بعد الاتفاق الاجتماعي.. مطالب بالزيادة في معاشات المتقاعدين    الموت يغيّب الشاعر محمد حنكور "الهواري" أيقونة الشعر الأمازيغي.. هذه قصة حياته وموعد الجنازة    حماة المال العام كيطالبوا بتحريك مسطرة "غسل الأموال" واتخاذ إجراءات حازمة فحق اللصوص والمفسدين    حراك جديد فالعدل.. شلل غيضرب المحاكم هاد السيمانة والنقابة الوطنية للقطاع بغات رئيس الحكومة يتدخل    فيدرالية ارباب المقاهي تنفي الاتفاق على زيادة اثمان المشروبات وتشكو ارتفاع الأسعار    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزير الدفاع الإسرائيلي لنتنياهو: حنا للي مسؤولين على إعادة الأسرى والمقترح المصري مزيان    حزب الله يستهدف قاعدة إسرائيلية بالصواريخ    وفاة مدرب الأرجنتين السابق لويس مينوتي بطل مونديال 1978    عادل تاعرابت كان غايسلخ كاكا: غوت عليا وشنقت عليه    هزة أرضية خفيفة تضرب ضواحي تاونات    الدار البيضاء تبعد "شاحنات درب عمر"    المشاهد الجنسية في أفلام هوليوود تراجعات بنسبة 40% وها علاش    بطولة اسبانيا: بيتيس يعزز حظوظه بالمشاركة القارية    يجب على الإسرائيليين إغراق الشوارع لمنع عملية رفح – هآرتس    يهم نهضة بركان.. الزمالك المصري ينهزم قبل مباراة نهائي كأس "الكاف"    توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين    طلبة الطب في مسيرة وطنية اليوم بالرباط ردا على إغلاق وزير التعليم العالي باب الحوار    هذا ما قررته المحكمة في قضية كريمة غيث    الاتحاد السعودي يعاقب عبد الرزاق حمد الله    الدوري الإسباني.. النصيري يواصل تألقه    عنف المستوطنين يضيق الخناق على الفلسطينيين في الضفة الغربية، و دول غربية تتصدى بالعقوبات    "الجزيرة" ترد ببيان ناري على قرار إغلاق مكاتبها في إسرائيل    باحثة: الضحك يقدر يكون وسيلة واعرة لعلاج الناس    دعوة من بيت الذاكرة لترسيخ التنوع الثقافي من أجل إشاعة قيم السلام    عندها الزهر لي كيهرس الحجر.. مرا ربحات 2 مرات فالقمر فقل من 3 شهر    الإنتحار أزمة نفسية أم تنموية    اعتصامات طلاب أمريكا...جيل أمريكي جديد مساند لفلسطين    دراسة مواقف وسلوكيات الشعوب الأوروبية تجاه اللاجئين المسلمين التجريد الصارخ من الإنسانية    العفو الملكي    سيدات مجد طنجة لكرة السلة يتأهلن لنهائي كأس العرش.. وإقصاء مخيب لسيدات اتحاد طنجة    رأي حداثي في تيار الحداثة    الأرشيف المستدام    دراسة أمريكية: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    دراسة حديثة تحذر المراهقين من تأثير السجائر الإلكترونية على أدمغتهم    يوسف النصيري دخل تاريخ إشبيلية مع أحسن 10 هدافين دازو عندهم    رئيس جمهورية غامبيا يستقبل المدير العام للإيسيسكو في بانجول    نتانياهو سد "الجزيرة" فإسرائيل    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    "فنون شعبية على ضفاف درعة".. وثائقي يسلط الضوء على التحولات التي شهدتها فنون زاكورة (فيديو)    فيلم "من عبدول إلى ليلى" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    وصل لأعلى مستوياته التاريخية.. التداول النقدي فات 400 مليار درهم    موجة حر مرتقبة بمناطق في المغرب    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    المغرب يسحب أول دفعة من قرض 1.3 مليار دولار من صندوق النقد الدولي    نشرة إنذارية.. موجة حر مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    "نوستالجيا" تحصد جائزة الجم للمسرح    برلماني يسائل وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات..    هل زيادة 1000 درهم في الأجور قادرة على مواكبة نفقات الأسر المغربية؟    قلعة مكونة تحتضن الدورة 59 للمعرض الدولي للورد العطري    وضعية الماء فالمغرب باقا فمرحلة "الإنعاش".. نسبة ملء السدود وصلت ل32 فالمية وبدات فالتراجع    الفنان الجم يكشف حقيقة إشاعة وفاته    طنجة.. مهرجان "هاوس أوف بيوتيفول بيزنيس" يرفع شعار الإبداع والتلاقح الفني    الأمثال العامية بتطوان... (589)    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جفاف استثنائي «جاح» له الزرع وأُطْلَقت عليه البهائم
نشر في الأحداث المغربية يوم 11 - 04 - 2012


دخل «النطح» والفلاح ما تحزّم وما شطح
هل تجعل الأمطار الأخيرة هذا الروبورطاج غير ذي موضوع؟ «عل الله» كما يقول المغاربة. أُنجز هذا الروبورطاج قبل التساقطات الأخيرة، وراهن على التقاط ردود الفلاحين الصغار في منطقة دكالة، وانطباعاتهم حول الموسم الفلاحي الجاف. حديث هؤلاء الفلاحين الصغار أيام الجفاف ذو شجون، تطغى عليه الشكوى والتأسف للبذور التي ضاعت، وهمّ البهائم وغلاء أسعار العلف..
في الطريق من زاوية سيدي اسماعيل في اتجاه ولاد فرج. قالت غنُّو إن هكتارا ونصف الهكتار من الزرع «ما يعطيوش حتى جوج الخنشات ونص مين يتحصْدو». تأسفت المرأة ثم أضافت «ما فيهش»، قبل أن توضح حجم الخسارة قائلة «ما يردش حتى الزريعَا ديالو».
غادرت «الكروصا» الطريق التي تستمر في اتجاه ولاد فرج، تجاوزت الفرس بصعوبة تلك القنطرة العجيبة والضيقة التي تعلو «واد فليفل». علقت غنو قائلة «الكروصا ودازت منها غير بزّز»، ثم أردفت متسائلة «كيفاش يدُوز منها تراكتور؟!». الطريق في اتجاه دوار ولاد عتُّو متربة يتطاير منها الغبار.
بعث «الجعواني» بواجب التحية في اتجاه الركاب. استغل فرصة التوقف للدردشة. الشكوى دائما تنتظر على طرف اللسان. قال الجعواني «عتقونا البهايم تيموتو من الجوع». تساءل الرجل في استغراب «آش تحصد؟!»، ثم أشار إلى البهائم وهي ترعى في الحقل وسكت عن الكلام. أثير موضوع المساعدات في الدردشة، فتهكم الجعواني ثم أعلن «عندي تلاتَا وستين عام ما عمرني عقلت عاونونا.. تنشوفو المُعاونات غير ف التلفازَا». فقيه الدوار واضح هو أيضا في هذه النقطة «الدعم ما تيوصلش للفلاح الدرويش».
الزرع حراش
على مشارف الوصول إلى دوار ولاد عتُو، أشارت غنو إلى الحقل الذي مالت نبتات زرعه إلى ذلك الاصفرار غير الواعد بالعطاء، ثم قالت «الزرع حراش.. ما ياكلوهش البهايم»، وردت على الاستفسار موضحة «حرش عليهم»، ولم يفتها أن تسمي الحيوان الذي يقبل هذا النوع من الكلأ «ياكلو العَوْد»..
تلاقي المرأة عسرا في تخليص صوتها من نبرة الأسف «الشعير تمر.. ماشي سالط». أضافت في وصف حالة حبّات سنابل الشعير «الحبَّات تامْرين.. غير هو...»، ثم خانتها اللغة، ولم يسعفها معجمها بعبارة تسمي بها شعورها وهي تعاين حبات الشعير المجهضة. للأسف لن يكتمل نموها ولن يحصد الفلاحون سنابلها، ولن يدرسوها.
سقي متقطع
العودة من سوق اثنين زاوية سيدي اسماعيل خلاص مؤقت من أشعة الشمس الحارقة. اللجوء إلى الاحتماء بسقف البيت رحمة. وحده الذي اكتوى بجمر شمس ذلك الاثنين يعرف قيمتها.
انطلقت الدردشة حول صينية الشاي. سعيد فقيه دوار ولاد عتو، مهموم بمصير البقرة التي تبقت له «التبن ما كاينش.. العام جا ناقص». يستفيد فلاحو المنطقة من نظام السقي. يسقون بعض حقولهم من مياه نهر أم الربيع. المشكل بالنسبة لسعيد أن المياه تأتي متقطعة، ولا تعرف انتظاما يسمح بالاستفادة منها في سقي حقول البرسيم خاصة. يملك الفقيه حقلا مساحته «تلاتة الخدامات». يسقي «خدَّام واحد»، ثم ينقطع التزويد بالماء دون أن ينجح في سقي «الخدامين» المتبقيين. تتأخر مياه السقي عن الموعد أو كما يعبر عن ذلك قائلا «ما تيجي الما حتى تيكون الوقت فات». النتيجة أن «الفلاحة تتنشف.. ما تتبقاش تعطي».
«تنخلصو خمسين درهم للساعة». قال الفقيه ثم أردف موضحا أنه يؤدي كل ثلاثة أشهر مقابل ما استفاده منه في عملية السقي أو لم يستفد منه لتأخر إمداده بالمياه في الوقت المناسب. تُحْسَب عليه أربع ساعات في الشهر، وإن لم يؤدِ الواجب «تيْحَبْسو عليه الما». لا مجال للتساهل في عملية الأداء أو كما يقول «تيزمْطونا على الخلاص».
لن يتحزم الفلاح ولن يشطح
أغلب الأراضي في منطقة ولاد عتو، تنتمي إلى نظام الزراعية البورية التي تعتمد على التساقطات المطرية. المشكل الذي يعاني منه الفلاحون الصغار يتمثل في كون «البور هاد العام ما كاينش». حُسِم الأمر في محصول هذا الموسم الفلاحي. يستمد سي محمد من مخزون الثقافة الشعبية، ليثبت أن الأمر محسوم فعلا. يقول المَثِل الشعبي «ما تعزل جدياني من جديانك تتخرج الليالي حياني.. مين تتخرج الليالي حياني صافي ما بقى ما يتگال». احتمى بالصمت قبل أن يضيف بصوت طغت عليه نبرة الأسف «الليالي حياني مشات.. ما بقى للمغرف ما تعزل». استنجد سعيد هو الآخر بما في جعبته من أمثال شعبية. هناك المثل الآخر الذي يقول «مين تيدخل النطح الفلاح يتحزم ويبدا يشطح». هذا بطبيعة الحال إذا كان الموسم جيدا. سقط المطر بما فيه كفاية الأرض و«كانت الصَّابَا». استجاب الفقيه لطلب الشرح فأوضح أن «النطح» منزلة من المنازل مدتها ثلاثة عشر يوما.
تدخل سي محمد شارحا أن شهر فبراير ومارس هما «عمود» العام الفلاحي. إذا انتصف شهر مارس ولم تسقط الأمطار «صافي العام مشى.. واخَّا تصب الشتا». علاش؟ أجاب سي محمد قائلا بعد أن أجّل الارتشاف من كأس الشاي «الأرض سخنت ما بقى ما يدّار». في الأيام الأخيرة من شهر مارس، يحسم الفلاحون الأمر وييأسون من جني المحصول. لن يكون هناك حصاد، ويستعدون لمواجهة تبعات الجفاف.
تطوع فقيه الدوار على إيقاع الارتشاف من كأس الشاي، وانطلق في شرح مراحل الفلاحة البورية التي تعتمد على التساقطات المطرية. هناك الفلاحة البكرية «هاداك الشي ديال الكمح والشعير والربيع.. الخرطان»، وهناك الفلاحة المازوزية «ديال الدرة.. القشبيل». مارس هو موعد بذر الدرة. هذا إذا سقط المطر. عندما يكون الموسم الفلاحي خصبا، يتوفر الكلأ أو ما يطلق عليه سعيد «مين يكْرَم الربيع ديال البكرية». هذا العام «ما كاين والو.. راك شفتي كل شي جاح».
كل شي مشى خلا
«الكسيبة تضر الوقت». قال عبد الرحيم ثم شرح عبارته قائلا «الربيع ما كاينش». أما عندما يكون الموسم خصبا فالفلاح لا يحمل همّ الكسيبة «مين تيكون الربيع ما تسوّقش للبهايم.. البهايم سارْحَا ترعى ف الربيع». لائحة أسعار العلف تنتظر على طرف لسان الفلاح الشاب «البالا ديال التبن وصلت لسبعمية ريال.. الخبز يابس بتلاتة الدراهم للكيلو.. النخالة بألفين وربعمية ريال للخيشا كانت العام اللي فات غير تناعشر مية.. الدرة بربعات الدراهم تباعت العام اللي فات غير بتلاتين ريال».
ماذا لو استمر الجفاف لأكثر من موسم فلاحي؟ «صعيب.. الله يحفظ». قال فقيه دوار ولاد عتونة. «البهايم» مشكل كبير يقض مضجع الفلاحين الصغار. إذا «دار العام» ولم تسقط أمطار الرحمة، وتمسك الفلاحون ببهائمهم فسيضطرون إلى اللجوء إلى شجر الصبار (الضرگ) لإطعامها ومحاولة إنقاذها في انتظار الخلاص. رمى سي محمد بدلوه في الموضوع فقال «بالا ديال التبن وصلت لسبعمية ريال.. الحمار حاشاك يقدر ياكل حتى لمية ألف ريال ديال التبن في العام»، ثم طرح السؤال وأجاب عنه مباشرة «بشحال تبيعيه؟ بعشرين ألف ريال!». عاد إلى ما أدلى به عبد الرحيم وقال «إلا كانت الفلاحة والعام زين.. البهايم تتاكل من الفلاحة».
أشعل سي محمد سيجارة تبغ أسود رخيص، ثم أرسل الدخان في اتجاه السقف وقال «فلوس الزريعة مشات خلا». ضاعت بعد أن «جاح» الزرع. خسارة تقض مضجع الرجل وجعلته يمر إلى ذكر تفاصيل الزريعة «مشى الفول ف سبيل الله.. زريعة الشعير والكمح مشات خلا». تدخل الفقيه في الدردشة مذكرا ابن دواره بما غاب عن باله «ماشي غير الزريعة.. ما تنساش الحرث ومول التراكتور». يقصد مصاريف عملية الحرث إضافة إلى الأسمدة.
قال الفقيه «حنا الفلاحَا الدراوش.. ما تنعرفو كريدي من البنْكَا.. هادوك الفلاحَا الكبار». أمسك سي محمد برأس الخيط وأضاف «شكون اللي تجبريه يسلفك؟!»، ثم استرسل كأنه يعلق على كلامه الأخير «حنا ناسيينَّا.. ما كاين والو». شرح الفقيه ما أدلى به جاره بكون المؤسسات البنكية تشترط أن يكون الفلاح مالكا لأكثر من ثلاثة هكتارات، وأن تكون الأرض مسجلة ومحفظة و«مجهّزة».
بنادم مكدّر
تنعدم أيام الجفاف فرص العمل بالنسبة للأشخاص الذين لا يملكون أرضا يحرثونها. في مواسم الخصب يعملون في الحقول ويتقاضون أجرا أو مقابلا عينيا من الشعير والقمح أو الدرة. لا يقتصر الأمر على الفلاحين المتوسطين والكبار، حتى الفلاحون الصغار يساهمون في تنشيط سوق العمل. اعتاد سي محمد أن يُشَغِّل عاملا فلاحيا يساعده في الحرث والحصاد والدراس أو كما يقول «تشد واحد يخدم معاك ويروّج حتى هو ويصوّر ما يصيّر على وليداتو». حل الجفاف بقحطه وتوقفت على إثره الناعورة عن الدوران، أو كما قال سي محمد «لاخدَّام لا مول الملك».
هناك نظام في العمل الفلاحي، تطوع فقيه الدوار وسمّاه بعبارة «تيتْكارَى الفلاح مع مول الملك». يسلم المالك قطعة أرضية إلى الفلاح، يحرثها هذا الأخير ويستفيد من نسبة من محصولها يتفق الطرفان حولها. الجفاف عطّل الناس عن العمل أو كما عبر سي محمد عن ذلك مرصعا كلامه بمثل شعبي «هاد العام ما كاين لا الحداد لا اللي يسُوط عليه».
أمسك سعيد برأس الخيط، واسترسل متحدثا عن «رزق العام» يتجسد في المحصول الزراعي والبهائم. في المواسم الفلاحية الجاف تسوء أحوال الفلاح الصغير، أو كما قال الفقيه «الفلاح اللي على گد الحال هو اللي مضرور بزاف». تنعدم شروط العيش الكريم في البادية، ويبدأ الفلاح المغلوب عل أمره في التفكير في بيع البقرات التي يملك والهجرة إلى المدينة.
يطغى على دردشة الفلاحين التداول بين الجفاف والخصب. عاد الفقيه إلى استحضار «العام زين» وتداعياته على الفلاحين فقال «مين تيكون الصيف مزيان تيكون الفلاح ناشط». يحقق أرباحا محترمة من المحاصيل، ويطمئن باله. يحدث في مواسم الخصب الرواج وتكثر مناسبات الإعلان عن الفرح «ماشي غير الزواج.. لعراضات وصلة الرحم»، ويُقْبِل الفلاح على الاستهلاك «بنادم تيصرف ف السوق وتيفرّح ولادو».
في موسم الخصب «تيكون الخير موجود.. فيمَّا درتي تتلقى الربيع والبهايم شبعانين». يتوفر الحليب، وتستفيد الخرفان الصغيرة من وفرة الكلأ في المراعي. تجمع بين الرضاعة من النعاج والرعي فتنمو بسرعة وتصير قابلة للبيع. بالتالي ترتفع أسباب «الهَمّ» لأن «بنادم ما تيخممش».
«هاد العام ماشاء الله وصافي». قال فقيه الدوار ملمحا إلى الجفاف وتابعه القحط. تجف ينابيع الفرح. تضيق الصدور وتنقبض. تظهر علامات ذلك الانقباض على الوجوه أو «بنادم مكدّر» كما قال سعيد واصفا الحالة التي يصير عليها الفلاحون. الجفاف هو السبب. سي محمد واضح، الجفاف هو المتهم الأول في ما أصاب الناس. حرمهم من عيدهم الأسبوعي. «آش تصرف؟!». تساءل ثم التهم الجفاف من جديد، لأنه منع عنه الفرح المرتبط بالسوق الأسبوعي. يحتفل كل اثنين، ويُعَبر عن ذلك الاحتفال من خلال «التسوق» على طريقة أهل البادية.
ما كاينش الصبّ
أمام المدخل إلى دار سي محمد. توقف الرجل. تأمل المنظر القاحل حوله. أشار إلى قريبه بالبنان ثم نطق قائلا «ها انت سوّلو.. آش تتكون دايْرَا هنا الگرْعَا والبصْلا؟». أردف بنبرة المتأسف «كي تتكون الدنيا خضرا». لم يحرث القطعة الأرضية المحاذية لمنزل سكناه. قال كأنه يحتج «ما لحناش الزريعة». لا يقصد الفلاح الذي قضى طفولته في العاصمة الاقتصادية، بذور القرع. إنما القمح «الزرع لحناه.. راك شفتي بعينيك مشى خلا». انحنى على نبتة القمح. أمسك بالسنبلة فركها ثم بسط يده وأعلن «ها انت شوف خاويا ما فيها والو». ليس القمح وحده «الفول لحناه.. ما ناضش». قال ثم أردف من باب التأكيد «والله ما ناض». أما حجم الخسارة فغصة في الحلق تترك أثرها على كلام الرجل وهو يقول «صرفت عليه شي تمانين ألف ريال». ترك الفول وانتقل إلى الخرطال الذي عافته البهائم ولم تستسغ مذاقه «الخرطام حتى البهايم ما بغاوش ياكلوه لينا».
الفرس التي قادت «الكروصا» من السوق إلى دوار ولاد عتو، منهمكة في التهام الزرع المحصود قبل الأوان. على بعد خطوات من حقل الفول، رمى الفلاح «الزريعة» في شهر دجنبر. وصف سي محمد حالة نبتات الفول قائلا «نبّت وطلع شويا»، وأضاف «ما يعطيش»، ثم تساءل «باش غادي يعطى؟!»، وصاغ الإجابة معلنا «ما كاين لا صبّ.. لا والو». «الصب» في لغة هذا الفلاح هو «الشتا». لن يشفي الفول غليل البهائم لأنه «قليل ما فيه والو». عاد إلى التفصيل في حجم الخسارة التي مني بها فقال «مشات خلا تلاتة لقناطر زريعة.. قنطار زريعة تيطلع بعشرلاف ريال». إذن خسارة هذا الفلاح المنكوب وصلت إلى «تلاتين ألف ريال زريعة وتلاتين ألف ريال حرث ديال الموطور». حرث العامل الفلاحي اثنا عشر خداما «بتناعشر ألف ريال». ينضاف إليها عمل «الخطّاطة» الذين يخططون الخطوط المخصصة لبذر الفول.
أمسك فقيه الدوار ب«الغمرة» التي قطفها سي محمد من حقل القمح «الجائح»، قلّب مكونات سنابلها وفحصها كأنه خبير في المجال، ثم أعلن النتيجة النهائية «ها انت السبولا خاوية ما فيها والو». أردف «عندو ربعات الشهور.. دابا خاصو يكون تمر ووصل». احتمى بالصمت ثم قال مباشرة «تضربو الشمس ويكرم وتجي الماكينة» كأنه استرجع ذكريات المواسم الخصبة، ثم أفصح عن المقصود بعبارته «خاصو دابا يتحصد».
لن تفلح الماكينة في عملية الحصاد. ستلاقي عسرا كبيرا في التحكم فيه لقصر حجم النبتات. ما الحل؟ إما أن تُطْلَق عليه البهائم لتقوم بالواجب، أو يضطر الفلاح إلى «نتفه» ونقله إلى الزرائب وتقديمه إلى تلك البهائم.
في الطريق من زاوية سيدي اسماعيل في اتجاه الجديدة. جماعة الحوزية بالضبط. الفلاحان منهمكان في «تكربيل» الأرض التي تتخللها خراطيم السقي السوداء. «كاين الجفاف». دليل هذا العامل الفلاحي على ما ادعى أن «الناس طلقوا البهايم ترعى ف الحرث». قد يتوهم المرء أن الحقول المسقية بدوار لغزاونة غير معنية بهذا المعطى، لكن الفلاح الشاب أردف موضحا «هاد العام الصابَا ناقْصَا واخَّا لارض مسْقيَّا».
بوشعيب أب لثلاثة عشر ابنا وثلاث بقرات وبغل
بوشعيب فلاح عجيب. سأل «فين هو الزرع؟!»، شمر عن كم جلبابه الرث وأجاب عن سؤاله «ما كاين زرع» كأنه يحدث نفسه ويناجيها. انتقل إلى الحسم في مصير حقله «ما لايق لوالو.. طلكنا عليه البكيرات».
تذكر بوشعيب موعد الحصاد فأعلن «هادا هو وقت لحصاد.. بريل صافي نبداو نحصدو»، ثم استحضر الواقع المر «هاد العام ما كاين ما نحصدو». أشار إلى الحقل الذي مساحته «ربَع خدًَّامَا» حيث ترعى البقرات رفقة بغل، ثم أعلن قائلا «هاهما كلهم مشاو». يقصد أن البقرات الثلاث مرت من المكان والتهمت نبتات الزرع الذي «جاح».
لم يبع بوشعيب، بعد، أي بقرة. الفلاح المغلوب على أمره واضح في هذه النازلة. ليس لأنه ما زال يتمسك بها، ولكن لانعدام المشتري أو كما صاغ ذلك بلغته «ما كاين اللي يضصرك». «إلا عندك الشاري يالاه باسم الله». تحدى محدثه عارضا عليه إحدى البقرات «خودها.. دّيها عيّشْها.. يالاه.. هنّيني من صداعها»! ثم عاد إلى طرح السؤال «آش غادي نعطيها؟!»، والإجابة عنه «نعطيها التراب»! أسلوبه في التعبير وبلورة موقفه مما يحيط به.
لا مجال للهزل. بوشعيب جاد في اقتراحه. يتمنى لو يلتقي بفلاح مُوسِر ويتوفر على الإمكانيات. فلاح يقبل التكفل ببقراته إلى أن يحُول الحَوْل وتتحسن الظروف، مقابل نسبة يتفقان حولها. بوشعيب مرن ولن يكون طماعا «يعيّشهم ويتنفّع منهم ويعطيني فيهم غير التالْتَا ولا الرابْعَا». يقصد نسبة «التلت» أو «الربع».
بوشعيب يتبعه النحس هذا العام. أرحام البقرات أصابها هي الأخرى الجفاف وخاصمت الخصب. «راهما ما ضارّاتش كاع». تخلص من الحصى الذي تسرب إلى نعله البلاستيكي المهترئ، ثم أردف «ما منفّْعين بيهم حنا ما منفعين بيهم وحْدين خريْن».
البقرات الثلاث مصدر للخسارة الأكيدة لانعدام الكلأ في المراعي أو كما قال بوشعيب متسائلا «الربيع فينا هو هاد العام؟!»، ثم زاد «شكون هادا اللي عندو الربيع؟!»، قبل أن ينتقل إلى ارتفاع أسعار العلف «خنيشا ديال النخالة فاتت تلتالاف ريال».
يضع همّ البقرات والأبناء في كفة واحدة «كي غادي نديرو مع البهايم وكي غادي نديرو مع الوليدات؟!». وقف على علامات الاستغراب وقد ارتسمت على محيا المستمع فأسرع إلى تقديم التوضيح المطلوب في مثل هذا الموقف «كي غادي نديرو مع تلتاعشر ولد؟!». كرر الرقم من باب التأكيد، ثم عاد إلى التساؤل «كي غادي دّير معاهم؟!»، وأجاب «تاكل تَّوياهم الضرگ»!
وحده شجر الصبّار سيكون رهن إشارة بوشعيب وأفراد أسرته، لأنه يقاوم الجفاف وانعدام التساقطات. إن لم يتناولوا الصبار، سيضطر الفلاح إلى قطع الطريق حتى لا يموت وإياهم جوعا.
أعاد تخليص نعله من حبات الحصى الفضولية. تساءل مرة أخرى «كي ندير ليهم؟!». أجاب مباشرة كما كان منتظرا «ما عندنا ما نديرو.. والو.. جهدنا قليل». نَوّع على ما أدلى به وأغناه. قال «حنا غا دريوْشين». أضاف «القضية عندنا محدودا»، ثم توقف عن السير بين الحقول وسوى قب الجلباب قبل أن يعلن عن الخلاصة المفيدة «جهدنا قليل إلا خطاتْنا هاد الفلاحة نشدو لارض.. ما نخدمو ما ردمو».
الجفاف عدو لا يرحم بوشعيب ينشر القحط من حوله. يحرمه من «الصابا» ويجيع أبناءه وبهائمه، ثم يمنعه من العمل لدى الفلاحين المتوسطين والكبار. درج بوشعيب كل عام على العمل في حقول «ولاد بّارك» أو «سيدي علي». قال وهو يخلص التنعل مرة أخرى من الحصى اللعين «نمشيو نخدمو ف الشمندر ونتمُّو جايبين ستمية ولا تمنمية ولا حتى ألف ريال ف النهار»، وأردف كأنه يشتم جهة ما حرمته من الكسب الحلال «هاد العام ما كاين لا شمندر لا مولاي بّيهْ لا والو»، وفي عبارة واحدة «الرحيم الله».
جمال زايد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.