طقس الجمعة.. ارتفاع في درجات الحرارة وترقب نزول قطرات مطرية ببعض مناطق المملكة    شركات عالمية تتوجه نحو منع "النقاشات السياسية" في العمل    ما الذي قاله مدرب المنتخب المغربي النسوي عن مواجهة الجزائر؟    بعد محاولة اغتياله.. زيلينسكي يقيل المسؤول عن أمنه الشخصي    إحداث منصة رقمية لتلقي طلبات الحصول على "بطاقة شخص في وضعية إعاقة"    "كونفرنس ليغ".. أيوب الكعبي يقود أولمبياكوس إلى اللحاق بفيورنتينا في النهائي    بركان تؤمن بالحظوظ في "كأس الكاف" .. ورئيس الزمالك يؤكد صعوبة المقابلة    منتخب فتيات الجزائر يتجنب الإعلام    حراس خواص يشتكون غياب الأجور    حموشي يجري مباحثات ثنائية مع عدد من نظرائه الإسبان    إحداث منصة رقمية لتلقي طلبات الحصول على "بطاقة شخص في وضعية إعاقة"    تخصيص غلاف مالي بقيمة 98 مليون درهم لتأهيل المباني الآيلة للسقوط بالمدينة العتيقة لطنجة    سعار عضال.. خيال مخابرات الجزائر في مقال    صدمة أوناحي وحارث القوية في الدوري الأوروبي    العثماني يلتقي هنية في الدوحة والأخير يطلعه على مستجدات العدوان الإسرائيلي على غزة    هل جامعات المغرب مستعدة لتعليق تعاونها مع إسرائيل كما أعربت جامعات إسبانيا؟    مديرية الأرصاد: طقس حار وقطرات مطرية مرفوقة بالرعد بهذه المناطق    موسيقى نساء تطوان بين الماضي والحاضر (1)    المحكمة الإدارية تقضي بأداء وزارة الصحة تعويضا لمتضررة من لقاح كورونا    عبد اللطيف حموشي يجري مباحثات ثنائية مع عدد من نظرائه الإسبان    حيار: إصدار بطاقة "إعاقة" لحظة تاريخية فارقة انتظرتها هذه الفئة منذ 40 سنة    نصف ولاية حكومة أخنوش.. التوازن الإصلاحي كلمة السرّ في النجاحات المحقّقة    الإيسيسكو تنظم أكثر من 60 نشاطا بجناحها في الدورة 29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط    الكعبي هداف دوري المؤتمر الأوروبي    تخصيص غلاف مالي بقيمة 98 مليون درهم لتأهيل المباني الآيلة للسقوط بالمدينة العتيقة لطنجة    تداولات بورصة البيضاء تتشح بالأخضر    وزارة الحج والعمرة السعودية تشدد في إجراءات دخول أداء المشاعر المقدسة    زعيم المعارضة في إسرائيل يدعو "نتنياهو" إلى إقالة "بن غفير"    الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قائد كبير لحماس في غزة    بوريطة: الأمن الغذائي، أولوية استراتيجية ضمن السياسة الإفريقية لجلالة الملك    الإنزال الجوي الخاطئ للمساعدات في غزة يودي بحياة 21 فلسطينيا    أخنوش يرد على الشامي: تقريرك لم يأت بجديد وحلولك غير مقنعة    السعودية تختار المغرب باعتباره الدولة العربية الوحيدة في مبادرة "الطريق إلى مكة المكرمة"    بايتاس… عدد الطلبات المتعلقة بالدعم المباشر للسكن تناهز 64 ألف طلب    الحكومة ترد على جدل أسترازينيكا.. اللقاحات في المغرب لا يتم العمل بها إلا بعد الترخيص    الدورة 22 للمهرجان الدولي لسينما التحريك بمكناس    الأمن يمنع ترويج آلاف "الإكستازي" بطنجة    "كارثة" في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا وتوخيل يصب غضبه على التحكيم    245 ألف ليلة مبيت سياحية بوجهة طنجة            مرضى السكتة الدماغية .. الأسباب والأعراض    تراجع أسعار السيارات الكهربائية لهذا السبب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    المغرب يدخل القطيع المستورد من الخارج الحجر الصحي قبيل عيد الأضحى    ارتفاع أسعار النفط مدعومة بتقلص مخزونات الخام الأمريكية    بعد اعترافها بآثاره الجانبية المميتة.. هيئة أوروبية تسحب ترخيص لقاح كورونا من أسترازينيكا    أفق جديد لسوسيولوجيا النخب    جوائز الدورة 13 لمهرجان مكناس للدراما التلفزية    متحف "تيم لاب بلا حدود" يحدد هذا الصيف موعداً لافتتاحه في جدة التاريخية للمرة الأولى في الشرق الأوسط    علم فرنسا يرفرف فوق كلية الطب بالبيضاء لتصوير "حرب العراق" (صور)    ريال مدريد يضرب بايرن ميونخ 2-1 ويتأهل رسميا لنهائى أبطال أوروبا    ملتقى طلبة المعهد العالي للفن المسرحي يراهن على تنشيط العاصمة الرباط    الحمل والدور الحاسم للأب    الأمثال العامية بتطوان... (593)    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحالف بين اليسار والجماعات الدينية في البداية وتطهير المعارضة في النهاية
الثورة الإيرانية
نشر في العلم يوم 05 - 08 - 2011

الثورة الإسلامية في إيران، هي ثورة نشبت سنة 1979 وحولت إيران من نظام ملكي، تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي، لتصبح جمهورية إسلامية عن طريق الاستفتاء. آية الله أو الإمام، كما هو معروف في إيران، روح الله الخميني يعد مؤسس «الجمهورية الإسلامية الإيرانية». وحاول العمل على مد الثورة أو ما سُمي تصدير الثورة إلى المناطق المجاورة، ويرى البعض أن قيام الحرب العراقية الإيرانية كانت من نتائج تلك السياسة، وكذلك الحرب الأهلية الأفغانية.
مظاهرات في طهران/center ثورة فريدة من نوعها
باعتبارها مفاجأة على مسرح الأحداث الدولية، وذلك من حيث السرعة التي حدث بها التغيير، وكذلك الدور القيادي للدين فيه، كما أنه كان يعتقد أن النظام محمي كما يجب من قبل الجيش والأجهزة الأمنية التي أنفق النظام عليها ميزانيات وصفت بالضخمة، إضافة إلى انعدام الأسباب الاعتيادية المعروفة للثورة، كالأزمات المالية، أو الهزائم العسكرية، أو عصيان الفلاحين، أو التمرد العسكري.
كانت نتيجة ذلك الحدث نشوء جمهورية إسلامية بقيادة عالم دين منفي يبلغ من العمر ثمانين عاماً، مدعوماً من مظاهرات متقطعة لكن شعبية، كما تؤكد التقارير التي صدرت في هذا الشأن .
الثورة تنقسم إلى مرحلتين: المرحلة الأولى دامت تقريبا من منتصف 1977 إلى منتصف 1979، وشهدت تحالفاً ما بين الليبراليين واليساريين والجماعات الدينية لإسقاط الشاه. المرحلة الثانية، غالباً ماتسمى «الثورة الخمينية»، شهدت بروز آية الله الخميني وتعزيز السلطة والقمع وتطهير زعماء الجماعات المعارضة للسلطة الدينية (بما فيها الثورة الثقافية الخمينية في الجامعات الإيرانية).
وصل الشاه محمد رضا بهلوى إلى السلطة سنة 1941 بعد عزل والده، رضا شاه، من قبل غزو تحالف القوات البريطانية والسوفياتية سنة 1941. رضا شاه رجل عسكري، معروف بتصميمه على تحديث إيران وعداؤه لطبقة المتدينين (العلماء). أمسك محمد رضا بهلوي بالسلطة حتى ثورة 1979 مع انقطاع قصير في سنة 1953؛ حين تعرض لمحاولة ثورة. في تلك السنة فر من البلاد لفترة وجيزة بعد صراع على السلطة نشأ بينه وبين رئيس وزرائه محمد مصدق الذي قاد حملة لتأميم حقول النفط في البلد وسيطر على القوات المسلحة. وتم عبر انقلاب العسكري قيل إنه رعته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والاستخبارات السرية في عملية سرية أطلق عليها اسم عملية آجاكس، الإطاحة بحكومة محمد مصدق واعتقاله وإعادة الشاه إلى العرش.
وظهرت شخصية زعيم الثورة الإيرانية أول مرة أوائل عام 1963 لقيادة المعارضة التي تحركت ضد برنامج الإصلاحات الذي أعلنه الشاه والمعروف باسم «الثورة البيضاء»، التي شملت إعطاء حق التصويت والإقتراع للنساء، وتغيير قوانين الانتخابات التي أتاحت انتخاب ممثلين للأقليات الدينية للبرلمان وإجراء تعديلات على قانون الأحوال الشخصية، الذي يمنح المرأة المساواة القانونية في الزواج، وتوزيع ممتلكات بعض رجال الدين الشيعة. في العام التالي نشبت أعمال شغب بعد أن اعتقل الخميني ثلاثة أيام على أثر تصريحه بأن الشاه «رجل بائس سيء»، وقد واجهت الشرطة أعمال الشغب تلك مستخدمة القوة المفرطة، (أعلنت تقارير الحكومة سقوط 86 قتيلا، فيما ادعت المعارضة أن الرقم يصل إلى الآلاف. التقارير التي أعدت بعد قيام الثورة أشارت إلى أن أكثر من 380 لقوا مصرعهم على يد الشرطة. وضع الخميني تحت الإقامة الجبرية لمدة 8 شهور ثم أفرج عنه، وتابع التحرك ضد الشاه بخصوص علاقته مع إسرائيل، وخصوصا «تنازلات» الشاه لتمديد الحصانة الدبلوماسية لعسكريين أميركيين. أعيد اعتقال الخميني في نونبر 1964 وأرسل إلى المنفى وبقي فيه لمدة 14 عاما حتى قيام الثورة.
تبعت ذلك فترة من «الهدوء الساخط»، قام فيها البوليس السرى سافاك بقمع المعارضة، ولكن بوادر الصحوة الخمينية بدأت بتقويض فكرة التغريب التي انتهجها نظام الشاه فظهر جلال آل أحمد الذي وصف نهج التغريب ب((غرب زدجي)) أي (طاعون الحضارة الغربية) وعلي شريعتي، وكذلك تفسير مرتضى مطهري التبسيطي للتشيع، كل ذلك حاز على أتباع ومريدين وقراء والمؤيدين. ويبرز بين هذه القيادات الخميني الذي طور ونمى وروج لنظرية مفادها «أن الإسلام يتطلب حكومة إسلامية يتزعمها ولي فقيه»، أي كبار فقهاء القانون الإسلامي.
أضافت إلى قوة المعارضة الدينية، في حين ظنت بقية المعتدلين واليساريين والميليشيات المسلحة الأخرى أن الستار سيسدل بعد الثورة وسقوط الشاه على الخميني وأعوانه وأن هذا التيار اليساري سيسطر على الساحة، ولكن الخميني لم يعطهم الفرصة وسيطر على الحكم.
الأوضاع قبل الثورة
في أكتوبر سنة 1971 حلت ذكرى مرور 2500 عام على إنشاء الإمبراطورية الفارسية، وقد دعيت شخصيات أجنبية وعربيه للحفل الذي استغرق ثلاثة أيام مليئة بالتبذير المفرط، قدم فيها أكثر من طن من الكافيار، وجلب 200 طاه من فرنسا لإعداد الولائم. بلغت التكاليف الرسمية للحفل 40 مليون دولار، لكن تقديرات أخرى تشير إلى أن المبلغ تراوح ما بين 100 - 120 مليون دولار، في وقت رزحت فيه ولايات ومحافظات بلوشستان وسيستان وحتى فارس، وهي المناطق التي أجريت فيها الإحتفالات، تحت وطأة جفاف وقحط وفقر.
وفي أواخر سنة 1974 وبدل أن تعمل الطفرة النفطية على إنتاج «حضارة عظيمة» كما وعد الشاه، فقد دقت جرس التضخم والهدر و»الفجوة المتسارعة» بين الأغنياء والفقراء، والريف والمدينة.
بات القوميون الإيرانيون غاضبين من عشرات آلاف العمال الأجانب المهرة الذين جاؤوا إلى إيران لتشغيل المعدات العسكرية الأمريكية باهظة التكاليف، والتي لم تحظ بدعم أو قبول شعبي، والتي أنفق الشاه مئات الملايين من الدولارات.
في العام التالي أسس الشاه حزباً جديداً سماه «رستاخيز» (أي البعث أو النهضة)، لم يكن «رستاخيز» الحزب الوحيد الذي يمكن للإيرانين الإنتساب إليه فحسب، بل كان لزاماً على كل إيراني بالغ أن ينتسب إليه، ويدفع رسومه. المحاولات التي بذلها هذا الحزب لاتخاذ موقف شعبي لصالح حملات «مكافحة الاستغلال» لم تكن ذات ضرر اقتصادي فحسب، لكنها أتت بنتائج سياسية عكسية أيضاً، فظهرت السوق السوداء عوض التضخم وتراجع النشاط التجاري، وغضب التجار وفرت رؤوس الأموال.
في سنة 1976، أثارت حكومة الشاه غضب «تقاة المسلمين» الإيرانيين بتغيير بداية السنة الإيرانية، من سنة الهجرة النبوية إلى سنة اعتلاء سايروس العرش الفارسي، إيران قفزت بين ليلة وضحاها من سنة 1395 للهجرة إلى سنة 2535 الملكية، وفي السنة نفسها أعلن الشاه التقشف الاقتصادي بهدف كبح التضخم والهدر، البطالة الناجمة عن ذلك أثرت سلباً على آلاف المهاجرين إلى المدن، وهم ضعاف وغير مؤهلين لأي حرفة أو صنعة.
في سنة 1977، دخل رئيس أمريكي جديد إلى البيت الأبيض، كانت الأمال تحدو جيمي كارتر لتغيير صورة الولايات المتحدة المرتبط بحرب فيتنام، وتغيير السياسة الخارجية، فأنشأ مكتباً خاصاً لحقوق الإنسان، وجه «مذكرة مؤدبة» إلى الشاه بينت فيها أهمية الحقوق السياسية والحريات. واستجاب الشاه بالعفو عن 357 سجيناً سياسياً في فبراير، وسمح للصليب الأحمر بزياره السجون، في مسعى للبدء بطور من التحرر. ما بين أواخر الربيع مروراً بالصيف وإلى بدايات خريف ذلك العام أسست المعارضة الليبرالية منظمات أصدرت من خلالها رسائل مفتوحة تدين فيها النظام. وفي وقت لاحق من ذلك العام التقت مجموعة معارضة (رابطة الكتاب) دون أن تقوم الشرطة بتفريقها كما جرت العادة.
في تلك السنة توفي المفكر علي شريعتي (تشير بعض المزاعم أنه تعرض للتصفية على يد الشرطة السرية السافاك) مما أزال أي منافس محتمل لثورة الخميني.
وفي أكتوبر توفي مصطفى ابن الخميني، وفي حين يعتقد أن الوفاة نجمت عن أزمة قلبية، إلا أن المجموعات المعارضة للشاه ألقت بالمسؤولية على السافاك، وأتهمتهم بتسميم مصطفى واعتبر «شهيداً»، صلاة الجنازة على روحه في طهران عادت بالخميني إلى دائرة الضوء، وبدأت صيرورة تحول عبرها الخميني إلى قائد المعارضة المناوئة للشاه.
الإحتجاج
أتت أولى مظاهر المعارضة من الطبقة الوسطى في المدن، وهم فئة من السكان كانواً من العلمانيين نسبياً وأرادوا بناء ملكية دستورية وليس جمهورية إسلامية، ومن أبرز هؤلاء مهدي باذرخان من «حركة تحرير إيران»، وهي حركة ليبرالية إسلامية معتدلة كانت وثيقة الصلة بالجبهة الوطنية التابعة لمحمد مصدق، وقت لاقت هذه المجموعة دعماً كبيراً في إيران ومن الغرب.
انقسم رجال الدين وتحالف بعضهم مع الليبراليين العلمانيين وآخرون مع الماركسيين والشيوعيين، الخميني الذي كان منفياً في العراق، عمل على أن تتوحد المعارضة الدينية والعلمانية والليبرالية والأصولية تحت قيادته، وذلك عبر تجنب الخوض في التفاصيل، على الأقل علنا، فتلك قد تفرق بين الفصائل.
عملت مختلف المجموعات المناهضة من الخارج، في الأغلب من لندن وباريس والعراق وتركيا. خطابات قادة هذه الجماعات سجلت على أشرطة تسجيل ليتم تهريبها إلى إيران ليستمع إليها الكثيرون من الأميين من السكان.
كانت الجماعات الإسلامية أول من نجح في حشد المناصرين ضد الشاه. في كانون الثاني/يناير 1978 أوردت الصحافة الرسمية قصة تشهير هاجمت فيها الخميني، وخرجت جموع غاضبة من الطلاب والزعماء الدينيين احتجاجا على تلك الإدعاءات في مدينة قم، وأرسل الجيش لتفريق المتظاهرين مما أدى لمقتل بعضهم، يزعم البعض أن عدد القتلى تجاوز 70 طالباً.
وفقا للعادات الشيعية يجرى حفل تأبين في ذكرى مرور أربعين يوماً من وفاة شخص ما، وأطلقت المساجد في كل البلاد الدعوى للمشاركة في تكريم الطلاب القتلى، واستجابت عدة مدن للنداء وسارت المظاهرات تكريماً للقتلى واحتجاجاً على حكم الشاه، هذه المرة وقعت أعمال عنف في تبريز، وقتل المئات من المتظاهرين، وتكررت الحلقة مرة أخرى في 29 آذار/مارس، حيث وقعت جولة جديدة من الإحتجاج في سائر البلاد، وهوجمت الفنادق الفارهة ودور السينما والبنوك والمكاتب الحكوميه ومدارس البنات وغيرها من رموز نظام الشاه، وتدخلت قوات الأمن مرة أخرى، وقتل الكثيرون، وتكرر الأمر نفسه في العاشر من مايو/أيار.
في مايو/أيار، اقتحمت فرق الشركة منزل رجل دين سياسي وقيادي معتدل يدعى كاظم شريعتمداري، وأردت أحد أتباعه قتيلاً بالرصاص أمام ناظريه، على إثر ذلك تخلى شريعتمداري عن صمته وانضم إلى المعارضة. حاول الشاه إرضاء المتظاهرين عبر تخفيف نسب التضخم، وتوجه بالمبادرات إلى بعض رجال الدين المعتدلين، وعزل رئيس السافاك، ووعد بإجراء انتخابات حرة في شهر يونيو اللاحق، ولكن العمل على خفض التضخم عن طريق تقليل النفقات تسبب في ارتفاع نسبة البطالة، خصوصاً في صفوف الشباب غير المؤهلين للعمل كما يجب والذين يعيشون في أحياء فقيره في المدن.
في صيف سنة 1978، خرج هؤلاء العمال الذين ينحدرون في الغالب من أصول ريفية تقليدية إلى الشوارع في أعداد حاشدة، في حين أعلن عمال آخرون الإضراب. هكذا ومع حلول نوفمبر/تشرين الثاني كان الاقتصاد قد أصيب باللشلل جراء الإضرابات.
الإطاحة بنظام الشاه
استمر العنف ليحصد أكثر من 400 شخص قضوا في حريق سينما ريكس، وهو حريق متعمد وقع في غشت في عبدان، ورغم أن دور العرض السينمائي كانت هدفاً مستمراً للمتظاهرين الإسلاميين فقد بلغ انعدام ثقة الجماهير بالنظام، وبلغت فعالية المعارضة في العمل والتواصل حداً جعل الجماهير ترى أن السافاك كان وراء الحادث في محاولة منه لتطويق المعارضة. في اليوم التالي تجمع 10.000 من أقارب القتلى والمتعاطفين لتشييع جماعي حاشد ومظاهرة تنادي (ليحترق الشاه) و(الشاه هو المذنب).
مع حلول سبتمبر، كانت البلاد مزعزعة على نحو شديد، وتحولت المظاهرات الحاشدة إلى أحداث منتظمة، فرض الشاه الأحكام العرفية، وحظرت كل التظاهرات. وفي يوم الجمعة 8 سبتمبر 1978، خرجت مظاهرة حاشدة للغاية في طهران، إنها المظاهرة التي حولت ذلك اليوم إلى ما بات يعرف اليوم باسم الجمعة الأسود.
بلغت الإحتجاجات ذروتها في ديسمبر 1978، خلال شهر محرم أحد أهم الشهور لدى المسلمين الشيعة. وفي 12 ديسمبر خرج إلى شوارع طهران نحو مليوني شخص ملئوا ساحة أزادي (شاهياد) مطالبين بإزالة الشاه وعودة الخميني.
في 16 يناير 1979 غادر الشاه والملكة إيران نزولاً عند طلب رئيس الوزراء الدكتور شابور بختيار، الذي كان لفترة طويلة زعيم المعارضة، وظهرت مشاهد الإبتهاج العفوي، ودمرت خلال ساعات «كل رموز سلالة بهلوي»، وأعلن بختيار حل البوليس السرى (سافاك)، وأفرج عن السجناء السياسيين، ووعد بانتخابات حرة وأمر الجيش بالسماح للمظاهرات الشعبية. وبعد عدة أيام من التوقف سمح بعودة الخميني إلى إيران وطلب إليه تأسيس دولة مثل الفاتيكان في قم، ودعا المعارضة للمساعدة على الحفاظ على الدستور.
الخميني يتسلم السلطة
كانت المرحلة الثانية من الثورة مرحلة إسلامية الطابع، وبعد انتصارها الآن هناك ابتهاج كبير في إيران جراء سقوط الشاه، لكن الصمغ الذي أبقى مختلف التيارات الثورية الدينية والليبرالية والعلمانية والماركسية والشيوعية التي عارضت الشاه فقد مفعوله.
مجموعات كثيرة تتنافس كلها على السلطة ولدى كل منها تفسيرات مختلفة لأهداف الثورة:
في السنة الأولى للثورة كان هناك مركزان للسلطة: الحكومة الرسمية والمنظمات الثورية، رئيس الوزراء مهدي باذركان الذي عينه الخميني، عمل على إنشاء حكومة إصلاحية ديمقراطية، في حين عملت بشكل مستقل كل من المجلس الثوري المكون من الخميني وأتباعه من رجال الدين، والحرس الثوري، والمحكمة الثورية، والخلايا الثورية المحلية التي تحولت إلى لجان محلية. وفي حين راح رئيس الحكومة (المؤقتة) باذرخان يطمئن الطبقة الوسطى، بات من الواضح أن سلطة اتخاذ القرارات النهائية هو في الهيئات الثورية وفي المجلس الثوري على وجه الخصوص، وفيما بعد الحزب الثوري الإسلامي. ازداد التوتر بين السلطتين بدون شك، رغم أن كلتيهما وضعت وأقرت من قبل الخميني.
في يونيو، أعلنت حركة الحرية مشروع الدستور، وأشارت إلى إيران باعتبارها جمهورية خمينية، يتضمن مجلس صيانة يتمتع بحق نقض التشريعات المتعارضة مع الإسلام، لكن دون وصي فقيه حاكم، أرسل الدستور إلى «مجلس الخبراء» المنتخب حديثاُ ليعرض أمام أعضاءه الذين حاز حلفاء الخميني على الغالبية بينهم، رغم أن الخميني كان قد أعلن بأن الدستور «صحيح» إلا أنه هو والمجلس أعلنوا رفضهم له، وصرح الخميني بأن الحكومة الجديدة يجب أن تكون قائمة «بنسبة 100 % على المذهب الشيعي».
وضعه مجلس الخبراء دستورا جديدا أوجد من خلاله منصب القائد الأعلى للخميني، ومنحه السيطرة على الجيش والأجهزه الأمنية، والحق في نقض المرشحين للمناصب، كما أقر الدستور بانتخاب رئيس جديد يتمتع بصلاحية أضيق، لكن المرشحين يجب أن يحوزوا على الموافقة المباشرة من القائد الأعلى (عبر مجلس صيانة الدستور)، وقد أصبح الخميني نفسه رئيسا للدولة مدى الحياة باعتباره «قائد الثورة»، وعندما تمت الموافقة على الدستور في استفتاء أجري في كانون الأول/ديسمبر 1979 أصبح «المرشد الروحي الأعلى»، وتقدم رئيس الوزراء في تشرين الثاني/نوفمر إثر شعوره بالضعف وخلافه مع ما آلت إليه باستقالته.
معارضة الثورة
بادرت قيادة الثورة في البداية إلى إعدام كبار الجنرالات، وبعد شهرين أعدم أكثر من 200 من كبار مسؤولي الشاه المدنيين بهدف إزالة خطر أي انقلاب، وأجرى قضاة الثورة من أمثال القاضي الشرعي صادق الخلخالي محاكمات موجزة افتقرت إلى وكلاء للدفاع أو محلفين أو إلى الشفافية، ولم تمنح المتهمين الفرصة للدفاع عن أنفسهم، ومن بين الذين أعدموا بدون محاكمة (عملياً) أمير عباس هوفيدا، رئيس الوزراء السابق لإيران، أما الذين هربوا من إيران فليسوا محصنين، فبعد مرور عقد اغتيل في باريس رئيس الوزراء الأسبق شابور بختيار، وهو واحد من ما لايقل عن 63 إيرانيا قتلوا أو جرحوا منذ الإطاحة بالشاه.
من أوائل شهر مارس استشعر الديمقراطيون بخيبات الأمل المنتظرة عندما أعلن الخميني «لاتستخدموا هذا المصطلح (الديموقراطية)، إنها مفهوم غربي». في منتصف شهر آب/أغسطس تم إغلاق عشرات الصحف والمجلات المعارضة لفكرة الحكومة الخمينية، استنكر الخميني غاضبا الإحتجاجات ضد إغلاق الصحافة، وقال «كنا نظن أننا نتعامل مع بشر، من الواضح أن الأمر ليس كذلك». بعد نصف سنة بدأ قمع المعارضة الخمينية المعتدله المتمثلة في حزب الشعب الجمهوري، واضطهد العديد من كبارها، ورموزها منهم شريعتمداري الذي وضع تحت الاقامة الجبرية. وفي آذار/مارس 1980 بدأت «الثورة الثقافية»، أغلقت الجامعات التي اعتبرت معاقل لليسار مدة سنتين لتنقيتها من معارضي النظام الديني. في تموز/يوليو فصلت الدولة البيروقراطيه 20.000 من المعلمين و 8.000 تقريبا من الضباط باعتبارهم «متغربين» أكثر ممايجب.
استخدم الخميني أحيانا أسلوب التكفير للتخلص مع معارضيه، وعندما دعا قادة حزب الجبهة الوطنية إلى التظاهر في منتصف عام 1981 ضد القصاص، هددهم الخميني بالإعدام بتهمة الردة «إذا لم يتوبوا».
منظمة مجاهدي خلق هي واحدة من المنظمات المعارضة للحكم الثيوقراطي الديني في إيران، وخلافا لمعظم أطراف المعارضة في إيران اعتمدت منظمة مجاهدي خلق الكفاح المسلح. في شباط/فبراير 1980 هاجم رجال مجموعة حزب الله مراكز اجتماعيه ومكتبات ومنابر مجاهدي خلق وعدد من اليساريين الذين يديرون النشاط اليساري في الخفاء. نفذت منظمة مجاهدي خلق مجموعة من التفجيرات والإغتيالات أدت إلى مقتل نحو 70 شخص في مراكز الحزب الإسلامي الجمهوري في يونيو/حزيران 1981، واغتيل في العام ذاته كل من الرئيس محمد علي رجائي ورئيس الوزراء محمد جواد باهونار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.