مرة أخرى يتم تسريب مشروع القانون المالي لسنة 2015 قبل أن يعرض على الجهة الدستورية التي يجب أن يعلن منها، و من جديد سيرد رئيس الحكومة الأستاذ عبدالإلاه بنكيران بأنه غير مسؤول عن هذا التسريب وربما سيقسم يمينا من جديد أنه لو عرف هوية الوزير الذي كان مسؤولا عن هذا التسريب لن يبقى يوما واحدا في الحكومة. يتذكر الرأي العام الوطني أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها تسريب وثائق رسمية تكتسي طابع السرية و يتم تسريب وقائع و أخبار، و لعل أبرز حالة التسريب كانت في البداية الأولى لحكومة الأستاذ عبدالإلاه بنكيران و كانت بذلك مؤشرا عما سيأتي لاحقا حينما تم تسريب مشروع التصريح الحكومي قبل عرضه على أنظار المؤسسة التشريعية قبل تنصيب الحكومة الحالية و جاء رئيس الحكومة يقسم بأغلظ أيمانه بأنه لو عرف هوية الوزير الذي سرب المشروع لن يبقى في حكومته. والحقيقة أن رئيس الحكومة كان يكتفي بهذا القسم كمجرد مسكنات و مساعدة الرأي العام على هضم وجبة سيئة جدا، لأنه لو كان رئيس الحكومة آنذاك صادقا في قسمه لبادر بفتح تحقيق دقيق في التسريب إلى غاية إكتشاف المسؤول المباشر عن التسريب، لكن شيئا من ذلك لم يحدث و مر الحادث بما شجع على استفحال التسريب وتحفيز الوزراء أنفسهم على الانخراط في حروب شرسة ضد بعضهم البعض من خلال تسريب كل ما يسيء إلى بعضهم البعض. الآن تم تسريب وثيقة دستورية و سياسية مهمة من جديد، ولنا أن نضع هذا الحادث في سياقاته الطبيعية. فإما أن رئيس الحكومة غير مسؤول عن هذا التسريب تماما و أن الذي قام بهذا التسريب أساء فعلا لرئيس الحكومة قبل أن يسيء إلى نفسه وبذلك فإن الأستاذ عبدالإلاه بنكيران هو المتضرر الأول مما حدث، وأن التسريب كان ولا يزال الهدف منه إضعاف الحكومة وإحراج رئيسها، و بذلك يكون الخصوم السياسيون لبنكيران أصابوا الحكومة الحالية في معصمها . قراءة من هذا القبيل تعني أيضا- إذا سلمنا بها- أن حكومة الأستاذ عبدالإلاه بنكيران مخترقة من الداخل و أن جميع أسرارها مستباحة للجميع، و أن هوية المخترق أوالمخترقين ليسوا إلا أعضاء في هذه الحكومة و قد يكونون اقترفوا ما اقترفوه بسبب حسابات سياسوية ضيقة أو بسبب غضب من ظلم لحق قطاعهم في هذا المشروع، إن هذا الاحتمال يبقى واردا مهما حاولنا استبعاده. أما الإحتمال الثاني فيكمن في تعمد رئاسة الحكومة أو الحزب الأغلبي في هذه الحكومة إهانة المؤسسات الدستورية و احتقارها خصوصا البرلمان باعتباره الساحة السياسية الرئيسية التي يتلقى فيها رئيس الحكومة و حزبه الأغلبي الضربات الموجعة . وهذا يعني أن الوثيقة الدستورية سربت عن سبق إصرار وترصد وأن هناك أهدافا غير معلنة من هذا الفعل اللاأخلاقي لحكومة تفتقد فعلا إلى الوازع الأخلاقي في تعاملها مع المؤسسات و الأشخاص. ومن الطبيعي أن يبقى رئيس الحكومة محل إدانة واضحة ما لم يأمر بفتح تحقيق نزيه فيما حدث. وإن إحجام رئيس الحكومة و إصراره على عدم فتح تحقيق مرة أخرى لاعتبارات واهية جدا يعني أنه مسؤول مسؤولية مباشرة ويجب عليه أن يعلن تحمل هذه المسؤولية. أخيرا فإن التسريب لا يعني في أية حال من الأحوال إدانة لوسيلة الإعلام التي نشرت الوثيقة، لأن الوسيلة قامت بواجبها في النشر وأن الصحافة في نهاية المطاف هي السبق في نشر الأخبار.