سنت اللجان الجهوية للمجلس الوطني لحقوق الانسان سلوكا مفيدا يسعى إلى تسليط الضوء على العديد من الظواهر المرتبطة بحقوق الانسان من خلال استضافة متخصصين وخبراء وقانونيين وحقوقيين لتشريح الظاهرة والوقوف عندها ووضع مقاربات في أفق معالجة المشاكل التي يعيشها المواطن المغربي، أو تقريبه منها لفهمها أكثر. ويفترض عادة في مثل هذه الندوات أن تكون فضاء رحبا لتبادل الرأي والرأي الآخر وتدبير هذا الاختلاف بشكل يخدم الندوة ويجعلها منتجة للأفكار والاقتراحات أو مناسبة لتحليل الظاهرة بشكل علمي. ما وقع في الندوة الأخيرة التي تم تنظيمها بمكناس لا علاقة له بما ذكرناه سابقا. كان موضوع الندوة يتعلق بمراكز حماية الطفولة وكان من بين المتدخلين الباحث السوسيولوجي عبد اللطيف كيداي الذي يشتغل في هذا المجال، وإلى جانبه كان هناك أيضا قاضي كانت خبرته وتجربته القانونية ستفيد الندوة لولا أن... ما الذي وقع بالضبط؟ أدلى الدكتور كيداي بدلوه في الموضوع بتناوله الكلمة متحدثا عن «المقاربات الخاطئة التي نهجتها الدولة مع هذه المؤسسات والعمل الساذج وغير المؤسس علميا لعدد من التقارير والدراسات التي أنجزت والتي تقف عند حدود المعيش اليومي للنزلاء دونما مساءلة الحمولة التربوية والعلاجية لهذه المؤسسات»، مدليا بملاحظاته حول مؤسسة قضاء الأحداث خاصة فيما يتعلق بإسناد هذه المهمة لقضاة يلزمهم التكوين ولا يتمتعو بالخبرة الضرورية في غياب التخصص وعدم تفرغ هؤلاء القضاة. لم يكمل الباحث كلامه لأن القاضي الذي كان يجلس بالقرب منه شعر بأن المتحدث يقصده وأن الأمر يتعلق بإهانة لا يجب السكوت عنها وأنه إذا لم يدافع عن نفسه سيتبرأ منه الجسم الذي ينتمي إليه، فهب مقاطعا إياه: «ستتوقف يا… لن أسمح لك بالكلام، هذا مس صريح وإهانة للقضاء والقاضي وهو المعين بظهير شريف». هكذا واجه القاضي الباحث عوض أن يدلي برأيه العلمي في الموضوع انطلاقا من ممارسته المهنية، لم يكن الأمر يستحق هذا الهجوم اللفظي فالباحث في نهاية المطاف لم يتهجم على أحد بل انتقد مؤسسة تعتبر طرفا أساسيا في حماية الأطفال الجانحين الذين تتم محاكمتهم وإيواؤهم بمراكز حماية الطفولة عوض الزج بهم في السجون. الحديث عن مراكز حماية الطفولة تم في ندوة حقوقية بالأساس، يفترض فيها أن يترك المتحاورون لبعضهم البعض الحرية في التحليل والنقد، غير أن تصرف القاضي الذي انسحب بعد تهجمه على زميله في الندوة، لم يكن له أية علاقة بحرية التعبير وهو سلوك لم يعد مقبولا خاصة من طرف مسؤولين يفترض فيهم، بحكم الانتماء لجهاز سامي، العدل أولا، ثم احترام الآخرين. في كل مرة نتقدم إلى الأمام نعتقد أننا قطعنا مع مثل هذه السلوكات السلطوية، لكن مثل هذه التصرفات تعيدنا باستمرار إلى الوراء.