بوريطة يمثل الملك محمد السادس بغانا    هبوط اضطراري لطائرة في مطار روما .. ومحاولة فرار جماعي لمغاربة!    برمجة 15 رحلة جوية مباشرة إلى مطار الحسيمة من هذه المطارات الأوروبية    عاصفة شمسية قوية تنير السماء بأضواء قطبية في عدة دول    بمشاركة المغرب.. انعقاد المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي    عاجل.. تشكيلة الزمالك المصري لمواجهة نهضة بركان في نهائي الكونفدرالية    باريس سان جيرمان يودع مبابي أمام تولوز بالدوري الفرنسي الليلة    بونو: هدفنا إنهاء الموسم بدون خسارة وتحقيق كأس الملك    جيتكس إفريقيا المغرب 2024.. وكالة التنمية الرقمية في خدمة النهوض بالابتكار والتكنولوجيا الجديدة    وفاة 5 تلاميذ غرقا بأحد شواطئ الجزائر    التنس: المغرب يتوج بطلا لإفريقيا لأقل من 14 سنة ذكورا وإناثا ويتأهل لبطولة العالم    أردوغان: نتنياهو بلغ مستوى يثير غيرة هتلر    حل مجلس الأمة الكويتي: إنقاذ للبلاد أم ارتداد عن التجربة الديمقراطية؟    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    افتتاح فعاليات الدورة الثالثة للمعرض الدولي للأركان بأكادير    معرض الكتاب.. لقاء يحتفي بمسار الأديب أحمد المديني    أسعار الطماطم تقفز بأسواق المغرب .. ومهنيون: تراجع الإنتاج وراء الغلاء    "أسبوع القفطان".. فسيفساء من الألوان والتصاميم تحتفي بعبق الزي المغربي    "كوكب الشرق" أم كلثوم تغني في مهرجان "موازين" بالرباط    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    ارتفاع حصيلة القتلى في غزة إلى 35034 منذ اندلاع الحرب    زلزال بقوة 6.4 درجات يضرب سواحل المكسيك    الدرهم يرتفع بنسبة 0,44 في المائة مقابل الأورو    اليوتوبر إلياس المالكي يمثل أمام النيابة العامة    الإمارات تستنكر دعوة نتنياهو لها للمشاركة في إدارة غزة    تجرى على مستوى بنجرير وأكادير وطانطان وأقا وتفنيت تنظيم الدورة ال 20 من تمرين «الأسد الإفريقي» ما بين 20 و31 ماي    طانطان.. البحرية الملكية تقدم المساعدة ل59 مرشحا للهجرة غير النظامية    عرض "قفطان 2024" في نسخته الرابعة و العشرين بمراكش    المغرب الفاسي يبلغ نصف النهائي بفوزه على المغرب التطواني    هدفان لإبراهيم دياز والنصيري في الجولة 35 من الليغا    الحسيمة تحتضن مؤتمر دولي حول الذكاء الاصطناعي    الفيلم السينمائي "ايقاعات تامزغا " لطارق الادريسي في القاعات السينمائية    الصويرة : دورة تكوينية لفائدة أعوان التنمية بمؤسسة إنماء    ورشة حول التربية على حقوق الانسان والمواطنة    "الأسرة وأزمة القيم" بين حقوق الإنسان الكونية والمرجعية الدينية    مذكرة توقيف تلاحق مقدم برامج في تونس    المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.. تقديم نتائج مشروع دراسة مكتب العمل الدولي المتعلقة بالتقييم الاكتواري لمنظومة التعويض عن فقدان الشغل بالمغرب    بعد إلغاء حفل توقيع رواياته.. المسلم يعد جمهوره بجولة في المدن المغربية    الصين تطور أول نظام للهيدروجين السائل المركب بالسيارات من فئة 100 كيلوغرام    الهلالي يشارك في الاجتماع الاستثنائي للمجلس العالمي للتايكوندو بكوريا الجنوبية..    مطالب بوقف "التطبيع الأكاديمي" بين المغرب وإسرائيل    عائلات المغاربة المحتجزين بتايلاند تنتقد صمت الحكومة    بعد استغلالها لمصالحه الشخصية.. الوزاني يسحب سيارة الجماعة من مستشار بالاغلبية.. ومضيان يثمن القرار    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    مطالب نقابية بإقرار منحة لعيد الأضحى    سيطرة مغربية في "الترياثلون الإيكولوجي"    ماذا يقع بالمعرض الدولي للكتاب؟.. منع المئات من الدخول!    عائلات "المغاربة المحتجزين بتايلاند" تنتقد صمت أخنوش وبوريطة    النخبة السياسية الصحراوية المغربية عنوان أطروحة جامعية بالقاضي عياض    انعقاد الدورة ال12 لمهرجان الدولي "ماطا" للفروسية من 17 إلى 19 ماي    الأمثال العامية بتطوان... (596)    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    المغرب يسجل 26 إصابة جديدة ب"كورونا"    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد أركون اختار الثرى الذي يريح روحه
نشر في العلم يوم 25 - 09 - 2010

منذ ما يربو على أسبوع رحل المفكر المغاربي محمد أركون الذي ظل طول حياته يحمل هم هذا البعد ولا يترك مناسبة دون أن ينادي بإلغاء الحواجز الثقافية والفكرية والإنسانية بين هذه البلدان ويدعو أيضا إلى تطوير المعرفة من أجل تطوير الانسان مؤكدا أن هذا هو الاتجاه الصحيح الذي يمكن أن يحرر الإنسان المغاربي بصفة خاصة والإنسان العربي بشكل عام.
وظل أركون يدعو إلى تأصيل الفكر العقلاني البعيد عن العاطفة والخطابية التي لا تساهم في التقدم والالتحاق بالركب الحضاري بقدر ما تساهم في التسطيح والفهم العقيم للتراث.
قبل وفاته أوصى محمد اركون ان يوارى جثمانه في المغرب وإذا كان هذا الاختيار مدعاة لفخر المغرب والمغاربة حيث ووري جثمانه قريبا من القبر الذي يضم جثمان الراحل محمد عابد الجابري الذي شاركه نفس الهم الفكري، فإن لهذا الاختيار دلالته الانسانية البعيدة عن كل استعمال اديولوجي، لقد أراد اراكون أن يقول إنه ملك لكل المغاربيين.
وهو قد اختار الثرى الذي يريح روحه فليهنأ بهذا الثرى ولينم قرير العين.
وننشر في هذا الخاص آراء عدد من أساتذة كلية آداب الرباط
الأستاذ محمد المصباحي
التفكير من داخل ثقافة من أجل ثقافة أخرى
افتقدت الأسرة العلمية بعامة وأسرة البحث في التراث والإسلاميات باحثا مرموقا، محمد أركون، ما وقع هذا الفقدان عليكم وعلى عالم البحث العلمي؟
كانت صدمة كبيرة لي عند سماع نبأ وفاة المفكر الجزائري الكبير محمد أركون. كان الفقيد يجسد بالنسبة لي قولة للفيلسوف الأندلسي ابن باجة التي يصف فيها «الغرباء في آرائهم، الذين سافروا بأفكارهم إلى مراتب أُخَر هي لهم كالأوطان». فقد عاش الفقيد غريبا بين أهله، لا لشيء إلا لكونه كان صادقا فيما يؤمن به بضرورة الصرامة المنهجية غير المتسامحة مع المقاربات والقراءات التقليدية المشوِّهة للتراث العربي الإسلامي. لم يعترف به أهله لكونه صدح بالحق ودعا الباحثين من المسلمين أن يعملوا ويثابروا على تقديم نظرة حداثية لحضارتهم ودينهم، رؤية تحتل فيه العقلانية والحرية واحترام كرامة الإنسان وحقه في التقدم مرتبة الصدارة، من أجل رفع التحدي في هذا الزمن الصعب الذي لا يرحم الضعفاء المعوِّلين على التقليد لا على التجديد والإبداع. ولم يحصر مهمته، رحمه الله، في إعادة قراءة التراث بكيفية جديدة وجذرية بفضل مناهج ومفاهيم ورؤى جديدة كان سخيا بإعلان كل خلفياتها، بل توجه بخطابه أيضا إلى إصلاح واقع الإنسان العربي المسلم في العالم المعاصر.
ولم يكن الممكن أن يؤسس قراءة جديدة للتراث ولإصلاح جديد للواقع الثقافي والسياسي الحديث دون أن يمارس انتقاده الحاد والعنيف أحيانا للمناهج التقليدية العاجزة عن الكشف عن مكامن التوهج العقلاني في الإسلام. في مقابل ذلك، لم يتردد محمد أركون أمام النظر إلى التراث عبر مرجعية حداثية، هذه المرجعية التي سمحت له بتجديد الأسئلة، وبخاصة الأسئلة التي تتناول المسكوت عنه أو الممنوع التفكير فيه، مما أثار عليه غضب أهل الجمود الذين يقدِّسون الجهل ويحتمون به. ولم تدفعه هذه الملاحقة إلى التخاذل أمامها أو المهادنة مع أو التنازل عن مواقفه العلمية ومشاريعه الإصلاحية، بل إنه فضّل أن يعيش متوحدا حرا من أجل نشر أخلاق البحث العلمي الرصين التي هي السبيل الوحيد للتقدم.
س: هل نفهم من هذا أن محمد أركون ظل في نهاية الأمر سجين الثقافة الغربية؟
لا أعتقد ذلك، فهو لم يكن لا سجين التراث ولا سجين الثقافة الغربية، وإنما كان يطمح إلى إخراج البحث في الإسلاميات من التقليد والجمود تمهيدا لخلق وعي إسلامي جديد قادر على التنافس والحوار، لا مع الحداثة فقط، بل وأيضا مع الديانات التي أنجزت مهمة الإصلاح منذ مدة طويلة. من هنا يمكن اعتبار المفكر محمد أركون أنه كان بالأحرى يعيش في برزخ بين ثقافتين، الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الغربية، أو قل إنه كان يعلن انتماءه للحداثة من أجل الإسلام، أي من أجل تحديثه عبر إخضاع البحث فيه لآخر المناهج والمفاهيم والتصورات الحديثة التي تنتمي إلى علوم اللسانيات والفيلولوجيا والأنتروبولوجيا وتاريخ الأفكار والفلسفة. إنه كان يفكر بثقافة من أجل ثقافة أخرى هي ثقافته الأصلية، لأن التفكير في الثقافة التراثية من داخل التراث لن يعمل سوى على استمرار التقليد والتقاعس على التنافس مع الثقافات والديانات الأخرى. من هنا جاءت جرأته في طرح الأسئلة الجذرية، كسؤال الحق في الدين، وسؤال صراع الحق بين الأديان، والحق في إنشاء علم كلام جديد لا يقل جرأة عن علم الكلام القديم. لقد قادته دراساته الأولى حول الإنسية في الحضارة العربية الإسلامية إلى اكتشاف رجال كبار من أمثل أبي حيان التوحيدي. فعشق هذا الرجل العقلاني والقلِق والحر، وتمنّى لو عادت تلك الأيام العظيمة التي لم يكن فيها النقاش حول مسائل خلق القرآن وحرية الإنسان وحدود الحرية الإلهية ممنوعا التفكير فيه. إنه يتذكر بأسى الخليفة القادر الذي كان أول من أصدر قرار منع الكلام في مثل هذه القضايا الكلامية، فأغلق الأبواب والنوافذ ولم تعد رياح التقدم والتجديد تهب على الفكر الإسلامي منذ ذلك الحين. كان هذا هو جوابه عن سؤال لماذا تأخر المسلمون وتأخر غيرهم.
ما أُكْبِره في الفقيد هو أنه بمقدار ما تزداد العداوات التي انهالت عليه من كل جانب بسبب أفكاره وتحليلاته الجريئة، وبمقدار ما تستفحل الردة الأصولية التي اجتاحت العالم كله، بمقدار ما تتعزز إرادته وحدة نبرته في الدعوة إلى تجديد الدراسات الإسلامية. لقد بقي صامدا لا يخاف من قول الحق، ولا يتوقف عن التبشير ببذرته الجديدة التي زرعها في حقل المعرفة الإسلامية، بذرة الإسلامولوجية التطبيقية، ولا يبخل باقتراح المناهج والرؤى التي تمكن الباحثين من دراسة الإسلام دراسة علمية ومقنعة وقابلة للتواصل مع كل الناس. وهذا ما يجعلنا نتوقع أن يكون لرؤيته المنهجية مستقبلا بين حفدة أبي حيان التوحيدي.
هل يمكن لنا أن نعرف نقاط الالتقاء والافتراق بين منهجي الجابري وأركون؟
الفقيدان، محمد الجابري ومحمد أركون، مفكران مركزيان في الفكر العربي المعاصر يلتقيان في مقاصدهما وفي مناهجهما وربما في رؤياهما. فهما معا يحملان نفس الهمّ، نفس الالتزام الأخلاقي والتاريخي الصادق بالبحث عن مخرج للأزمة المستفحلة التي يتخبط فيها العالم العربي والإسلامي. وهما معا يلتمسان النقد، نقد العقل العربي أو الإسلامي، للخروج من المآزق اليومية التي يضعنا فيها التفاسير المتحجرة والمشوِّهة للتراث والإسلام؛ وهما معا يقترحان قراءة جديدة للتراث العربي الإسلامي ويقدمان منهجا جديدا منفتحا على آخر الفتوحات العلمية والمنهجية الحديثة ويدعوان إلى القطع مع المناهج التقليدية التي لم تعد نافعة. معا كانا يدعوان إلى إسلام سمح ومتسامح وحداثي يستطيع أن يرفع راية التحدي والمنافسة والإسهام في تطوير الحداثة. باختصار كلاهما حداثيان متنوران معتزّان بانتمائهما للإسلام ولحضارته وعملا على تقديم هذه الحضارة بطريقة جديدة تجعلها صنوة الحضارة الحديثة.
غير أنهما كذلك يختلفان في أكثر من نقطة. فقد كانت نقطة انطلاق الجابري هي أننا لا يمكن أن نركب قطار الحداثة ما لم نعلن انتماءنا للتراث، أي إلا إذا اندرجنا في التراث، وأحدثنا ثورة فيه وتحررنا من استرقاقه لنا موازاة لتحررنا من استرقاق الحداثة. أما أركون فقد كان أكثر حداثة من الجابري، لأن نقطة انطلاقه هي وجوب الانتماء للحداثة، أي للاندراج فيها لكي نكون قادرين على قراءة التراث قراءة جديدة. ولذلك لم يجد محمد أركون حرجا في تبني المناهج التي كان يرفضها الجابري كالمنهج الفيليولوجي الذي كان يمارسه الإستشراق، بل على العكس من ذلك، كان يدعو المقبلين على البحث العلمي في الإسلاميات إلى ضرورة الاستفادة من كل المناهج الحداثية سواء كانت متصلة بتحليل النصوص أو الرموز والعلامات أو الوقائع الاجتماعية والأنتروبولوجية والثقافية والسياسية. وبينما كان الجابري يسعى إلى فصل العقل العربي عن كل ما هو معرفي وربطه بما هو إيديولوجي بحثا عن معنى وأصالة إنتاجه، يذهب أركون مثلا إلى أن آفة أن اللغة العربية الحديثة هي في كونها انفصلت عن معجمها الفكري النقدي الفلسفي، أي انفصلت عن جانبها المعرفي فاستغرقها الخطاب والموقف الإيديولوجي. وإذا كان الجابري قد فضّل أن يطالب بالقطيعة مع أنواع من الفكر، كفكر ابن سينا وفكر الغزالي (الأشعرية) الرافض للسببية الطبيعية والضرورة العقلية، وفكر العرفان الصوفي، فإن أركون كان أرحب صدرا، حيث يتبنى كل المفكرين المسلمين مهما كانت مواقفهم المعرفية والإيديولوجية.
الأستاذ محمد مفتاح
فكر أركون اتسم بالصدق والالتزام بالاختيار المنهجي
تعرفت على المرحوم الاستاذ محمد أركون في بداية سنوات السبعين حينما التحقت بكلية الآداب بالرباط بصفتي أستاذا مساعدا، وقد اجتمعت ثلة من الأساتذة وأكرمت الأستاذ أركون وتبادلت معه الحديث في الشؤون الثقافية بصفة أخص، وقد جعلتني هذه الجلسة ألمح في الأستاذ محمد أركون خصال الجدية والتحديد والاستقامة والصرامة في آن واحد.
وقد تبين من خلال هذه الجلسة أنه يتسم بالتواضع، فلم يستأثر بالكلمة، وكان يصغي بكل جوارحه إلى كل من يتحدث سواء كان أستاذا كبيرا أو كان في بداية الطريق. وتلك هي خصال الأساتذة الكبار الذين خبروا المعارف المتنوعة وجالسوا المفكرين الكبار.
وتبعنا لهذه الجلسة اقترحت عليه أن يشرف على أطروحة الدولة، وقد تركت له الخيار ليقترح على موضوعا جديراً بالبحث والتشخيص ، فكان أن أشار علي بموضوع التصوف في الغرب الاسلامي في حقبة معينة، نظرا لما قام به التصوف من أدوار في المجتمع المغربي عبر مختلف العصور، ثم ان التصوف في إطار سياق ثقافي إيديولوجي معين تعرض لبعض التهميش، بل والقدح في أصحابه بدون تمحيص وبدون تدقيق في أنواع التصوف.
لهذا اتفقنا على موضوع التيار الصوفي في الغرب الاسلامي وخصوصا المغرب والأندلس أثناء القرن 8 ه و14 الميلادي وبناء على هذا التوجه، اتفقنا على مقاربة وظيفية لهذه الظاهرة الانسانية الثقافية، بمعنى رصد أدوار التصوف في مجتمع فيه قبائل مترحلة وأخرى مستقرة، وفيه تنوع بشري، وفيه بعض المراكز الحضرية، مع التمييز بين المغرب والأندلس.
ومن خلال هذه المقاربة أبرزت تلك الأدوار المتعددة للتصوف من جهة، ودحض أداء بعض الكتاب من الغربيين حينئذ لأنها حاولت أن تخص التصوف بعرق معين، وقد يكون هؤلاء الكتاب مشروطين بعوامل متعددة منها ما يرجع إلى المنهجيات التي كانت متبعة وهي بصفة خاصة منهجية تتأسس على القسمة الكبرى: بادية مدينة ، عرب - بربر - سهل - جبل.
ثم كانت متأثرة بالمنهجية الدوروكهايمية الدوركهايمية التي تجعل ظاهرة اجتماعية، لكنها تناست التأثر المشرقي الذي كان له دوره في شيوع هذه الظاهرة.
ويظهر من هذه المقاربة انها اختزالية تغفل عامل المثاقفة ومعنى هذا أن الأستاذ أركون رحمه الله كان يريد أن يمحص الأطروحات التي قدمتها الاستوغرافية الكولونيالية، لتبيان ما هو جدير بالأخذ وترك ما ليس كذلك، لأنه نتيجة مناخ اديولوجي وثقافي معين.
وفي كل هذه الخطوات كان يمارس التقاليد الجامعية التي عاناها مع أساتذته الذين أشرفوا عليه وهي الصرامة العلمية، ورفض الزبونية.
س: ما هو سياق مشروع محمد أركون؟
ج: مشروع أركون يقع في سياق شديد التعقيد: وسنشير إلى بعض مظاهر هذا التعقيد.
أوله التراث التاريخي الطويل الذي كتب حول علاقة الاسلام بغيره من الديانات الأخرى، وخاصة المسيحية منذ بزوغ فجر الاسلام إلى أيامنا هذه، وهو تراث يتسم ببعض الأنحياز والتشنيع وهيمنة روح التدافع.
المظهر الثاني هو الدراسات الاستشراقية التقليدية التي تتأسس على المنهجية الفيلولوجية بصفة أخص وباستعراضات تاريخية بكيفية انتقائية، وهي أعمال كانت تتوخى البحث عن المطابقة بين النص والواقع. وهي أعمال جليلة حاولت أن تكون محايدة قدر المستطاع كما يتبين من خلال بعض أعمال الاستشراق الألماني والروسي والهولندي وأعمال بعض الفرنسيين.
لكن هذه المنهجية في نظر أركون كانت قاصرة منهجيا ووظيفيا، فالمنهجية الفيلولوجية تفيد في بعض الجوانب ولكنها تعقد أخرى.
وأما الوظيفية فهي أن هذه الدراسات لا تسهم في تطوير رؤية المسلمين للنظر إلى المستقبل بعيون فاحصة، لأن تلك المناهج كانت واقعة تحت مفهوم المطابقة.
والمظهر الثالث هو أن أعمال أركون وخصوصا أطروحته، أنجزت بعد الحرب العالمية الثانية التي تولدت عنها ثورات اقتصادية وسياسية وعلمية.
التطورات السياسية هي بداية حصول الكثير من الدول على استقلالها. ورجوع بعض المثقفين الذين ولدوا في البلاد المستعمرة إلى البلد الأم، ثم هناك الطفرة الاقتصادية التي عرفتها أوروبا في هذه الفترة خصوصا فرنسا وما خلف هذه الثورة من عتاد علمي وتقني (البنيوية صدى للآلات الصناعية).
كما أن المنتصف الثاني من القرن العشرين عرف تطورات علمية قل نظيرها. بل تكاد تكون تدشينا جديدا لإبدال مازال ينمو ويشتد ساعده يوما بعد يوم هذا. وهذا الإبدال هو ما يسمى بالعلوم المعرفية.
الإبدال أعاد النظر في علم النفس التقليدي.
- إعادة النظر في نظرة لامركزية الذات الأوروبية.
- إعادة النظر في الإبداع الأدبي والفني.
- إعادة النظر في المكتسبات العلمية السابقة.
وكل إعادات النظر هذه تولدت عنها مفاهيم وظفها الباحثون في العلوم الخالصة أو الحقة والعلوم الإنسانية والاجتماعية مثل مفهوم التناص
مفهوم الانقسام
المظهر الرابع هو استحضار العصور الزاهية والذهبية للفكر العربي الإسلامي وخصوصا بدايات الإسلام، وبعض القرون من العصر العباسي.
كل هذه العوامل المختلفة أثرت في كتابات الأستاذ أركون، وخاصة المؤسسة منها. فلذلك نجده يتحدث عن الإنسية والفكر العربي الإسلامي، بمعنى أن التراث العربي الإسلامي هو ذو أبعاد كونية إنسانية، ونجد هذه الفكرة هي أكثر وضوحا في مؤلفات محمد أركون الأخيرة وخاصة كتابه الإنسية والإسلام ويتضح هذا الأمر في تركيزه على الهلينبستية.
الخلاصة أن ثقافة البحر الأبيض المتوسط هي ثقافة مشتركة. هذه الثقافة أسهم فيها العرب والمسلمين بكيفية بارزة، وبناء على هذا فإن مصدر تراثنا هو مصدر تراث الأوروبي والعكس صحيح.
س- أركون - العروي - الجابري ماهي نقط الالتقاء ونقط التقاطع؟
ج: فكر أركون يتسم بالصدق، بمعنى أن المبادئ التي ينطلق منها مؤمن بها، ويراها معبرة عن الواقع الموضوعي الذي عرفه مجال البحر الأبيض المتوسط، في إطار تطور تاريخي وتاريخاني يعني النزعات اللاتاريخية، وهذه نقطة تجمع وما تجمع مع الأستاذ عبد الله العروي مع اختلاف في الاختيار المنهجي، وفي المضمون المتناول.
وهذا ما يشترك فيه الثلاثة (الجابري والعروي وأركون) وهي النظرة الشمولية للظواهر، ومحاولة جعل التراث معاصرا لنا ومسهما في صياغة المستقبل.
عبد الصمد تمورو أستاذ الحضارة وتاريخ وفكر وحضارة الإسلام بكلية آداب الرباط:
أركون جعل الاهتمام بالعقل مسألة مركزية لفهم الحضارة العربية والإسلامية
إن ما يجب أن نحتفظ به من إنتاج ومساهمات الأستاذ المرحوم محمد أركون ليس فقط النتائج التي توصل إليها، أي البحث عن نظرية تأملية لفهم الحدث الإسلامي وتداعياته في القرنين 20 و 21 ،لأن ذلك سيصبح قراءة من بين قراءات متعددة، ولكن ما نريد أن نركز عليه عند استحضار مجهود أركون هو الأسئلة التي طرحها أولا، ثم المنهجيات التي استعملها ثانيا وأخيرا النتائج.
ويجب أن نذكر أن النتائج في العلوم الإنسانية ليست مادية، وليست فاعلة بالشكل الذي تقوم عليه مجالات أخرى كالسياسة والتدبير المالي والقوانين وغيرها، ذلك أن المسألة في العلوم الإنسانية تبقى مفتوحة.
والاحتياط الثاني إلى جانب الاحتياط الأول الذي ذكرناه هو أنه لا يجب أن نعود إلى الوراء ونتعامل مع التراث تعاملا إيديولوجيا أو تراثيا لأننا إذاك نجعل هويتنا هوية معلقة أو شبه معلقة وسنجد بذلك من إمكانياتها عند الآخر.
ولذلك فإن ما طرحه الأستاذ محمد أركون من استعمال ذكي للتراث الأكاديمي والمنهجيات الجديدة سواء في الانتروبولوجيا أو ميدان الإسلاميات وتاريخ الأديان والإهتمام بالعلوم اللسانية وخاصة التفسير والدلالة والاهتمام بالمفاهيم الأساسية وتحليل الخطاب، وكذلك الاهتمام بالعلوم الإنسانية خاصة الجانب الاجتماعي، وماقام به الغرب من تحليل لمفاهيم الحداثة الأساسية، كالدولة والثقافة، والإنسان والتاريخ ،والحرية، وهذه مجالات يمكن الاستفادة منها والاهتداء بها في بلورة رؤية جديدة وقراءة متجددة لتراثنا القديم، على أساس أنه لا يجب أن ننسى أن الحضارة العربية الإسلامية هي من الحضارات القليلة التي يعتبر ماضيها جزءا من حاضرها، واستشراف مستقبلها، لأن المسألة الأخلاقية أو الدينية بما يترتب عليها من طرق للتفكير والفعل الاجتماعي والسياسي تنبنى على القيم الموجودة، بل إنه لا يمكن تصور الهوية الوطنية والقومية والإسلامية دون هذه المرتكزات.
كيف يمكن أن لا نجعل الحداثة أو الراهنية تتعارض مع هذه المرتكزات.
هذا هو السؤال الأساسي الذي طرحه محمد أركون وغيره.
ما يجب أن نحتفظ به سواء لأركون أو الجابري أو غيره هو إرادة فهم آليات ومرتكزات ومنتوجات العقل العربي والإسلامي باعتبار أن لهما خصوصية في إطار المسار الإنساني العام، هذا إذا ما اعتبرنا أن العقل يعنى آليات فهم وتأويل واشتغال مجموعة بشرية في فترة معينة والحلول التي انتجتها فكريا وسياسيا ... الخ) لتقنين قيمها وقوانينها وطريقة تدبير شؤونها.
بهذا المعنى فإن الاهتمام بالعقل يعتبر مسألة مركزية وضعها أركون والجابري وغيرهما كأساس لفهم الحضارة العربية والإسلامية، وعلى الباحثين أن يسيروا في هذا الاتجاه لفهم الحضارة العربية الإسلامية وعلى الباحثين أن يسيروا في هذا الاتجاه لا لمنافسة عمل هؤلاء، ولكن للاستمرار في الاهتمام بالمواضيع التي طرحوها.
وهنا يجب الاهتمام بالدراسة المفاهمة واستعادة النظرة الإيديولوجية والمواقف القطعية والمواقف التكفيرية والتزام الرصانة والصبر والعمل الدؤوب في فهم هذه الحضارة واستشراف آفاق العمل الحقيقي في ميادين أساسية، وعلى الخصوص البحث العلمي والتربية السياسية والأخلاق، في هدف أوحد هو تأهيل الإنسان.
وهنا يحضر السؤال لماذا اهتم اركون بالنزعة الإنسانية وفي الأخير إنه من غريب الصدف ومدعاة لفخرنا أن يوارى جثمان المرحوم محمد أركون بنفس المدينة ونفس المقبرة التي ووري فيها جثمان الراحل محمد عابد الجابري.
وهكذا توحدا في مجالات دراساتهما واهتمامهما بالتراث والعقل العربي والاهتمام بالتربية والتعليم والدفاع عن الإنسان كأساس لكل تنمية.
أتمنى أن يستمع المجتمع المغربي إلى أصواتهما وأن يقدرا مجهوداتهما وأن يسمع من له الإرادة الحقيقية لجعل وطننا متقدما ديمقراطيا يعيد لقاءه من ركب الحضارة بمعناه الجميل.
الاستاذ عبد السلام بنمايسة
أركون مفكر مغاربي يستحق الاعتراف والاعتزاز به
محمد أركون هو في الواقع شخصية فلسفية يجب الاعتزاز به، خدم الفلسفة رغم أنه أمضى حياته كلها في «السوربون» وأنا أعتز به كمفكر.
وبخصوص التوجهات التي يتبناها أرى من وجهة نظري أنها تتقاطع في جزء كبير منها مع توجهاتي، وهي دراسة النص الديني بمنهجية علمية، وهي الدراسة التي تعتمد على عناصر الابستمولوجيا.
والجانب الأساسي الموجود عند الاستاذ محمد أركون كونه فيلسوفا يهتم بالفكر الاسلامي بالأساس لأنه متمكن من اللغة العربية والثقافة الاسلامية بحكم تخصصه الاكاديمي في هذا الباب، وهو في نفس الوقت أيضا متمكن من اللغة الفرنسية وأرى أن المقاربة التي درس بها الفكر الاسلامي كانت مقاربة جديدة، فلم يدرس الفكر الاسلامي وفقا للطرق والمناهج الكلاسيكية، المبنية على تمجيد التاريخ والاعتزاز بالأمجاد ويرجع اليه الفضل في تكييف المناهج العلمية الحديثة المعتمدة على المنطق والابستمولوجيا في دراسة الفكر الاسلامي والنص الديني على وجه الخصوص.
فقد كان مفكرا معاصرا، وفي هذا الباب يمكن مقارنته بالجابري، إلا أن فكر اركون هو في نظري أكثر علمية رغم أن الجاري استعمل المناهج الأبستمولوجية في دراسة التراث، والمنطق ودراسة المفاهيم وطرق التحليل وغيرها وهذا توجه برز عند مفكري شمال إفريقيا منهم العروي، والجابري وأركون.
س: الملاحظ أن الجابري انتقل عبر مساره الفكري على الأقل بين ثلاثة مناهج.
أركون التزم بنفس المناهج التي انطلق بها منذ بداية مشواره وهي نفسها التي اشتغل بها طلة هذا المشوار.
ج: كما قلت إن أركون كان أكثر علمية من الجابري وان كان متمكنا من مناهج التحليل والتقويم وعلى عكس الجابري الذي كان يكتب بسلاسة كبيرة.
ورغم ذلك فالجابري فيلسوف له خصوصية في الاسلوب خاص على عكس أركون الذي كان أكثر دقة.
س: العروي وأركون: يتقاطعان في عدد من الموضوعات لكنهما يختلفان في المقاربة: الاسلام والحداثة عند العروي والانسية والاسلام عند أركون، كيف تنظرون الى هذه المسألة؟.
ج: أرى أن كلاّ من العروي وأركون شخصيتان إصلاحيتان يحاولان عصرنة الاسلام ان صح التعبير عكس البعض الذي يريد أسلمة العصرنة.
فكلا المفكرين يناديان بعصر الفكر الديني والطريقة الناجعة بعصرنته هي ادخال مناهج جديدة للتفكير والتأويل
س: هل النصوص الفكرية الاسلامية عند فلاسفة الاسلام ومثل الفارابي وابن سينا وابن رشد وغيرهم في حاجة إلى العصرنة
ج: تلك النصوص انتجت في فترة معينة، ولاشك أن الفكر له خصوصيته التاريخية وتلك النصوص لايمكن أن تكون الا نصوص قرون وسطوية ولايمكن ان تكون نصوص معاصرة ومن جهة أخرى فإن عصرنة الفكر الديني المقصود منه هو تطبيق القيم المرتبطة بالحداثة على الفكر الديني اي مزيد من المناهج الحديثة.
س: عندما نتحدث عن التراث هل نتحدث عن الفكر الديني أم عن الفكر الفلسفي؟
ج: التراث هو مجموع المتكون من الفكر الديني والفكر الفلسفي لان تراثنا كان مترابطا. ولهذا فالمقصود بالإصلاح ومراجعة التراث هو معناه أن تطبق مبادئ حداثية مرتبطة بفلسفة عصر الانوار وفلاسفة معنيين مثل روسو وكانط وغيرها وكذلك تضييق الفكر العقلاني. على هذا التراث.
س: العروي وأركون. كلاهما تشبثا بالمناهج التي اختاراها منذ الأول كيف تنظرون الى هذه المسألة ان كانت صحيحة؟
ج: فعلا إن كلا من العروي وأركون التزما بمنهجيتيهما وباختياراتهما منذ الاول.
اركون التزم بمنهجة العلمي الذي يتحرى اللحظة لكن هناك فرقا بينهما.
فالالتزام بالنهج حاضر عند المفكرين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.