أعاد تقديم رئيس لجنة الميزانية بجماعة أصيلة استقالته إحياء الشكوك حول تماسك الأغلبية، في مجلس ما يزال يبحث عن شرعيته بعد غياب الرئيس الراحل محمد بن عيسى. واختار إلياس ازعار، المستشار الجماعي المنتمي لتحالف الأغلبية، مغادرة موقعه بصيغة مباشرة واتهامية، واضعا أصابع الاتهام في اتجاه من وصفهم ب"المنفردين بتدبير الميزانية"، ومحمّلا المكتب مسؤولية "هدر المال العام، والتضييق على الرأي المخالف، وتحويل اللجنة المالية إلى واجهة شكلية". الوثيقة، التي حملت تاريخ 8 يوليوز، كُتبت بلغة صريحة ومشحونة، تنزع عن الاستقالة طابعها الإداري المعتاد، وتحولها إلى موقف سياسي معلن يكشف عمق الأزمة داخل المكتب المسير، الذي بدأ منذ الشهور الأولى يعاني من تآكل تماسكه الداخلي وتناقض خطاب مكوناته. ويبدو ان المكتب المسير الذي أفرزته مرحلة ما بعد بن عيسى لم ينجح في إنتاج حد أدنى من الانسجام السياسي، رغم محاولات تقديم صورة توافقية في جلسة انتخاب الرئيس. ومنذ الدورة العادية لشهر ماي الماضي، تكررت المؤشرات على توتّر داخلي في بنية الأغلبية، سواء من خلال الخلافات المعلنة حول تحويل الاعتمادات، أو التباين في المواقف بشأن ترتيب الأولويات المالية. كما صدرت عن أكثر من عضو داخل التحالف إشارات إلى ما وُصف باستفراد مجموعة محدودة بتوجيه القرار، وتغييب آليات التشاور داخل اللجان الدائمة، وعلى رأسها اللجنة المالية. وفي هذا السياق، بدت استقالة ازعار بمثابة أول خروج موثق من داخل دائرة القرار، يحمل في طياته تشكيكاً في شرعية تدبير الجماعة، ويعكس في الآن ذاته أزمة تموقع داخل تكتل سياسي لم يعد يحتمل تناقض مصالح مكوناته. فالتحالف الذي شُكّل بعد وفاة الرئيس السابق لم يَبنَ على برنامج سياسي واضح، بقدر ما جاء كتركيبة اضطرارية لتفادي فراغ مؤسساتي، دون أن يتمكن من إنتاج قواعد داخلية لضبط الاختلاف. وتأتي هذه الاستقالة في ظل غياب خطاب موحد داخل المكتب، وانعدام مبادرات إصلاحية ملموسة منذ الدورة السابقة، حيث اكتفى الرئيس وبعض نوابه بتدبير الملفات الإدارية الجارية، في الوقت الذي ظلت فيه الخلافات التنظيمية عالقة، دون أي إعلان رسمي عن توزيع نهائي للتفويضات أو مراجعة الاختصاصات. ولم يصدر عن رئاسة الجماعة إلى حدود الآن أي توضيح بخصوص خلفيات الاستقالة، بينما تتجه الأنظار إلى الدورة المقبلة للمجلس، في ظل تساؤلات حول إمكان إعادة تشكيل تركيبة اللجان، واحتمال فتح نقاش داخلي حول سبل احتواء التصدع، الذي لم يعد بالإمكان إنكاره.