مؤتمر الاستقلال يخرج من عنق الزجاجة    العسل المغربي يجذب اهتمام السوق الأوروبية    بعد مشادات مع كلوب.. صلاح: حديثي سيشعل الأمر    الأمثال العامية بتطوان... (584)    يتضمن "تنازلات".. تفاصيل المقترح الإسرائيلي لوقف الحرب    البرلمان العربي يهتم بالذكاء الاصطناعي    المصادقة على "قميص الخريطة" لبركان    البطولة الوطنية الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة ال27).. اتحاد تواركة يفوز على مضيفه شباب المحمدية (2-0)    قرصنة المكالمات الهاتفية توقع عصابة صينية في قبضة أمن البيضاء    توافد غير مسبوق للزوار على المعرض الدولي للفلاحة بمكناس    اتحاد العاصمة باغيين يلعبو وخايفين من الكابرانات: هددو ما يلعبوش ويرجعو فالطيارة اليوم للجزائر وفاللخر مشاو يترينيو    بعد تلويحه بالاستقالة.. مظاهرات حاشدة بإسبانيا دعما لرئيس الوزراء    إندونيسيا.. زلزال بقوة 5ر6 درجات قبالة جزيرة جاوا    وزان ..تحديد أفق إطلاق مشروع دار الاقتصاد الأخضر    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    تعزية في وفاة خال الدكتورة إسلام أخياظ    صافرة كونغولية لمباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    "حماس" تعلن ارتفاع عدد القتلى في غزة    وزير الصحة يدشن مستوصفات جديدة    إسبانيا تعترض 25 طنا من المخدرات    إسدال الستار على فعاليات "ليالي الفيلم السعودي" في الرباط    الملك: علاقات المغرب والطوغو متميزة    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    نادية فتاح: المغرب يتيح الولوج إلى سوق تضم حوالي مليار مستهلك بإفريقيا    تتويج شعري في ملتقى الشعر والفلسفة    خلفيات تسببت لرئاسة المؤتمر 18 لحزب الاستقلال في "بلوكاج" لمدة 8 ساعات    التلميذة فاطمة الزهراء ضحية مدير ثانوية "التقدم" فمولاي يعقوب فتصريح ل"كود": هادي 3 سنين والمدير كيتحرش بيا وكيدير هادشي مع بزاف دالبنات    العلماء يعثرون على قبر أفلاطون بفضل الذكاء الاصطناعي "صورة"    وفد ألماني يطلع بتطوان على العرض البيداغوجي للمعهد المتوسطي للتدبير    جاري القروض الصغرى المستحقة يصل إلى 8,4 مليار درهم في متم 2022    رحلة الجاز بطنجة .. عودة للجذور الإفريقية واندماج مع موسيقى كناوة    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    مظاهرة حاشدة في مدريد لدعم رئيس الوزراء وحثه على البقاء    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون أخذ تصريح وآثم من فعل ذلك    بلغت تذاكره 1500 درهم.. حفل مراون خوري بالبيضاء يتحول إلى فوضى عارمة    مجلس الأمن .. حركة عدم الانحياز تشيد بجهود جلالة الملك لفائدة القضية الفلسطينية    الخارجية البريطانية: ملتازمين بتعزيز وحماية حقوق الإنسان فالصحرا وكنشجعو الأطراف باش يواصلوا جهودهم فهاد الصدد    مؤتمر الاستقلال يمرر تعديلات النظام الأساسي ويتجنب "تصدع" انتخاب القيادة    ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بالمغرب    تفاصيل وكواليس عمل فني بين لمجرد وعمور    تواصل حراك التضامن مع الشعب الفلسطيني في المغرب.. مظاهرات في 56 مدينة دعما لغزة    السعيدية.. افتتاح النسخة الثامنة من تظاهرة "أوريونتا منتجعات السعيدية – حكايات فنية"    مغني راب إيراني يواجه حكماً بالإعدام وسط إدانات واسعة    سيناريوهات الكاف الثلاث لتنظيم كأس إفريقيا 2025 بالمغرب!    زفاف العائلات الكبيرة.. زواج ابنة أخنوش من نجل الملياردير الصفريوي    سامسونغ تزيح آبل عن عرش صناعة الهواتف و شاومي تتقدم إلى المركز الثالث    هجوم روسي استهدف السكك بأوكرانيا لتعطيل الإمدادات د مريكان    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    تطوير مبادرة "المثمر" ل6 نماذج تجريبية يَضمن مَكننة مستدامة لأنشطة فلاحين    الرابطة الرياضية البيضاوية يؤكد ان الوحدة الترابية قضيتنا الاولى    جمارك الجزائر تجهل قانون الجمارك    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    الأمثال العامية بتطوان... (582)    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديمقراطية خيار وطني و إنساني لمجتمعنا المغربي في ظل المواطنة الحقة
نشر في صحراء بريس يوم 26 - 06 - 2011

ترى ما المقصود من المواطنة وما دلالته؟ وكيف يتسنى لنا فتح حوار جدي من خلال هذا المصطلح العميق ونحن أمام مسألة الأقليات التي أصبحت تربك مفهوم المواطنة التي اعتبرها شخصيا كل شيء؟ ولا كلام عن الديموقراطنية في غياب المواطنة التي ظلت تجمعنا كمجتمع مغربي له جذور تاريخية اعتبرها قيمة مضافة قلما تحضر في باقي المجتمعات الإسلامية والعربية على الإطلاق؟. ومفهوم الأقليات التي بدا يطفو كمحور أساس للمناقشة، لا يمكن مناقشته وحل لغزه خارج هذه المنظومة الاصطلاحية الدالة. إنه من باب الجهالة الجهلاء إدراك المواطنة والمرء لا يدرك أنها تعني المساواة التامة في الحقوق والواجبات، وفي المعاملة لكل الأفراد الذين يعتبرون أعضاء في مجتمع ما بصرف النظر عن انتمائهم القومي، أو الطبقي، أو عرقهم، أو جنسهم، أو أي شكل، أو وجه من أوجه التنوع بين الأفراد والجماعات في ظل سيادة القانون الحامي لمنع أي تعديات على الحقوق المدنية والسياسية، والضامن للأفراد المشاركة الفاعلة في عمليات صنع القرارات السياسية في المجتمعات التي ينتمون إليها عبر الوسائل والحوامل الديمقراطية. وهذا ما أدركه المغرب الجديد في غمرة القرن الواحد والعشرين، بل وميزه عن المغرب الحاضر/ الغائب مع الأسف الشديد، وهو يقدم مشروعا سياسيا اشتركت فيه كل المؤسسات السياسة الجادة جنبا إلى جنب مع المجتمع المدني الذي طالما غيب بفعل سياسة سياسوية، لم يكن همها أصلا المواطن المغربي، مع العلم أن صانعو هذا المغرب بالذات منهم من انقضى نحبه ومنهم من ينتظر والموقف هو الموقف والثوابت هي الثوابت. ومع هؤلاء نراهن على مغرب جديد، وجدير بأن يتصالح فعلا مع ذاته، ويلقي بالأنذال إلى مزبلة التاريخ وهم يعلمون علم اليقين أن الزمان كشاف، والمسيرة ليس بمقدور الخونة ومصاصي دم الأحرار إيقافها..إننا اليوم كل حسب موقعه أمام المجتمع المدني الذي أبى إلا أن يقدم نفسه فداء للوطن خارج كل الاعتبارات الانتهازية والبرجوازية المعاديتين لمفهوم المواطنة الحقة منذ أن قدر لهذا الوطن أن يعيش القهر والذل والإذلال. ولنا في التاريخ القريب ما يذوب له القلب من كمد. والمواطنة أيها المغاربة الشرفاء أقولها بحال لسان حزب مغربي نتوخاه كمغاربة ، يجب أن يدخل سوق النخاسة و لا تباع ولا تشترى كما تعتقد بعض الأحزاب الدخيلة علينا من حيث ندري أو لا ندري، و لا هي بالتالي في اعتقادنا عبارة عن رخصة سياقة تتطلب منا وقتا قصيرا حتى ننخرط في جوانيتها ونطلق العنان للسرعة الجنونية التي قد لا تبقي ولا تذر.. يتوخى المغاربة الأحرار حزبا تزهر فيه المواطنة الحقة، ولعمري إن المواطنة تربية تنطلق من حب الوطن، و من حب جغرافيته، ومن حب أصوله الثابتة ثبوت الشجرة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء. هي تلك التي تخلق منذ العنعنة الأولى للوليد فيرضع دسمها من ثدي أمه... هي حب آخر حبة رمل من أرضه لا تساوم وقبور شهدائنا لا زالت شاهدة هنا وهناك على أن الأرض لنا وليشرب الحاقدون البحار...والمواطنة هي العنصر الخامس المكون للعالم بعد: الهواء والماء، والتراب والنار لمن في آذانه وقرا وما أكثرهم حين تحين حمى الانتخابات. وفي ظل هذا الحزب التي سننتظره كمغاربة أقحاح سيجعلنا حقا نراهن مع جماهيرنا على المغرب الجديد، غير ماسح ولا ناكر لتاريخه البطولي على استرجاع هذه الثقة التي كادت الأحزاب الموبوءة وبتحالف مع السماسرة ومصاصي دم المواطن المغربي أن يعيدوا سيرة المواطن المغربي القح بعيدا عن سياسة التيئيس التي كادت أن تصبح فردا في العشيرة، إلى درجة جعلت المغربي يعزف عن السياسة السياسوية وله الحق في ذلك لأن الشمس بدت تشرق له مع الأسف الشديد من المغرب عوض أن تشرق من الشرق ضدا على ناموس الله.. المواطنة في ظل الديمقراطية التي يؤسس لها شباب اليوم المتمثل فيكم وبشفافية تختلف عن الشفافية الشعاراتية الجوفاء التي هي الأوكسجين الجديد الذي سيخرجنا من غرفة الإنعاش معافين، لأن في هذا الوطن شرفاء آتون من ماغماه الحقيقية وسيقضون مضاجع ديناصورات آخر الزمان، ديناصورات كانت تردد بالأمس سيمفونية « قولوا العام زين، وإلا طبق عليها قانون: كل ما من شأنه». نريد في المغرب حزبا شبابيا قادما بقوة حب الوطن ليجبر الأصنام على التقاعد مكرهين، لأن الزمن وببساطة ليس زمنهم، وهم يشبهون بالكمال والتمام أصحاب الكهف. وصدق د. برهان غليون حين قال:«فكرة المواطنة هي تحالف وتضامن بين أناس متساوين في القرار والدور والمكانة...».. «وهي قاعدة التضامن والتماهي الجماعي ومصدر الحرية كقيمة مؤسسة وغاية الجميع ولكل فرد معاً». أكيد أن تطور مفهوم المواطنة المعاصرة من خلال صيرورة زمنية سعى خلالها الإنسان المغربي وبتضحيات المجتمع المدني، وقدّم التضحيات الجسام لنيل الإنصاف والعدالة والمساواة مع غيره عبر صراع مرير من أجل الاعتراف بكيانه وذاته وتأكيداً لحقه، وصوناً لكرامته من التعسف والاضطهاد والقهر والاستعباد. وقد شهد مبدأ المواطنة الحقة في المغرب الجديد والحداثي تطوراً سريعاً في العهد الجديد، واتسع نطاق شموله ليجسد الاندماج الوطني الأرقى، والهوية الجامعة لأفراد المجتمع الذين يعيشون أعضاءً في الكيان السيادي للدولة المغربية ، ويحملون جنسيتها؛ بحيث تكون المواطنة كما نتصورها كمواطنين في الدولة الديمقراطية معادلة للجنسية، وتجاوز الاعتقاد الديني كما جرى في اروبا حين تم تقويض سلطة الكنيسة الكاثوليكية وصولاً إلى مبدأ المواطنة والتسليم بأن اختلاف العقيدة الدينية لا يحول دون الانتساب لمواطنة مشتركة يتمتع بها جميع المواطنين بغض النظر عن العرق، أو اللون، أو المعتقد السياسي، أو الديني، أو الأصل القومي، أو الجنس، أو أي اعتبار آخر، بالمساواة في الحقوق والواجبات أمام القانون، والتمتع بحق المشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات الجماعية سنداً لرابطة المواطنة في وطن يتكون من مواطنين يُعاملون على قدم المساواة، ويتمتعون بالضمانات القانونية التي تمنع أي تعدٍ على حقوقهم المدنية والسياسية، وتوفر لهم المشاركة بفعّالية في اتخاذ جميع القرارات التي تتصل بحياتهم، وتعبر عن مصالحهم وميولهم ومعتقداتهم، وصولاً إلى أشراكهم في عمليات صنع القرارات السياسية والمصيرية في مجتمعاتهم التي ينتسبون إليها. والمواطنة المغيبة في جل الأحزاب السياسية المغربية بهذه الصفة تصبح مدخلاً لتحقيق الاندماج الوطني، وبناء الدولة، باعتبار هذه الأخيرة مؤسسة حيادية مستقلة عن السلطة، أو النظام، تقع على مسافة واحدة من جميع مواطنيها سنداً لمعيار المواطنة ودون اعتبار لأي معيار آخر. والمواطنة في ظل مفهوم الديمقراطية الحقة تجسّد قيمة إنسانية وحضارية حينما تجمع ويلتقي فيها مفهوم المواطن القانوني مع مفهوم المواطن كحالة إنسانية تحفظ له كرامته وإرادته وذاته الإنسانية العاقلة والسيدة من التعسف والاستبداد. حيث إن مفهوم المواطنة المعاصر له أبعاد متنوعة؛ منها ما هو قانوني، ومنها ما هو ثقافي وسلوكي يرتبط بالتطوّر السياسي والاجتماعي، وبتراث وذاكرة المجتمعات وعقائدها. ولعمري، إنها بلغة المكشوف بالنسبة للحزب الذي ينتظره المغربة قاطبة لا يقبل غيرها بديلا وهي الحلم والأمل ولا يريدون غيره بديلا، ولو وضعوا الشمس في يمينهم والقمر في يسارهم× وليعلم السماسرة السياسيون أن زمن الفذلكات الخطابية انقضى نحبه أمام شباب يعرفون كيف تقرأ الكف. وبكل الحالات، إن لمفهوم المواطنة بالنسبة لفلسفة الأحزاب التي تحترم نفسها قبل أن تحترم المواطنين ولا تجعل منهم قطيعا من الأنعام، يجب حقا أن يكون طالعا من ماغما اليسارية؛ ويجب أن يروم فلسفة لا إفراط ولا تفريط في منهجه السياسي الذي سيربك حسابات تلو حسابات من في قلبهم مرض السياسوية، والزمان أمامنا أيها المرضى بالسياسوية عما نقول كشاف؛ وحين نراهن باعتبارنا مغاربة على مفهوم المواطنة، فإننا نبنيها أصلا على أساسيات ومقومات مشتركة لابد منها. ومن أهمها؛ إقرار واحترام الحقوق القانونية والدستورية للأفراد، وضمان مساواتهم أمام القانون، وضمان مشاركتهم السياسية، وتأمين الحد الأدنى من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتعتبر المواطنة مصدر الحقوق والواجبات المتساوية للجميع سنداً للهوية ودون تمييز عرقي أو مذهبي أو أثني أو أي معيار آخر يُلغي، أو يكون شرطاً أو قيداً على الهوية. ولا يتضح مبدأ المواطنة إلاّ في ظل سيادة القانون، واعتبار الشعب مصدر السلطات، وضمان الحقوق والحريات العامة دستورياً، وقانونياً، من قبل قضاء مستقل حرٍ ونزيه.كما إن توفر وضمان الحقوق المدنية والسياسية يسهم في تنمية إمكانيات النضال السياسي والاجتماعي السلمي لنيل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والمشاركة في خيرات الوطن في صميم الدول التي تمارس الديمقراطية الحقة ليتوسع مفهوم المواطنة من كونه توافق وحقوق سياسية محمية بنصوص قانونية إلى قيمة اجتماعية وأخلاقية وممارسة سلوكية، وإدارة أوجه الاختلاف في المجتمع وفق معايير ديمقراطية من خلال الحماية القانونية والفاعلية السياسية، وحراك المجتمع المدني بكافة تكويناته وجمعياته الأهلية، ونقاباته المهنية، وإيجاد مساحة للإعلام الحر الحامل للرأي والرأي الآخر التفاعلي المختلف والمؤتلف بما يسمح للمواطنين الاصطفاف الحر والواعي غير القسري خلف المصالح والميول والقناعات من خلال الانزياحات المرنة لأفراد المجتمع خلف مصالحهم ورؤاهم وتصوراتهم التي تتصارع فيما بينها سلمياً، وتتلاحق لتنتج القرارات والتوجهات الوسطية الجمعية والجماعية على مساحة سلطة القرار الأفقي والعمودي في المجتمع، لتتحقق معها المصالح المشتركة والمشروعة والتوافقية للجميع. فالمواطنة يجب في اعتقادنا المتواضع أن تكون محايدة مثل الدولة. والمواطن مواطن بحكم رابطة المواطنة فقط، لا بحكم الدين أو المذهب أو القناعات الدينية، أو غيرها التي يؤمن بها الفرد والتي تعتبر جزءً من الحرية الشخصية. والمواطنة هي أحد أوجه النظام السياسي الذي يرتكز على مفهوم الديمقراطية؛ فهما متلازمان كون حق المواطنة نشأ في نطاق التوجهات الديمقراطية، ويرتبط معها صعوداً وهبوطاً. وهي حالة أخلاقية وسياسية ترتبط بوجود الشخص، وتستند إلى احترام وتمثّل حقوق الإنسان، وتترسخ كممارسة فعلية مع تقدم المجتمع نحو الديمقراطية وما يرافقها من قبول لمبدأ التعددية والتداول السلمي للسلطة. والمواطنة الحقة هي التي يشعر الفرد في ظلها أن الدولة التي ينتمي إليها تضمن له كافة حقوقه، وتؤمن له ممارستها كمواطن حر ومسئول وسيد نفسه. وهذه الحقوق أصبحت معروفة ومضمونة في جميع المواثيق الدولية، فلم يعد مقبولاً امتهان كرامة الفرد، وتغييب حقوقه، وتهميش المجتمع لنوازع الاستبداد والمواطنة التي يدعو إليها حزب المغاربة المغيب، وبكل شفافية سيتولى الكلام عنها الزمن القريب، وسيكشف النقاب عن المكشوف والفذلكات السياسوية التي مآلها لا محالة مزبلة التاريخ. إن المواطنة والديمقراطية التي نبنيها حجرا حجرا مع المجتمع المدني المغربي المتعطش للتغيير ستتقوى بتقوية شعور الفرد واهتمامه بالشأن العام، وتسهل انخراطه الطوعي والإيجابي في تكوينات المجتمع المدني المختلفة؛ بما يساهم ذلك بإيجاد حالة سياسية أرقى في مجتمع لا يُحكم بقانون الطوارئ والأحكام العرقية، في وطن يتمثل الديمقراطية المؤسسة على حقوق الإنسان، ويضمن الفصل بين السلطات، ويؤمن استقلال القضاء، ويحميه من تجاذبات مواقع النفوذ والسطوة، ويتيح العمل السياسي بإطار قانون عصري للأحزاب؛ ولا يضع العراقيل والموانع لحراك المجتمع المدني وتكويناته المختلفة وجمعياته الأهلية. ولاشك أن مجتمعنا المغربي هو مجتمع متعدد الطوائف والأديان والإثنيات والمعتقدات والثقافات، وميل الأفراد أو شعورهم بالانتماء إلى أي جماعة أو معتقد يجب أن لا يصل إلى حد التعصب الذي يهدد استقرار المجتمع ويؤدي إلى تشرذمه كما هو الشأن في باقي الدول العربية والإسلامية التي أصبحت تعيش على كف يد عفريت؛ وهذا سينعكس لا محالة سلبيا وخطيرا على وحدة المجتمع، ويهدم إمكانية التعايش السلمي بين أبنائه. ومن الصعوبة بمكان؛ أو من المستحيل إذا كنا نرغب ونعمل لقيام العدالة والمساواة، وإقامة دولة الحق والقانون، الدولة التي تكون لجميع مواطنيها أن نعلي فيها أيديولوجية معينة أو
قناعة من القناعات على حساب غيرها، فالدولة الدينية أو الإيديولوجية لا تكون لجميع مواطنيها. كونها تنظر إلى الأفراد وحقوقهم من بوابة الوفاء لمعتقداتها، وبذلك تصبح المواطنة بقاموسها معادلة للوفاء لها. لذلك وإعلاءً لقيم العدالة والمساواة، ووصولاً إلى مجتمع إنساني تحترم فيه الحقوق، وتصان الكرامات، لابد من إيجاد رابط يكون مشتركاً بين الجميع بغض النظر عن العقيدة أو الاثنية الضيقة أو السياسة السياسوية التي لا يمارسها في اعتقادي المتواضع إلا قلة من الذين يدعون حب الوطن ويرفعون شعار الديمقراطية والخطوة إلى الوراء. وما أحوجنا في هذا لوقت بالذات أيها لمناضلون المغربة الشرفاء إلى اعتبارات أخرى تحقق الاندماج الوطني الكلي، وطننا المغربي الذي تنظر إليه باقي الأمم نظرة تقدير وإعجاب ونحن في غفلة من ذلك اعتبارات تساوي بين أبناء الوطن الواحد. فالوعاء الحاوي لكل هذا التنوع والاختلاف هو رابط المواطنة المعادلة للجنسية؛ ومكونها الأساسي الفرد المغربي الذي يجب أن يتمتع بكافة حقوقه المدنية والسياسية والاجتماعية كهوية جامعة لتنوعات المجتمع المختلفة ضمن الكيان السيادي للدولة الذي يحمي هذا التنوع بآليات مؤسساتية ودستورية. فالاعتراف الدستوري بالتنوع الأثني الذي لا يسعى إلى التفرقة المجاوزة والتي لم يعد يقبلها منطق عقلاء العالم بدأت بوادرها تظهر وتمارس خارج كل قراءة تأويلية تحمل ما تحمل من تفرقة من أجل التفرقة ليس إلا. وحزبنا هو حزب المغاربة قاطبة كانوا من كانوا شريطة الإيمان بأن فلسفة اليد في اليد هي العليا، ويد الله مع الجماعة وغير هذا هراء وديماغوجية لم يعد لها مكانا لدى من يحترم ذاته قبل أن يحترم مكوناته البشرية والاقتصادية والإنسانية بصفة عامة. وموقفنا في هذا الإطار كحزب مغربي ننتظره كاملا متكاملا يجب عليه أساسا أن يرعى هذه المقومات والثوابت وهو موقف جبل عليه تلقائيا كل مغربي مستصحبا البراءة الأصلية بلغة الفقهاء، ولعمري إنها ميزة الشعوب التي تحترم نفسها وتاريخها وعظمة رجالاتها.وإيماننا في خلق إطار الهوية الجامعة والغنية والمتنوعة التي ينصهر بين دفتيها الجميع وتشكّل منهم مزيجاً أرقى، وتدفعّه عبر بوابة المواطنة التي تكون معادلة للجنسية ومرتبطة انتماءً وانتساباً وولاءً إلى الدولة الأمة/ المغرب؛ أي إلى المتحد الجغرافي والتاريخي والبشري الواحد. فليس عروبة الفرد شرطاً وحيداً وكافياً ليكون مواطناً مغربيا. فالدولة من حيث كونها مساحة جغرافية، وإطاراً سيادياً لا يجب أن تقوم إلاّ على منطق احترام التنوع في إطار الهوية الجامعة. ومن هنا يصبح حق المواطنة هو الموازنة ما بين المواطنة المجردة للفرد بذاته، وما بين الاعتراف بالحقوق الثقافية للمكونات المختلفة واحترام خاصيتها؛ حيث إن عدم الاعتراف بالتنوع القائم في المجتمع يدفع ويسهل عملية الاستغلال الخارجي لهذه المكونات من خلال شعورها بالظلم والحيف وعدم الإنصاف، وتتحول إلى مصدر للتوترات والنزاعات الانفصالية مما سيؤثر سلباً على الوحدة الكيانية للدولة إذا لم ينظر إليها كمكونات أصلية وجزء من الكل، كمغربي يرتبط مصيره بالوطن الواحد الذي يجسد قدرته على التطور الحضاري في إطار دولة الحق والقانون من منظور عمومي، وعلى أسس مؤسساتية دستورية تنظم الاختلاف والتنوع وتلجم النزعات الانفصالية الضارة والدخيلة علينا من حيث ندري أو لا ندري، ولنا في هذا الإطار أن نستفيد في ذلك من تجارب العالم؛ فالولايات المتحدة الأميركية قامت على أساس الاعتراف بالتنوع والتعدد وكان مصدر غنى؛ ولم يكن عائقاً أمام تقدمها وازدهارها. وبالإجمال إن مبدأ المواطنة بمعناه الحديث القانوني والديمقراطي لم يجد تأصيله العميق في الفكر القومي العربي، حيث ظل هذا المبدأ يُطرح بشكل خجول في أدبيات هذا الفكر، ولم يجد له مساحة في حيّز الممارسة والتطبيق في الدول التي حكمتها أنظمة ادعت القومية في التوجه، وكان ما كان من هزائم وشتات التوجه إلى أن أصبحت تبكيها البواكي. وذلك انسجاماً مع عدم إيلاء الديمقراطية اهتماماً جوهرياً في فكر وممارسة التيار القومي؛ حيث ظل هذا المبدأ مهجوراً حتى أيامنا هذه لانشغال أصحابه ومنظّريه بجداول اهتمامات أخرى. فقد توجه الخطاب القومي بشكل شمولي إلى جماهير الشعب وليس إلى المواطن أو المواطنين؛ فكلمة جماهير الشعب هي مفهوم كليّ يحمل مضمون العطاء والتضحية والاضطلاع بالمسؤوليات والواجبات؛ مستبعداً هذا الخطاب التوجه إلى الأفراد وحقوقهم بحجة لم يحن الأوان لذلك؛ فلابد من إيلاء بناء المشروع المغربي الوحدوي والموحد أولاً، أي بناء الدولة المغربية القوية بطاقة عمالها وهم صانعوا الوحدة والديمقراطية والمواطنة غير المبطنة ، ومن ثم سيحق لنا أن نتكلم بدون خجل أن الأفراد بداخل الديمقراطية التي صنعوها بإيراداتهم، يتمتعون حقا بحقوقهم، ويتحولون إلى أفراد ومواطنين. فمبدأ المواطنة الذي جاء مع سيطرة الديمقراطية على فضاء الاجتماع السياسي للمجتمعات الغربية حيث كانت الدولة هي الإطار المؤسسي لشكل النظام أو السلطة أبرز مبدأ المواطنة إلى حيّز الممارسة الفعلية من خلال إقرار مبدأ التساوي الكامل بين الجماعات والأفراد في الحقوق والواجبات ضمن الحيز الجغرافي للدولة. أما انتماء الفرد العربي من منظور الفكر القومي إلى دولة قطرية ظل مثار شبهة قومية تضرب نقاء الانتماء إلى الأمة العربية الواحدة الموحدة ولا نريد كأحزاب مغربية محترمة النهل من التجارب العالمية ونعيش نفس المسرحية الذهنية المتجاوزة.إن الحزب المغربي الذي يجب أن يتصالح مع المغاربة يجب اليوم أن يعمل على زرع الأمل المفقود لدى الشباب وجعلهم لا يعزفون عن السياسة التي أصبحت بالنسبة إليهم عبارة عن أكذوبة متجاوزة، ويجب على الحزب المفترض أن يأتي بدماء تشربت السياسة من مدارس متعددة لكن مرجعيتها كانت وستبقى أبدا مغربية موحدة ، يجب أن يعلن مؤازرة الشباب الضائع وينقذ ما يمكن إنقاذه، ولن يعلن عن عجزه عن إيجاد معالجات عميقة وجدية لمسألة الأقليات ومعالجتها بشكل جدي بإطار ديمقراطي؛ من خلال إعلاء حق المواطنة والتساوي في الحقوق والواجبات، والاعتراف بالتنوع والنظرة إلى الوحدة من خلال هذا التنوع وليس من خلال التماثل الصنمي مما أحدث ذلك فجوة ثقة بين النظام والحكومات المتعاقبة والأقليات والأثنية رغم أننّا لا نرغب باستخدام مصطلح الأقلية والأكثرية إلاّ للإشارة إلى الأقلية والأكثرية السياسية من خلال المساواة التامة أمام القانون، مما كانت هذه الأرضية وطبيعة التعاطي مع هذه المسألة تربة خصبة ومواتية لبروز التطرف الذي يصل إلى درجة الشوفينية وتشكل لدى بعض مكونات المجتمع المغربي المريض، وإلى حد بروز بعض النزعات الانفصالية التي تهدم صيغ التعايش المشترك والسلم الأهلي خطراً على الكيان السيادي للدولة بما يمثله من وحدة الأرض والشعب. ويهدم مفهوم المواطنة والأركان العامة لحل مشكلة الأقليات بإطار التصور الديمقراطي؛ بما يحافظ على وحدة الجغرافيا كمعبر، وبوابة واحدة يدخل منها الجميع لتشكيل الهوية المغربية الواحدة التي ترتكز على مبدأ الجنسية التي تساوي الجميع في الحقوق والواجبات، وتمكن الجميع من المشاركة السياسية في عمليات صنع القرار الجماعي وبكل مستوياته ودرجاته من القاع إلى رأس الهرم، دون إلغاء خاصية هذه المكونات المختلفة باحترام حقوقها السياسية والاجتماعية والثقافية من خلال معالجة ديمقراطية تتم في إطار وحدة الوطن المغربي بما يجسد مناعته ويؤمن قدرته على التطور الحضاري المدني، بعيداً عن الإقصاء أو التهميش على أساس العرق أو اللون أو الانتماء الحزبي أو المعتقد أو الأصل القومي لإنتاج معادلة جديدة قوامها حقوق الإنسان ودولة القانون والمؤسسات وفصل الدين عن الدولة مع الإيمان أن للمغرب عادات لا يمكن تجاوزها تجعله لا يسقط فيما يسقط فيه غيرنا، لنا إمارة المؤمنين تنسخ بلغة الفقهاء ما من شأنه أن يدخلنا القيل والقال. وتأمين استقلالية القضاء، وفصل السلطات من خلال نظام ديمقراطي يجسد الرؤية الديمقراطية للمواطنة السياسية والثقافية والاجتماعية، وقبول الاختلاف والتنوع كمنعكس لمفهوم المواطنة، بعيداً عن احتكار الرؤيا والادعاء بامتلاك ناصية الحقيقة الكاملة، والتأكيد على مبدأ تداول السلطة بكل مفاصل الدولة ومؤسساتها على قاعدة نبذ العنف واعتماد الوسائل السلمية والديمقراطية عبر صناديق الاقتراع، ولا يتم ذلك إلاّ من خلال رفع حالة الطوارئ، وإلغاء المحاكم الاستثنائية، وطي ملف الاعتقال السياسي وإيجاد قانون أحزاب عصري يعيد الحراك السياسي إلى الساحة المغربية، وتأمين حراك المجتمع المدني من خلال قانون جديد للجمعيات يتيح لشرائح المجتمع ومكوناته الانخراط في الشأن العام عبر حوامل ديمقراطية غير قسرية تتفاعل على امتداد مساحتها الرؤى والتصورات والمصالح والميول تعكس الطيف المغربي المتنوع لمعالجة كل أمور الوطن بمشاركة حقيقية لكل الأطياف السياسية على أرضية التوافق الوطني بما يحقق مصلحة الشعب المغربي ومستقبل أبنائه ويؤمن مناعة الوطن، وعلينا أن نعترف أننا حقا حققنا ما لم تحققه باقي الشعوب العربية والإسلامية وهي شهادة ليست اعتباطية ما دامت الدول المتقدمة كللتنا بها بدون نفاق ولا رياء. فرؤيتنا لمعالجة مثل هذه المسائل لابدّ أولاً من الاعتراف بوجودها كمكونات أصلية وجزء من الكل المغربي بإطار الحفاظ والتسليم من قبل الجميع على المتحد الجغرافي الجامع وهو الكيان السيادي المغربي وفق الحدود المعترف بها دولياً، وعدم المساس به مقابل احترام خاصية المكونات المختلفة التاريخية والإنسانية والثقافية والفكرية. ومن ثم مناقشة كافة الاحتقانات والحقوق والاختلافات عبر فضاءات الديمقراطية لبناء جسور الثقة التي تؤمن التناغم بين الرؤى والتصورات المختلفة على قاعدة وحدة الأرض والشعب للوصول إلى حالة اندماجية صحية لا وجود فيها للأقلية والأكثرية إلاّ للأقلية والأكثرية السياسية، ودفع وحدة التنوع أو هذه الحالة الاندماجية إلى حالة أرقى لتنصهر وتشكل مزيجاً واحداً للهوية المغربية الجامعة لتدخل بوابة المواطنة التي تساوي الجميع في الحقوق والواجبات دون أي تمييز مهما كان لونه ونوعه على قاعدة مغربية لكل المغاربة، وطناً نهائياً لكل أبناءه، نحبه جميعاً، وندافع عنه، ونعلي من شأنه، ونحافظ على منعته وسلامته، ونعمل جميعاً على تقدمه وازدهاره، وعليكم أن تعلموا أن مفهوم المواطنة لا يولد أو يعيش بحالة صحية إلا في فضاءات الديمقراطية، فهما متلازمان، كما أن لا حل صحيح ومرضٍ يزيل الاحتقانات ويبدد القلق وعدم الثقة المتبادلة بين الأقليات والنظام السياسي إلا عبر توفر الضمانات الديمقراطية وإعلاء مفهوم المواطنة الذي يوجد الهوية الجامعة التي تساوي الجميع في الحقوق والواجبات.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.