرجاع الأرض، بل في حماية المعنى. حماية الرفض، وتحصين الذاكرة، ورفض التسوية النفسية مع واقع الاحتلال. أما من يعملون داخل الثغرين، فلهم وضع خاص. الدولة تدرك حجم الأزمة، وتسعى لإيجاد بدائل تدريجية، لكنها لن تسلم تحت أي ذريعة بأن هذه المدن باتت خارج السياق السيادي. العيش لا يشترى بخسارة المبدأ. والدولة، وهي تراعي الضرورة، لا تطبع مع الأمر الواقع. المغاربة الذين يعبرون إلى سبتة ومليلية، يجب أن يعبروا وهم يشعرون بثقل الخطوة. لا لشيء، سوى لأن العبور إلى أرض مغتصبة لا يمكن أن يكون بلا ثمن، ولو كان رمزيا. أما من يبحث عن نزهة أو تسوق، فليبحث عنها في مكان آخر. الكرامة الوطنية لا تباع بعلبة شوكولاتة رخيصة. المغرب لم يغير موقفه، ولن يفعل. لكن عليه أن يصارح أبناءه: من العيب أن تطالب الدولة بأن تحسن تأثيث الطريق نحو الاحتلال، ثم تحاسبها على إخلاصها لذاكرتها. السيادة لا تمارس فقط في خطب السياسيين، بل في التفاصيل اليومية، ومنها: أن لا يبدو الطريق نحو الجرح معبدا ومضيئا ومريحا.