توقيع اتفاق الإعفاء من التأشيرة لحاملي الجوازات العادية بين المغرب وأذربيجان    نشرة إنذارية : موجة حر مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    فيدرالية الناشرين تحذر من تردي أوضاع الصحافيين وتنتقد انغلاق قطاع الاتصال    سعر صرف الدرهم يرتفع مقابل الدولار    برلماني يسائل وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات..    برنامج دعم السكن ومشاريع المونديال تنعش قطاع البناء خلال اوائل 2024    وثائقي يسلط الضوء على 6 ألوان فنية شعبية بضفاف وادي درعة    التأكيد على أهمية تطوير الشراكة بين الإيسيسكو والسنغال في التربية والعلوم والثقافة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    وصفها نتنياهو ب"قناة التحريض" .. إسرائيل تعلن إغلاق مكاتب الجزيرة    إبراهيم دياز: في ريال مدريد نطمح دائما لتحقيق الألقاب    هل زيادة 1000 درهم في الأجور قادرة على مواكبة نفقات الأسر المغربية؟    عشرات آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب لإتمام صفقة الرهائن بالتزامن مع استمرار المفاوضات    حموشي صدر قرار تأديبي فحق رئيس مصلحة المواصلات بولاية أمن فاس    رشق إيريك زمور بالبيض خلال حملته الانتخابية    ‪أخرباش تحذر من سطوة المنصات الرقمية    قلعة مكونة تحتضن الدورة 59 للمعرض الدولي للورد العطري    ڤيديوهات    زلزال يضرب دولة عربية    تفتيش شابة بمحطة قطار أصيلة يسفر عن مفاجأة مثيرة    لشكر يدعو لتمتيع أقاليم درعة بامتيازات الصحراء ويشبه عطش زاكورة بحراك الريف    موعد خروج زوجة الدكتور التازي من السجن    وضعية الماء فالمغرب باقا فمرحلة "الإنعاش".. نسبة ملء السدود وصلت ل32 فالمية وبدات فالتراجع    مسؤولونا ما عندهمش مع لمرا. ها شكون خدا بلاصة شكون فالهاكا. ها اللي دخلو جداد: غربال وعادل وبنحمزة ولعروسي وها فبلاصة من ورئيسا النواب والمستشارين ختارو غير الرجالة    الفنان الجم يكشف حقيقة إشاعة وفاته    مهرجان سينما المتوسط بتطوان يعلن أسماء الفائزين بجوائز دورته ال29    البطولة الإفريقية ال18 للجمباز الفني بمراكش: المغرب يحتل المرتبة الثانية في ترتيب الفرق في فئة الذكور    بطولة السعودية.. ثلاثية ال "دون" تخرق بريق الصدارة الهلالية    استئناف مرتقب لجولة المحادثات بالقاهرة حول الهدنة في غز    طنجة.. مهرجان "هاوس أوف بيوتيفول بيزنيس" يرفع شعار الإبداع والتلاقح الفني        رئيس أساقفة القدس المطران عطا الله حنا يوجه رسالة إلى مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي الدكالي    قاتل والده بدوار الغضبان يحاول الانتحار بسجن سيدي موسى بالجديدة    فيتنام تسجل درجات حرارة قياسية فأبريل    بطولة انجلترا: إيبسويتش تاون يعود للدوري الممتاز بعد 22 عاما    جائزة ميامي للفورمولا واحد : فيرستابن يفوز بسباق السرعة    السعودية حكمات بالحبس 11 العام على مناهل العتيبي غير حيت دعمات حقوق المرا.. و"امنيستي" كتطالب بإطلاق سراحها    لشكر ينتقد "عقلية العنف" لنظام الجزائر ويطالب الحكومة بالعناية بجهة درعة    اللعابا د فريق هولندي تبرعو بصاليراتهم لإنقاذ الفرقة ديالهم    أخبار سارة لنهضة بركان قبل مواجهة الزمالك المصري    من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟    رئيس بلدية لندن العمّالي صادق خان ربح ولاية ثالثة تاريخية    إدارة المغرب التطواني تناشد الجمهور بالعودة للمدرجات    موريتانيا حذرات مالي بعدما تعاودات الإعتداءات على مواطنيها.. ودارت مناورات عسكرية على الحدود    لمجرد يقطع صمته الطويل..قائلا "أريد العودة إلى المغرب"    التوقيع على ثلاث اتفاقيات للتنمية المجالية لإقليمي تنغير وورزازات    دراسة.. نمط الحياة الصحي يمكن أن يضيف 5 سنوات إلى العمر    افتتاح معرض يوسف سعدون "موج أزرق" بمدينة طنجة    ارتفاع حركة النقل الجوي بمطار الداخلة    خبير تغذية يوصي بتناول هذا الخضار قبل النوم: فوائده مذهلة    الأمثال العامية بتطوان... (589)    دراسة… الأطفال المولودون بعد حمل بمساعدة طبية لا يواجهون خطر الإصابة بالسرطان    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة بكورونا    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحولات في المشهد الصحفي المغربي
نشر في العمق المغربي يوم 25 - 09 - 2020

بسرعة البرق تمت خلال الأسابيع الأخيرة إعادة تشكيل جزء أساسي من المشهد الصحفي المغربي. إذ بمجرد الخروج من الحجر الصحي الذي أثر كثيرا على الصحف الوطنية شكلا ومضمونا، تم الإعلان عن تأسيس هيئة جديدة لناشري الصحف تسمى "الجمعية المغربية للإعلام والناشرين" وتضم صحفا وإذاعات ومواقع إلكترونية خاصة وحزبية، لتنضاف بذلك إلى الهيئة القديمة وهي "الفيدرالية المغربية لناشري الصحف". وفجأة أيضا، قررت السلطات العمومية بعد رفع الحجر تقديم دعم مالي استثنائي للصحف بقيمة 200 مليون درهم علما أن الخسائر فاقت هذا الرقم. وهو دعم يبدو وكأنه اعتذار عن خطأ منع الصحف الورقية خلال فترة الحجر بدون مبرر مقنع. وقد فسرته الحكومة رسميا بكونه مبادرة ترمي إلى تثمين الدور المجتمعي الذي تقوم به الصحافة. لكن هذا الدعم المادي الذي يقدم للصحف باستمرار وصار منظما ومقننا منذ سنوات غير كاف لأنه يحتاج إلى خطوات سياسية وقانونية موازية لتأهيل هذه المهنة حتى تقوم بأدوارها كاملة بدون قيود.
كانت إذن تطورات متسارعة ومثيرة. وقد بقيت مواكبتها بالنقاش العمومي وبالتوضيح والشرح محدودة بين مختلف الفاعلين. بحيث أفرزت هذه التطورات والتحولات حالة من الغموض والضبابية التي لا تسمح بفهم ما يجري أو ما يتم الإعداد له في قطاع الصحافة الذي لا تخفى أهميته السياسية والثقافية منذ نشأته في القرن 18 في أوربا، وفي ظل عصر التواصل بامتياز ومجتمع الانترنيت والمعلومات المتدفقة والظرفية الخاصة التي يعيشها البلد.
تفيد المعطيات المتوفرة حتى الآن أولا بأن تأسيس هذه الجمعية الجديدة كان بمبادرة من صحافي له تجربته المهنية هو عبد المنعم ديلامي، وبأن الجمعية خرجت من رحم الفيدرالية التي كانت تاريخيا هي الممثل الوحيد لمدراء الصحف والتي يترأسها اليوم مهني آخر له تجربته هو نور الدين مفتاح. ثانيا، تبدو ظروف هاته الولادة وسياقاتها شبيهة بالانشقاقات التنظيمية البنيوية التي تعرفها الأحزاب والجمعيات في المغرب. ويلاحظ هنا أن ظاهرة الانشقاق والتنوع السوسيولوجي صارت تمس أيضا منذ بضعة سنوات جمعيات ونقابات الصحافيين والتي صارت تتكاثر وتتعدد بشكل واضح. وبالتالي ربما كان طبيعيا ومنطقيا اليوم بعد أن تشتت جسم الصحافيين أن ينقسم أيضا جسم مدراء الصحف.
هكذا وبعد أن قضى كل من الديلامي ومفتاح سنوات طويلة وهما يعملان جنبا إلى جنب داخل نفس الفدرالية، تفرقت السبل بينهما اليوم بشكل مفاجئ. ترى ما الذي حرك هذه المبادرة؟ هل هي وضعية القطاع المتهالك اقتصاديا؟ أم هي أزمة كورونا؟ أم أن هناك أسبابا أخرى؟ ليست القضية مرتبطة بالأشخاص فقط، ولكن للأشخاص ولمساراتهم دور كبير في السياق المغربي. وإذا نظرنا إلى الموضوع من هذه الزاوية، يمكن أن نفهم الكثير من مواقف الفاعلين الصحفيين والسياسيين وذلك بموازاة التحولات المجتمعية العميقة التي يعرفها المغرب. قد تكون دوافع ديلامي مرتبطة بمواقفه الليبرالية وخطه التحريري المقرب من السلطة الاقتصادية والمعارض للإسلاميين كما هو واضح في افتتاحيات جريدته "ليكونوميست". أما في الجانب الآخر، فقد يكون ما يحرك مفتاح الذي تربى في حضن صحافة اليسار، هو مواقفه المنتقدة لما يسميه بالاتجار الليبرالي في الصحافة، وكذا لتراجع الوضع الاعتباري للمهنة حسب ما تعكسه افتتاحياته في مجلة "الأيام". وهي انتقادات يطبعها أيضا نوع من المرارة الشخصية التي يتحدث فيها عما يسميه مفتاح مثلا، ب"سطوة الظالمين.. وظلم ذوي القربى". وفي انتظار اتضاح خلفيات هذا الخلاف الثنائي على مستوى القيادة، يجدر التذكير بأن الفدرالية عاشت أيضا خلال السنوات القليلة الأخيرة نوعا من عدم الاستقرار والجدل القيادي بحيث أن الصحفية بهية العمراني لم تقض مدة طويلة في رئاستها، كما أن مفتاح سبق أن قدم استقالته بشكل صاخب من المكتب التنفيذي الفدرالية الذي كان عضوا فيه بسبب ما سماه مشاكل تتعلق بأخلاقيات المهنية، لكنه اليوم عاد إلى رئاسة الفدرالية في ظل ظروف جديدة وبعد أن وقع هذا الانشقاق التاريخي اليوم.
هذه اللهجة النقدية عند مفتاح لا نجد مثيلا لها في خطاب ديلامي الذي يفضل عموما الركون إلى الصمت وعدم الحديث عن مواقفه من المهنة وأخلاقياتها مكتفيا بالبلاغات التي يوقعها شخصيا أحيانا باسم الجمعية الجديدة وكذا ببعض التصريحات الصحفية المدروسة مع تراجع كتاباته الافتتاحية. ومما يسجل في هذه التصريحات أنه يفسر إنشاء الجمعية الجديدة ب"عدم نجاعة الفدرالية" في مواجهة أزمة كورونا، وكذا بضرورة "مواجهة الفكر الوحيد"la pensée unique وما سماه بالاستحواذ على القرار وقول الفدرالية إن هي وحدها من لها "الشرعية التاريخية" في تمثيل مدراء الصحف. (هل المقصود بالفكر الوحيد هم الصحافيون فقط أم ضمينا وبشكل لا مفكر فيه أيضا الإسلاميون الذين عادة ما يتهمون سياسيا وحزبيا بمثل هذه التهم والأوصاف؟).
الملاحظ هنا أيضا أن هذا الخطاب وهذه التفسيرات تذكر بنفس النقاشات والجدل الكلاسيكي الذي يواكب عادة انشقاقات الأحزاب بالمغرب. بحيث أن الهيئتين صارتا تتجادلان وتتحديان بعضهما البعض تماما كما يحدث عادة بين النقابات حول من يملك التمثيلية الحقيقية لقطاع الصحافة، وحول قدرتهما على مخاطبة السلطات والتفاوض معها حول وضعية ومستقبل المهنة. وفي هذا الصدد، نشير إلى أن الجمعية الجديدة كانت سارعت إلى الإعلان بأنها هي من استطاعت إقناع الحكومة بتقديم الدعم الاستثنائي للصحف مؤخرا. ورغم أنها تحاورهما معا اليوم، فإن الحكومة قد تواجه غدا مشكلة كيفية تدبير الحوار مع هاتين الهيئتين، وحول من له أحقية تمثيلية القطاع الصحفي وهل ينبغي تقنين هذا الجانب. وللإشارة، فإن النسبة المحددة بالنسبة للنقابات الأكثر تمثيلية مثلا تصل إلى 4 بالمائة من الأصوات في الانتخابات المهنية. وكانت قد حصلت صراعات طويلة حول هذا الموضوع خاصة في عهد الوزير الأول السابق إدريس جطو. فهل سنعيش نفس إشكالية الهيئة الصحافية الأكثر تمثلية في قطاع الصحافة أيضا؟
عموما، يبدو من تحليل خطاب الجمعية الجديدة أنها تحس بأنها متضررة من الانتقادات الموجهة إليها من قبل الفدرالية أو من قبل الأوساط المهنية عموما بحيث تظهر في موقف دفاعي إزاء هذه الانتقادات، وتدافع عن نفسها بالقول إنها ولدت من أجل خير المهنة وخدمتها وأنها لا تريد تشتيت المهنيين، وذلك بعد أن اتهمتها الفدرالية بذلك حيث دعت هذه الأخيرة في بيان رسمي إلى ضرورة "التجميع والوحدة ونبذ التنافر".
لم يكشف هذا الانشقاق إلى اليوم عن كل حقائقه وخلفياته. ويبدو من إرهاصاته ومما يتوفر من معلومات أنه وليد خلافات حول برامج مجتمعية وسياسية صارت الصحافة هي الواجهة لتصريفها، والصراع حول الصحافة كان بطبيعة الحال دائما في قلب الصراع حول السلطة منذ الاستقلال وخلال عدد من محطات الحوار السياسي خلال مرحلة الإعداد للتناوب التوافقي مثلا عندما طرحت أفكار ومطالب بدعم الدولة للصحافة المكتوبة وبتنظيمها، وكذا لتقنين وتحرير الإعلام السمعي البصري عبر هيئة عليا متخصصة. ويظهر اليوم أن إعادة هيكلة مهنة الصحافة عبر مدراءها يشكل واجهة جديدة لإعادة تنظيم هذا القطاع الحيوي للتحكم فيه بصورة أكبر وبشكل جديد عبر بوابة ملاك ومدراء الصحف في أفق انتخابات 2021 وذلك في سياق تسرب أنباء من مصادر مهنية تقول إن الجمعية الجديدة قد تأسست بتوجيهات من جهات في السلطة.
كل هذه التحولات تأتي في ظل مناخ عام يتميز بتراجع لحرية والصحافة ولأخلاقيات المهنة في المغرب تعكسه التقارير الوطنية والدولية. وهي تراجعات بلغت إلى درجة التعدي على حقوق الإفراد وحرياتهم من قبل مواقع إلكترونية صارت متخصصة في هذا المجال بدون تدخل لمراقبتها وتقنينها في وقت يجري التفكير في نموذج تنموي بديل.
ما يسجل بشكل إيجابي في هذا النقاش بين ديلامي ومفتاح، ومعهما في الخلفية هيئتان مهنيتان، هو أنه بقي نقاشا متحضرا لم تستعمل فيه أية خطابات متشنجة ومشخصنة أو غير لائقة، عكس ما يلاحظ في العديد من النقاشات في الفضاء العمومي وخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى منصات للسب والقذف. لقد بقي هذا الجدل مؤدبا وموضوعيا يعكس في الحقيقة الطبيعة السوسيولوجية للنقاش الوطني - المقصود هنا هو النقاش الفعلي وليس المصطنع بغرض الإلهاء والدعاية - والذي غالبا ما يكون نقاشا لا يتم خلاله تبادل الأفكار والنقد بصورة مباشرة، وإنما يتم ذلك بشكل ضمني وغير مباشر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.