ها أنت في وجه الحائط مرة أخرى. البياض اللحوح ينهش العين الحسيرة بضراوة، يحزز الذهن الحافي بمضاء. وعليك أن تبتدع ما به تغذي وحوش هذا الفراغ اللعين. عليك أن تستخرج، كما الحاوي، شيئا ما من الجراب. أن «تنظر في وجه قدرك» وترتجل كلمتك. لكن الكائنات الأخرى الأكثر جذرية وسرية، التي تستوطن منك الأعماق وتملي عليك شريعتها حين تفلت من العقال، تحرن الآن. تحرضك على قدح حجر التمرد الراقد فيك كأنت آخر نسيته في الجهة الغفل منك، جعلته في حضرة الترك. تدعوك لنبذ هذا الطقس البئيس من الانصياع لمقتضيات السعي. أي مكنة تعليق هي هذي الطاولة! ماذا عساك تقول؟ شهر من الصمت المرصع بتلك الخربشات الأثيرة، التي تردك بلطف لدني إلى الطفل الذي كنته. «قطعة زمن» مختلسة من التقويم انصرفت لاستغراق جواني في صحبة الأرواح/ الألواح المنذورة للمحبة الشاهقة. غياب مكثف به استعدت بعض عافيتك المبددة في سراب «العلاقات العمياء». أي هراء! وها أنت ابن اللحظات المشرقات، التي يتكلم فيها المختلج بحيوات شتى فيك، لكن بلغته الخاصة، من دون أن يبين. ماذا عساه المسكون برؤى العدم أن يقول؟ له أن يستذكر نداءات آبائه الروحيين المرقشة في لوح الذاكرة تعاويذ تحفظ الروح من الانمساخ: طرفة، النواسي، شوبنهاور، سيوران، رامبو، بيسوا، ريلكه، بافيزي، بلانشو، بوكوفسكي، بوزفور، بنطلحة، الشركي، وديع سعادة، بسّام (…) من قال «في صحة الثعبان»؟ للعدمي أن يمعن في الإشاحة عن مهاوي الانسحاق اليومي ساطعة ككل الأنوار الخداعة على أكثر من شاشة. له أن يدع العين تتقرى في صمت شريط انسلاخ الكائن عن ضوئه السري في حمأة تلاشيه، وأن يتحسس ارتداد الزلزال في الدواخل حاملا في عزلة الروح «وردة توبخ العالم»… ماذا يفعل اليائس بنرده سوى أن يرميه للريح. أصاب أو خاب سيان.
عبد العالي دمياني عمود نقطة عبور (كل أربعاء على صفحات الأحداث المغربية)