لم يكن رد الحكومة على مطالب النقابات مفاجئا، بل إن الجميع كان ينتظر منها أن تتملص كعادتها من تحقيق مطالب الطبقة العاملة وعلى الأخص في شقها المالي، مبررة ذلك بالميزانية العامة وبضيق ذات اليد، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن فاتح ماي 2014، وكيف سيمُر، فهناك طبقة عاملة تحتفل بعيد الشغل وهي تعلم مسبقا أن مطالبها ستصطدم بصخرة كبيرة من الرفض. بل إنها ستظل مجرد صرخة في واد. رد الحكومة على مطالب الطبقة العاملة سينحصر إذن في الإحاطة بالجوانب الاجتماعية للطبقة العاملة التي يُعتبر همها الرئيسي هو الزيادة في الأجور، لمواجهة نيران الإتهامات المتوالية في الأسعار. ويبدو أن الحكومة وكأنها قد ارتضت الانخراط في متاهات يستعصي عليها الانفلات منها، وهي بذلك لن تستطيع تلبية بل حتى الالتفات لهذا النوع من المطالب. المتاهات كثيرة، منها الفساد الذي وضعته حكومة بنكيران كغول مخيف آلت على نفسها أن تحاربه بكل الوسائل، لكن ما يلاحظ أنها استأنست به حتى أضحى مثل الحيوانات الأليفة الداجنة التي تتعايش معها. فكيف يعقل ان يقف رئيس الحكومة مكتوف الأيدي أمام عشرات ملفات الفساد التي تطفو على السطح من حين لآخر، وهي بالملايير، بل كيف يمكن التعامل مع شعار «عفا الله عما سلف» الذي أصبح من الشعارات الخالدة لبنكيران، لتشجيع الفاسدين والمفسدين،لو أن الحكومة شمرت على ساعد الجد لفتح حملة لاسترجاع الملايير المنهوبة، لنجحت في توفير مبالغ هامة لتلبية مطالب العمال المادية. ولو أن الحكومة توقفت عن شراء مئات السيارات لتعزيز حظيرتها رغم أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد تكاد تخنق الأنفاس، لتمكن بنكيران من توفير مقابل هذه السيارات للاستجابة لبعض مطالب الطبقة العاملة. ولو أن بنكيران أراد سلوك أقصر طريق لتوفير هذه الأموال لحارب الصفقات الغامضة، فهل يعقل قبول صفقة بمائة مليار لتشييد بناية للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية؟! ولو أن بنكيران أراد تلبية مطالب الطبقة الشغيلة لعمل على ممارسة صلاحياته لوقف نزيف استعمال سيارات الدولة في المصالح الشخصية، ولما اكتفى بإصدار المراسيم والقرارات التي تدعو إلى عدم استعمالها لهذه الأغراض. ولو أن بنكيران أراد الاستجابة لمطالب العمال لما وقع على جملة من القرارات والمراسيم التي تصب في خانة «زيد الشحْمة في ظهر المعلوف»، مثل ما أقدم عليه أخيرا عندما أمر بصرف 20 ألف درهم شهريا للعمال، ونقصد هنا عمال الأقاليم كتعويض عن السكن. وإذا كان بنكيران يريد فعلا توفير بعض من المال لتحقيق بعض مطالب العمال لالتف إلى الصناديق السوداء وإلى مقالع الرمال والأحجار وإلى مصادر تحقيق الريع، وإلى ما يقع في العديد من المؤسسات العمومية التي تحولت إلى امبراطوريات خاصة لجهات نافذة تحقق من خلالها، نرجسيتها، وكأنها أضحت ملكا خاصا لها. إنها بعض الأمثلة عن مكامن الفساد ومواقع الخلل التي لن تستطيع الحكومة الخروج من متاهاتها دون أن تمتلك الشجاعة لمواجهتها، إنها ليست عفاريت أو تماسيح بل هي أمور مادية ومحسوسة، تشير إلى الفساد المنبعث منها، وهو فساد يزكم الأنوف، لهذا فإن عيد الشغل لسنة 2014 لن يخرج عن كونه تذكيرا من الطبقة العاملة بمطالب عجزت الحكومة عن تحقيق بعض منها.