سيطرة مغربية في "الترياثلون الإيكولوجي"    مجلس الأمة الكويتي … المأزق بين السلطة التنفيذية والتشريعية    ثلاثة وزراء ثقافة يكرّمون أحمد المديني رائد التجريب في الأدب المغربي    عائلات "المغاربة المحتجزين بتايلاند" تنتقد صمت أخنوش وبوريطة    الرجاء والمغرب الفاسي يحجزان مقعديهما في نصف نهائي كأس العرش    النخبة السياسية الصحراوية المغربية عنوان أطروحة جامعية بالقاضي عياض    ماذا يقع بالمعرض الدولي للكتاب؟.. منع المئات من الدخول!    بلاغ جديد للقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية    انعقاد الدورة ال12 لمهرجان الدولي "ماطا" للفروسية من 17 إلى 19 ماي    انتخاب الريفية فاطمة السعدي عضوا بالمكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة    دياز يهز الشباك مرتين في لقاء غرناطة    الشعباني يأمل فوز بركان بنتيجة مريحة    طوابير تنتظر المسلم في معرض الكتاب    الأمثال العامية بتطوان... (596)    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    صورة مذهلة.. "ناسا" ترصد أكبر عاصفة شمسية تعرض لها كوكب الأرض    العوني تتأهل إلى نهائي أنطاليا للتنس    الأصالة والمعاصرة يشيد بحصيلة الحكومة وينتقد قساوة الأحكام السطحية الشعبوية    حزب الأصالة والمعاصرة يعلن بدء التحضير مبكرا لانتخابات 2026 بهدف "الحصول على المرتبة الأولى"    مشروع خط سككي بين الدار البيضاء وبني ملال    الرجاء يهزم الحسنية ويبلغ نصف نهائي كأس العرش    حماس تعلن وفاة أحد الرهائن الإسرائيليين متأثرا بإصابته في غارة جوية    تحذير وزاري لمستعملي الطرق السيارة    حضور متميز لأسود الأطلس في نهائيات المسابقات الأوروبية للأندية    انطلاق المهرجان الدولي للفروسية "ماطا" بمنطقة "بن مشيش"    الأزمي ينتقد تضارب المصالح في الصفقات العمومية الكبرى واستخدام قوانين المالية لذلك    القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية تكشف تفاصيل مناورات "الأسد الإفريقي"    مبابي يعلن رسميا مغادرته باريس سان جيرمان    جماعة طنجة تساهم بنحو 13 مليون درهم لتطوير وتوسيع مطار ابن بطوطة الدولي    البحرين تحضر لانعقاد القمة العربية    مركز الاستثمار يروج لمؤهلات جهة طنجة في ملتقى اقتصادي بالامارات المتحدة    نشرة إنذارية | زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بالبرَد بعدد من مناطق المغرب    وزارة التجهيز تحذر مستعملي الطرق    اضطرابات في حركة سير القطارات بين الدار البيضاء والقنيطرة    القنصل العام للسنغال بالداخلة: لا وجود لمهاجرين عالقين في الصحراء المغربية    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    مكافحة الاتجار بالبشر.. الولايات المتحدة تمنح 2.5 مليون دولار للوكالات الأممية بالمغرب    المعرض الدولي للكتاب والنشر.. المجلس الأعلى للتربية والتكوين يناقش الرافعات الكبرى لحكامة المنظومة التربوية الوطنية    المغرب يشيد باعتماد الأمم المتحدة قرار دعم طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدة        كونفدرالية الصيادلة تشتكي "مستشفى الشيخ زايد" بالرباط وتطالب بفتح تحقيق في توزيعه الأدوية    أمير الكويت يعلن حل مجلس الأمة وتعليق العمل ببعض مواد الدستور ويقول:"لن أسمح بأن تستغل الديمقراطية لتحطيم الدولة"    بنسعيد: المغرب منخرط في خلق صناعات ثقافية وإبداعية قوية وتنافسية    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    الفيضانات أفغانستان تودي بأكثر من 200 شخص    الخطايا العشر لحكومة أخنوش!    أطروحة نورالدين أحميان تكشف كيف استخدم فرانكو رحلات الحج لاستقطاب سكان الريف    الصين: 39,2 مليار دولار فائض الحساب الجاري في الربع الأول    اللعبي: القضية الفلسطينية وراء تشكل وعيي الإنساني.. ولم أكن يوما ضحية    هكذا ساهمت دبلوماسية روسيا والصين في مقاومة "طالبان" للضغوط الغربية    المغرب يسجل 26 إصابة جديدة ب"كورونا"    الشركات الفرنسية تضع يدها على كهرباء المغرب    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في اجتماع عند الطريس بحضور عبد الكبير وزياد تم ضبط وسائل الاتصال والتنسيق مع «الداخل
تأمين الاتصال مع الشمال لنقل الأسلحة والأموال ومرور الفدائيين وتغاضي السلطات الاسبانية
نشر في العلم يوم 12 - 04 - 2009

الحسن العرائشي: انطلاق المقاومة المغربية وتطورها 3
وفي بيت الدكتور التقيت بشخصيتين بارزتين من حزب الاستقلال، وودعت الاخوان وتوجهت في سيارة يقودها الاخ اسعيد بونعيلات في اتجاه الحدود بعرباوة، عند وصولي الى الخضاضرة ودعت الأخ بونعيلات الذي عاد الى الدار البيضاء وواصلت السير على الاقدام في منطقة كنت اعرفها جيدا. وأوقفني أحد أعوان الادارة الاسبانية وهم من فرقة (أرمادا) ولم يكن من الصعب الافلات من يده إذ عرفته بنفسي على أنني من سكان القصر الكبير جئت لاستخلاص الكراء من سوق الأربعاء الغرب وزودته بأسماء معروفة في القصر الكبير وسلمته هدية بسيطة فأخلى سبلي، وهكذا واصلت السير الى القصر الكبير وكنت أعرف تاجرا هناك من عهد الدراسة هو الأخ محمد (جحا) فطلبت منه أن يدلني على منزل السيد محمد التكموتي وهو ممثل حزب الاصلاح الوطني، فاستقبلني هذا الأخير، وما أن عرف بمهمتي حتى اتصل على الفور هاتفيا بالاستاذ الطريس رحمه الله وأبلغه بوصولي فقال له المرحوم الاستاذ الطريس بالحرف الواحد أغثني به حالا . وكان لابد لي من قسط من الراحة فقضيت الليلة في منزل الاخ محمد التكموتي معززا مكرما. وفي الصباح الباكر توجهت الى مدينة تطوان، وفور وصولي قصدت دار الاستاذ الطريس
بزنقة القائد أحمد فوجدت الأخوين السيدين أحمد زياد وعبد الكبير الفاسي في انتظاري عند الأستاذ الطريس. وسبق لي أن تعرفت على هذين الشخصين في الميدان السياسي وعقدت مع هؤلاء الأخوان أول اجتماع يتعلق بالتنظيم المسلح، وأبلغتهم الظروف التي يعيش فيها الاخوان (بالداخلية) كما كان يطلق في منطقة الحماية الاسبانية على منطقة الحماية الفرنسية. ووعدنى الاخوان الثلاثة بأنه سيتكلفون بالتنظيمات الضرورية من أجل ضمان إيواء جميع الإخوان الذين قد يشتبه فيهم، وتزويد حركة المقاومة المغربية بالمال والسلاح ونشر نشاطها في الداخل والخارج وأنهم سيضمنون تغاضي السلطات الاسبانية على نشاطها في الشمال، وأن الأخ أحمد زياد سيستقر بتطوان ليسهر بنفسه على جميع الترتيبات.
نجاح المهمة
وبعد تناول الغذاء ودعت الاخوان الثلاثة على أن أعود الى الدار البيضاء لإبلاغ اخواني بنجاح المهمة التي كلفت بها. ولازلت أذكر أنه لما كنت أودعهم طلبوا مني أن أعطيهم بعض الأسماء لمسؤولي حركة المقاومة في حالة وفاتي أو اعتقالي فأعطيتهم إسما واحدا في ذلك اليوم هو اسم أخينا المرحوم محمد الزرقطوني . وعدت الى الدار البيضاء من نفس الطريق ولم التق بصاحبي المخزني أرمادا عند الاياب من طريق الخضاضرة. وكان اخواني في انتظاري لأقدم لهم تقريرا شفويا، لأننا لم نكن نكتب أي شيء لأن جوا من الإرهاب كان يسود المغرب والكل كان متعرضا دائما للاعتقال والتفتيش.
تنظيم شبكات من المقاومين
استمرت الاستعدادات لتنظيم شبكات من المقاومين في جميع أنحاء المغرب بصفة عامة وفي البيضاء بصفة خاصة، ولازلت أذكر حادثة طريفة وقعت الى أنا والأخ اسعيد بونعيلات إذ أن هذا الأخير حدثني عن مجموعة من المواطنين قادرين على حمل السلاح ولم تكن لي بهم أية علاقة سابقة. فضرب لنا السيد بونعيلات مع هذه المجموعة موعدا وكانوا من ذوي حرفة واحدة وفي جلستنا مع هؤلاء وكانت الأولى والأخيرة ولست أدري هل التحق هؤلاء بصفوف المقاومة فيما بعد أم لا أقول في هذه الجلسة تكلمت مع هؤلاء الاخوان عن أحداث المغرب والمقاومة المسلحة في تونس، وكنت اتساءل من حين لآخر هل في امكان المغاربة ان يحملوا السلاح لضرب الخونة وأقطاب الاستعمار. فكان جوابهم على لسان واحد منهم أن هذا ممكن الا أنه يجب اختيار يوم عاشوراء لضرب مجموعة من الخونة، لانه في هذا تكثر الطلقات النارية للعب الأطفال وسيكون من العسير جدا العثور على الفدائيين حتى يألف الناس هذا النوع من الكفاح.
دائما بالتنسيق مع الحزب
وبعد هذه الفترة ظن الاستعمار أن كل شيء هادئ بالمغرب، ونشرت الصحف بعناوين بارزة أن كل (الارهابيين) في قبضة الشرطة الفرنسية وأنه يجرى استنطاق هؤلاء. في هذه الفترة قررت حركة المقاومة المغربية توجيه ضربة من نوع جديد وهي تخريب القطار السريع الدار البيضاء الجزائر على أن تكون الضربة في محطة الرباط وبالدرجتين الأولى والثانية
وبعد الحادث مباشرة تقرر أن أعود مرة أخرى الى الشمال لتنسيق الأعمال مع الأخوين أحمد زياد وعبد الكبير الفاسي وكانت عودتي هذه المرة بنفس الطريقة التي تم إعدادها من طرف الأخ أجيط محمد وكان الأخير يلعب دورا اساسيا في تهريب الإخوان الذين يودون الالتحاق بإخوانهم في الشمال..
وفي تطوان تقرر وجوب تزويد المقاومة بالسلاح على جناح السرعة، فكان الأخ أحمد زياد يتدبر أمر جمع السلاح كنت بدوري مكلفا بإرساله الى الأخ محمد الزرقطوني، وفي أول الزمر استعملنا سيارة ستيام بواسطة الاخ مطرب عبد النبي العرائشي الذي كان يعمل بهذه الشركة.
سيارة أجرة طنجة البيضاء
وفي هذه الاثناء اقترح علي الأخ محمد بن عبد القادر الشتوكي أن أحسن طريقة لنقل السلاح الى اخواننا بالدار البيضاء هو أن نكتري طاكسي من مدينة طنجة لمدة 24 ساعة كلما دعا الأمر، وبما أن الأخ الشتوكي كان من سكان طنجة وعلى علاقة وثيقة بارباب الطاكسيات فلم يجد أن صعوبة في كراء طاكسي بدون سائق مرتين في كل أسبوع ، وكان يشحن أما في طنجة او في تطوان بالمسدسات او قنابل يدوية في أماكن خاصة كانت تعد بمهارة حتى لاتكتشفها اعين حراس الجمرك أو شرطة المرور في مختلف نقط المراقبة
وكانت السارة تأخذ طريقها الى محطة القاع بطنجة لتأخذ بعض المسافرين المتوجيهن الى البيضاء وكنا نتوخى بالأولوية النصارى أو اليهود، وكنا نتحاشى المغاربة حتى لايشتبه في أمرهم،
أما المسافرون اليهود أو الأجانب الذين كنا نأخذهم من محطات المسافرين كانوا يساعدوننا دون وعي منهم في اجتياز الحدود بسلام ولاتتعرض السيارة الى تفتيش دقيق أوالوقوف بها. في مختلف نقط المراقبة .
وكان من المتفق عليه أن السيارة تقف فور وصولها أمام فندق شامبورد في ابن جدية حيث كان يعمل الاخ ناجي عمر الشيظمي ثم يذهب هذا الأخير الى دار المرحوم السيد البشير شجاعتين ليتصل به أو بزوجته السيد أمينة عزيز اللذين كانا على علم دائما بالمكان الذي قد يوجد به المرحوم الزرقطوني.
وبمجرد الاتصال بالأخ المرحوم الزرقطوني يتوجه في الحين الى فندق شامبورد بسيارته صحبة بعض الاخوان ويتبعهما السيد الحاج الشتوكي الى مكان معين للافراغ ثم يباشر السيد الشتوكي عملية الافراغ.
وكان لايحضرها الا المرحوم الشهيد الزرقطوني ويبقى رفقاؤه بعيدا عن مكان الافراغ. وكانت هذه العملية تباشر بصفة منتظمة مرتين في الأسبوع، الى أن اشترينا سيارة اولد سموبيل التي كان يقودها الأخ محمد بن عبد القادر الشتوكي، وفي طنجة انضم الى حركة المقاومة المغربية على يد الأخ الشتوكي كل من السيد عبد السلام الطويل
والسيد مصطفى بولوفة والسيد أحمد الدغمومي وقد قام هؤلاء الاخوان بالتناوب على نقل السلاح والمناشير من طنجة الى الدار البيضاء باستثناء السيد عبد السلام الطويل.
استنطاق
في احدى السفريات بين طنجة والدار البيضاء بسيارة شيفرولي رقم 9595 الذي كان يقودها هذه المرة الأخ أحمد الدغمومي مرفوقا بالاخ مصطفى الهادي بولوفة، تم اعتقالهما في الطريق داخل منطقة ما كان يسمى بالحماية الفرنسية.
وسيق الاخوان مع سيارتهما الى إدارة الشرطة بالرباط وتم استنطاقهما عن سبب كثرة الاسفار، فأما السيد احمد الدغمومي فقال إنه يقوم بهذه الرحلات لنقل المسافرين بين المنطقتين . أما الاخ مصطفي بولوفة فقال إنه يتعاطى للتجارة في طنجة ويتردد على البيضاء لنفس الغاية. وبعدما قضيا ليلتهما في ضيافة الشرطة أطلق سراحهما في الصباح.
ولما سلمت لهما السيارة وكانت داخل مرأب الشرطة وجداها في حالة يرثى لها حيث عبثت الشرطة بكراسيها وتبطين أبوابها، حتى ظنا أن الشرطة عثرت على محتوياتها من المسدسات والقنابل اليدوية. ولم يتم اطلاق سراحهما الا لتتبع خطواتهما، وهكذا لم يفرغا شحناتهما في البيضاء كالمعتاد بل عادا الى طنجة حيث كنت في انتظارهما على أحر من الجمر في بيت الأخ مصطفى الهادي بولوفة.
رغبات المستمعين
ومن الجدير بالذكر أن اشير هنا الى أن طريقة للاتصال كنا نستعملها بواسطة اذاعة طنجة بصفة منتظمة ولم يكن أي مذيع أو موظف يعلم كيفية هذا الاتصال وتتلخص الطريقة: أولا تم وضع قائمة لاشهر الاغاني التي كانت تذاع بصفة دائمة وكانت كل اغنية معناها كذا مسدسات مفرقعا مناشير سم مال رجال.
وكانت المنظمة تتسلم قائمة الأغاني التي كانت ستذاع خلال أسبوع و أسبوعين ثم يقع اختيار أنسبها وتهدى من فلان بطنجة الى فلان بالبيضاء الاسماء متفق عليها مسبقا وكان الأخ الزرقطوني قد كلف الاخت أمينة عزيز بالتقاط برنامج أغاني الرغبات بصفة دائمة ثم تسلمه اليه ليحل رموزها، وهذه العملية استمرت الى نهاية شهر أبريل سنة 1954، ولست أعلم هل هذه الطريقة في الاتصال استعملها الاخوان فيما بعد أم لا؟ ذلك لان سر العملية كان بيني وبين المرحوم الزرقطوني ،
وفي إطار توسيع شبكة المقاومة واختيار العناصر الوطنية القادرة على المساهمة في دفع المقاومة الى الأمام وقع الاتصال بمجموعة من الاخوان القارين بمدينة طنجة، وكان على رأسهم السادة عبد الرحمن اليوسفي والدكتور عبد اللطيف بن جلون والغالي العراقي المرحوم حسن قصارة.
لجنة التنسيق
وقد كان الأخ أحمد زياد هو الذي ربط لي الاتصال مع هؤلاء الاخوة الذين لعبوا دورا اساسيا في تعزيز المقاومة وتوسيع نشاطها، وكانت مهمة هؤلاء الاخوان في تلك الفترة اي منذ انطلاق اول رصاصة ضد مفتش الشرطة المدعو العربي المسكيني على يد الأخ الحسين سرحان إلى نهاية شهر أبريل 1954. أقول كانت مهمتهم في هذه الفترة هي جمع الاسلحة ونشاطات أخرى. أما الأسلحة فكانت تدفع لي وكان كل من هؤلاء الاخوان له طريقة خاصة في الاتصال بي وتسليمي مابيده من سلاح. فمثلا الأخ اليوسفي كان يختار مكتبه بالسوق البراني بطنجة على أن أدخل من باب العمارة وأخرج من الباب الخلفي للعمارة وأحيانا كنت أجد بذلك المكتب السيد محمد العربي الفحصي الذي كان يدلني على طرد موجود تحت الكرسي بمكتب الأخ اليوسفي.
أما الأخ الدكتور عبد اللطيف فكانت له طريقة وهو أن الاتصال يجري بمدخل احدى قاعات السينما (عادة كان يأتي مصحوبا بزوجته) في الوقت الذي يكون الجمهور يستعد للدخول الى القاعة. في هذه الفترة كان الأخ الدكتور يسلم لي الطرد في غلاف أنيق. أما طريقة الأخ الغالي العراقي فكانت بدورها فريدة، إذ كان يربط لي موعدا في إحدى قاعات الشاي الانيقة كاني يغشاها الأوربيون حينئذ وهي تقع قرب مقهى باريس. وكان الأخ الغالي يدخل القاعة قبلي ويضع الطرد فوق المائدة بصفة عادية وبعدما نتناول المرطبات والحلويات يقوم الأخ الغالي وحده ويتركني ليتجه كل منا في طريقه.
واستمر العمل على هذا المنوال، فالإخوان في الشمال يقومون بالاتصالات مع الخارج وجمع الأمال والعتاد لمتطلبات الكفاح في المغرب المحتل الى أن اتصل بي الأخ محمد الزرقطوني وأبلغني أن المقاومين في حاجة الى سلاح جديد وخصوصا المسدسات الصامتة والرشاشات. فأبلغت بدوري الى الأخ أحمد زياد حاجيات المقاومة فاتصل سيادته على الفور بالسيد عبد الكبير الفاسي فقدم هذا الأخير من مدريد صحبة السيد أحمد بن مبارك البعمراني وهو من العمال النشيطين بفرنسا، وكان على اتصال وثيق بجميع اخواننا الطلبة هناك. ووقع التعارف بيننا في بيت الأخ أحمد زياد ووقع الاتفاق على أن يعود هو لفرنسا وان التحق به لتدبير أمر السلاح الذي نحن محتاجين إليه.
خوان فرنانديث لا يصوم
وقع هذا الاتصال في أوائل شهر ماي سنة 1954 وخلال هذا الشهر وقع هذا الاتصال في أوائل شهر ماي سنة 1954 وخلال هذا الشهر اتصل السيد عبد الكبير الفاسي من أجل تهييء جواز خاص للسفر للديار الفرنسية، وكنت أعلم أن الشرطة الفرنسية تبحث عني في كل مكان وبمختلف الأسماء التي كنت أتسمى بها نظرا لاعترافات الاخوان الذين كانوا يقعون في قبضة الاستعمار سواء في البيضاء أو الرباط أو مراكش لذا تقرر أن يعطى لي اسم جديد وهو: (خوان فرننديث سيبيا) أي اسباني الجنسية بحرفة تاجر. وسلم لي هذا الجواز في الأسبوع الثاني من شهر ماي، ابلغت الأخ محمد بن عبد القادر الشتوكي بالإعداد للسفر في سيارة اولد سموبيل. وقد اخترته لهذه المهمة لمهارته في القيادة وشجاعته المثلى في اقتحام المخاطر، وفي ليلة 20 ماي 1954 تناولنا طعام العشاء بمنزل الاخ أحمد زياد وكان حاضرا في هذا العشاء كل من عبد الكبير الفاسي ومحمد الشتوكي واحمد زياد، وقال لي عبد الكبير الفاسي هل في نيتي ان أصوم وأنا في طريقي الى مدريد. فأجبته بالايجاب، فلاحظ الاخوان زياد وعبد الكبير بوجوب الافطار أولا لكوني مسافرا وثانيا للدلالة على شخصيتي الجديدة الحاملة لاسم مسيحي. وهكذا
وعدت الاخوين بالافطار في رمضان، وافترقنا في تلك الليلة على أن يسافر الحاج محمد الشتوكي وحده في السيارة ويلتحق بي في دار السيد عبد الكبير الفاسي بمدريد، وفي الصباح الباكر التقيت بالاخ عبد الكبير الفاسي بمطار سانية الرمل وكنت والحقيقة صائما فخاطبني باللغة الاسبانية وقد تعلمها بسرعة في مدة إقامته بمدريد كما تعلم اللغة الروسية عندما كان سفيرا للمغرب بموسكو
أقول خاطبني بالاسبانية هل تناولت فطوري ولم ينتظر جوابي فأخذني الى طاولة المقهى وطلب باللغة الاسبانية فطورا للاثنين، وهكذا تناولنا فطورنا في مقهى المطار وتمت الاجراءات بالديوانة، وعندما تمت إجراءات الشرطة صعدنا الطائرة. ولازلت أتذكر حديث الأخ عبد الكبير معي ونحن بالطائرة وأنه من جملة ما قال لي: إذا قدر وسقطت طائرتنا فسوف نكون نحن الاثنين مجهولين خصوصا ونحن الاثنين نحمل اسماء مستعارة، بل أكثر من هذا فإننا نحمل اسماء مسيحية.
ووصلنا الى مدريد فالتحق الاخ محمد الشتوكي وقضينا ليلة هناك وفي الصباح وانا أودع الاخ السيد عبد الكبير الفاسي وزوجته المحترمة السيدة هنية خاطبتني السيدة هل معي معطف، لأن الطقس في فرنسا بارد، فأجبتها لم أفكر في هذا. فأعطتني معطف أخيها السيد المامون. وأخذنا طريقنا الى باريس عن طريق برشلونة، واجتزنا الحدود ولم نلاحظ أي شيء بل مر كل شيء على أحسن ما يرام. وواصلنا السير داخل التراب الفرنسي الى أن أخذ منا العياء وغالبنا النوم، فقضينا ليلة بإحدى القرى الفرنسية، وفي الصباح الباكر واصلنا سيرنا الى مدينة ليون حيث كان مقيما احد اصدقاء السيد الشتوكي، فأقمنا ليلة في ضيافته، وفي الصباح واصلنا سيرنا الى مدينة باريس وكنت أتوفر على بعض العناوين وارقام للهاتف لبعض الاخوان كان من المقرر الاتصال بهم، فاتصلت أولا بالمرحوم فاضل بناني فذهب معنا الى فندق بالحي اللاتيني واعطانا موعدا بعدما نأخذ قسطا من الراحة. وفي الصباح وصل الأخ أحمد بن مبارك البعمراني العنصر النشيط في أوساط العمال والطلبة في كل من فرنسا وبلجيكا.
أهمية تصفية العملاء في نظر المنظمة:
أقول اتصل بنا ونحن في الفندق، ولما كان هذا الاخ هو المكلف لينسق لنا جميع الاتصالات ويسير لنا جميع الحاجيات، توجه معنا الى مقر الطلبة واتصلنا بالاخوين المرحوم احمد الطيب بن هيمة والمرحوم فاضل بناني وأجريا الاتصال معي بدون حضور مرافقي.
وألقيا علي عدة اسئلة تخص نشاط المقاومين. ومن الملاحظات التي سمعتها ان بعض الاعمال لم تكن في المستوى لدى الرأي العام الأوربي كاغتيال امين الكرابة او بائع للخضر مثلا، لذا وجب الصعود الى مستوى الضربات التي توجه للاستعمار وأذنابه، غير أنه لم يفتني ان ألفت نظر الاخوين الى أننا في المغرب نرى أنه بدون ازاحة هؤلاء من طريق لايمكن للمقاومة أن تضرب ضربتها للاقطاب الكبار إذ ان عيون الاستعمار هم هؤلاء، وعلى سبيل المثال، فأمين الكرابة كان يستعمل شبكة من المخبرين يتتبعون جميع الوطنيين، ويزودونه بتقارير يومية عن نشاطهم، والعربي المسكيني الذي دشنت به المقاومة في إطلاق أول رصاصة ضد الخونة، المسكيني هذا كان مفتشا للشرطة ومن أنشط العناصر التي كانت تعتمد عليها الاستخبارات الفرنسية، وهكذا كان لابد من ازاحة مثل هؤلاء العملاء لتتفرغ المقاومة للرؤوس الكبيرة.
الحاجة الى المسدسات الصامتة
.. وفي ختام حديثي مع الأخوين أبلغتهما رغبة الاخوان في المسدسات الصامتة والرشاشات ثم ودعتهما لانني كنت على موعد مع الاخ الحاج الهادي الديوري، وهكذا قضينا خمسة أيام في باريس وكان يرافقنا الاخ احمد بن مبارك البعمراني في جميع الاتصالات طيلة مدة اقامتنا، وفي يوم 2 يونيو 1954، وهو اليوم الثاني أو الثالث من عيد الفطر المبارك دفعنا حساب الفندق وبقي لي موعدان مع الاخ البعمراني الأول من أجل استلام دفعة من السلاح كان مهيأ والموعد الثاني كان من أجل استلام دفعة من المال جمعها الاخوان هناك في فرنسا وبلجيكا. وبينما نحن نخترق شوارع باريس لاحظت ان سيارات الشرطة الفرنسية تتبعنا فطلبت من الاخ الشتوكي ان يراقب السيارات ويقوم ببعض الانعراجات للتحقق من أمرها، فلاحظ ان السيارات تتبعنا بالفعل فأمرته بمواصلة السير وأن لايقف في الاماكن التي كان من المقرر الوقوف بها لأنه كان من المتفق عليه مع اخواننا في فرنسا ان نقف في مكانين معينين لكي نستلم السلاح والمال عند مغادرتنا لباريز، وهكذا اجتزت المكانين المقررين. وبعد اجتيازي لهذين المكانين وجهت سؤالا للأخ الشتوكي هل الخزان مملوء بالوقود فاخبرني بالنفي عندئذ أمرته أن
يوقف السيارة قرب أي محطة (للميطرو) وضربت له موعدا بإحدى المقاهي في وسط باريس،،
في قبضة الشرطة الفرنسية بباريس
ونزلت بسرعة في اتجاه (الميطرو)، وفي هذه اللحظة وجدت نفسي مطوقا بمجموعة من الشرطة الفرنسية شاهرين سلاحهم فرفعت يدي وفتشت بسرعة وسط الشارع وتجمهر رواد المقاهي والمارة حولنا. إلا ان الشرطة كانت سريعة في عملها، إذ ألقت بي داخل احدى السيارات طركسيون وتوجهوا بي الى إدارة الأمن الوطني بباريس وفور وصولنا شرعت مجموعة من الشرطة في توجيه اسئلة مترادفة إلا أنني تمسكت بأني لا أعرف الفرنسية ولا العربية وادعيت أنني اسباني الجنسية. وكان قد تولى استفساري بالعربية شرطي يظهر انه من أصل عربي لبناني، وأمام الانكار خرجت مجموعة من الشرطة من القاعة وبقي واحد يحرسني وبعد قرابة نصف ساعة عادت المجموعة وبيدهم ورقة وتولى واحد منهم يتلو علي محتواها وكانت تحتوي على معلومات دقيقة عن نشاطي في كل من البيضاء ومراكش، وفاس، وتطوان وطنجة مع الأسماء المستعارة التي كنت أحملها، وكنت أعلم سابقا أن كثيرا من الاخوان ادلوا باعترافات تدل على أنني كنت في نظرهم بعيدا عن منطقة الخطر. وما أن انتهى من تلاوة ما تضمنته الورقة حتى تيقنت أن كل شيء قد انتهى بالنسبة لي واعترفت للمجموعة باسمي الحقيقي فشرعوا في الاستنطاق على ضوء المعلومات
التي كانت تحت يدهم. وللحقيقة والتاريخ فإن الشرطة بباريس لم تمسني بسوء لم يكن هناك أي اكراه للاعتراف تحت الضغط وتمت الاستنطاقات في ظرف 24 ساعة . ثم أدخلت السجن المركزي بباريس وقضيت هناك 8 ايام تلقيت فيها معاملة عادية.
وفي يوم 11 يونيو سنة 1954 جاءني حارس يأمرني بمغادرة الزنزانة لان شرطيين فرنسيين قدما من المغرب في انتظاري بمكتب المدير، وعندما تمت عملية التسليم بمكتب المدير أمرت بالخروج والجلوس بباب المكتب ، ولأول مرة شاهدت الاخ أحمد بن مبارك البعمراني جالسا هو كذلك بباب مكتب المدير ولم أكن حتى تلك الساعة أعلم شيئا عن اعتقاله ، وبعد برهة خرج الشرطيان الفرنسيان ووضع القيد في يدينا وحملنا الى سيارة كانت تقف بباب السجن، وسارت بنا السيارة الى مطار أرلي،،
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.