بوريطة يتباحث ببانجول مع وزير الشؤون الخارجية الجيبوتي    منظمة دولية: المغرب يتقدم في مؤشر حرية الصحافة والجزائر تواصل قمعها للصحافيين    حموشي يستقبل السفير المفوض فوق العادة للمملكة العربية السعودية المعتمد بالمغرب    أزيد من مائة مظاهرة داعمة لغزة بالمغرب.. والمتظاهرون يشيدون بطلاب أمريكا (صور)    صفعة جديدة لنظام العسكر.. ال"طاس" ترفض الطلب الاستعجالي لل"فاف" بخصوص مباراة بركان واتحاد العاصمة    حجز قضية التازي للمداولة .. والعائلة والدفاع يترقبان قرار المحكمة (صور وفيديو)    كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي بميناء الفنيدق بلغت 41 طنا خلال الربع الأول من العام الجاري    "ماركا" الإسبانية: "أيوب الكعبي لا ينوي التوقف عند هذا الحد.. إنه يريد المزيد"    العصبة الوطنية تعلن عن برنامج مباريات ربع نهائي كأس العرش    "مفرد بصيغة الجمع".. شهادات ترسم مسارات الراحل عبد العزيز النويضي    تحقيق يطارد عصابة مخدرات بالحسيمة    السجن يستقبل مستشار وزير العدل السابق    مكناس.. إطلاق خدمات 14 مركزا صحيا حديثا    باكستان تطلق أول قمر اصطناعي لاستكشاف سطح القمر    "التلغراف" البريطانية تكشف تفاصيل النفق السككي بين المغرب واسبانيا    دراسة… الأطفال المولودون بعد حمل بمساعدة طبية لا يواجهون خطر الإصابة بالسرطان    تكلف 20 مليارا.. هل توقف "زيادات" الاتفاق الاجتماعي نزيف تدهور القدرة الشرائية    باستعراضات فنية وحضور عازفين موهوبين.. الصويرة تحتضن الدورة ال25 لمهرجان كناوة    بطولة ألمانيا لكرة القدم.. رويس يغادر صفوف دورتموند بعد 12 عاما    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة بكورونا    عكس برنامج حكومة أخنوش.. مندوبية التخطيط تكشف عن ارتفاع معدل البطالة في المغرب    العرض ما قبل الأول لفيلم "الثلث الخالي" للمخرج فوزي بنسعيدي بالدار البيضاء    إسبانيا تستقبل أزيد من 16 مليون سائح خلال الربع الأول من العام 2024، ما يعد رقما قياسيا    الملك محمد السادس يهنئ رئيس بولندا    بدعم من هولندا.. برامج رياضية غادي تبدا فلحبسات لإعادة إدماج النزلاء بعد الإفراج عليهم    أغراف ندونيت إيخصات أغاراس.. تنظيم بحال مونديال 2030 خاصو المعقول والجدية اللي دوا عليها سيدنا    ملاحظة الانتخابات امتداد طبيعي للرصد المنتظم لحقوق الإنسان    حكومة فرنسا تفرق داعمي غزة بالقوة    ريم فكري تكشف عن معاناتها مع اغتيال زوجها والخلاف مع والديه    كوت ديفوار تكتشف أكبر منجم للذهب    "فاو": ارتفاع أسعار الغذاء عالميا    المغرب يفكك خلية كانت تحضر لتنفيذ اعمال إرهابية    بعدما أوهموهم بفرص عمل.. احتجاز شباب مغاربة في تايلاند ومطالب بتدخل عاجل لإنقاذهم    بعد إلغاء موريتانيا الزيادة في رسومها الجمركية.. أسعار الخضر والفواكه مرشحة للارتفاع    سعر الذهب يواصل الانخفاض للأسبوع الثاني على التوالي    المضيق تحتضن الدورة الثالثة لترياثلون تامودا باي بمشاركة مختلف الجنسيات    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الاسلامي يعلن ترشح رئيسه للانتخابات الرئاسية في موريتانيا    مراسلون بلا حدود عن 2024.. ضغوط سياسية على الاعلام والشرق الأوسط "الأخطر"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    بركة يعلن عن خارطة طريق للبنيات التحتية استعدادًا لكأس العالم 2030    جدول مواعيد مباريات المنتخب المغربي في أولمبياد باريس 2024    تركيا توقف التبادل التجاري مع إسرائيل بسبب "المأساة الإنسانية" في غزة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    اختتام الدورة الثانية لملتقى المعتمد الدولي للشعر    عدلي يشيد بتألق "ليفركوزن" في روما    شمس الضحى أطاع الله الفني والإنساني في مسارها التشكيلي    تكريم حار للفنان نعمان لحلو في وزان    هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟    مهرجان أيت عتاب يروج للثقافة المحلية    إقليم الصويرة: تسليط الضوء على التدابير الهادفة لضمان تنمية مستدامة لسلسلة شجر الأركان    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقة المدنية العسكرية الجديدة في مصر
نشر في الأحداث المغربية يوم 14 - 01 - 2013

بعد انقضاء ستة أشهر على تولّي محمد مرسي رئاسة مصر، منح الدستور المصري الجديد القوات المسلحة حيّزاً من الاستقلالية ودوراً سياسياً صريحاً لم تحظَ بهما في ظلّ سلفه حسني مبارك. وربما رأى مرسي، ومعه الأكثرية الإسلامية في الجمعية التأسيسية، أنه من المفيد سياسياً أن يقبل بشروط القوات المسلحة من أجل ضمان حيادها خلال المرحلة الحالية من عملية الانتقال الديموقراطي، ولكن سيكون ثمن ذلك القبول غالياً.
تواجه السلطات المدنية الجديدة المُنتَخَبة ديموقراطياً في مصر مهاماً ضخمةً: تغيير طريقة عمل القطاع الاقتصادي التجاري المملوك للدولة والمشاريع العامة، من أجل تحرير طاقة الاقتصاد الوطني على النمو المستديم والعادل، والمباشرة بالإصلاح الإداري الواسع الذي يحتاج إليه بشدة الجهاز البيروقراطي للدولة، وتحويل هيكلية الحكم المحلي للبلاد تحويلاً ديموقراطياً لا مركزياً من أعلاها إلى أسفلها.
تخترق شبكات من ضباط القوات المسلحة المتقاعدين جميع هذه القطاعات اختراقاً واسعاً. وإذا ووجهت «جمهورية الضباط» هذه، الراسخة في العمق، ببرنامج إصلاحي عاقد العزم يطلقه مرسي وأي مجلس وزاري يعيّنه، فإن مقاومتها ستشتدّ، الأمر الذي يمكن أن يعطّل سير البلاد.
وبالفعل، تلاقي حكومة رئيس الوزراء هشام قنديل العراقيل وهي تسعى إلى إعادة جهاز الدولة المصرية إلى العمل. وصحيح أن الموظفين المدنيين ليسوا معادين بالضرورة أيديولوجياً أو سياسياً للسلطات الحاكمة الجديدة، غير أن هناك مؤشرات على تحوّل تردّدهم الأوّلي إلى أساليب المراوغة وعدم التعاون تجاه تعليمات الحكومة. وقد ظهرت وزارة الداخلية، على وجه الخصوص، كمعقل للممانعة في وجه مرسي: فالشرطة لا تزال في حالة شبه إضراب منذ الانتفاضة التي أطاحت مبارك قبل عامين، والأجهزة الأمنية تتبنّى موقفاً يتراوح بين اللامبالاة والمماطلة في تأدية مهامها الروتينية، وبين العداء غير النشط تجاه العملية الانتقالية عامة.
هذه الاتجاهات تتحرك ببطء. ولم تنضم القوات المسلحة حتى الآن إلى القطاعات المؤسسية الرئيسية الأخرى في جهاز الدولة لتشكّل معاً ائتلافاً عريضاً ضد مرسي وحكومته. ولا تسعى القوات المسلحة بنشاط إلى عرقلة السياسات والأهداف الحكومية، إلا أنه لا يمكن صرف النظر عن احتمال حصول ذلك لاحقاً، فالواضح أن حالة الاستقطاب السياسي في مصر صارت تعوق الأداء التنفيذي والتشريعي للمجلس الوزاري برئاسة قنديل. وإذا عجز المجلس عن استباق أو تذليل المقاومة البيروقراطية في الإدارات الحكومية، فقد يفشل في تحقيق وعوده بتحسين الخدمات العامة وتفعيل النمو الاقتصادي.
خلافاً لباقي أجزاء جهاز الدولة، تنظر القوات المسلحة إلى نفسها على أنها لاعب مؤسّسي مستقل ذاتياً له دور سياسي بامتياز. وتجلّى ذلك في 11 كانون الأول (ديسمبر) الماضي حين دعا وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي الرئيس مرسي والوزراء الآخرين وطيفاً من الأحزاب والقوى السياسية والمجتمعية والشخصيات العامة، إلى «عقد حوار وطني». وعلى الرغم من تأكيد مساعده أن ذلك لا يشكّل أكثر من «لقاء في إطار الأسرة المصرية»، إلا أن إصدار الدعوة مَثَّلَ فعلاً سياسياً غير مخفيّ، تم اتخاذه من جانب واحد ومن دون استشارة مسبقة لرئاسة الجمهورية أو المجلس الوزاري الذي يُعَدّ وزيرُ الدفاع عضواً فيه. وقد أدّى تقليل متحدّثي مرسي من شأن الدعوة بالسيسي إلى إلغائها، ما عكس رغبة مرسي في عدم إتاحة مثل هذا الدور للقوات المسلحة.
ألقت هذه الجولة الضوء على التوازن الآخذ بالتشكّل بين القوات المسلحة والرئاسة المصرية، وعلى طبيعة التفاهم الذي توصّلتا إليه قبل عرض مسودة الدستور الجديد على الاستفتاء الشعبي في كانون الأول الماضي. ومن منظور مرسي، أتاح الدستور للقوات المسلحة الحفاظ على الحيّز السابق من الاستقلالية والامتيازات والصلاحيات القديمة العهد –بل وزيادتها في بعض النواحي– من أجل ضمان انصياعها، فيما تقوم جماعة «الإخوان المسلمين»، التي ينتمي مرسي إليها، وحلفاؤها الإسلاميون بتعزيز حكمهم لمصر، وإدارة دفّة البلاد عبر المراحل المقبلة من عملية الانتقال الديموقراطي.
لكن الثمن الذي نالته القوات المسلحة مقابل الانصياع باهظ، فإنه من المعهود في حالات الانتقال من الحكم العسكري أن تتم مراضاة القوات المسلحة وتنفيس معارضتها للدمقرطة من خلال التنازل لها عن السيطرة على وزارة الدفاع. غير أن الدستور المصري الجديد ينصّ على أن يكون وزير الدفاع ضابطاً من القوات المسلّحة حكماً. كما أن ميزانية الدفاع لن تُقَدَّم حتى كبندٍ بسطرٍ واحدٍ (أي من دون تفاصيل) إلى البرلمان لنيل الموافقة الرسمية، بل سيجري تداولها في مجلس الدفاع الوطني، الذي سيكون فعلياً الجهة الوحيدة التي تنظر أيضاً في مصير كلّ من المعونة العسكرية الأميركية البالغة قيمتها 1.3 بليون دولار والاقتصاد العسكري الرسمي.
شُكِّل مجلس الدفاع الوطني أصلاً عام 1971 من قبل رئيس جمهورية جديد وضعيف آنذاك هو أنور السادات، كوسيلة لاحتواء القوات المسلحة وضبطها وتمكين نفسه. لكن المجلس بقي هامشياً مدة 40 عاماً، إلى أن أحياه المجلس الأعلى للقوات المسلحة في حزيران (يونيو) 2012، قبل تدشين رئاسة مرسي بأسبوعين فقط. ويتضمّن الدستور الجديد جزءاً كبيراً من مرسوم المجلس العسكري: فقد أعاد تأكيد تولّي رئيس الجمهورية رئاسة مجلس الدفاع الوطني، ولكن الأهم من ذلك أنه خصّص ثمانية مقاعد من أصل 15 لقادة القوات المسلحة، ما يمنحهم الأكثرية الدائمة من الأصوات فيه.
إن مجلس الدفاع الوطني يضفي الصفة الرسمية والمؤسسية على دور القوات المسلحة السياسي. فيعطيه الدستور المسؤولية عن «الشؤون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها»، كما يجب استشارته قبل أن يتمكن الرئيس أو مجلس الشعب من إعلان الحرب أو إرسال القوات المسلحة إلى خارج مصر. ويخوّل الدستور كذلك إنشاء مجلس الأمن القومي، الذي يترأسه أيضاً رئيس الجمهورية ويتألّف حصراً من المدنيين (باستثناء وزير الدفاع ورئيس المخابرات العامة)، ويقوم اختصاصه على «إقرار استراتيجيات تحقيق أمن البلاد». لكن من الواضح أن مجلس الدفاع الوطني يزاحم المجلس الآخر، المدني، بمهامه، ويقطع الطريق على تأمين الإشراف والسيطرة المدنيَّين على مجالات رئيسة من السياسة، تشمل الإدارة والمالية العامة.
كثيراً ما قام معارضو جماعة «الإخوان المسلمين» باتهامها بعقد صفقة سريّة مع القوات المسلحة مقابل السماح لها بتولّي السلطة. غير أن مصر تختلف تماماً عن السودان، على سبيل المثال، حيث قام التحالف الوثيق بين الجبهة الإسلامية القومية وبين الفريق عمر البشير بإعادة تشكيل الدولة والإطارين التشريعي والدستوري، وبتطهير العسكريين غير الإسلاميين منذ عام 1989 فصاعداً.
على أي حال، إن الصفقة في الحالة المصرية ليست مريحة. ربما يفسّر مرسي وجماعة «الإخوان» المواد الدستورية المتعلقة بالقوات المسلحة على أنها تفصل بين المجالَين العسكري والمدني وتحدّد كلاًّ منهما بما لا لبس فيه، تمهيداً لتأكيد الصدارة السياسية للمدنيين. لكن الاستقلالية الرسمية الممنوحة للقوات المسلحة تتجاوز بكثير شؤونها «المهنية» –مثل العقيدة القتالية أو اختيار الأسلحة، أو حتى ميزانية الدفاع– وسوف يكون من الصعوبة بمكان تقليصها مستقبلاً.
لا يشكّل ذلك تحدياً لمرسي و «الإخوان المسلمين» فقط، كما أنه ليس مشكلتهم وحدهم. يتضمّن نقل السلطة من الحكام العسكريين إلى المدنيين دوماً مقايضات ومساومات مدعومةً بالتفاهمات الصريحة أو الضمنية: فإن أي جهة سياسية فازت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقة كانت ستضطر أيضاً إلى التعامل مع معضلة المكانة المميَّزة للقوات المسلحة. وباستثناء ثوار ميدان التحرير ورئيس حزب الدستور محمد البرادعي، فإن أياً من الأحزاب السياسية الرئيسة أو مرشّحي الرئاسة منذ إسقاط مبارك لم يطالب بتقليص صلاحيات القوات المسلحة وحصاناتها أكثر مما فعله حكّام مصر الجدد.
لقد أمّن الدستور الجديد المضي إلى المرحلة الانتقالية التالية من خلال تأجيل عددٍ من القضايا الخلافية المهمة إلى موعد لاحق غير محدّد. وسوف تشقّ الحكومة المصرية الحالية وما يليها من حكومات، مهما كان لونها السياسي، الطريق بصعوبة لتوفير السياسات الناجعة والإصلاحات الضرورية. فالفشل سيقوّض مكانتها وشرعيّتها. والأسوأ أنه قد يقوّض أيضاً إيمان المصريين بالانتقال الديموقراطي في حدّ ذاته، ويمهّد لظهور تحدّيات غير ديموقراطية صريحة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.