زعماء أحزاب المعارضة مستاؤون من ابن كيران. الاستياء الذي تجاوز درجة الغيظ ليس بسبب قرار اتخذه رئيس الحكومة، وليس بسبب استغلاله للنفوذ، وليس بسبب فشل في تدبير الشأن العام، وليس بسبب تراجع الأداء الاقتصادي، وليس بسبب قضية فساد، وليس بسبب ارتفاع نسبة البطالة، وليس بسبب حكاية عشق وغرام، وليس بسبب شطط في استعمال السلطة... إذا لم تثر كل هذه الأسباب استياء زعماء المعارضة، فما الذي يمكنه أن يتسبب في هذا الاستياء العارم الذي دفعها للجوء إلى رئيس الدولة. القضية بدأت منذ مدة لم يستطع خلالها زعماء المعارضة كتم غيظهم كلما تحدث ابن كيران، كلما جمع الناس حوله، كلما ألقى خطابا، كلما نشرت الصحف تصريحاته، كلما فتح فمه متحدثا، معلقا، ساخرا، مستهزئا، متثائبا حتى.. كلما ملأ الدنيا بقهقهته المعهودة، كلما حكى نكتة حامضة.. في كل حركة من حركاته يبدأ هؤلاء الذين كنا ننتظر «بركتهم» في الامتعاض، يحاولون الرد فتخرج ردودهم هوجاء وتأتي بعكس أهدافها. لكل هذا جاءت آخر تخريجة وهي الشكوى..! الآتية أسماؤهم: ادريس لشكر، حميد شباط، مصطفى البكوري، ومحمد الأبيض أو ما يمكن وصفهم (زعما) بنخبة المعارضة، تقدموا بشكوى إلى جلالة الملك مفادها أن ابن كيران «يستقوي بك علينا»!! هل سمعتم أو رأيتم استراتيجية كهذه للمعارضة في دولة من الدول التي نعتبرها متقدمة بتشريعاتها ودساتيرها وآليات تسييرها للشأن العام؟ هل سمعتم بأحزاب تقود المعارضة في فرنسا أو إسبانيا القريبتان منا أو في بريطانيا والدانمارك والنرويج وغيرها تقدمت بشكاية لرئيس الدولة أو ملكها بسبب أمر كهذا؟ قد يرد البعض بالقول إنه ليس لديهم رئيس حكومة اسمه ابن كيران !! جواب تبسيطي ومضحك… المصيبة أنه في وضعنا الحالي كان علينا أن ننتقد الحكومة بسبب ضعف أدائها لاسيما على مستوى تفعيل مقتضيات الدستور في العديد من القضايا التي تهم الشأن العام، وأيضا في تدبيرها للعديد من الملفات المرتبطة بالمعيش اليومي للمواطنين وعلى رأسها ما ينتظر صناديق التقاعد من إصلاحات وما سمعنا حول إلغاء الدعم عن البوطاغاز، وعن المدن التي تحولت إلى أرياف وتحتاج إلى تهيئة، وعن الجدل المثار حول محدودية التعليم... وغيرها من الأمور التي تهم حياة المواطن العادي. لكن للمعارضة رأي آخر لا يبدو أنه مرتبط بحياة الناس بل بوضعها الاعتباري في عيون من يمهمه الأمر. لم يعد شيء في هذا البلد يزعج المعارضة أكثر من ورود اسم الملك على لسان رئيس الحكومة، وهو ما تعتبره استقواء عليها، ولا أعلم أي أوجه الاستقواء تعني؟ وهي لا تكل من تكرار هذا الكلام إذ سبق لأحد زعمائها أن قال صراحة بأنه يمثل معارضة صاحب الجلالة، وخرج مؤخرا يطلب من الملك التدخل لجعل رئيس الحكومة يمارس صلاحياته. في الحقيقة هذا الأمر حير العديد من المتتبعين للحياة السياسية في بلادنا، ماذا يعني لجوء المعارضة للملك ضد رئيس الحكومة في قضايا لا علاقة لها بتسيير الشأن العام بل بما يأتي على لسانه «اللي ما فيه عظم»؟! بحثت في الدستور عن مبرر لتأصيل هذه العملية، بدأت بصلاحيات المعارضة البرلمانية وما يضمنها لها الدستور من حقوق والتي في اعتقادي قد تكون سببا من أسباب جذبتها الأخيرة لكنني لم أجد من بينها «الاستقواء بالملك». وللإفادة فقط فما يضمنه الدستور للمعارضة هو حرية الرأي والتعبير والاجتماع، حيز زمني في وسائل الإعلام الرسمية، الاستفادة من التمويل العمومي، المشاركة في مسطرة التشريع والمشاركة في مراقبة العمل الحكومي، المساهمة في اقتراح المترشحين وانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، تمثيلية ملائمة في الأنشطة الداخلية لمجلسي البرلمان، رئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع في مجلس النواب، التوفر على وسائل للنهوض بمهامها المؤسسية، المساهمة في الدبلوماسية البرلمانية والمساهمة في تأطير وتمثيل المواطنين، ممارسة السلطة عن طريق التناوب الديموقراطي محليا جهويا ووطنيا. ولهذا السبب وجدت تبريرا موضوعيا لعدم استقبالهم من طرف الملك شخصيا، وتفويض هذه المهمة لمستشاريه، خاصة أن الفصل 42 من الدستور لا ينسب للملك باعتباره رئيسا للدولة مهمة النظر في النزاعات الناشبة بين الأحزاب السياسية وزعمائها سواء من الأغلبية أو المعارضة. وللإفادة مرة أخرى فالفصل المذكور يقول في هذا الباب «الملك رئيس الدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها والحكم الأسمى بين مؤسساتها يسهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات الدستورية وعلى صيانة الاختيار الديموقراطي وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة»، وكما ترون سيكون الأمر مضحكا لو فتح الدستور باب القصر الملكي لكل حزب سياسي مستاء من زعيم حزب ما كي يتقدم بشكوى إلى الملك !! على أحزاب المعارضة أن تراجع أوراقها وأن تمارس مهامها الحقيقية، فهي وعوض أن تجعل خصمها عبد الإله ابن كيران يلتزم بمهامه عبر الآليات التي يتيحها لها الدستور ذهبت تبحث عن دعم ملكي في مشهد يثير الضحك. ومن باب الإفادة مرة ثالثة، على هذه الأحزاب أن تراجع الفصل السابع من الدستور الذي يوصيها ب«تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام وتسهام في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة على أساس التعددية والتناوب بالوسائل الديموقراطية وفي نطاق المؤسسات الدستورية». محمد أبويهدة شارك هذا الموضوع: * اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة) * شارك على فيس بوك (فتح في نافذة جديدة) * اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)