المغرب الحقوقي يحتضن العالم. من 27 إلى 30 نونبر المقبل سيكون للمدينة الحمراء مراكش شرف احتضان اللحظة الحقوقية الأبرز عالميا: لحظة المنتدى العالمي لحقوق الإنسان. بالنسبة لبلد أمضى سنوات طويلة في إقناع نفسه أولا، وإقناع الجيران ثانيا، ثم إقناع العالم كله ثالثا، أن حقوق الإنسان ليست أمرا نافلا، وأن الرهان عليها هو رهان تنموي آدمي مترسخ في الجينات المغربية للبلد اليوم، هذا هو أفضل مايمكن أن يقع لنا جميعا. دعوكم هنا من مناقرات الأيام السيارة، ومن نقاشاتنا، بل قل اختلافاتنا الصغيرة حول هذا الأمر أو ذاك، حول تصور كل منا للمقاربة الحقوقية ومدى تأثرها بالبلد ومدى تأثيرها فيه. نحن هنا نتحدث عن لحظة ستتوجه فيها أنظار العالم أجمع إلى المغرب من أجل الاعتراف له بأحقية استضافة هاته اللحظة الحقوقية الأبرز، ثم لمراقبة كيفية تصرفها فيها ومعها وبها ومن خلالها مع الوضع داخله. لذلك علينا ألا نخطئ الرهان نهائيا في هاته بالتحديد: هناك مغرب مابعد هاته اللحظة الحقوقية قد يجني ثمارها الجيدة ويتعامل بشكل أكثر إيمانا مع حقوق الإنسان، إذا ما أحسنا جميعا اغتنام هاته الفرصة، وقد – وهذه لا نتمناها نهائيا – تنتكس كل علاقته بهاته الحقوق إذا ما أصررنا، كل من موقعه، على تصفية حساباتنا الصغرى خلال هذا الموعد الكبير. لحسن الحظ، ومن خلال مارشح من جوانب التهييء للحظة الحقوقية المرتقبة، كل الأطراف المغربية تتفهم جيدا الحظ الكبير لاحتضان هاته التظاهرة ولاخلافة البرازيل فيها، خصوصا وأن الموعد كان مضروب في الأرجنتين، لكن المغرب، ومن خلال ديبلوماسيته الموازية، ومن خلال صداقاته المنتشرة في أنحاد العالم، ومن خلال عمل رجال ظل لايكثرون الكلام وتصدر الواجهات لكن يفعلون كثيرا مثل ادريس اليزمي وطاقمه في مجلس حقوق الإنسان، (المغرب) تمكن من جذب هذا الموعد إليه، ومن ضربه للعالم الحقوقي أواخر نونبر. المنتدى هو مايفوق 120نشاطا حقوقيا في مدة انعقاده، وهو ورشات تكوينية، ولقاءات فكرية، ومنتديات داخل المنتدى، ومحاضرات وقريتان واحدة للمؤتمرين والثانية لعموم المراكشيين، سيكون شعارها "ماتمشيش على حقوقي"، وستجعل من الفكرة الحقوقية فعلا ملموسا يحياه الناس يومي ويقتنعون أن بلدهم يريد تكريسه. المنتدى فعل يريده المغرب اليوم طريقة عملية لبلورة تصورنا الخاص بنا لحقوق الإنسان، للخروج من تلك الثنائية التي ستشلنا على الدوام بين من يقولون "لا شيء يعلو على الكونية"، وبين من يقولون في مقابلهم "لاشيء يعلو على الخصوصية". للمغرب عادة ردوده الخاصة به على كل الإشكالات، وهذا الإشكال الحقوقي لايمكنه أن يستعصي علينا، ولا يمكننا أن نظل عاجزين عن بلورة توافقنا الشهير في هاته أيضا، من أجل الوصول إلى فعل داخل المجال الحقوقي عوض الاكتفاء بالاستهلاك، وعوض تلقي الملاحظات المرة بعد الأخرى والاكتفاء بالرد عليها وكل مرة بشكل يتفوق أو يفشل حسب المعطيات. المنتدى أيضا هو وسيلتنا لإبراز هاته القوة المغربية التي نتحدث عنها دائما مجسدة بالفعل أمام أنظار العالم، وحين تتأمل لائحة الشخصيات المرتقب حضورها في مراكش لهاته الفترة تشعر بفخر كبير أولا، ثم تمر من مرحلة الفخر إلى مرحلة الإحساس بالمسؤولية العظمى ألا شيء يجب أن يفشل في هذا المنتدى، وأن تفاصيل التفاصيل يجب أن تكون مضبوطة، ولا تقبل أي ارتجال. وإذ تشعر بالاطمئنان داخل المنتدى وطاقم تهييئه، تلاقي اطمئنانا مشابها داخل الأوساط الحقوقية المغربية، بما فيها تلك التي لا تبدي عادة هذا الاطمئنان لأن الاقتناع سائد أن نجاح هذا الموعد يعلو فوق كل الصغائر التي قد تفرق المشهد الحقوقي المغربي. والمنتدى هو أيضا صحراؤنا التي نؤمن أنهاملكنا، لكننا نؤمن بأن علينا المزيد من إقناع المنتظم الدولي بأحقيتنا بها، وبمعنى الدفاع عن وحدتنا الترابية. وإذ نتوقع أن يخرج صوت من هنا أو صوت من هناك يدافع عن الطرح الانفصالي ضمن آلاف المؤتمرين لا نجد أي غضاضة في الموضوع، ولا نرتعب منه، بل نجد فيه دليل الصحة والعافية، خصوصا وأن الأمر غير ممكن في الضفة الأخرى، لا في الجزائر ولا في الكيان المصطنع التابع لها. المنتدى ختاما، وسنعود له مرارا وتكرارا لأنه يعني الوجه المغربي العام والمشترك، هو لحظة التساؤل عن موقعنا من ثلاث أسئلة كبرى يطرحها العالم تتعلق بتقييم بيجينغ 20 وبسؤال المناخ والبيئة الأكثر إلحاحية في الزمن الحالي، وبالانخراط في التيار العالمي الحقوقي الجديد المرتبط بأهداف التنمية، خصوصا والمغرب يجاهر بهاته الرغبة الحقيقية والقوية في الالتحاق بركب الدول الصاعدة. هي لحظة مراكشية مغربية فوق كل الاعتبارات، عسانا نكون قادرين على الارتقاء إليها، وعساها تكون لحظة انطلاق إلى الأمام لا تقهقر إلى الخلف ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق على بعد يوم واحد من الإضراب العام، لابد من طرح سؤال الربح والخسارة في الحكاية كلها. الإضراب حق مشروع مافي ذلك نقاش، لكن ظروف وملابسات الفعل تكتسي أهمية قصوى، وأهم منها الاستجابة لهذه الدعوة من عدمها وهو أمر يتطلب مساءلة يوم الخميس بعد ظهور نتائج إقبال المغاربة على هذا النداء المحاسبة ضرورية لكن بعد أن يمر الأربعاء