كنا نود ان يطل علينا وزير التربية الوطنية عبر وسائل الاعلام بمناسبة الدخول المدرسي ليضع المواطنين في الصورة الحقيقية لأوضاع التعليم ويبسط للرأي العام مختلف المشاكل التي تعترض الحكومة في هذا الشأن ، ويعرض اقتراحاتها لمواجهة هذه المشاكل ، لكنه ارتأى أن يكتفي بتصريحات وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة , الذي جاء في تصريحاته عقب الاجتماع الأسبوعي بان الدخول المدرسي لهذا الموسم مر في ظروف جيدة وعادية . ونحن هنا لا نعلم ما اذا كان هذا الدخول عاديا او جيدا ، ام هو عادي في بعض الأقاليم وجيد في أقاليم اخرى ؟ ربما لا يعلم السيد رشيد بالمختار انه لن يجد من يتفق معه على وصف الدخول المدرسي الحالي بالجيد والعادي ، وان جل المهتمين والملاحظين يرون ان مستوى التعليم يتجه الى الانحدار وان لم تتلقفه أيدي الإصلاح عاجلا فانه سيصل الى الهاوية بعد ان اصبح التعليم في بلادنا بلا لون ولا طعم ولا رائحة . وان البنك الدولي أكد في تقرير اصدره منسق التنمية البشرية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا ان ضعف جودة التعليم بالمغرب , يمثل أحد العوامل التي تفسر ضعف نتائج سوق الشغل بالمغرب. وأن البنك المذكور لاحظ ان القروض التي منحها للمغرب للنهوض بقطاع التعليم لم تستعمل بكيفية ناجعة . بل ان المجلس الأعلى للتعليم وفي اول حرجة لرئيسه انتقد جودة التعليم من خلال تقرير سوداوي . وان من جملة المؤاخذات على هذا القطاع كثرة المتدخلين في هذه العملية ، مما ينطبق معه المثل المغربي الدارج «يدو ويد القابلة ، يخرج الحرامي اعوج» لدرجة ان نسبة هامة من تلامذتنا أصبحوا عاجزين عن كتابة جملة مفيدة في اخر مراحل دراستهم الابتدائية مما كان ينذر بتنزيل الطريقة «العيوشية» المشؤومة. وانه بعد حوالي ستين سنة من استقلال المغرب مازال المغرب يتراجع الى أسفل سافلين ليحتل مكانة متميزة في قائمة الدول التي تعرف اكبر نسبة للأميين. ونحن لا نرى هذا الدخول المدرسي عاديا او جيدا، انما نرى تلامذتنا الصغار يساقون الى المدارس مثل فئران تجارب تخضع لاختبارات ومخططات عسى ان تؤتي أكلها . وكيف لدخول مدرسي ان يكون جيدا بل وحتى عاديا في الوقت الذي مازالت العشرات بل المئات من المؤسسات التعليمية لم يتوصل مديروها بأسماء رجال ونساء التعليم. المعينين فيها لتكليفهم بالأقسام ؟. وكيف لدخول مدرسي يمكن وصفه بالجيد وعشرات المدارس شرعت في استقبال التلاميذ رغم عدم جاهزيتها إذ أنها تفتقر الى الماء والكهرباء والمراحيض ؟. وكيف لهذا الدخول المدرسي ان يكون جيدا أمام ضعف التجهيزات والوسائل التعليمية من سبورات وطباشير ومعدات مخبرية لأقسام العلوم وأجهزة المعلومات وتهالك البنايات وغياب الإصلاح والترميم وافتقاد اغلب المدارس للمرافق الصحية وتجاهل الشركاء وخاصة جمعيات آباء وأولياء التلاميذ واقصائهم الفعلي من التسيير ؟. وكيف لدخول مدرسي جيد أن يتم أمام إخضاع التوجيه المدرسي قسرا لمعطيات الخريطة المدرسية وإلغاء رأي مجالس الأقسام في تقرير التوجيه مع المساس بمكتسبات الاستقرار في الوظيفة العمومية لتجويد الأداء والاستعاضة عنه بمبدأ { التكليف بمهمة } الذي أنهى الارتباط العاطفي والإنساني بين المدرس ومدرسته وتلاميذه ومحيطه الصغير في المدرسة وجعله كيانا وظيفيا بلا مشاعر ولا أحاسيس تربوية مجرداً من كل عاطفة ازاء مقر عمله ؟. وكيف لهذا الدخول المدرسي ان يكون عاديا امام التأثير السلبي للقرارات الحكومية بشأن الإحالة على المعاش على البنية النفسية لرجال ونساء التعليم المحالين على المعاش , وعلى أولئك الذين يترقبون القرار الانفرادي لرئيس الحكومة برفع سن التقاعد الى 65 سنة وفرض إجراءات لا إنسانية وغير اجتماعية ؟. وكيف لدخول مدرسي ان نصفه بالجيد مع سيادة التعاقد في تدبير المرفق العمومي للمدرسة المغربية في عدد من الخدمات دون تحقيق شرط الكفاية سواء في الحراسة او الامن او الطبخ والتنظيف وشؤون الداخليات اضافة الى المساعدة الفنية لهيئة الادارة التربوية ؟ وكيف لهذا الدخول المدرسي ان يكون عاديا امام عجز الحكومة على التغلب على مشكل الهدر المدرسي رغم الميزانية المرصودة لهذا الغرض . وكيف له ان يكون جيدا ومستقرا مع استمرار الادارة في التماطل في دراسة طلبات استعطاف التلاميذ لإصدار قرار بشأن قبول او رفض عودتهم الى أقسامهم بعد فصلهم بسبب التكرار؟ وهل يجوز تربويا عودتهم الى فصولهم بعد انصرام أشهر على انطلاق الدراسة ؟. وكيف ننعت دخولا مدرسيا بالعادي وقد تم تكديس التلاميذ في أقسام يصل عددهم في القسم أكثر من 40 في الوقت الذي توجد فصول فارغة وأساتذة فائضون ؟. وكيف لدخول مدرسي ان نصفه بالعادي بعد ان فتح وزير التربية الوطنية معركة أخرى مع رجال ونساء التعليم عقب اتخاذ قرار منعهم من مواصلة دراستهم الجامعية في أفق سد الطريق في وجه مطالبهم بالترقية عن طريق الشهادات الجامعية ، وإلزام كل راغب في الترقية اجتياز الامتحانات المهنية؟. وهل هذا الدخول المدرسي يعتبر عاديا والحكومة لم تجرؤ على فتح ملف التعليم الخاص الذي فرض سطوته وسلطته على الأسر المغربية بالشروط المالية المجحفة التي أرقت آباء وأولياء تلامذة هذا القطاع؟. وهذا كان من نتائج إفراغ الحكومة المدارس العمومية من محتواها ومصداقيتها ؟. الآباء وأولياء الأمور والملاحظون والأساتذة وكل الفاعلين مستاؤون متذمرون يائسون غير واثقين من نتائج اي إصلاح في قطاع التعليم ، ومازال الجميع يرى ان أطفالنا التلاميذ ليسوا سوى فئران تجارب ، ويكاد الجميع ان يجزم ان هناك نية مبيتة تدفع بقطاع التعليم الى الحضيض . لهذا كله نعلن بكل صراحة للسيد وزير التربية الوطنية اننا نعتبر ان الدخول المدرسي الحالي هو خروج مدرسي بامتياز وليس له من الدخول الا الاسم .