شوكي: المعارضة تائهة سياسيا وتعيش على الأكاذيب وتزييف الحقائق لمهاجمة الحكومة    شركة "أمازون" تعتزم إلغاء 30 ألف وظيفة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    الإغلاق النهائي لسجن عين برجة بسبب تهالك بنيانه وخطورته على النزلاء    صورٌ ومشاهد من غزة بعد إعلان انتهاء العدوان (8)    مايكروسوفت: المغرب ثالث أكثر الدول الإفريقية تعرضا للهجمات السيبرانية    الاتحاد الإفريقي يندد بجرائم الحرب في الفاشر بالسودان    مدرب المنتخب المصري الثاني يهدد بالانسحاب من بطولة "كأس العرب"    السعدي والسكوري يطلقان برنامج التكوين بالتدج المهن حفل التوقيع على اتفاقيات الشراكة من أجل إنجاز برنامج للتكوين بالتدرج المهني في حرف الصناعة التقليدية لفترة 2025 – 2030    السياقة الاستعراضية والاعتداء على شرطي يوقف متهورين بالدار البيضاء    استقالة جماعية تهز مكتب جمعية الآباء بثانوية ليكسوس بجماعة الساحل    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية:أضواء على صفحات منسية من تاريخ الحركة الأدبية بالمغرب، من خلال سيرة الشاعر أحمد الزعيمي وديوانه المحقق..    الدار البيضاء تحتضن تتويج ثلاث سنوات من الشراكة الإحصائية بين إفريقيا وأوروبا    عبد الإله المجدوبي.. العرائشي الذي أعاد للذاكرة دفئها وللمكان روحه    تنزيل خطة العمل الوطنية للحكومة المنفتحة 2024-2027    الاتحاد الإسباني يعلّق على مشادة كارفاخال ويامال بعد الكلاسيكو    لحظة الحسم في الصحراء.. من احتكار الدولة إلى التشاور الوطني    قيوح: نعمل على اقتناء 168 قطارا جديدا بينها 18 قطارًا فائق السرعة    الأداء الإيجابي يستهل تداولات بورصة الدار البيضاء    مكناس.. تحسيس النساء القرويات بفوائد الرضاعة الطبيعية    القوة المشتركة في دارفور: "الدعم السريع" قتلت ألفي مدني بالفاشر    تفاصيل البرنامج الوطني لتكوين 30 ألف شاب في الحرف التقليدية    فضيحة تحكيمية تهز كرة القدم التركية    بدوان تحمل العلم الوطني في المرحلة 11 "سباق التناوب الرمزي المسيرة الخضراء"    إنجازات كرة القدم المغربية تلهم مصر    الذهب يصعد وسط تراجع الدولار واحتمالات خفض الفائدة    تعديل الكربون.. آلية أوروبية تضع الشراكة مع المغرب في اختبار صعب    ولد الرشيد يتباحث مع سفراء بلدان آسيا-المحيط الهادي المعتمدين بالمغرب    تنفيذا لما جاء في مشروع مالية 2026.. الحكومة تكثف جهودها لإدماج الشباب والنساء في سوق الشغل    كيوسك الثلاثاء | المغرب ضمن الدول ال 30 الأفضل سمعة في العالم    واشنطن تحسم مسودة قرار الصحراء المغربية تمهيدا لتصويت مجلس الأمن    ميسي يتطلع للمشاركة في كأس العالم 2026 رغم مخاوف العمر واللياقة    صلاح وحكيمي ضمن ترشيحات "فيفبرو"    النمل يمارس التباعد الاجتماعي عند التعرض للأمراض والأوبئة    دراسة حديثة تحذر من مغبة القيادة في حالة الشعور بالإرهاق    بريطانيا تجدد التأكيد على دعمها لمخطط الحكم الذاتي في الصحراء المغربية    إقبال متزايد على برنامج دعم السكن..    المغرب يتوفر على إمكانات "مهمة" للنهوض بفلاحة مستدامة (ممثل الفاو)    طنجة وتطوان تدخلان عصر النقل الذكي بعد استقبال 56 حافلة عصرية ضمن المرحلة الأولى    تقرير أممي يتهم أكثر من 60 دولة بينها المغرب بالمشاركة أو التواطؤ في إبادة غزة    المغرب وإسبانيا يعززان تعاونهما لمواجهة آثار التغير المناخي    أمن طنجة يوقف سائق عربة لنقل العمال دهس سائق دراجة نارية ولاذ بالفرار    الكاتب المغربي سعيد بوكرامي مرشحا لنيل جائزة ابن خلدون – سنغور للترجمة 2025    تحرّك قانوني مغربي ضد توكل كرمان بعد إساءتها للمغرب    المدافع باعوف ضمن اللائحة الأولية لأسود الأطلس    في قلب بنسليمان..مهرجان عيطة الشاوية يرى النور في مدينة المونديال    مواد سامة وخطيرة تهدد سلامة مستعملي السجائر الإلكترونية    يضم نقوشا صخرية وقبورا جنائزية.. مطالب بحماية موقع أثري بكلميم من التخريب    إقبال كبير من المهنيين وعشاق السينما على مهرجان الفيلم بطنجة    فاطمة عاطف.. تكريم بطعم المواويل    تتويج المغرب في جائزة اللغة العربية    اكتشاف خطر جديد في السجائر الإلكترونية يهدد صحة الرئة    دونالد ترامب يبدأ زيارة رسمية لليابان    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توظيف الإسلاميين في العالم العربي: اللعبة المتكررة - عبد القادر زعري
نشر في طنجة 24 يوم 09 - 06 - 2012

ارتفع الإسلاميون إلى واجهة الأحداث و منصات الحكم بعد هبوب رياح الربيع العربي ، في زمن إفلاس الحلول الهجينة التي طبقها جيل من الحكام، و هي ما بين قومية و ليبرالية و عسكرية و اشتراكية و ما الله أعلم به. و ظهر أن فزاعة الإسلاميين كانت توظيفا خبيثا يبرر به الحكام قمعهم و استبدادهم. لكن ألا يكون هذا المد الإسلامي الجديد بدوره توظيف من نوع خاص ؟ كابوس الإسلاميين كان مخيفا لقوى الاستكبار، و من وراءها العدو الصهيوني الغاصب لفلسطين و المستعمر للقوة الكبرى في العالم، و في نفس الوقت كان مخيفا لزعامات التسلط و الاستبداد الجاثمين على كراسي الحكم في دول عربية عديدة، زعامات منها القومي و من العشائري و منها القبلي. كان الإسلاميون و على مدى أكثر من ثلاثة عقود العدو المشترك لجميع الحكام في الدول العربية و الغربية على السواء.
و لأن الأمر كان يهم الدولة العظمى و من في ركابها، فقد و جد حكام العرب في اللعبة مصدرا مهما من مصادر الدعم الذي كان يلقي عليهم مختلف أنواع الدعم و التشجيع و التنويه، و يعوضهم عن المشروعيات التي كانت تتلاشى كلما طال بهم الزمن و افتضح زور شعاراتهم. لقد أصبح الإسلاميون موضوعا غاليا للتوظيف ، و فرصة ذهبية لإظهار براعة الحكام في التقرب و التودد للقوى الكبرى.
في ليبيا و سوريا و العراق و الأردن و مصر و تونس و السودان و في كل دولة هبت عليها رياح الصحوة الإسلامية، تعرض الإسلاميون للتوظيف، فقد برع الإعلام الرسمي في تشويه صورتهم و عرض " نواياهم " التي تهدد الناس في حياتهم ، فهم حسب الدعاية أعداء للحرية و السلام و الأمن و التقدم، يهددون الديمقراطية فهم لا يستحقون بركاتها ، و هم شر مطلق إن حكموا سيحولون الساحات إلى منصات إعدام، و يحولون الأمن إلى حملات انتقام و تصفية ، و هم و الشيطان من نفس الصنف.
كما أن الإعلام استغل شعاراتهم الحماسية، ليوحي بأن حكمهم لن يخرج عن نموذج نميري السودان، أي تقطيع الأيدي و رجم النساء و جلد الشباب، لاهم لهم سوى تسوية الأرض بحد السيف و ريها بدماء المخالفين.
هذه اللوحات المروعة جنى منها الحكام تأييدا مطلقا من طرف القوى " الديمقراطية " و بها غطوا على اهتراء شرعاتهم و بها يوروا بقائهم في الحكم. إذ خيروا العالم بين بقاءهم أو فسح المجال أمام " التطرف " و " الإرهاب " و عشاق الموت و أسياد " الفوضى " و زعماء الشر.
صور الحكام أنفسهم أنهم الضمان الوحيد لحماية الاستقرار و الأمن و ما دونهم الخراب و الدمار و سيادة زبانية العدم و أركان جهنم. و سكت الغرب عن استبدادهم و مجازرهم في حق الشعوب و عشاق الحرية من كافة التنظيمات المعارضة .
سكت العالم الديمقراطي عن حملات الاعتقال و الاغتيالات التي عمت أشواكها كل من يعارض الحكام أو يذكرهم بوجوب احترام مبادئ الديمقراطية، و كل ذلك بدعوى أن تلك الزعامات هي المخلص الوحيد من أعداء الحضارة و " أتباع " إيران، الوافدين من العدم. تم توظيف الخطر الإسلامي شر توظيف، و لا من يحاسب الزعامات القومية و العشائرية و القبلية على فشلها الذريع في تحقيق أمجادها و أحلامها و شعاراتها ، و لا من يحاسب على إغراقها الشعوب في مهاوي المديونية و الأمية و التخلف، و من يستطيع محاسبة زعامات عقيدها الحديد و الدم والنار.
من لائحة الدول العربية التي وظف فيها الخطر الإسلامي لم أذكر المغرب، لأن الحسن الثاني رحمه الله كان في خطبه ينكر وجود " التطرف " في المغرب و يعترف بوجود " الأصولية " ، و الأصولية ليست هي التطرف، فتعامله مع " الخطر الإسلامي " كان عكس الزعماء العرب الذين تحولوا أبواقا تستنجد العالم من الخراب و الدمار و الفناء.
لكن مع ذلك فإن " الإسلاميين " تم توظيفهم و لكن بطريقة مميزة ،إذ استخدم النظام السياسي وجودهم لابتزاز المعارضة اليسارية آنذاك، و لانتزاع تراجعات منها و تنازلات ، مما سهل إدماج الاشتراكيين في الحكم عام 1998 و احتواءهم و نزع أنيابهم و ترويضهم.
و بعد هبوب رياح الربيع العربي، كان الإسلاميون عبر كل الدول التي عمها الغضب ، محط عهد جديد من التوظيف و مرحلة أخرى من الاستخدام الذكي. وسقط في الفخ كثير منهم بل أغلبهم. استبقت القوى العالمية التي يهمها حال الأمة العربية و الإسلامية أو لنقل التي تخشى من الشعوب أن تعود إلى جذورها و أصولها وتحطم إلآه التقليد للغرب ، استبقت هذه القوى الموجة فسمحت بمشاركة الإسلاميين في السلطة في الدول التي انهار فيها النظام أو التي تتوجه فيها أنظار الشعب إلى هؤلاء – الإسلاميين-.
لقد سمح للإسلاميين أن يساهموا في إيهام الشعوب أن التغيير وقع فعلا. من هذه الدول مصر و تونس و ليبيا و المغرب و اليمن ... نقول سمح لهم لان المؤسسات العسكرية المسيطرة كانت تحرم الديمقراطية عن أي إسلامي مهما كان، كما كان الاعلام الغربي يتصايح و ينتحب إبان الثمانينات، حين كان الإسلاميين على شكل موجات ضربت العالم العربي في تزامن غريب ، لكن هذا الإعلام هو نفسه من تقدم الإسلاميين اليوم على انهم الدليل الأقوى على أن الديمقراطية تتعافى في دول الاستبداد و التسلط.
بالأمس استغلت الزعامات المتسلطة الإسلاميين لتبرير بقاءهم و فشلهم، و اليوم تستغلهم الدول العظمى لقطع الطريق أمام ما لا يحمد عقباه، يعني أمام إعادة طرح الأسئلة الكبرى حول سبل الخروج التام من التبعية للغرب، و نهبه للخيرات، وإعاقته لكل تقدم و تحرر، وسبل بناء مجتمع و نظام سياسي كفيل للتعبير حقيقة عن إرادة الشعب.
الإسلاميون اليوم أداة للترقيع ، ترقيع الديمقرطية السينمائية، و أداة لتوهيم الشعوب بان التغيير حصل فعلا و لا داعي لمزيد من التفكير في المستقبل.
و في الدول التي لم تسقط فيها الأنظمة ، هم أدواة في يد تلك الأنظمة و من يناصرها، لإدامة التسلط و تسكين الأعصاب و تنويم الاحتجاجات ، هم أدواة لتأخير الحلول الحقيقية.
و كأن التاريخ يعيد نفسه، في كل مرة تتكرر الرواية مع زعماء التسلط، في السودان تحالف عمر البشير مع الإسلاميين، و بعد مدة انقلب عليهم. في مصر تحالفوا مع جمال عبد الناصر، ثم انقلب عليهم، في الأردن هادنهم الملك بعد توليه الحكم ، و لما استتب له الأمر انقلب عليهم الخ.
إن ما يسهل توظيف الإسلاميين بقليل من الذكاء، هو ثقافتهم الضاربة في التسامح و الحلم و التساكن مع أسهل الحلول و الرضا بأنصاف الحلول، وسيطرة ذهنية التبرير و التسويغ الموروثة عن ذلك الجيل من العلماء و الفقهاء الذين عاصروا انقلاب السيف على القرآن ،وتحت ظل السيف نضروا و برروا المساكنة مع مخالفة الشرع و المخالفين . و على مر العصور و جد التسلط على الدوام من يدعو له من العلماء و الفقهاء بالتوظيف و النصر.
هذا الموروث من طبائع التساكن مع التسلط لا يزال يضرب بقتامة على واقع الأمة، إذ أن الإسلاميين دعاة " الرجوع إلى الله " و " الحل الإسلامي " يسهل استخدامهم للتغطية على الزعامات الفاشلة الانهزامية و ستر عورات الحلول التغريبية المفضوحة بلاياها ، كما يسهل الآن استخدامهم لتحريف المستقبل عن الوجهة التي ينبغي أن يتجه لها .أمام أي حل جذري يعيد النظر في الخطوط الكبرى للتوجهات و السياسات على كافة المناحي. يستغلون لترقيع ديمقراطية لا تطرح الأسئلة الكبرى حول الاقتصاد و التبعية و المسخ الثقافي، كما يستغلون لتضليل الشعوب و إلهاءها عن البحث عن حقيقة الذات و صياغة سياسات تطابق خصوصيات الذات الإسلامية العربية . يراد من استغلالهم كسب مزيد من الوقت لتصفية آخر ما بقي من رمق في كيان الأمة و بدنها الجريح، لقد سمح للإسلاميين ببعض المشاركة بعدما تم تسييج مصاع الأمة الكبرى و ربطها برباط التبعية الاقتصادية و الثقافية، فلم يبق لهم سوى هوامش لا تسمن و لا تغني من جوع.
لكن كل ما سبق لا يعني إلا بعض أمثلة عن سهولة استخدام الإسلاميين فلن تنسى الشراك التي صنعت للكثيرين منهم و دفعتهم إلى رفع السلاح و تبني أطروحات الهجرة و التكفير و الجهاد ، هجرة المجتمع المسلم و تكفير المجتمع المسلم ،والجهاد في المجتمع المسلم كما وقع في مصر و الجزائر، و كما فعلت الموساد في العراق، وربيبتها أمريكا قبل و بعد أحداث 11 شتنبر.
إن ما حصل و يحصل مع الإسلاميين من توظيف سببه التيهان الفكري الذي سارت عليه فروع و مشتقات حركة الإخوان المسلمين على عهد حسن البنا و التذبدب في الأفكار و التصورات و تذاخل التجارب فيما بينها و أحداث الثورة الإيرانية و تكالب الأجهزة الاستخبارية على القيادات و استدراج غالبتها إما إلى عنف أو سطحية أوالى ترويض و اندماج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.